سورة البقرة 002 - الدرس (6): تفسير الآيات (86 - 12) الخطر الكبير الذي يهدد المسلمين هو النفاق والمنافقينن

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات"> سورة البقرة 002 - الدرس (6): تفسير الآيات (86 - 12) الخطر الكبير الذي يهدد المسلمين هو النفاق والمنافقينن

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج خطبة الجمعة: خطبة الجمعة - بئس الضجيع - الشيخ توفيق الصايغ           برنامج اخترنا لكم من أرشيف الإذاعة: اخترنا لكم - ضوابط التفاؤل - د. أحمد السيد           برنامج موعظة ورباط: موعظة ورباط - 17 - موعد تحرير فلسطين - د. راغب السرجاني           برنامج خواطر إيمانية: خواطر إيمانية - 438 - شد الرحال للأقصى - الشيخ محمد ماهر مسودة           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 398 - سورة المائدة 032 - 033           برنامج من كنوز النابلسي 2: من كنوز النابلسي - 163 - أنا عند ظن عبدي بي         

الشيخ/

New Page 1

     سورة البقرة

New Page 1

تفسير القرآن الكريم ـ سورة البقرة - (الآيات: (8 - 12) - الخطر الكبير الذي يهدد المسلمين هو النفاق والمنافقين)

20/03/2011 17:36:00

تفسير سورة البقرة (002)
الدرس (6)
تفسير الآيات (8-12)
الخطر الكبير الذي يهدد المسلمين هو النفاق و المنافقين
 
لفضيلة الدكتور
محمد راتب النابلسي 
 

 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ،  واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الأخوة الكرام ، مع الدرس السادس من سورة البقرة ، ومع الآية الثامنة .
 
المؤمن والكافر و المنافق :
 
أيها الأخوة ، بيَّن الله جلَّ جلاله في مطلع هذه السورة الكريمة صفات المؤمنين في آياتٍ قليلة ، وبيَّن صفات الكافرين في آيتين ، وبيّن صفات المنافقين في ثلاث عشرةَ آية ، لماذا ؟ لأن المؤمن واضح ، والكافر واضح ، المؤمن كان جريئاً آمن بهذا الدين العظيم ، وقبض الثمن ، ضَحَّى قليلاً وأخذ كثيراً ، والكافر كان جريئاً ردَّ الحق ودفع الثمن ، المؤمن مُنسجم مع نفسه ، والكافر منسجم مع نفسه ، المؤمن منسجم مع الحقيقة ومع نفسه ، الكافر غير منسجم مع الحقيقة لكنه مُنسجم مع نفسه ، فالمؤمن واضح والكافر واضح .
لكن الإنسان الخطير هو المنافق ، لأنه غامض ، له ظاهر ، وله باطن ، له موقف معلن ، وله موقف باطن ، له شيءٌ يفعله في جلوته ، وله شيءٌ يفعله في خلوته ، علانيته ليست كسريرته ، فالمنافق خطر ، والمؤمن واضح ، والكافر واضح أيضاً ، المؤمن انسجم مع الحقيقة ومع نفسه ، كان جريئاً وقبل الحق ، وضحَّى وقبض الثمن ، والكافر انسجم مع نفسه فقط ، كان جريئاً ، ورد الحق ، ودفع الثمن ، المؤمن كلُّه خير ، كله عطاء ، كله إكرام ، كله إحسان . الكافر شَرُّه محدود لأنه مكشوف ، أذاه محدود لأنه ظاهر ، الناس يتقونه لأنه كافر .. أما المنافق فخطره كبير ، لأنه يوهم المؤمنين أنه مؤمن وهو مع الكُفَّار ، لذلك قال تعالى :
﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ (145) ﴾ .
 
( سورة النساء )
 أخذ المنافق ميزات المؤمنين ، وعومل كما يُعامَل المؤمنون ، أخذ كل امتيازاتهم لأنه أظهر الإيمان ، واستفاد من الكُفَّار ، وغَشَّ المؤمنين ، لذلك فهو في الدَرْك الأسفل من النار ، وصف الله المؤمنين في بضع آيات ، وفي آيتين فقط وصف الله الكافرين ، وفي ثلاث عشرة آية وصف الله المنافقين .
 
النفاق أخطر شيءٍ في حياة المؤمنين :
 
أيها الأخوة ، يبتلي الله عزَّ وجل المؤمنين ابتلاءاتٍ متعددة ، يبتليهم فيمنحهم القوة ، ويبتليهم فيضعفهم ، المؤمنون مبتلَوْنَ حينما يظهرهم الله على أعدائهم ، ومبتلون حينما يستضعفون ، فإذا كان الابتلاء استضعافاً كَثُرَ الكفار ، لأنهم لا يخافون أحداً .. وإذا كان البلاء قوةً كثر المنافقين ، و في مكة المكرَّمة لم يكن هناك منافقون ، لأن الإنسان يكفر جهاراً ، ويتَّهم النبي جهاراً ، ويقول : إنه مجنون ، وإنه ساحر ، وإنه شاعر، وإنه أَفَّاك ، وينام مطمئناً في بيته ، ولا يناله أحد بأذى ، لأن المؤمنين ضِعاف ،  يكثر الكافرون مع ضعف المؤمنين ، أما في المدينة فقد أصبح للمؤمنين شَوْكَة ، وهم قوة ، لذلك كثر المنافقين ، المنافق كافر لكنه رأى من مصلحته أن يَنْضَمَّ إلى المؤمنين صـورةً وأن يتعاون مع الكافرين حقيقةً ، لذلك أخطر شيءٍ في حياة المؤمنين النفاق ، المؤمن كما قلت قبل قليل واضح ، والكافر واضح ، المؤمن انسجم مع الحقيقة ، ومع نفسه ، وكان مصدر عطاءٍ للخلق ، والكافر انسجم مع نفسه فقط ، لا مع الحقيقة ، شره محدود ، لأن هويّته معلنة ، المؤمن جريء آمن بالحق ، وضحَّى ، وقبض الثمن ، والكافر جريء ، ردَّ الحق وكسب بعض المكاسب المؤقَّتة ، ودفع ثمنًا باهظاً ، لكن المنافق متلوِّن لا إلى هؤلاء ، ولا إلى هؤلاء .
﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ (15) ﴾ .
(سورة البقرة)
 
