مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج مع الحدث: مع الحدث - 38- المبادرات نصرة لغزة- سامر خويرة -17 - 03 - 2024           برنامج أنت تسأل والمفتي يجيب 2: انت تسأل - 284 - د. حسين الترتوري- 18 - 03 - 2024           برنامج مع الغروب 2024: مع الغروب - 09 - رمضان - 1445هـ           برنامج منارات مقدسية: منارات مقدسية - 264 - رباط الملك نجم الدين           برنامج رمضان عبادة ورباط: رمضان عبادة ورباط - 09 - بشائر النصر في رمضان - الشيخ أمجد الأشقر           برنامج الكلمة الطيبة 2024: الكلمة الطيبة - شهر انتصار الانسان         

الشيخ/

New Page 1

     شمائل المصطفى

New Page 1

الكمالات التي انفرد بها رسول الله صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّم

30/05/2011 16:01:00

ذكر الماوردي – رحمه الله - في ذكر خصائص الرسول صلى الله عليه و سلم وفضائله وشرف أخلاقه وشمائله المؤيدة لنبوته والمبرهنة علي عموم رسالته: فالكمال المعتبر في البشر يكون من أربع أوجه : كمال الخلق وكمال الخلق وفضائل الأقوال وفضائل الأعمال.


الوجه الأول : كمال الخَلْق
وكمال خَلقه صلى الله عليه و سلم بعد اعتدال صورته يكون بأربع أوصاف:


الوصف الأول: السكينة الباعثة على الهيبة والتعظيم الداعية إلى التقديم والتسليم.
وكان أعظم مهيب في النفوس حتى ارتاعت رسل كسرى من هيبته حين أتوه مع اعتيادهم لصولة الأكاسرة ومكاثرة الملوك الجبابرة فكان صلى الله عليه و سلم في نفوسهم أهيب وفي أعينهم أعظم ، وإن لم يتعاظم بأبهة ولم يتطاول بسطوة ، بل كان بالتواضع موصوفا وبالوطأة - أي السهولة – معروفاً.

الوصف الثاني: في الطلاقة الموجبة للإخلاص والمحبة الباعثة على المصافاة والمودة.
وقد كان صلوات الله عليه محبوباً، استحكمت محبة طلاقته في النفوس، حتى لم يقله (أي لم يبغضه أو يجافه) مصاحب، ولم يتباعد منه مقارب، وكان أحب إلى أصحابه من الآباء والأبناء، وشرب الماء البارد على الظمأ.

الوصف الثالث: حسن القبول الجالب لممايلة القلوب حتى تسرع إلى طاعته وتذعن بموافقته.

وقد كان قبول منظره صلى الله عليه و سلم مستولياً على القلوب، ولذلك استحكمت مصاحبته في النفوس، حتى لم ينفر منه معاند ولا استوحش منه مباعد، إلا من ساقه الحسد إلى شقوته وقاده الحرمان إلى مخالفته.

الوصف الرابع: ميل النفوس إلى متابعته صلى الله عليه و سلم

وانقيادها لموافقته وثباته على شدائده ومصابرته ، فما شذ عنه معها من أخلص ولا ند عنها فيها إلا من حرم الخير كله.

وهذه الأربعة من دواعي السعادة وقوانين الرسالة قد تكاملت فيه فكمل لما يوازيها واستحق ما يقتضيها

الوجه الثاني : كمال الخُلُق
أما كمال أخلاقه صلى الله عليه و سلم فيكون بست خصال:


الخصلة الأولى: رجاحة عقله وصدق فراسته صلى الله عليه و سلم

وقد دل على وفور ذلك فيه صحة رأيه، وصواب تدبيره، وحسن تألفه على الناس، وأنه ما استغفل في مكيدة، ولا استعجز في شديدة، بل كان يلحظ الإعجاز في المبادئ، فيكشف عيوبها ويحل خطوبها، وهذا لا ينتظم إلا بأصدق حدس وأوضح رؤية.

