سورة الجمعة (062)
الدرس (3)
الآيات: (9- 11)
لفضيلة الأستاذ
محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الإخوة الكرام ، مع الدرس الثالث والأخير من سورة الجمعة ، ومع الآية التاسعة ، وهي قوله تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْع
1 ـ صلاة وخطبة الجمعة فرضٌ وواجب عيني :
هناك بلادٍ أيها الإخوة ابتعدت عن الدين سنواتٍ طويلة تزيد على سبعة عقود ، هذه البلاد فيها من التجهيل ما لا يوصَف ، ذكر لي أحد الخطباء ذهب إلى هناك ليلقي خطبة ، واجتمع آلافٌ مؤلَّفة ، وأكثر هؤلاء المصلِّين يشربون الخمر ضمن المسجد ، وهم يستمعون إلى الخطبة ، السبب هو أن صلاة الجمعة التي هي العبادة التعليمية كانت مفقودةً لسنواتٍ طويلة ، ولعقودٍ طويلة .
ذكرت هذه القصَّة بادئ ذي بدء لألفت النظر إلى خطورة صلاة الجمعة ، فصلاة الجمعة أهمُّ ما فيها خطبة الجمعة ، لأنها عبادةٌ تعليمية .
2 ـ صلاة الجمعة عبادة تعليمية :
إن المسلم فُرِض عليه أن يصلي الجمعة ، وأن يستمع إلى خطبةٍ ما ، فأي خطبةٍ لابدَّ لها من آيةٍ تُشرَح ، وحديثٍ شريفٍ يُشرَح ، فمع تتالي الأسابيع والأشهر والسنوات يتعلَّم المسلم شيئاً من دينه كثيراً ، فربنا سبحانه وتعالى شرع صلاة الجمعة لتكون العبادة التعليمية الأسبوعية ، لتكون الشِحنَة الروحية ، لتكون المدد النَوْبِيِّ لهذا الإنسان ، فالخطاب موجَّهٌ إلى الذين آمنوا ..
إن القصة التي ذكرتها قبل قليل أخبرني بها الخطيب بنفسه فقال لي : والله آلاف مؤلَّفة أمامي يستمعون إلى الخطبة ، ويبكون ، ويشربون من الخمر ما يشاءون ، وهم في المسجد ..
بماذا نفسِّر هذه الظاهرة ؟ إنهم لا يعلمون ، مُنِعوا من صلاة الجمعة سبعين عاماً ، فصلاة الجمعة حينما شَرَّعها الله عزَّ وجل شرَّعها لتكون عبادةً تعليمية ، فأيّ خطيبٍ مهما قلَّ شأنه لابدَّ من شرح آية ، شرح حديث ، حكمٍ فقهي ، شيءٍ من سيرة رسول الله ، ولا نعرف قيمة صلاة الجمعة لأننا نصليها والحمد لله ، وبلادنا بلادٌ خَيّرة ، وبلادنا تُقام فيها شعائر الله عزَّ وجل ، ونحن مرتاحون جداً ، هذه نعمةٌ لا يعرفها إلا مَن فقدها ، ومن البديهيات أن الخمر محرَّمة ، والزنا محرَّم ، والقتل محرَّم ، هذه بديهيات عرفناها من صلاة الجمعة..
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾
الخطاب موجَّه إلى الذين آمنوا .
﴿ إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾
اليهود ادَّعوا أنهم أحباب الله ، أبناء الله وأحبابه ، فردَّ عليهم الله عزَّ وجل :
﴿ فَتَمَنَّوْا الْمَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾
( سورة الجمعة )
أسقط هذه الدعوى ، وافتخروا بأنَّ عندهم التوراة ، فردَّ الله عليهم بقوله :
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ﴾
( سورة الجمعة )
وافتخروا بيوم السبت ، فجاءت سورة الجمعة لتجعل من هذا اليوم يوم عيدا للمسلمين ، وهناك أحاديث كثيرة جداً تؤكِّد أن خطبة الجمعة هي المقصودة من ذكر الله .