من رُقِيّ النفس أن يتهمها صاحبها دائماً بالنفاق :
 
أيها الأخوة الكرام ، من رُقِيّ النفس أن يتهمها صاحبها دائماً بالنفاق ، اتهام ، قال أحد التابعين الأجِلاَّء : التقيت أربعين صحابياً ما منهم واحدٌ إلا وهو يظن نفسه منافقاً ، فالمؤمن يتقلب في اليوم الواحد بأربعين حالاً خشية النفاق ، والمنافق يَثْبُتُ على حالٍ واحد أربعين عاماً ولا يشعر أنه منافق ، النفاق ازدواج ، النفاق حالة من حالات انفصام الشخصية ، له شخصيتان ، يتظاهر مع المؤمنين بالتقوى والصلاح ، ويطرح أسئلة فقهية دقيقة جداً ، يسألك مثلاً : حبة سُمسم بقيت بين أسنانه ما حكم صيامه يا أستاذ ؟ تجده ظاهراً يغلي ورعاً ، وله معاصٍ كبيرةٌ جدًّاً يغفلها ، كلما جلس مع المؤمنين طرح عليهم أسئلة كثيرة ، وفتاوى ، وقضايا ، ليظهر أمامهم أنه مؤمن ، وليأخذ امتيازات المؤمنين ، وليكسب مكاسِبَهُم ، أما هو في الحقيقة فمع الكافرين ، يقول الله جلَّ جلاله : ومن الناس من يقول .. بلسانه .. والقول سهل :
﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ (8) ﴾ .
والله عزَّ وجل كَذَّبَهُم ، فقال :
﴿ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) ﴾ .
 
الإنسان لا يقيّم بأقواله بل بأفعاله :
 
لا يقيّم الإنسان بأقواله بل يقيَّم بأفعاله ، فكم ممن يقول لك : أنا مؤمنٌ باليوم الآخر ، فإذا بحثت في أعماله لم تجد عملاً صالحاً واحداً يؤكِّد إيمانه باليوم الآخر ، وإذا بحثت في حياته الخاصَّة لم تجد عملاً واحداً يُنبئُ عن أنَّه يخاف النار ، يأكل المال الحرام ، يجلس مع نساءٍ لا يحللن له ، يعتدي على حقوق الآخرين ، على أعراضهم ، على أموالهم ، إما صراحةً أو ضمناً بالكذب ، والغش ، والاحتيال ، ويحقق مصالحه ، ويَدَّعي أنه مؤمن ، والإيمان بريءٌ منه ، مثلاً استطاع رجل أن يُخَلِّص بيتاً ثمنه سبعة ملايين  بسبعمئة ألف ، بأساليب ملتوية غير شرعية ، وهو يرتاد المساجد . ترك دانقٍ من حرام خيرٌ من ثمانين حَجَّةً بعد حجة الإسلام .
فالنفاق أخطر شيء في حياة المؤمنين ، ازدواج الشخصية ، انفصام الشخصية ، موقف معلن ، وموقف خفي ، شيءٌ يفعله أمام الناس ، وشيءٌ يفعله فيما بينه وبين نفسه ، سريرته ليست كعلانيته ، خلـوته ليست كجلْوته ، شيءٌ يفعله في بلده فإذا سافر فعل شيئاً آخر ، وكم من امرأةٍ محجَّبةٍ تـراها في الطائرة جاءت من بلدٍ الحجاب فيه إلزامي ، فلما ركبت الطائرة خلعت كل شيء ، وكأنها لا تؤمن بشيءٍ من الدين ، هذا نفاق ، يلاحظ الإنسان هذا الازدواج في حياته ، إذا كان يفعل فعلاً أمام الناس مقبولاً ويفعل خلافه فيما بينه وبين نفسه ، فهذه حالة من النفاق ، ولا تنسوا أيها الأخوة أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ، أخطر شيءٍ في حياة المؤمن أن تَزِلَّ قدمه إلى النفاق .
 
أنواع النفاق :
 
 
ولكن لا أكتمكم أن هنـاك من النفاق ما هو ضعفٌ في الإيمان ، أو ضعفٌ أمام الشهوات ، هذا المنافق الذي انطلق من ضعفٍ في اليقين ، وضعفٍ في الإرادة ، لعل الله سبحانه وتعالى يُعالجه فيأخذ بيده إلى الإيمان ، وهناك حالاتٌ كثيرة ممن عاصروا النبي عليه الصلاة والسلام كانوا منافقين فتاب الله عليهم ، ولكن النفاق الذي يُنْتَفع به لمكاسب دنيوية ـ كما قلت في الدرس الماضي ـ حينما ينتفع الإنسان بالكفر ، وحينما يتخذ الكفر وسيلةً لمكاسب مادية ، هذا الكافر يصبح مع الكافرين :
﴿ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) ﴾ .
والمنافق الذي أصله كافر كفراً اعتقادياً ، وكفراً سلوكياً ، وهو مع المؤمنين في ظاهره ، هذا أيضاً لا ينتفع بأية موعظةٍ يتلقَّاها ..
﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ (8) ﴾ .
قول .
 