الخصلة الثانية: ثباته صلى الله عليه و سلم في الشدائد وهو مطلوب

وصبره عليى البأساء و الضراء، وهو مكروب ومحروب (المحروب من فقد ماله )، ونفسه في اختلاف الأحوال ساكنة، لا يخور في شديدة، ولا يستكين لعظيمة، وقد لقي بمكة من قريش ما يشيب النواصي، ويهد الصياصي، وهو مع الضعف يصابر صبر المستعلي، ويثبت ثبات المستولي أي الممسك بمقاليد الأمور المسيطر عليها.

الخصلة الثالثة: زهده صلى الله عليه و سلم في الدنيا وإعراضه عنها وقناعته منها

 فلم يمل إلى غضارتها، ولم يله لحلاوتها، وقد ملك من أقصى الحجاز إلى عذار العراق، ومن أقصى اليمن إلى شحر عمان، وهو أزهد الناس فيها يقتني ويدخر، وأعرضهم عما يستفاد ويحتكر، لم يخلف عيناً ولا ديناً، ولا حفر نهراً ولا شيد قصراً، ولم يورث ولده وأهله متاعاً ولا مالاً ليصرفهم عن الرغبة في الدنيا كما صرف نفسه عنها، فيكونوا على مثل حاله في الزهد فيها، وحقيق بمن كان في الدنيا بهذه الزهادة، أن لا يتهم بطلبها أو يكذب على الله تعالى في ادعاء الآخرة، ويقنع في العاجل وقد سلب الآجل بالميسور النزر ويرضى بالعيش الكدر.

الخصلة الرابعة: تواضعه صلى الله عليه و سلم للناس وهم اتباع 

وخفض جناحه لهم وهو مطاع، يمشي في الأسواق ويجلس على التراب، ويمتزج بأصحابه وجلسائه فلا يتميز عنهم إلا بإطراقه وحيائه، فصار بالتواضع متميزاً ، وبالتذلل متعززاً. ولقد دخل عليه بعض الأعراب فارتاع من هيبته فقال خفّض عليك فإنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة، وهذا من شرف أخلاقه وكريم شيمه فهي غريزة فطر عليها وجبلة طبع بها لم تندر فتعد، ولم تحصر فتحد.

الخصلة الخامسة: حلمه ووقاره صلى الله عليه و سلم عن طيش يهزه أو خرق يستفزه

فقد كان أحلم في النفار من كل حليم، وأسلم في الخصام من كل سليم، وقد مني بجفوة الأعراب فلم يوجد منه نادرة، ولم يحفط عليه بادرة ، ولا حليم غيره إلا ذو عثرة، ولا وقور سواه إلا ذو هفوة ، فإن الله تعالى عصمه من نزع الهوى وطيش القدرة (النفار أو المنافرة ) ليكون بأمته رؤوفاً وعلى الخلق عطوفاً، لقد تناولته قريش بكل كبيرة وقصدته بكل جريرة وهو صبور عليهم ومعرض عنهم.
وما تفرد بذلك سفهاؤهم عن حلمائهم ولا أراذلهم دون عظمائهم ، بل تمالأ عليه الجُلّة و الدّون ، فكلما كانوا عليه ألح ، كان عنهم أعرض و أصفح ، حتى قدر فعفا ، وأمكنه الله منهم فغفر، وقال لهم حين ظفر بهم عام الفتح وقد اجتمعوا إليه : ما ظنكم بي قالوا ابن عم كريم ، فإن تعف فذلك الظن بك وإن تنتقم فقد أسأنا فقال : بل أقول كما قال يوسف لأخوته قَالَ (لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) - سورة يوسف آية 92. وقال : اللهم قد أذقت أول قريش نكالاً فأذق آخرهم نوالاً.

وأتته هند بنت عتبة ، وقد بقرت بطن عمه حمزة ، ولاكت كبده فصفح عنها وأعطاها يده ، لبيعتها. فإن قيل : فقد ضرب رقاب بني قريظة صبراً في يوم واحد وهم نمو سبعمائة ، فأين موضع العفو والصفح قيل : إنما فعل ذلك في حقوق الله تعالى. وقد كانت بني قريظة رضوا بتحكيم سعد بن معاذ عليهم فحكم أن من جرت عليه الموسى أي بلغ مبلغ الرجال فحلق ذقنه -قتل ومن لم تجر عليه استرق فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: هذا حكم الله من فوق سبعة أرقعة (يعني من فوق سبع سنوات) فلم يجز أن يعفو عن حق وجب لله تعالى عليهم وإنما يختص عفوه بحق نفسه.