﴿ فَاسْعَوْا ﴾
3 ـ معنى فَاسْعَوْا : الإسراع وقصدُ وجه الله :
معنى فاسعوا أي اقصدوا ، والسعي هو القصد ، والسعي هو العمل.. هذا المعنى الثاني .. أي اقصد وجه الله بمجيئك إلى المسجد ، واسع إلى هذه الصلاة ، وهيئ نفسك بالاغتسال ، والتطيُّب ، ولبس الجديد يوم الجمعة ، معنى السعي القصد والعمل ، ثم تعال إلى المسجد مُسْرِعاً .
من معاني السعي الإسراع ، واقصد وجه الله بصلاة الجمعة ، وهيئ نفسك لهذه الصلاة الأسبوعية ذات الطابع التعليمي ، ثم اسع إلى المسجد بِشَدَّة قدميك معبِّراً عن اهتمامك لهذه العبادة ، هذا معنى :
﴿ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾
4 ـ ذِكْر اللَّهِ هو خطبة الجمعة :
العلماء رَجَّحوا أن ذكر الله المعني به الخطبة ، وفي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ، ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً ، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ )) .
[ متفق عليه ]
﴿ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾
فالمقصود أن تأتي إلى المسجد مُبَكِّراً ، وأن تهيِّئ نفسك ، وهناك أُناسٌ كثيرون يحمدون الله على أنه لحِِق صلاة الجمعة ، لحق بالركعة الأخيرة ، مع أنه فاته الخير الكثير ، فاتته خطبة الجمعة التي هي معقد الرجاء فيها ، إذاً هنا :
(( فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ )) .
قال تعالى :
﴿ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾
في أكثر التفاسير رَجَّح المفسرون أن ذكر الله هي الخطبة ، وحينما تستمع إلى ذكر الله تذكر الله ، والخطيب يُذَكِّرك بالله ، يذكِّرك بأمره ونهيه ، يذكِّرك بحلاله وحرامه ، يذكِّرك بما يرضيه وما لا يرضيه ، يذكرك بالآخرة ، يذكرك بحقيقة الحياة الدنيا ، يذكرك بهويتك ، بحقيقة الإنسان ، الإنسان هو المخلوق المكلَّف المكرَّم ، ويوَضِّح لك حقيقة الحياة الدنيا التي جعلها الله :
(( دار التواء لا دار استواء ، ومنزل ترحٍ لا منزل فرح ، فمن عرفها لم يفرح لرخاء ، ولم يحزن لشقاء ، قد جعلها الله دار بلوى ، وجعل الآخرة دار عُقبى ، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً ، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عِوضاً ، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي )) .
[ كنز العمال ، وقال : رواه الديلمي عن ابن عمر ]
5 ـ يوم الجمعة عيد المسلمين :
وحينما افتخر اليهود بأنَّ عيدهم يوم السبت جعل الله عزَّ وجل هذا اليوم يوم عيد ، فقد قال عليه الصلاة والسلام كما في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( إِنَّ هَذَا يَوْمُ عِيدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ ، فَمَنْ جَاءَ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ ، وَإِنْ كَانَ طِيبٌ فَلْيَمَسَّ مِنْهُ ، وَعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ )) .
[ ابن ماجه ، مالك ]
أي ابتعدوا في هذا اليوم عن كل شيءٍ يفوح منه رائحةٌ كريهة ، هذا يوم عيد ، يوم اغتسال ، يوم تطيُّب ، يوم لبس الجديد ، يوم استماع الخطبة ، يوم التقائك مع إخوتك المؤمنين ، فبقدر إيمانك وتعظيمك لله عزَّ وجل تعظِّم شعائره ، ويوم الجمعة من شعائر الله .
لذلك عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
(( إِنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَوْمُ عِيدٍ ، فَلَا تَجْعَلُوا يَوْمَ عِيدِكُمْ يَوْمَ صِيَامِكُمْ ، إِلَّا أَنْ تَصُومُوا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ )) .
[ أحمد ]
النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن صيام الجمعة لأنه يوم عيد ، يومٌ تلتقي فيه الأسرة ، وتلتئم ، تجتمع على ذكر الله ، وأنا أعرف أسراً كثيرة كلُّ أمور البيت تُجْعَلُ قبل يوم الجمعة ؛ التنظيف والترتيب ، لا ينبغي أن يكون هذا اليوم يوم ترتيب وتنظيف وغسيل ، هذا يوم عيد ، ينبغي أن يكون يوم عيدٍ لكل ما في هذه الكلمة من معنى ، لأن النبي هكذا قال .
6 ـ يوم الجمعة فيه ساعة إجابة :
يا أيها الإخوة ، النبي عليه الصلاة والسلام وهو الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى يقول كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ :
(( فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ ... )) .
[ متفق عليه ]
هذه ساعةٌ مباركة ، في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبدٌ مسلم يكون قائماً يصلِّي يدعو الله عزَّ وجل بأيّ دعاء إلا استجاب الله له ، فمن كانت له عند الله حاجة فليكثر من صلاة النافلة يوم الجمعة ، لأنك إذا وافقت هذه الساعة غفر الله لك ، واستجاب دعوتك .
7 ـ الجمعة إلى الجمعة كفَّارةٌ لما بينهما إذا اجتُنِبت الكبائر :
شيءٌ آخر رائعٌ جداً يثلِجُ القلب ، هو أن النبي عليه الصلاة والسلام قال :
(( الصَّلَاةُ الْخَمْسُ ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ )) .
[ مسلم عن أبي هريرة ]
جئت إلى المسجد ، وصلَّيت الجمعة ، إذا اجتنبت الكبائر فإن الصغائر تُغفَر لك فيما بين الجُمعتين ، هذا من فضل الله وكرمه (( الصَّلَاةُ الْخَمْسُ ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ )) .
لذلك ما قول الذين يصلون الجمعة فقط ؟ كيف نجيبهم ؟ نقول لهم : ترك الصلاة من أكبر الكبائر ، ترك الصلوات الخمس من أكبر الكبائر ، وصلاة يوم الجمعة وحدها لا تُكَفِّر الكبائر ، يكفِّر الله بهنّ كل شيء ما لم تُجتنب الكبائر ، إذا اجتنبَت الكبائر فهي تكفِّر ، أما ترك الصلوات الخمس فمن أكبر الكبائر ، بل إن من الكفر ترك الصلاة ، دققوا في شدَّة حِرْص النبي على أداء هذه الصلاة ، فعن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلَّم قال لقومٍ يتخلَّفون عن الجمعة :
(( لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ ، ثُمَّ أُحَرِّقَ عَلَى رِجَالٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الْجُمُعَةِ بُيُوتَهُمْ )) .
[ مسلم ]
أي أنَّ النبي همَّ أن يحرق بيت الذي يتخلَّف عن صلاة الجمعة ، فمعنى ذلك أنه ترك أمراً عظيماً جداً ، وارتكب كبيرةً كبيرة .
عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، وَتَطَهَّرَ بِمَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ ، ثُمَّ ادَّهَنَ ، أَوْ مَسَّ مِنْ طِيبٍ ، ثُمَّ رَاحَ فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ اثْنَيْنِ ، فَصَلَّى مَا كُتِبَ لَهُ ، ثُمَّ إِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ أَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى )) .
[ البخاري ]
أي إذا جاء الإنسان إلى المسجد ، وصلَّى صلاة الجمعة مغتسلاً عليه السكينة والوقار ، مُصْغِياً إلى الإمام وصلَّى بخشوع ، فإن هذه الصلاة تمحو له ما بين الجمعتين ما اجتَنَب المسلمُ الكبائر ، فإذا اجتُنِبت الكبائر فهي كفَّارةٌ من الجمعة إلى الجمعة .
وقال رجل من اليهود لعمر بن الخطَّاب رضي الله عنه : يا أمير المؤمنين لو نزلت علينا هذه الآية :
﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾
( سورة المائدة : الآية 3 )
لاتَّخذناه عيداً ، فقال له عمر رضي الله عنه : << إني أعلمُ أيَّ يومٍ أُنزِلت هذه الآية ، أنزِلت يوم عرفة في يوم الجمعة >> .
﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ ، وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَلَمْ يَتَخَطَّ أَعْنَاقَ النَّاسِ ، ثُمَّ صَلَّى مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ ، ثُمَّ أَنْصَتَ إِذَا خَرَجَ إِمَامُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ جُمُعَتِهِ الَّتِي قَبْلَهَا )) .
[ أبو داود ]
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( يَحْضُرُ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ : رَجُلٌ حَضَرَهَا يَلْغُو ، وَهُوَ حَظُّهُ مِنْهَا ، وَرَجُلٌ حَضَرَهَا يَدْعُو ، فَهُوَ رَجُلٌ دَعَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، إِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ ، وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُ ، وَرَجُلٌ حَضَرَهَا بِإِنْصَاتٍ وَسُكُوتٍ ، وَلَمْ يَتَخَطَّ رَقَبَةَ مُسْلِمٍ ، وَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا فَهِيَ كَفَّارَةٌ إِلَى الْجُمُعَةِ الَّتِي تَلِيهَا ... )) .
[ أبو داود ]
تواعدوا يوم الجمعة أن يتقابلوا في الجامع ، عندهم لقاء محاسبة ، عقد صفقة ، أين ؟ في الجامع يوم الجمعة ، فهو إلى جانبه يتكلَّم ويلغو ، ويتحدَّث في أمر الدنيا .. فقال :
(( يَحْضُرُ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ : رَجُلٌ حَضَرَهَا يَلْغُو ، وَهُوَ حَظُّهُ مِنْهَا ، وَرَجُلٌ حَضَرَهَا يَدْعُو ، فَهُوَ رَجُلٌ دَعَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، إِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ ، وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُ ، وَرَجُلٌ حَضَرَهَا بِإِنْصَاتٍ وَسُكُوتٍ ، وَلَمْ يَتَخَطَّ رَقَبَةَ مُسْلِمٍ ، وَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا فَهِيَ كَفَّارَةٌ إِلَى الْجُمُعَةِ الَّتِي تَلِيهَا ... )) .
معنى ذلك ليس القصد أن تلغو في أمر الدنيا ، ولا القصد أن تدعو الله والخطيب يخطب ، قصده أن تُنْصِت إليه ، أن تعي ما يقول ، أن تعقل ما يقول ، أن تستفيد مما يقول ، أن تُطبِّق ما يقول كي تكون هذه العبادة تعليميةً كما أرادها الله عزَّ وجل .
عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَحْسَنَ الْغُسْلَ ، ثُمَّ لَبِسَ مِنْ صَالِحِ ثِيَابِهِ ، ثُمَّ مَسَّ مِنْ دُهْنِ بَيْتِهِ مَا كُتِبَ أَوْ مِنْ طِيبِهِ ، ثُمَّ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ اثْنَيْنِ كَفَّرَ اللَّهُ عَنْه مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ )) .
8 ـ الوعيد الشديد لتارك الجمعة :
عن ابْن عَبَّاسٍ وَابْن عُمَرَ يُحَدِّثَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَهُوَ عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ :
(( لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الْجُمُعَاتِ ـ أي عن تركهم الجمعات ـ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ، وَلَيَكُونُنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ )) .
من ترك الجمعة ثلاث مرَّاتٍ من غير عذرٍ نكتت نكتةٌ سوداء في قلبه ثم يكون الرَّان وتلى قوله تعالى :
﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾
( سورة المطففين )
عَنْ أَبِي الْجَعْدِ الضَّمْرِيِّ ، وَكَانَ لَهُ صُحْبَةٌ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَهَاوُنًا بِهَا طُبِعَ عَلَى قَلْبِهِ )) .
[ الترمذي ، ابن ماجه ]
أصبح قلبه غافلاً لا يعي على خير .
9 ـ التحذير من اللغو يوم الجمعة :
أيها الإخوة الكرام ، ما من عبادةٍ أَلَحَّ عليها النبي كصلاة الجمعة ، ورَكَّز عليها كهذه الصلاة ، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ : أَنْصِتْ ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ )) .
قلت له : أنصت فإن هذه الكلمة تُعدُّ لغواً يوم الجمعة .
10 ـ استحباب لبس أحسن الثياب يوم الجمعة :
أيها الإخوة ، فهذا شيءٍ قَلَّ جدا ، فكان الإنسان يأتي إلى الجمعة بثياب البيت ، بثياب النوم أحياناً ، وهذا الشيء أُلغِي والحمد لله ، كنت أرى أناساً كثيرين بثياب التبذُّل يدخلون إلى المسجد ، فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَرَأَى عَلَيْهِمْ ثِيَابَ النِّمَارِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( مَا عَلَى أَحَدِكُمْ إِنْ وَجَدَ سَعَةً أَنْ يَتَّخِذَ ثَوْبَيْنِ لِجُمُعَتِهِ سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِهِ )) .
[ أبو داود ، ابن ماجه ]
ثياب العمل دعها ، ثياب النوم دعها ، وتعال بثيابٍ حسنة إلى المسجد فهو بيت الله ، والجمعة يوم عيد ، وإنك تلتقي بإخوانك .
11 ـ النهي عن تخطي الرقاب يوم الجمعة :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ صَاحِبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( اجْلِسْ ، فَقَدْ آذَيْتَ )) .
[ أبو داود ]
كان عليه الصلاة والسلام يجلس حيث ينتهي به المجلس .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
(( مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، وَمَسَّ مِنْ طِيبِ امْرَأَتِهِ إِنْ كَانَ لَهَا ، وَلَبِسَ مِنْ صَالِحِ ثِيَابِهِ ، ثُمَّ لَمْ يَتَخَطَّ رِقَابَ النَّاسِ ، وَلَمْ يَلْغُ عِنْدَ الْمَوْعِظَةِ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهُمَا ، وَمَنْ لَغَا ، وَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ كَانَتْ لَهُ ظُهْرًا )) .
[ أبو داود ]
يبدو أن لصلاة الجمعة أجرًا عند الله كبيرا .
12 ـ النهي عن كل ما يجلب النوم في أثناء الخطبة :
عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ :
(( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْحِبْوَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ )) .
[ الترمذي ]
الإنسان يطوِّق ركبتيه بيديه فيرتاح ، ولكن من الممكن أن ينام ، ويقاس عليها الاستناد إلى الحائط طبعاً من دون عذر ، فلو كان بعذر فهذا موضوع ثانٍ ، أما بلا عذر فإنها جلسة مريحة ، فإذا نام ضيّع عليه خيراً كثيراً ، فالنبي عليه الصلاة والسلام نهى عن الحُبْوَةِ يوم الجمعة .
عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلْيَتَحَوَّلْ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ )) .
[ الترمذي ]
إذا كانت جلسة مريحة وكدت أن تنام انتقل إلى مجلسٍ آخر
13 ـ النهي عن جلوس المسلم مكان غيره يوم الجمعة :
عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ :
(( لَا يُقِيمَنَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، ثُمَّ لْيُخَالِفْ إِلَى مَقْعَدِهِ فَيَقْعُدَ فِيهِ ، وَلَكِنْ يَقُولُ : افْسَحُوا )) .
[ مسلم ]
من آداب صلاة الجمعة أن لا تجلس في مكان أخيك ..
عن أَوْس بْن أَوْسٍ الثَّقَفِيُّ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
(( مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ ، ثُمَّ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ ، وَدَنَا مِنْ الْإِمَامِ فَاسْتَمَعَ ، وَلَمْ يَلْغُ ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا )) .
[ أبو داود ]
أيها الإخوة ، في الصِحاح التسعة أكثر من مئة وتسعين حديثاً عن صلاة الجمعة ، معنى هذا أنها عبادة عند الله عظيمة جداً ، إنها العبادة التعليمية الوحيدة ، والإنسان يُشْحَن في هذه الصلاة شِحنةً روحيةً لعلَّها تُمدُّه بنورٍ وطاقةٍ واندفاعٍ في أيام الأسبوع القادم ..
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾
ذكر الله .. الخطبة ..
﴿ وَذَرُوا الْبَيْعَ ﴾
14 ـ وجوب ترك البيع وتوابعه ساعة الجمعة :
لا يوجد نشاط محبَّب للإنسان كالبيع والربح ، هناك آلاف الأنشطة ؛ زيارات ، علاقات ، حل مشكلات ، شراء حاجات ، أما البيع ففيه ربح ، وأعلى نشاط يُدخِل على قلب الإنسان الفرح هو البيع بربح عال ، وهذا يجب أن تدعه :
﴿ إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ﴾
طبعاً القرآن فيه إيجاز ، البيع معه شراء ، أنت تبيع ، وآخر يشتري ، فإذا قال الله :
﴿ وَذَرُوا الْبَيْعَ ﴾
أي ذروا معه الشراء ، أي أن علاقات التجارة ينبغي أن تتوقَّف في أثناء صلاة الجمعة ..
﴿ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾
ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
أي خيرٌ لكم من كسب المال الوفير ، خيرٌ لكم من عقد صفقةٍ رابحة ، خيرٌ لكم من بيعٍ مُرْبِح ، إنك تعرف الله ، تعرف حدوده ، تعرف أمره ونهيه ، تتقرَّب إليه ، لعلَّ الله سبحانه وتعالى يتجلَّى على قلبك في بيته وأنت في صلاة الجمعة ، فلذلك المؤمن الصادق يحرص على صلاة الجمعة حرصاً لا حدود له ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام ألحَّ على هذه الصلاة ، وعلى حضور الخطبة ، بل إنك إن أتيت إلى المسجد ، وقد صعد الخطيب المنبر قعدت الملائكة يستمعون الخطبة ، وكفَّوا عن كتابة الأجر ، فيجب أن تأتي في الساعة الأولى كأنك قرَّبت بدنة ، في الساعة الثانية بقرة ، في الساعة الثالثة شاة ، في الساعة الرابعة دجاجة ، في الساعة الخامسة بيضة ، فإذا صعد الخطيب المنبر ، فما قولك بالذي يأتي مع الصلاة ؟ أو يأتي في الركعة الثانية ، ويقول : الحمد لله لقد صلّيت الجمعة ، أدركت الركعة الأخيرة ، الجمعة شُرِعَت من أجل أن تعرف الله عزَّ وجل من خلال الخطبة ، قال :
﴿ فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ ﴾
( سورة الجمعة : الآية 10 )
فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ
1 ـ إباحة الانصراف إلى أمور الدنيا بعد صلاة الجمعة :
هذا أمر إباحة ، والإنسان إذا دخل بيت الله يقول كما علَّمنا النبي عليه الصلاة والسلام :
فعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ أَوْ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَقُلْ : اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ ، وَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلْ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ )) .
[ مسلم ]
العلماء وقفوا وقفةً متأنِّية عند هذه الآية ..
﴿ فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ ﴾
2 ـ هل هناك صلاةٌ بعد صلاة الجمعة ؟
أي لا صلاة ظهرٍ بعد الجمعة ، هذه قضية إشكالية تحتاج إلى شرح طويل ، لأن صلاة الجمعة تُجزِئ عن صلاة الظهر ، أما لو فرضنا في قرية فيها ثلاثة مساجد ، أحد هذه المساجد يتَّسع لكل سُكَّان القرية ، ينبغي أن تُعقَد الجمعة في جامعٍ واحد من أجل وحدة الكلمة ، ووحدة الصَف ، أما إذا عُقِدت ثلاث صلوات فتقول : الجمعة لمن سبق ، هذا حين يكون هناك جامعٌ يتَّسِعُ لكل سكَّان البلدة ، أما دمشق فيها خمسة ملايين ونصف ، وكل مساجدها لا تتسع لأكثر من خمسمائة ألف ، إذاً : كل الصلوات في المدن الآن صحيحةٌ ومقبولة ، ولا داعي أن يُصَلَّى الظهر بعد صلاة الجمعة ، لقوله تعالى :
﴿ فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ ﴾
ليس هناك صلاة ثانية .
﴿ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ ﴾
أي تفسَّحوا ، اخرجوا من المسجد ، قال :
﴿ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ﴾
وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ
معنى : فضل الله :
بعضهم قال : من فضل الله أن تعمل ، أن تكسِب قوت يومك .. بعضهم قال : من فضل الله أن تعمل عملاً صالحاً .. فأغلب الظن زيارة الأقارب ، صلة الأرحام ، عيادة المريض ، تهنئة الجار ، كل هذه النشاطات الاجتماعية التي شرعها النبي عليه الصلاة والسلام يمكن أن تكون عَقِبَ صلاة الجمعة ، أو يوم الجمعة بعد الصلاة ..
﴿ فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ ﴾
فلك أن تفهم :
﴿ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ﴾
الفضل المادي : لك أن تعمل ، ولك أن تكسب رزقك ، ولك أن تعمل الأعمال الصالحة التي هي أيضاً من فضل الله عزَّ وجل ، فالإنسان يضع برنامجا لزيارة أقاربه ، صلة الرحِم ، عيادة المريض ، تهنئة المتزوِّج ، تعزية المتوفَّى ، هناك أعمال النبي حضَّ عليها ، ورغَّب فيها ، منها تلبية دعوة ، تلبية وليمة ، هذا كلُّه يكون يوم الجمعة ..
﴿ فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا ﴾
وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا
قال العلماء : الذكر الكثير هنا يعني أن تذكر الله في كل أحوالك ، كل شيءٍ يصلك بالله عزَّ وجل فهو من ذكر الله ..
﴿ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(10)وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا ﴾
( سورة الجمعة )
وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا
سبب نزول هذه الآية :
ورد في السيرة أن بعضاً ممن حضر صلاة الجمعة مع رسول الله سمع قافلةً محمَّلةً بأصناف البضائع ، فخرج ليشتري ، وترك النبي قائماً ، فالله سبحانه وتعالى عاتب هؤلاء على هذا السلوك فقال :
﴿ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ ﴾
هناك صلاة الجمعة ، واستماع الخطبة ، واتصال بالله ، ومعرفة أحكامه وحدوده .
﴿ خَيْرٌ مِنْ اللَّهْوِ وَمِنْ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾
( سورة الجمعة )
قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ اللَّهْوِ وَمِنْ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ
هو الذي يرزق ، فإذا خرجت كي تبيع أو تشتري ، خرجت لقضاء حاجةٍ لك فهو الرزَّاق ، وهو الموفِّق ، وهو الناصر ، وهو المؤيِّد ، وهو الذي يعطيك كل شيء ..
﴿ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا ﴾
قدِّمت التجارة على اللهو ، لأن التجارة أصلٌ في اللهو ، أما الذي يدعُ صلاة الجمعة من أجل اللهو فإن إثمه كبيرٌ جداً مما لو تركها من أجل عملٍ يقتات منه ، على كلٍ قُدِّمت التجارة على اللهو ، ثم قدِّم اللهو على التجارة ..
﴿ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ اللَّهْوِ وَمِنْ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾
والحمد لله رب العالمين