النفاق تمثيل متقن جداً  :
 
الله عزَّ وجل يقول :
﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (19) ﴾ .
( سورة محمد )
ما قال : فقل ، القول سهل ، وكل إنسان ذكي ، والآن التمثيل في هذا العصر متفوِّق تفوِّقاً كبيراً ، فأذكى الأذكياء يُتْقِن التمثيل ، وبإمكانه أن يوهمك أنه مؤمن ، بكلام ، وبحركات ، وبسكنات ، وبتصرفات ، وبمواقف ، وما هو كذلك ولا سيما في موضوع الزواج ، هو يوهم أنه صالح ، تقي ، ونقي ، وعفيف ، و بعد القِران يظهر لك إنساناً آخر ، وهي توهمه أنها تحفظ كلام الله ، ولها شيخةٌ تأخذ عنها العلم ، وتخاف من الله ، وتتحجَّب أمامه ، فإذا دخل وقتٌ آخر رأيتها امرأة أخرى ، فالتمثيل الآن متقن جداً ، أي أن الخبرات التمثيلية في أعلى درجة ، والتمثيل نفاق في الحقيقة ، أوضح شيء أن الممثل قد يأخذ دور إنسان صالح ، وهو كذلك ، وقد يأخذ دور إنسان سيّئ ، وهو كذلك ، على كلٍ هناك إتقان للأدوار ، فالنفاق ، والتمثيل يلتقيان ، المنافق ممثل ، والنفاق أنواع ، والتمثيل أنواع ، وهناك تمثيل متقن جداً ، وتمثيل غير متقن .
 ذكرت لكم مرة أنه تمثيلية في معهد شرعي عن سيدنا بلال ، وعن أمية بن خلف : هو مَن عذب سيدنا بلالاً ، وكان مالكه في الجاهلية ، كيف يعذِّبه ويقول بلالٌ : أحدٌ أحد ، فهذا الذي يمثل دور أمية ، قال له : لن أرفع عنك العذاب حتى تكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ، طبعاً تمثيل غير متقن ، لأنه قال : صلى الله عليه وسلم ، المنافق ممثِّل ، ممثل ذكي جداً .
 
أعمال الإنسان تؤكد مكانته :
 
الآن ..
﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) ﴾ .
يقيّم الإنسان من أعماله فقط ، أعماله تؤَكِّدُ مكانته ، لذلك تجد إنساناً يؤمن بشيء علانيةً ، ولكن أفعاله لا تؤكد ذلك ، ليس في فعل المنافق فعلٌ واحد ، يؤكد أنه مؤمن بالجنة ، هو لا يعمل لها .. وليس في فعل المنافق فعلٌ واحدٌ يخاف من مؤمن يؤكد أنه بالنار ، لأنه لا يتقيها .. هؤلاء الذين ينغمسون إلى قمة رؤوسهم في المال الحرام أين هي الجنة والنار في حياتهم ؟ والله لو أن الإنسان آمن أن هناك ناراً سيدخلها إلى أبد الآبدين لعدَّ إلى المليون قبل أن يأكل درهماً حراماً ، ولو آمن أن هناك حساباً عسيراً ..
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93) ﴾ .
(سورة الحجر)
﴿ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10) ﴾ .
(سورة المدثر)
 
الإيمان عمل و التزام :
 
حينما لا تجد في عمل الإنسان عملاً يؤكِّد أنه يتقي النار ، ولا تجد في عمل الإنسان عملاً يؤكِّد أنه يرغب في الجنة فهذا نوعٌ من النفاق ، وحينما تستقر حقيقة الإنسان في قلب المؤمن تُعَبِّرُ هذه الحقيقة عن ذاتها بخدمة الآخرين ، يتحرك نحو خدمة الخلق ، يحاسب نفسه حساباً دقيقاً ، إذاً الإيمان عمل ، والإيمان التزام ..
﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا (72) ﴾ .
( سورة الأنفال )
الإيمان حركة ، لا يوجد إيمان سكوني أبداً ، مؤمن ساكن !! مؤمن مقيم على معصية !! ومؤمن لا يعمل الصالحات !! ليس هذا مؤمناً ، الإيمان الحقيقي ما أكَّده العمل ، الإيمان إقرارٌ باللسان ، وعملٌ بالأركان ، والإيمان ما استقر في القلب ، وصدَّقه اللسان ، وأكَّده العمل ، قناعةٌ في القلب ، وإقرارٌ باللسان ، وعمل بالأركان ، هذا هو الإيمان ، لذلك قوله تعالى :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ (7) ﴾ .
( سورة البينة )
ورد أكثر من مئتي مرة قارناً العمل الصالح بالإيمان : ﴿ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ (7) .
 
الله جلَّ جلاله كَرَّم المؤمنين فجعل عدوهم عدواً له وجعل إكرامهم إكراماً له :
 
 
﴿ يخادعون الله ﴾ ، والحقيقة هم يخادعون المؤمنين ، لم يؤمنوا بالله إيماناً يحملهم على طاعته ، فهم يخادعون المؤمنين ، ولكن الله جلَّ جلاله كَرَّم المؤمنين فجعل مخادعتهم مخادَعةً له ، وجعل عدوهم عدواً له ، وجعل إكرامهم إكراماً له ..
﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ (53) ﴾ .
( سورة الزمر)
الياء ياء النسب ، هذه نسبة تشريف وتكريم ، شرَّف الله المؤمن بأن نسبه إلى ذاته ، لذلك المنافق يُخادع المؤمنين فقط ، لكن الله عزَّ وجل جعل مخادعة المؤمنين مخادعةً له ، فعدوّ المؤمن عدوٌ لله ، والذي يُخادعه يخادع الله ، والذي يُكْرِمُه يكرم الله ، " من أكرم أخاه فكأنما أكرم ربه " ، من أكرم أخاه المؤمن فكأنما أكرم ربه ، وهذا أعلى أنواع التشريف..
﴿ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) ﴾ .
 