الخصلة السادسة: حفظه صلى الله عليه و سلم للعهد ووفاؤه بالوعد

فإنه ما نقض لمحافظ عهداً ، ولا اخلف لمراقب وعداً ، يرى الغدر من كبائر الذنوب ، والأخلاق من مساوئ الشيم فيلتزم فيهما الأغلظ ويرتكب فيهما الأصعب حفظاً لعهده ووفاء بوعده حتى يبتدئ معاهدوه بنقضه فيجعل الله تعالى له مخرجا كفعل اليهود من بني قريظة وبني النضير وكفعل قريش بصلح الحديبية إذ جعل الله تعالى له في نكثهم الخيرة.

فهذه ست خصال تكاملت في خلقه ، فضّله الله تعالى على جميع خلقه

الوجه الثالث : فضائل الأقوال

وفي فضائل أقواله صلى الله عليه و سلم خصال عديدة ، منها:
 

الخصلة الأولى: ما أوتي صلى الله عليه و سلم من الحكمة البالغة

وما أعطي من العلوم من الجمة الباهرة ، وهو أمي من أمة أمية لم يقرأ كتابا ولا درس علما ولا صحب عالماً ولا معلماً فأتي بما بهر العقول وأذهل الفطن من إتقان ما أبان وإحكام ما أظهر ولم يتعثر فيه بزلل في قول أو عمل.  وقد شرّع من تقدم من علماء الفلاسفة سنناً حملوا الناس على التدين بها حين علموا انه لا صلاح للعالم إلا بدين ينقادون له ويعملون به فما راق لها أثر ولا فاق لها خبر.

الخصلة الثانية: حفظه صلى الله عليه و سلم لما أطلعه الله تعالى عليه من قصص الأنبياء مع الأمم

وأخبار العالم في الزمن الأقدم حتى لم يعرب عنه منها صغير ولا كبير ولا شذ عنه منها قليل ولا كثير، وهو لا يضبطها بكتاب يدرسه ولا يحفظها بعين تحرسه ، وما ذاك إلا من ذهن صحيح وصدر فسيح و قلب شريح ، وهذه الثلاثة آلة ما استودع من الرسالة وحمل من أعباء النبوة فجدير أن يكون بها مبعوثا وعلى القيام بها محثوثاً

الخصلة الثالثة: إحكامه صلى الله عليه و سلم لما شرع بأظهر دليل وبيانه بأوضح تعليل

حتى لم يخرج منه ما يوجبه معقول ولا دخل فيه ما تدفعه العقول. ولذلك قال صلى الله عليه و سلم : أوتيت جوامع الكلم واختصرت لي الحكمة اختصاراً ، لأنه نبه بالقليل على الكثير فكف عن الإطالة وكشف عن الجهالة وما تيسر ذلك إلا وهو عليه معان وإليه مقاد.

الخصلة الرابعة: ما أمر به صلى الله عليه و سلم من محاسن الأخلاق

ودعا إليه من مستحسن الآداب وحث عليه من صله الأرحام وندب إليه من التعاطف على الفقراء و الأيتام ثم ما نهي عنه من التباغض و التحاسد وكف عنه من التقاطع والتباعد لتكون الفضائل فيهم أكثر ومحاسن الأخلاق بينهم أنشر ، ومستحسن الآداب عليهم أظهر، وتكون إلى الخير أسرع ومن الشر امنع، فيتحقق فيه قول الله تعالى : (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) فلزموا أمره واتقوا زواجره فتكامل بهم صلاح دينهم ودنياهم حتى عز بهم الإسلام بعد ضعفه وذل بهم الشرك بعد عزه فصاروا أئمة أبراراً وقادة أخياراً.

الخصلة الخامسة: وضوح جوابه إذا سئل وظهور حجاجه إذا جادل

لا يحصره عي ولا يقطعه عجز ولا يعارضه خصم في جدال إلا كان جوابه أوضح وحجاجه أرجح.

الخصلة السادسة: انه صلى الله عليه و سلم محفوظ اللسان من تحريف في قول واسترسال في خبر يكون إلى الكذب منسوباً وللصدق مجانباً 

فأنه لم يزل مشهوراً بالصدق في خبره كان فاشياً وكثيراً حتى صار بالصدق مرقوماً ، وبالأمانة موسوماً، وكانت قريش بأسرها تتيقن صدقه قبل الإسلام فجهروا بتكذيبه في استدعاءهم إليه فمنهم من كذبه حسداً ومنهم من كذبه عناداً من كذبه استبعاداً أن يكون نبياً أو رسولاً، ولو حفظوا عليه كذبه نادرة في غير الرسالة لجعلوها دليلاً على تكذيبه في الرسالة ، ومن لزم الصدق في صغره كان له في الكبر ألزم ومن عصم منه في حق نفسه كان في حقوق الله تعالى أعصم وحسبك بهذا دفعاً لجاحد ورداً لمعاند.

الخصلة السابعة: تحرير كلامه صلى الله عليه و سلم في التوخي به إبان حاجته و الاقتصار منه على قدر كفايته

فلا يسترسل فيه هذراً، ولا يحجم عنه حصراً وهو فيما عدا حالتي الحاجة و الكفاية أجمل الناس صمتاً وأحسنهم سمتاً.  ولذلك حُفظ كلامه حتى لم يختل، و ظهر رونقه حتى لم يعتل، واستعذبته الأفواه حتى بقي محفوظاً في القلوب مدوناً في الكتاب، فلن يسلم الإكثار من الزلل ولا الهذر من الملل.

الخصلة الثامنة: أنه صلى الله عليه و سلم أفصح الناس لساناً وأوضحهم بياناً وأوجزهم كلاماً وأجزلهم ألفاظاً وأصحهم معاني

لا يظهر فيه هجنة التكلف، ولا يتخلله فيهقة التعسف، وقد دون كثير من جوامع كلمه ومن كلامه الذي لا يشاكل في فصاحته وبلاغته، ومع ذلك فلا يأتي عليه إحصاء، ولا يبلغه استقصاء، ولو مزج كلامه بغيره لتميز بأسلوبه، ولظهر فيه آثار التنافر، فلم يلتبس حقه من باطله، ولبان صدقه من كذبه، هذا ولم يكن متعاطياً للبلاغة ولا مخالطاً لأهلها من خطباء أو شعراء أو فصحاء، وإنما هو من غرائز طبعه وبداية جبلته وما ذاك إلا لغاية تراد وحادثة تشاد.

 

الوجه الرابع : فضائل الأعمال

وفي فضائل أفعاله صلى الله عليه و سلم ثماني خصال:


الخصلة الأولى: حسن سيرته ، وصحة سياسته صلى الله عليه و سلم 

في دين نقل به مألوف ، وصرفهم به عن معروف إلى غير معروف فأذعنت به النفوس طوعاً ، وانقادت خوفا وطمعاً.

الخصلة الثانية: أنه صلى الله عليه و سلم جمع بين رغبة من استمال ورهبة من استطاع

حتى اجتمع الفريقان على نصرته وقاموا بحقوق دعوته رغباً في عاجل وآجل ، ورهباً من زائل ونازل ، لاختلاف الشيم والطباع في الانقياد الذي لا ينتظم بأحدهما ، ولا يستديم إلا بهما ، فلذلك صار الدين بهما مستقراً ، والصلاح بهما مستمراً.

الخصلة الثالثة: أنه صلى الله عليه و سلم عدل فيما شرعه من الدين عن اللغو و التقصير إلى التوسط

وخير الأمور أوسطها ، وليس لما جاوز العدل حظ من رشد ، ولا نصيب من سداد.

الخصلة الرابعة: أنه صلى الله عليه و سلم لم يمل بأصحابه إلى الدنيا ولا إلى رفضها ، وأمدهم فيها بالاعتدال

فقال صلى الله عليه و سلم: (خيركم من لم يترك دنياه لآخرته ولا آخرته لدنياه ، ولكن خيركم من أخذ من هذه و هذه) وهذا صحيح ، لأن الانقطاع إلى أحدهما اختلال ، والجمع بينهما اعتدال، وقال صلى الله عليه و سلم : (نعم المطية الدنيا فارتحلوها تبلغكم الآخرة) ، وإنما كان كذلك لآن من يتزود لآخرته ، ويستكثر فيها من طاعته وأنه لا يخلو تاركها من أن يكون محروما مضاعاً أو مرحوما مراعي وهو في الأول كل وفي الثاني مستذل.

الخصلة الخامسة: تصديه صلى الله عليه و سلم لمعالم الدين ونوازل الأحكام

حتى أوضح للأمة ما كُلِّفوه من العبادات ، وبين لهم ما يحل وما يحرم من مباحات و محظورات ، وفصل لهم ما يجوز ويمتنع من عقود ومناكح ومعاملات، حتى احتاج أهل الكتاب في بعض من معاملتهم ومواريثهم لشرعه ولم يحتج شرعه إلى شرع غيره ثم مهد لشرعه أصولا تدل على الحوادث المغفلة ويستنبط لها الأحكام المعللة فأغنى عن نص بعد ارتفاعه وعن التباس بعد إغفاله ثم أمر الشاهد أن يبلغ الغائب ليعلم بإنذاره ويحتج بإظهاره فقال صلى الله عليه و سلم : (بلغوا عني ولا تكذبوا علي فرب مبلغ أوعى من سامع ورب حامل فقه ألى من هو أفقه منه).

الخصلة السادسة: انتصابه صلى الله عليه و سلم لجهاد الأعداء

وقد أحاطوا بجهاته وأحدقوا بجنباته وهو في قطب مهجور ، وعدد محقور فزاد به من قل وعز به من ذل وصار بإثخانه في الأعداء محذوراً وبالرعب منه منصوراً فجمع بين التصدي لشرع الدين حتى ظهر وانتشر وبين الانتصاب لجهاد العدو حتى قهر وانتصر.

الخصلة السابعة: ما خص به صلى الله عليه و سلم من الشجاعة في حروبه والنجدة في مثابرة عدوه

فإنه لم يشهد حرباً في فزاع إلا صابر حتى انجلت عن ظفر أو دفاع وهو في موقفه لم يزل عنه هرباً ولا حاز فيه رغباً، بل ثبت بقلب آمن وجأش ساكن قد ولى عنه أصحابه يوم حنين حتى بقى بإزاء جمع كثير وجم غفير في تسعة من أهل بيته وأصحابه على بغلة مسبوقة إن طلبت غير مستعدة لهرب ولا طلب وهو ينادي أصحابه ويظهر نفسه ويقول إلي عباد الله (أنا النبي لا أكذب أنا ابن عبد المطلب) فعادوا أشذاذاً وأرسالاً وهو ازن تراه وتحجم عنه فما هاب حرب من كاثره ولا انكفأ عن مصاولة من صابره.

الخصلة الثامنة: ما منحه صلى الله عليه و سلم من السخاء والجود

حتى جاد بكل موجود وآثر بكل مطلوب ومحبوب ومات ودرعه مرهونة عند يهودي على آصع من شعير لطعام أهله، وقد ملك جزيرة العرب وكان فيها ملوك وأقيال لهم خزائن وأموال يقتنوها ذخراً ويتباهون بها فخراً ويستمتعون بها أشراً وبطراً وقد حاز ملك جميعهم فما اقتنى دينارا ولا درهماً ، لا يأكل إلا الخشن ولا يلبس إلا الخشن ، وكان يقول : أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن ترك ديناً أو ضياعا فعلي ومن ترك مالاً فلورثته فهل مثل هذا الكرم والجود كرم وجود ؟ أم هل لمثل هذا الأعراض والزهادة إعراض وزهد ؟ هيهات
أنا لم نرى ولم نسمع لأحد قط كصبره ولا كحلمه ولا كوفائه ولا كزهده ولا كجوده ولا كنجدته ولا كصدق لهجته ولا ككرم عشرته ولا كتواضعه ولا كحفظه ولا كصمته إذا صمت ولا كقوله إذا قال ولا كعجيب منشئه ولا كعفوه ولا كدوام طريقته وقله امتنانه.
 

منقول



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب