محمّد أبو العلا الحمزاوي
ينقسم القرآن من حيث سبب النزول وعدمه إلى قسمين:
الأول: ما نزل ابتداءً من غير سبق سبب خاص
وهو كثير في القرآن الكريم، وذلك مثل الآيات التي اشتملت على الأحكام والآداب التي قصد بها ابتداءً هداية الخلق، وإرشادهم إلى ما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة، ومن هذا القسم غالبًا: الحديث عن الأمم الغابرة، وما حلَّ بها، أو عن وصف الجنة والنار، وما يتعلق بقضايا الإيمان، ومثل هذه الآيات إنما تركز على المقصد الأساس من نزول القرآن، وهو موضوع الهداية؛ أي: هداية الخلق إلى الخالق، ورسم الطريق الموصل إلى رضوانه، وأكثر القرآن نزل ابتداءً لهذه الأهداف[1].
الثاني: ما نزل مرتبطًا بسبب من الأسباب
وذلك عقب واقعة أو سؤال وجِّه إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فينزل القرآن الكريم بالبيان الشافي للإجابة عن هذا السؤال، وذلك مثل: حادثة خولة بنت ثعلبة، التي ظاهر منها أوس بن الصامت، فنزلت بسببها آيات الظهار في مطلع سورة "المجادلة" (1-4)، ومثل ما حدث بين الأوس والخزرج من خصومة بسبب تأليب أحد اليهود العداوةَ بينهما، فقد نزل عقبها قوله - تعالى -: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [آل عمران: 100 - 103 ][2]، وعلى ذلك فلا يدخل في أسباب النزول ما نزل ابتداءً كقصص الأنبياء، وأحوال أممهم معهم، أو عن بعض الحوادث الماضية كسورة "الفيل" مثلاً، أو ما تتحدث عن مستقبل كاليوم الآخر وما فيه من نعيم أو عقاب، فإن هذه الأحداث لا تعتبر أسبابَ نزول[3].