من حرم نفسه الخير فقد خدعها :
 
كيف خدعوا أنفسهم ؟ حرموها الخير ، فلو أن إنساناً يوجد معه كيلو من المعدن الخسيس ، الرخيص جداً لا يساوي ليرة ، أقنع الناس بذكاء وبجهدٍ جهيد ، وبحِيَل  أن هذا المعدن ذهب ، فصدقه الناس ، وأكبروا هذه الثروة ، من الخاسر ، الناس أم هو ؟ طبعاً هو وحده الخاسر ، لأنه اطمأن إلى قناعتهم ، وهو في الحقيقة لا يملك شيئاً ، كذلك المنافق يخدع المؤمنين ، ويشعر بنشوة أنه استطاع أن يخدعهم ، وأن يقنعهم أنه مؤمن .. وماذا إذا أقنعتهم ؟ أنت لست مؤمناً .. ولا تأخذ من امتيازات المؤمنين شيئاً  أقنعتني في النهاية أنَّك تحمل أعلى شهادة ، وأنت لا تقرأ ولا تكتب ، هل تستطيع أن تنتفع بأميتك ؟ أقنعتني بجلسةٍ عابرة أن معك شهادة عليا ، وأنت لا تقرأ ولا تكتب ، هل تستطيع أن تنتفع بأُمِّيَّتِك ؟ لا تنتفع بها أبداً ، إذاً كيف يخادعون أنفسهم ؟ فالمنافق هو ارتاح عندما أقنع المؤمنين أنه مؤمن ، ونجحت الخطة ، ولكن ما قيمة هذا النجاح ؟ نجحت  خطتك لكنك لست مؤمناً ، لن تنجو من عذاب الله ، ولا من عقابه .. ولا من تأديبه ،  لن تنجو من إتلاف مالك ، ولا من تأديبٍ في صحتك ، ولا من تأديبٍ في أهلك ، ما أخذت شيئاً من ميزات المؤمنين ، أقنعتهم أنك مؤمن وصدَّقوك ، أنت في الحقيقة تخدع نفسك ، مثلك كالنعامة حينما يتبعها عدوٌ لها فتغمس رأسها في الرمل ، عندئذٍ لا ترى ، هل هي ذكيَّة ؟ هي في منتهى الغباء ، فحينما غمست رأسها في الرمل فلم تراه ، اطمأنت فجاء عدوها ، وقد ثبتت في مكانها فأكلها ، هل خدعت عدوها ، أم خدعت نفسها ؟ طبعاً خدعت نفسها .
 
علاقة كل إنسان مع الله عز وجل :
 
الملخَّص أنك إذا استطعت أن تخدع الناس ، وأن توهمَهم أنك مؤمن ، والناس ببساطة أو بسذاجة صدقوك ، وأثنوا على إيمانك ، وأنت لست كذلك ، فعلاقتك مع الله ، وسوف يعرضك الله عزَّ وجل لامتحاناتٍ صعبةٍ ولعقاباتٍ شديدةٍ ، ولن تأخذ شيئاً من امتيازات المؤمنين ، فمن خدع الآخر ؟ قال الابن لأبيه : أنا أقنعك أن هؤلاء ثلاث دجاجات ، وهي في الواقع دجاجتان ، قال له أبوه أنا سوف آكل واحدة ، وسوف تأكل أمك واحدة ، وأنت كُل الثالثة .. كلام فارغ لا معنى له..
﴿ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) ﴾ .
إنهم ساذَجون ، أغبياء ، أوهمتني أنك مؤمن وأنت لست مؤمناً ، ماذا حققت ؟ علاقتك مع من ؟ مع الله ، وأبلغ شيءٍ في هذا أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
(( لَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ )) .
[ البخاري ومسلم عن أم سلمة]
طليق اللسان ، سريع البديهة  يقلب الحق إلى باطل ، بذكاءٍ بارع .. جاء أحدهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأقنعه بشيء فحكم له النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال :
(( لَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ فَلَا يَأْخُذْهَا )) .
[ البخاري ومسلم عن أم سلمة]
لم يستفد شيئاً ، هذا معنى قوله تعالى :
﴿ وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) ﴾ .
 
الله عز وجل يحول بين المرء و نفسه و يعلم خواطره و نواياه و بواعثه وأهدافه :
 
لو دُعيت إلى طعام نفيس جداً ، وأنت في درجة عالية من الجوع ، فأوهمت الذي دعاك أنَّك أكلت طعاماً أنفس من هذا قبل قليل ، فقال لك : إذاً لا تؤاخذني فلا تكثر منه ، أنت خدعته أم هو الذي خدعك ؟ ماذا استفدت من هذا الكلام ؟ حرمت نفسك من هذا الطعام ، أوهمته أنك أكلت طعاماً نفيساً قبل قليل ، وأنت من يومين لم تأكل ، والطعام طيِّب جداً ، عندما أوهمته فكفَّ هو عن دعوتك إلى الطعام ، وجلست أنت تتلوى جوعاً ، والطعام النفيس أمامك ، من خدع الآخر ؟ أنت خدعت نفسك فقط .
﴿ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) ﴾ .
﴿ وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) .. هذا هو الغباء بعينه ، وهذا هو الحُمق بعينه ، لا تتظاهر بما ليس فيك ، علاقتك مع الله ، لا تخفى عليه خافية ، أنت مكشوفٌ أمامه تماماً ، خواطرك يعلمها ، يحول بين المرء وقلبه ، خواطرك ، نواياك ، بواعثُك ، أهدافك ، طموحاتك ، احتيالك ..
﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) ﴾ .
(سورة إبراهيم)
علاقة الإنسان مع الله وحده ولن ينجو من عذاب الله إلا بطاعته :
 
والله أيها الأخوة ، أرى كل يوم إنساناً يُقْنِع الناس بشيء ، وهو على خلاف ذلك ، فيسقط ، ولا ينجو من عذاب الله أبداً ، ولن ينجو ، نقيم حفلاً ، عقد قرانٍ ، ندعو كل العلماء ، والعلماء ببساطةٍ يقفون ويثنون على هاتين الأسرتين الكريمتين الأصيلتين إلخ .. والأسرتان ليستا كذلك ، لو أن إنساناً مدحك هل تنجو من عذاب الله ؟ يقولون لك : دعونا فلاناً ، وألقى كلمة ، وفلاناً ألقى كلمة ، فلما صار العرس ، نساءٌ كاسيات عاريات ، وزِّعَت الخمور ، وجيء بالراقصات ، وجيء بالمصوِّرين ، قبل يومين ، عقد الرجال .. أسرتان عريقتان ، أصيلتان ، والطيبون للطيبات ، وبعد يومين النساء كاسيات عاريات ، والخمور توزَّع ، والراقصات ترقص ، وكل المعاصي والآثام في هذا العقد.. أنت حينما أتيت بهؤلاء ليلقوا كلمات ماذا فعلت ؟ أوهمت الناس أنك جيد ، أنك صالح ، علاقتك مع الله وحده ، ولن تنجو من عذاب الله إلا بطاعته ، وأما إيهامك للناس أنَّك مؤمن هذا لا يقدِّم ولا يؤخِّر .
تروى طرفة عن شخص دخل على محامٍ .. فكر المحامي أنه إذا  أجرى أمام الشخص عدة مكالمات هاتفية يعلو في نظره كثيراً ، فاتصل مع شخصيات مهمة ، القضية نجحت ، القضية نجحت ، نجحت ، ثم سأل المحامي الشخص عن حاجته ، فقال له : لقد أتيت لكي أصل لك سلك الهاتف .. ولأنه لم يكن عنده هاتف !! ممكن أن تتكلم كلاماً ، فتتوهم أنك ارتفعت ، في الحقيقة سقط الإنسان .
﴿ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) ﴾ .
 
الصدق منجاة من عذاب الله تعالى :
 
إذا علم المنافق أنه منافق فليس منافقاً ، المشكلة أنه لا يشعر ، يظن نفسه ذكياً ، عاقلاً ، شاطراً بالتعبير الدارج ، وهو ليس كذلك ، لا توهم أحداً بشيء ، لتكن علاقتُك بالله صادقة ، كن مع الله صادقاً ، أَخْلِص دينك يكفك القليل من العمل .
تخلّف سيدنا كعب بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما عاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة خطر في بال كعب أن يعتذر له كما يعتذر المنافقون ، قال : فلما حضر النبي عليه الصلاة والسلام ووقف بين يديه ، وقال : والله يا رسول الله لو جلست إلى أحدٍ من الناس لخرجتُ من سخطه ، فقد أوتيت جدلاً ..(و أنا طليق اللسان ومعي حجة).. ولكنني أخشى أن أرضيك اليوم كذباً ، فيسخِّطُك الله علي ، وأرجو إن صدقتك اليوم أن يعفو الله عني ، رأى الله وحده ، ما أراد أن يخدع رسول الله ، ثمانون منافقاً أعطوه حججاً قويةً ، وأعذاراً قويةً ، والنبي استغفر لهم ، ووكل سرائرهم إلى الله ، فلما جاء كعب وكان صادقاً معه فقال : أما هذا فقد صدق ، بكلمة أما هذا فقد صدق فكل هؤلاء الذين اعتذروا أمامه ، وقَبِل اعتذارهم في الظاهر ، ووكل سرائرهم إلى الله ، ولم يكونوا صادقين ، قال : أما هذا فقد صدق ، الصدق منجاة ، فكن صادقاً ، وليس معنى ذلك بأن تفضح نفسك ، لست مكلفاً أن تفضح نفسك ، ولكن لا تظهر بشيء خلاف ما أنت عليه ، واسأل الله السلام ، واسأل الله الستر ..
﴿ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ (10) ﴾ .
مرض .
 
حبّ الدنيا رأس كل خطيئة :
 
حدَّثْتُكم في الدرس الماضي أن متاعب أمراض القلب تبدأ بعد الموت ، وإلى أبد الآبدين .
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) ﴾ .
 (سورة الشعراء)
﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ (10) ﴾ .
حب الدنيا مرض ، حب الدنيا يعمي ويصِم ، حب الدنيا رأس كل خطيئة ، لكن ليس من حب الدنيا أن يكون لك بيت تشتريه بمالك الحلال ، ليس هذا من حب الدنيا ، وأن تحب أن تقترن بامرأةٍ صالحة ، ليس هذا من حب الدنيا ، و أن تحب أن يكون لك دخلٌ حلال ، ليس هذا من حب الدنيا ، حب الدنيا ما حملك على العدوان ، وعلى أخذ ما ليس لك ، على أن تعتدي على أموال الآخرين ، وعلى أعراضهم ، وأن تنافس الناس على الدنيا ، وأن تحطِّمَهُم من أجل مصلحتك ، هذا هو حب الدنيا الذي هو رأس كل خطيئة ..
﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ (10) ﴾ .
 
تفاقم أمراض النفس لأن الإنسان في الأساس حركي ديناميكي :
 
تتفاقم أمراض النفس لأن الإنسان في الأساس حركي .. ديناميكي .. إن عمل عملاً طيباً قاده لعملٍ أطيب ، وإن عمـل عملاً سيئاً قاده لعملٍ أسوأ.. نظرةٌ ، فابتسامةٌ ، فسلام ، فكلامٌ ، فموعدٌ ، فلقاء ..
﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا (32) ﴾ .
( سورة الإسراء )
﴿ لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ (21) ﴾ .
(سورة النور )
 فالإنسان حركي فإذا مرض قلبه فإن هذا المرض ينقله إلى مرضٍ آخر ، مثلاً يوجد في قلبه مشكلة ، أدوية القلب تَرَكَت قرحةً في المعدة ، فمرض القلب نقله إلى مرضٍ في المعدة ، تطورت القرحة إلى ورمٍ خبيث في المعدة .. انظر بدأ بمرض في القلب فانتقل إلى المعدة ثم انتقل إلى ورم خبيث ، هذه الحالات كثيرة جداً .. المرض ينتقل إلى مرض أشد دائماً ، حتى في المركبات إذا كان هناك خطأ ينتقل لخطأ أكبر ، فرضاً إنسان هبط ضغطه ، فإذا بقي الضغط منخفضاً ست ساعات فإن الكلية تتوقف ، كان بالضغط أصبح بالكلية ، هذه طبيعة الأمراض ، الأمراض تتفجَّر من مرض إلى مرض ، ارتفع السكر .. فقد بصره .. ارتفع السكر .. خثرة في الدماغ .. سببت الخثرة شللاً ، الشلل سبب تقرحاً في الجلد ..
 
حياة الكافر سلسلة انفجارية :
 
﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا (10) ﴾ .
من مرض إلى مرض ، كان بالنظر فأطلق البصر ، إطلاق البصر نقله إلى الحديث اللطيف مع الجنس الآخر ، نقله الحديث إلى لقاء ، واللقاء انتهى به إلى الزنا ، والزنا انتهى به إلى السجن ، ثم إلى مرض الإيدز ، بدأ من نظرة .. هكذا سمعت أن سائقاً ركبت معه امرأة .. سألها: إلى أين ؟ قالت له : إلى حيث تشاء ، فهِم ، وعدَّ هذا مغنماً كبيراً ، وبعد أن انتهى أعطته رسالةً ، وظرفاً فيه مال ، فتح الظرف .. وجد خمسة آلاف دولار .. ورسالة مكتوب فيها : مرحباً بك في نادي الإيدز ، نقلت له المرض ، ذهب ليصرف المبلغ ، فإذا هو مزور ، فأودِع في السجن .
﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا (10) ﴾ .
 حياة الكافر سلسلة انفجارية ، يأكل مالاً حراماً ، يسرق ، يتورَّط مع السرقة إلى جريمة قتل ، حكموه ثـلاثين سنة .. انتهى .. بدأ بالسرقة وانتهى بالقتل ، لا يُصلي ، طَلَّق زوجته لسبب تافِه ، طلقها وعنده خمسة أولاد.. هي أصرت ألا ترجع .. ذهبت إلى أهلها ، واعتصمت بهم ، بقي أولاده بلا مربية ، كان في شيء ، وصار في شيء آخر ، الكافر أعمى ، والمنافق أعمى ينتقل من طور إلى طور ، حياته كلَّها متفجِّرات ، وألغام ..
﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا (10) ﴾ .
 
الكذب أكبر صفة تُهلك الإنسان :
 
معنى آخر :
﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ (10) ﴾ .
 
وهو حب الدنيا ..
﴿ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا (10) ﴾ .
حينما أصرَّوا عليها أطلقهم الله إليها ، كانت شهوةً بإمكانهم أن يتوبوا منها فصارت واقعاً ..
﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) ﴾ .
عذاب أليم ، فأكبر صفة تُهلك الإنسان هي الكذب ، ورد في الحديث الصحيح :
(( يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلالِ كُلِّهَا إِلا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ )) .
[أحمد عن أبي أمامة رضي الله عنه ]
 لا يمكن للمؤمن أن يكذب أبداً ، ولا أن يخون ، قد يُخْطئ المؤمن فهو مذنب توَّاب ، أما أن يكذب فلا .. أن يخون مستحيل ..
(( ألا لا إيمان لمن لا أمانةَ له ، ولا دين لمن لا عهد له)) .
[رواه البغوي عن أنس رضي الله عنه ]
﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) ﴾ .
عذابهم أليم لأنهم يخدعون الناس ..
 
الخطر الكبير الذي يهدد المسلمين هو من أدعياء الدين لا من أعداء الدين :
 
الحقيقة أيُّها الأخوة : من أين تأتي الأخطار للمسلمين ؟ من أنفسهم ، لأن الحق لا يتعدد ، والحق واحد ، مستحيل أن تقع معركةٌ بين حقَّين  أبداً ، فالحق لا يتعدد ، وإن وقعت معركةٌ بين حقٍ وباطل ، فالمعركة قصيرة جداً ، لأن الله مع الحق ، أما بين باطلين فإن المعركة لا تنتهي ، وأكبر خطر يُهَدد المسلمين ليس من أعداء الدين .. فأعداء الدين مكشوفون .. وإنما الخطر هو من أدعياء الديّن ـ المنافقون ـ .
الأخطار التي أهلكت المسلمين ليست من أعداء الديّن ، بل من أدعياء الديّن ، والأعداء أيُّها الأخوة أعداء المسلمين في العالَم ، ولاسيما في العالَم الغربي كشفوا أن هذا الديّن أقوى وأكبر من أن يُواجَه ، ماذا فعلوا ؟ أرادوا أن يفجِّروه من داخله عن طريق المنافقين ، فكل إنسان يغيِّر في عقيدة المسلمين ، يُحل لهم الحرام ، يحرِّم عليهم الحلال ، يُبتدع في الدين شيئاً ما أنزل الله به من سلطان ، هذا منافق يفجِّر الديّن من داخله ، والآن الخطة واضحة جداً ومكشوفة ، يحاول أعداء الديّن أن يفجِّروا حياة المسلمين من داخلهم ، كم من أعمالٍ إرهابية ما فعلها المؤمنون ، ولكن فعلها المنافقون ليُّشوِّهوا سمعة الدين ، وليجعلوا المسلم إرهابياً ، وهو أبعد الناس عن هذه الصفة أبداً ، دائماً يتهددنا  الخطر من المنافقيّن ، هؤلاء يندَّسون بين المؤمنين ، ويفعلون ما لا تُحمدُ عُقباه ، والحديث عن هذا الموضوع طويل ، فكم من أعداء ألِدَّاء للدين تزيّوا بزي المؤمنين ، وفعلوا أعمالاً إجرامية أُلصقت بالمؤمنين ، هذا سلوك واضح متكرر مكشوف ، لذلك الخطر الكبير الذي يهدد المسلمين ليس من أعدائهم ، فأعداؤهم مكشوفون ، ..الحـق لا يتعدد .. إنما هـو من المنافقين الذين يرضون المؤمنين ..
 
المؤمن يقرِّب و يصل والمنافق يبعد ويقطع :
 
مثال ذلك : إذا قلنا قولهم : .. القرآنٌ الكريم ، إنه كلام رب العالمين ، لكن قطع اليد وحشية ، لا بدّ من وسيلة ردعٍ أخرى غير قطع اليد ، ماذا فعلوا ؟ هدِّموا أحكام القرآن ، هل غاب عن الله عزّ وجل أن هذه الوسيلة وحشية ، ولا بدَّ من وسيلة أخرى ؟ أي حينما يتزيّا الإنسان بزي الدين ، ويهاجم القرآن ، يهاجم السنة ، يهاجم رسول الله بشكل أو بآخر ، إما بادعائه الموضوعية ، أو بالبحث العلمي الدقيق ، أو بالنظرة الحضارية ، هذا منافقٌ يهدِّم الدين بمعولٍ خطير تحت هذه الأغطية المضحكة ، وهو لا يشعر ، لذلك فالخطر القاسي الذي يهدد المؤمنين هو من أدعياء الدين لا من أعداء الدين ، وللإمام الشافعي كلمة تناسب هذا المقام يقول : " لأن أرتزق بالرقص أهون من أن أرتزق بالدين " .
الارتزاق بالرقص ارتزاق ، ولكن الراقص لا يُقتدى به أبداً ، أما هذا الذي يرتزق بالدين يوهم الناس أنه مؤمن ، يوجِّه النصوص لمصلحته ، يأخذ المال الذي لا يحق له أن يأخذه ، يعطي أسوأ سمعةٍ للناس حول الديّن ، فإذا انصرف الناس عن الدين فبسبب هذا الإنسان المنافق الذي نفَّر الناس من الدين ، المؤمن يقرِّب ، والمنافق يبعد ، المؤمن يصل ، والمنافق يقطع ، المؤمن يحبِّب ، والمنافق ينفِّر ، المؤمن يوصل ، المنافق يقطع ..
﴿ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ (27) ﴾ .
(سورة البقرة : آية " 27 " )
المؤمن يَقَرِّب ، المنافق يُبَعِّد ..
 
مهمة المنافق دائماً إفساد النفوس و البيئة :
 
﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) ﴾ .
هذا الماء غير فاسد ، لأنه لا لون له ، ولا طعم ، ولا رائحة ، كيف نفسده ؟ إذا غيَّرنا لونه ، أو طعمه ، أو رائحته ، وإفساد الشيء إخراجه عن صفاته الأساسية ، إفساد الفتاة إخراجُها عن العِفَّة والحياء ، إفساد الموظَّف إخراجه عن خدمة المواطنين ، إفساد القاضي إخراجه عن العدل ، إفساد الطبيب إخراجه عن النصح للمريض ، إفساد المُحامي أن يكذب على موكِّليه ، إفساد المدرِّس أن يعطي المعلومات الصغيرة في وقتٍ مديد ، أي لم يعلمهم شيئاً ، أخذ مبلغاً من المال ولم يُعلِّم شيئاً ، فكل حرفة ، وكل شخصية ، وكل هوية لها طريقٌ قويم ، ولها طريقٌ فاسد ، فالمنافق يريد شهوات الدنيا فيفسد المرأة بإغرائها أن تُسْفِر ، وأن تعرض مفاتنها للناس في الطريق ، يُغْري إنساناً أن يأخذ المال الحرام ، (عندك أولاد والناس كلّها هكذا ).. أفسدهم ، فالمنافق مهمَّته دائماً إفساد النفوس ، أو حتى إفساد البيئة ، إفساد الهواء ، إفساد الماء ..
﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ (11) ﴾ .
 
الإنسان مأمور أن يزيد الصلاح صلاحاً :
 
الحقيقة الإنسان مُكلَّف أن يزيد الصلاح صلاحاً ، مثلاً : بئر ماء هناك احتمال أن يتهدم ، ننزل فيه قميصاً معدنياً ، فالبئر صالح للاستخدام لكنك زدته ، المؤمن يزيده الصلاح صلاحاً ، أما لو أبقيته كما هو ما أفسدته ، أما لو هدمته فقد أفسدته ، صار هناك إفساد ، وعدم إفساد ، وأن تزيد في الصلاح ، المؤمن مُكَلَّف أن يزيد في الصلاح فإذا أفسد فقد أفسد مرتين ، مرة لأنه تَركَ الفساد ، ومرة لأنه أفسد الشيء ، وأنت في الأصل مأمور أن تزيد الصلاح صلاحاً ، فالمؤمن يصلح بين الناس ، يصلح البيئة .
 قبل خمسين عاماً كما أذكر كان الناس يشربون من هذه الأنهار ، نهر يمشي في دمشق ، وماؤه يُشْرَب ، ما كان أحد يجرؤ أن يلقي فيه شيئاً ، الآن تُصب كل المجاري في الأنهار ، وازن بين نبع بردى وبين مصبه ، ما الذي طرأ عليهفي سيره إلى مصبه ؟ روافد كلُّها مياه سوداء ، فإفساد الشيء إخراجه عن صفته الأصيلة ، فهذا إفساد للماء ، إفساد للمزروعات بهذه الهرمونات ، فالمزارع يهمُّه الربح يرش هرموناً محرَّماً يمنع استيراده ، فيأتي به تهريباً ، ويرشه فيصبح الإنتاج بحجم أكبر ، وألوان أزهى ، ولكن هذا الهرمون مُسرطن ، هذه المبيدات كلُّها تُمَلِّح التربة ، وتسبب أمراضاً للنباتات ، وأمراضاً للإنسان ، وأما العلف فهناك طحين لحم الجيف والدم المجفف ، وهي أشياء محرَّمة بالأساس ، سبب جنون البقر ، جنَّ البقر من جنون البشر ، أطعموا البقر طحيناً .. لحم الجيف .. فماذا حصل ؟ اضطروا أن يحرقوا ثلاثة عشر مليون بقرة ، ثمنها ثلاثة وثلاثون مليار جنيه إسترليني ، أفسدوا اللحوم ، أفسدوا الهواء ، حتى هذه المحطات الكثيرة جداً في الهواء تُسَبِّب فساداً في الاتصالات ، الأمراض تأتي للإنسان من كثرة هذا البَثْ في الهواء ، الضجيج ، الماء الملوَّث ، التربة الملوَّثة بالملوحة الزائدة ، وبالمبيدات الكيماوية ، كل ذلك لماذا ؟ لأن هدف الإنسان الربح فقط ..
 
حب المال يجعل الإنسان يفسد في الأرض :
 
﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ (10) ﴾ .
المرض حبُّ المال ، من أجل حب المال نفعل كل شيء ، لذلك يغيرون خلق الله عزّ وجل ، هل من الممكن أن تضع مادة في بعض المواد الغذائية ، وهي مادة كيميائية محضة لا يقبلها الجسم لتُبَيِّض هذا الإنتاج فيزداد سعره ؟.
﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ (10) ﴾ .
حب المال جعلهم يفسدون هذا الإنتاج ..
﴿ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) ﴾ .
طبعاً يصلحون جيوبَهم ، يصلحون معيشتهم وحدهم ، ويبحثون عن مصالحهم الضَيِّقة.
 
كل منافق يرى ربحه هو الصلاح ولو على حساب كل شيء :
 
أخواننا الكرام ، أول صفةً للمؤمن أنَّه يُصلح والمنافق يفسد ، بمطلق معنى هذه الكلمة : يُفسد كل شيء ، يفسد علاقةً بين زوجين ، علاقةً بين شريكين ، علاقةً بين جارين ، علاقةً بين أمٍ وابنها ، علاقةً بين ابنٍ وأبيه ، مهمَّة المنافق دائماً إفسادُ العلاقات ، مهمة المنافق تحقيق الربح ولو على حساب إفساد البيئة ، يُفسد البيئة ، ويفسد الهواء ، ويفسد الماء ، ويفسد المزروعات ، ويفسد الصناعة ، ويبث الأفكار غير الصحيحة إفساداً للعقائد ، يُفسد العقيدة ، يُفسد علاقة الإنسان بالله عزَّ وجل ، يغريه بأشياء محرَّمة .. (ما فيها شيء يا أخي أنت عايش خارج العصر )؟ يجب أن تتنوَّر ، أن ترى ماذا يجري في العالَم ، ركب لك صحناً ؟ .. لئلا تبقى منعزلاً عن العالم ، فإذا دخل الصحن إلى البيت صار شيءٌ آخر ، ربما ترك الصلاة ، ربما فعل المُنكرات ، ربما طلَّق زوجته ، طبعاً لم تعد تعجبه ، فلذلك الإفساد واسع ؛ إفساد عقائد ، إفساد أخلاق ، إفساد علاقات ، إفساد بيئة ، إفساد صناعة ، إفساد زراعة ، إفساد ماء ، إفساد هواء ..
﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ (11) ﴾ .
هم وَقِحون يركبون رؤوسَهم ، يقولون :
﴿ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) ﴾ .
يرى الصلاح في الفساد ، يرى ربحه هو الصلاح ولو على حساب كل شيء ..
﴿ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) ﴾ .
 
المؤمن مُبارك يجمع ولا يُفَرِّق ، يُصلح ولا يُفسد :
 
المؤمن مُبارك يجمع ولا يُفَرِّق ، يُصلح ولا يُفسد ، يقرِّب ولا يُبَعِّد ، يحبب ولا ينفر ، دمَغَهم ربنا عزّ وجل عندما قال  :
﴿ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) ﴾ .
وفي درسٍ آخر إن شاء الله تعالى نتابع صفات المنافقين ، صفات المنافقين دقيقة جداً ، ويجب أن نعلمها بدقةٍ بالغة لئلا تزل أقدامنا إلى بعض هذه الصفات ، المؤمن ينجو ، والكافر شرُّه محدود لأنه مكشوف لكن الخطر من المنافقين .
 
و الحمد لله رب العالمين
 
 



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب