سورة الحشر 059 - الدرس (4): تفسير الأيات (18 – 21)

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ..."> سورة الحشر 059 - الدرس (4): تفسير الأيات (18 – 21)

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ...">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج بريد الأسرى: بريد الأسرى - 17 - 04 - 2024           برنامج موعظة ورباط: موعظة ورباط - 08 - فقدنا الأمل في الدعاء - د. عمر عبدالحفيظ           برنامج الكلمة الطيبة 2024: الكلمة الطيبة - التضامن مع الأسرى           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 389 - سورة المائدة 006 - 006           برنامج منارات مقدسية: منارات مقدسية - 272 - مقبرة باب الرحمة           برنامج موعظة ورباط: موعظة ورباط - 07 - بشرى لمن قصف بيته - الشيخ محمد نور         

الشيخ/

New Page 1

     سورة الحشر

New Page 1

تفســير القرآن الكريم ـ ســورة الحشر ـ الآيات: (18 - 21)

10/11/2013 15:32:00

سورة الحشر (059)

 

الدرس (4)

 

تفسير الآيات: (18-21)

 

 

لفضيلة الأستاذ

 

محمد راتب النابلسي

 

 


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العلمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ،  واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

أيها الإخوة الكرام ،  مع الدرس الرابع من سورة الحشر ، ومع الآية الثامنة عشرة .

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾

 

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ

 

1 ـ أهمية الخطاب بـ : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

 

هذا خطاب الله للذين آمنوا ، والمؤمن يُدرك أهميَّة هذا الخِطَاب ، خالق السماوات والأرض الذي خلق الإنسان في أحسنِ تقويم ، وكرَّمه أعظم تكريم يُخاطِبه فيقول : يا أيها المؤمن افعل كذا ، ولا تفعل كذا ..

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ﴾

 

2 ـ اتَّقُوا اللَّهَ

 

اتقوا الله أي توبوا إليه ، وأصلحوا ما مضى ، وتقرَّبوا إليه ، اتقوا أن تغضِبوه ، اتقوا عقابه ، اتقوا ناره ، اتقوا أن تعصوه ، اتقى من وقى ، والوقاية من الخطر ، والعاصي في خطر ، الذي لا يفكِّر في منهج الله وتطبيقه فهو في خطر ، والذي لا يطبِّق تعليمات الصانع هو في خطر ، والذي لا يعرف لماذا خلقه الله هو في خطر .

      

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾

 

3 ـ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ

 

العاقل يعيش مستقبله :

 

الحقيقة أن الإنسان الجاهل يتغنَّى بماضيه ، والأقلُّ جهلا يبحث في حاضره ، لكن العاقل هو الذي يعيش مستقبله ، هو الذي يعيش غده ، حياتنا كيف تسير ؟ هناك خطٌ إجباري نسير عليه ؛ نولد ، نترعرع ، ندرس ، نتعلَّم ، نتزوج ، ننجِب ، نُزَوِّج ، ثم لابدَّ من اللقاء مع الله ، لابدَّ من مغادرة الدنيا ، لابدَّ من أن نغادر دون أن نعود ، ولكن هذه ساعة المغادرة ألا تستدعي أن نفكِّر فيها ؟ حينما ينتقل الإنسان من كل شيء إلى لا شيء .. فيما يبدو للعين .. من بيتٍ فخم إلى حفرةٍ تحت الأرض ، من فراشٍ وثير إلى أرضٍ صلبة ، من غرفٍ منوَّرة إلى قبرٍ مظلم ، من طعامٍ وشراب إلى حسابٍ وعقاب ، هذه النقلة من الدنيا إلى الآخرة ؛ هذه إن لم نفكِّر فيها ، إن لم ندخلها في حساباتنا اليومية ، إن لم ندخلها في مواقفنا ، في حركاتنا وسكناتنا فنحن في خطرٍ عظيم ..

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ﴾

اتقوا أن تعصوه ، اتقوا أن تغضبوه ، اتقوا ناره .

 

﴿ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾

 

هل فكَّرت في العمل الذي تلقى الله به :

 

أحيانا أيها الإخوة يُستَهْلَك الإنسان من قِبَلِ دنياه ، مستهلَكٌ من عمل إلى عمل ، من لقاء إلى لقاء ، من موعد إلى موعد ، من صفقة إلى صفقة ، يأتيه ملَك الموت فجأةً ، وهو صفر اليدين من العمل الصالح ، فلذلك من أفضل أو من أهمِّ ما ينبغي أن تفعله أن تقف فجأةً في زحمة العمل ، وفي زحمة القيل والقال ، وفي زحمة المُشكلات ، وهموم العمل ، والمعاش والأسرة ، أن تقتطع وقتاً ثميناً ، وتتأمَّل ماذا قدَّمت لغدٍ ؟ إذا جئتُ الله عزَّ وجل يوم القيامة ، وطلب منّي أن يا عبدي بماذا أتيت ؟ ما العمل الذي جئت به ؟ بعثت بك إلى الدنيا من أجل أن تعرفني ، من أجل أن تطيعني ، من أجل أن تتقرَّب إليّ ، جعلتك خليفةً في الأرض ، أعطيتك كل شيء ، سَخَّرت لك السماوات والأرض ، بماذا أتيتني ؟ الحقيقة إنه سؤال خطير ، وسؤال مهم جداً .

أنت أيها الأخُ الكريم الجالس في هذا المسجد ، هل فكَّرت في العمل الذي ينبغي أن تقدِّمه لله يوم القيامة ؟ هل يعقل أن تمضي الحياة الدنيا في المُباحات ؟ أكلنا ، وشربنا ، ولهونا ، وسافرنا ، وعدنا ، واستقبلنا الضيوف ، وودَّعنا ، وتنزَّهنا ، وربحنا ، وأنفقنا ، وأقمنا الحفلات ، يا عبدي ما العمل الذي تأتي به يوم القيامة ؟ هل واليت فيَّ وليَّاً ؟ هل عاديت فيَّ عدوَّاً ؟ هل أمرت بالمعروف ؟ هل نهيت عن المُنكر ؟ هل علَّمت القرآن ؟ هل نصحت لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامَّتهم ؟ هل ربّيت أولادك ؟ هل دللت زوجتك على الله ؟ هل أقمت الإسلام في بيتك ؟ هل كسبت المال الحلال ؟ هل نفعت المسلمين في عملك وهل ، نصحتهم ؟ هل دعوت إلى الله ؟ هل نشرت الحق ؟ هل نصرت دين الله ؟

ما العمل الذي يمكن أن تنطق به يوم القيامة ؟ هل وظَّفت اختصاصك في الحق ؟ هل وظَّفت عملك في خدمة المسلمين ؟ هل كنت في خندق الإيمان أم في الخندق المعادي ؟ مع من عملت ؟ من نصرت ؟ لمن سخَّرتَ نفسك ؟ لمن وهبت عمرك ؟ لمن وهبت شبابك ؟ ما العمل الذي يمكن أن تقدِّمه بين يدي الله يوم القيامة ؟

إذا أرسل أب ابنه إلى بلدٍ غربي ، وحوَّل له كل شهر ألف دولار .. خمسين ألف ليرة .. بعد أربع سنوات ألا ينبغي أن يسأل الأبُ ابنه : ماذا فعلت يا بني ؟ أين الشهادة ؟ أين الوثيقة ؟ ماذا حصَّلت ؟ هل نلت الدرجة الجامعية ؟ وبأي تقدير نلتها ؟ هل صدَّقتها في الجهات الرسمية ؟ من أي جامعة أخذتها ؟ هذا الذي يُرسل إلى بلدٍ أجنبي ، وتُدفَع له النفقات كاملةً ألا يُسأل عن عمله ، ماذا فعلت ؟

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾

أنت أب أنجبت الأولاد فهل ربيتهم ؟ هل عرَّفتهم بكتاب الله وبسنَّة رسول الله ؟ هل أدَّبتهم على حبِّ نبيِّ الله ، وعلى حبِّ أصحابه الكرام ؟ هل أدبتهم بأدب الإسلام ، أم تركتهم لأجهزة اللهو يستقون منها كل طَيِّبٍ وخبيث ، وكل حقٍّ وباطل ، وكل خيرٍ وشر ؟ هؤلاء الذين أنجبتهم مَن قدوتهم ؟ الملاكم الفلاني ؟ أم لاعب الكرة الفلاني ؟ أم الصحابي الفلاني ؟ من قدوتهم ؟ هذه الزوجة التي في بيتك ماذا فعلت من أجلها ؟ هل دللتها على الله ؟ هل رحمتها ؟ هل أخذت بيدها إلى الله ؟

﴿ اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾

أي عبدي بمَ أتيتني ؟ ما العمل الذي يصلح أن تعرضه علي ؟ ما العمل الذي يمكن أن تقدِّمه بين يدي ربك ؟ يا رب فعلت كذا ، كنت بارَّاً بوالدي ، هذا عمل جيد ، يا رب ، اخترت زوجةً مؤمنةً لأولادي ، هذا عمل جيد ، ربّيت أولادي على طاعتك وعلى حبِّ نبيك ، أدبتهم بأدب الإسلام ، هذا العمل جيد ومقبول ، يا رب كانت لي حرفة فنصحت بها المسلمين ، وما غششتهم ، ما كذبت عليهم ، ما ابتززت أموالهم ، ما بخستُهم أموالهم بالباطل ، يا رب كنت طبيباً نصحت المسلمين ، ما كبَّرت الوهم على المرضى ، ما كلَّفته ما لا يطيق ، ما كلَّفته من الأمور ما لا يحتمل ، كنت نصوحاً له ، هذا سؤال يجب أن تسأله كل يوم ، لابدَّ من ساعةٍ تخلو بها مع ربك .

       أيها الإخوة الكرام ، كلنا بحاجةٍ إلى مغارتين ، أو إلى غارين ، كلنا بحاجة إلى غار حِراء ، ولكن مجزَّأ لكل يوم خمس دقائق ، أو عشر دقائق ، وكلنا بحاجة إلى غار ثور ، نحن بحاجة إلى غار حراء كي نتفكَّر ، ونحن بحاجة إلى غار ثور كي نلجأ إلى الله ، كي نلوذ بحماه .

       فيا أيها الإخوة الأكارم ، هذه آية ينبغي أن تفعل فعلها في نفوس المؤمنين .

 

﴿ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾

اسأل تاجرًا فإنه يبيع ويشتري ، ويحاسب ، ويشحن البضاعة ، ويستقدم بضاعة ،  ويقبض الثمن ، هل فكَّرت في أن هذه التجارة ترضي الله أم لا ترضي الله ؟ هل أدَّيت زكاة مالك ؟ هل نصحت المسلمين في هذه التجارة ؟ هل استغللت حاجتهم إلى هذه البضاعة فرفعت السعر ؟ ماذا قدَّمت لله عزَّ وجل ؟

 

إذا ضاقت الأمور فابحث لك عن عمل صالح ادَّخرتَه :

 

إخواننا الكرام ، النبي عليه الصلاة والسلام علَّمنا أن الإنسان إذا ضاقت به الأمور عليه أن يذكر صالح عمله ، فلو كنت في أزمةٍ ، أو في ملمَّةٍ ، أو في نازلةٍ لا سمح الله ، وأردت أن تدعو الله بصالح عملك ، ما العمل الصالح الذي تتذكَّره ؟ أردت أن تدعو الله بصالح عملك ، يا رب أنا فعلت هذا في سبيلك ..

       مرَّة حدَّثني أخ وهو من تجَّار الغنم ، كان في البادية ، ومعه قطيع غنم كبير ، وأصابهم عطش شديد ، كاد يموت هو وغنمه ، فناجى ربه ، وقال : يا رب ، إنك تعلم أنني ما عرفت الحرام في حياتي ، ولا أكلت درهماً حراماً ، إن كان هذا العمل عندك مقبولاً فَفَرِّج عنَّا .. النبي علَّمنا إذا كنَّا في ضائقة ، في مشكلة ، في أزمة أن نذكر صالح أعمالنا ، وإذا سألت نفسك ما العمل الذي سأُقدِّمه لله يوم القيامة ؟ من خلال أسرتك ، أنت ابن من بنوّتك ، أنت أب من أبوَّتك ، أنت أخت مستمعة أم من أمومتها ، الزوج من كونه زوجاً ، إذا كانت زوجة هل أدَّت حقَّ زوجها ؟

(( اعلمي أيتها المرأة وأعلمي من دونك من النساء أن حسن تبعُّل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله )) .

[ كنز العمال عن أسماء بنت يزيد الأنصارية ]

لو أنَّ الزوجة سألت نفسها : هل قمت بحقِّ الزوج ؟ هل كنت زوجةً طَيّعةً ؟ هل كنت زوجةً صالحةً ؟ هل جعلته يسكن إليّك أم كنت منفِّرةً له ؟ كنت عبئاً عليه ؟ أم كنت تبحثين عما يغيظه ؟ إن كنتِ زوجةً فاسألي نفسك هذا السؤال ، وإن كنتَ زوجاً فاسأل نفسك هذا السؤال : هل رحمتها ؟ هل أدَّيت حقَّها ؟ هل دللتها على الله ؟ هل أكرمتها ، وإن كنتَ ابناً فاسأل نفسك هذا السؤال : هل كنت بارَّاً بوالديك ؟ وإن كنت جاراً فهل أديت حق الجار ؟ إن كنت صاحب معمل فهل أديت بضاعةً للمسلمين جيدة ، بسعر معتدل ؟ أم وضعت مواد غير جيدة ، مواد مسرطنة لأنها رخيصة ولا أحد يعلم ؟ هذه دقَّة بالغة ، والسؤال هو : ما العمل الذي قدَّمته لله عزَّ وجل : من خلال الأسرة ، من خلال المهنة ، من خلال العبادة ، هل دعوت إلى الله ؟ هل كنت قدوةً ؟

هل كنت مرغِّباً في الدين أم منفِّراً منه ؟ هذا سؤال كبير ، هل كنت واصلاً أم قاطعاً ؟ هناك من يقطع الناس عن سبيل الله ، هل وصلتهم أم قطعتهم ؟ وعمل سيء واحد يقطعهم ، قال بعضهم : " إنَّ ألف سلوكٍ ذكيٍّ يشد الناس إلى شيءٍ ما ، وسلوكٍ أحمق واحد ينفِّرهم منه " ، وألف سلوكٍ ذكيٍّ صادقٍ ومخلصٍ يجذب الناس إلى مبدأٍ ما ، وسلوكٌ أحمقٌ واحدٌ ينفِّرهم منه .

﴿ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾

ماذا قدَّمت ؟ هناك مدرِّس ، أو مهندس ، أو طبيب ، أو صانع ، أو صاحب حرفة ، يا ترى هل أتقن الحرفة ؟ هل تعلم أن إتقان العمل جزءٌ من الدين ؟ هل تعلم أن الناس لا يحترمون دينك إذا كنت مهملاً لعملك ؟ هل تعلم أنك تنتزع إعجاب الناس بدينك من خلال إعجابهم باستقامتك والتفوِّق في عملك ؟ ماذا قدَّمت ؟ هل استعملت المواد المُحَرَّمة دولياً في تنمية النبات من أجل أن تربح ، ولم تعبأ بصحَّة الناس ؟ هؤلاء الذين يستخدمون الهرمونات في تنمية النبات عند العقد هؤلاء لا يبالون بصحَّة الناس ، هل استخدمت موادّ مضرَّة من أجل أن تربح ؟  

إخواننا الكرام ، هناك مسؤولية كبيرة ، وقد قالوا عن كاتب أدبه سخيف : " إنك تقرأ قصَّته وتتثاءب وتنام ، بينما الكاتب الخطير تقرأ قصَّته وتنتهي من قراءتها فتبدأ متاعبك مع نفسك "   .

هذا كلام خطير ، هذا كلام ربِّ العالمين ، هذا كلام خالق الأكوان ، هذا كلام الذي سيسألنا وسيُحاسبنا .

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(92)عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ(93) ﴾

( سورة الحجر)

 

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه(7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه(8) ﴾

(سورة الزلزلة )

قال : قد كُفيت .. أعرابي سأل النبي الكريم قال : عِظني ولا تطل ، فتلا عليه هذه الآية ، فقال : قد كفيت ، فقال عليه الصلاة والسلام : (( فَقُهَ الرجل )) .

[ ورد في الأثر ]

لم يقل : فَقِهَ ، بل إنه قال : فَقُهَ ، أي صار فقيهاً .

هذا سؤال كبير ، لك بيت ، لك زوجة ، لك أولاد ، لك عمل ، لك حرفة ، لك لقاءات ، وسهرات ، ونُزُهات ، وعلاقات ، وسفر ، ماذا فعلت في السفر ؟ هل لأعمالك هدفٌ بعيد ترضي الله عزَّ وجل به ؟

 

﴿ اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾

بالأمثلة البسيطة القريبة منا : الطالب في العام الدراسي : مَن هو الذي سيأخذ الدرجة الأولى على مستوى القطر ؟ هو الذي لم تغادر لحظة الامتحان مخيّلته ثانية واحدة ، ماذا سأكتب في الامتحان ؟ لو جاءتنا مسألة ماذا سأجيب ، وكيف سأحلُّها ؟ هذا الذي يفكِّر في ساعة الامتحان ينال الدرجة الأولى .

 

﴿ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾

 

لا أحدَ يضمن أن يعيش ساعة قادمة :

 

هل يستطيع أحد أن يُلغي الموت من حياته ؟ هل منَّا واحد يستطيع أن يضمن حياةً لساعةٍ قادمة ؟

كنَّا مرَّةً في احتفال المولد في جامع قريب منَّا ، دخلت إلى المسجد ، أحد أفراد الجمعية استقبلني ، ورَحَّب ، وابتسم ، فدخلت ، وبعدما جلست بدقائق رأيت أن هناك حركة غير طبيعية في المسجد ، فلم أعرف ما السبب ، اضطراب ، وعريف الحفلة اضطرب ، ولكن الحفل استمر ، ثم أُنبئت أن هذا الذي استقبلني ورَحَّب بي توفي بعد دقائق ، إنه كان قبل دقيقة واقفا يرتدي أجمل الثياب .. فمن منَّا يضمن أن يعيش ساعة ، " من عدَّ غداً من أجله فقد أساء صحبة الموت " .

هناك قصص كبيرة ومؤثِّرة جداً ، فهذا السؤال إخواننا الكرام يجب أن نطرحه على أنفسنا ، لأن الله أمرنا أن نطرحه على أنفسنا ، إنه أمر إلهي .

 

﴿ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾

أحياناً أخ كريم شاب ابن ثمانية عشر عاما ، أو عشرين ، أو خمسة وعشرين يقول : أنا ما زلت صغيراً على الموت ، هل يراعي الموت عمراً ؟ لا ، أبداً ، إن الشباب يموتون في سنٍ مبكر ، وهناك جلطات في سن الثلاثين ، والخمسة وعشرين ، واثنين وثلاثين ، الموت لا أحد يعلم متى يأتي .

أيها الإخوة الكرام ، يجب أن تعدَّ للآخرة عملاً صالحاً ، فإن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وصواباً ، هكذا قال الفُضَيْل ، خالصاً ، أي ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وافق السنَّة ، فإذا اقتطعت من وقتك الثمين ، من زحمة المشاغل ، من الانهماك في الأعمال واللقاءات ، والمواعيد والصفقات ، إذا انتزعت من وقتك الثمين وقتاً من نوع غار حِراء ، تقول فيه : من أنا ؟ لماذا خلقني الله عزَّ وجل ؟ ماذا ينبغي عليَّ أن أفعل في الدنيا ؟ ماذا بعد الموت ؟ اتخذ قرارا ، هذا الذي لا يفكِّر ، ويعيش على هامش الحياة إلى أن يأتيه الموت بغتةً هذا إنسان جاهل .

﴿ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾

 

مرة ثانية : وَاتَّقُوا اللَّهَ

 

        بعض علماء التفسير قال : " الأولى .. اتقوا الله في التوبة والإصلاح عن ما مضى .. والثانية للمستقبل " ، أي اعقدوا العزم على أن لا تعصوا الله أبداً في المستقبل ، والأولى اعقدوا توبةً نصوحاً مع الله عزَّ وجل .

 

احذروا فـ : إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ

 

لكن قد تقول أيها الأخ الكريم : أنا فعلت كذا ، وفعلت كذا ، وقدَّمت كذا ، ودفعت كذا ، وتكلَّمت كذا ، وألقيت كلمة في الوقت الفلاني ، لكن هذا العمل من يعرف حقيقته ؟ الله وحده .

﴿ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾

(( إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ )) .

[ البخاري عن عمر ]

 

احذر ألاّ يكون عملُك خالصا وصوابًا :

 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :

(( إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ ، فَأُتِيَ بِهِ ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا ، قَالَ : فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ قَالَ : قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ ، قَالَ : كَذَبْتَ ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ : جَرِيءٌ ، فَقَدْ قِيلَ ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ ، وَعَلَّمَهُ ، وَقَرَأَ الْقُرْآنَ ، فَأُتِيَ بِهِ ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا ، قَالَ : فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ قَالَ : تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ ، وَعَلَّمْتُهُ ، وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ ، قَالَ : كَذَبْتَ ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ : عَالِمٌ ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ : هُوَ قَارِئٌ ، فَقَدْ قِيلَ ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ ، وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ ، فَأُتِيَ بِهِ ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا ، قَالَ : فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ قَالَ : مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ ، قَالَ : كَذَبْتَ ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ : هُوَ جَوَادٌ ، فَقَدْ قِيلَ ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ )) .

[ مسلم ]

إنه شيءٌ مخيف ، وإن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً وصواباً .. خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وافق السنَّة ، امتحن دائماً عملك ، هل هو وفق السنَّة ؟ ماذا تبتغي منه ؟ أن تنتزع إعجاب الناس ؟ أن يقول الناس عنك : إنسان صالح ؟ إنسان كريم ، محسن كبير ؟ رجل فقيه ، رجل عالم ؟ أم أنك تبتغي وجه الله عزَّ وجل ؟ " إن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً وصواباً " .. خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وافق السنَّة .

 

﴿ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾

حجم العمل ، مؤدَّى العمل ، غاية العمل ، بواعث العمل ، خلفيات العمل ، ملابسات العمل ، حجم التضحية ، كله محسوبٌ بدقَّةٍ بالغةٍ عند الله عزَّ وجل ، هذا كله يعلمه الله عزَّ وجل ، لذلك اتَّقِ الله أن تماري أحداً ، اتَّقِ الله أن تعرض عملك على الناس كي تنتزع إعجابهم .

 

﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾

حينما تبيّن للخبير تكون إنسانا أحمق ، أنت أمام خبير مثلاً بالماس ، أو بالذهب ، إن قلت له : هذا ذهب عيار أربعة وعشرين ، هذا كلامٌ ليس له معنى إطلاقاً ، لأن الخبير يعلم كل شيء ، لذلك أنت أمام الخبير فعليك أن تلوذ بالصمت  .

      

﴿ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾

أيها الإخوة الكرام .

 

 

﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ ﴾

( سورة الحشر : الآية 19)

 

وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ

 

 

1 ـ نَسُوا اللَّهَ

 

وهذه آية من أدق الآيات ، نسوا الله ، نسي الإنسان ربَّه ، ليس معنى نسي الله أنه أنكر وجوده ، لا ، لم ينكر وجوده .

 

﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ﴾

( سورة العنكبوت : الآية 61 )

لكنه لم يُقبِل عليه ، لم يعبأ بأمره ونهيه ، لم يتوجَّه إليه ، لم يجعله هدفاً لأعماله ، فهو قد سمع الناس يقولون شيئاً فقاله ، عاش في مجتمعٍ إسلامي ، سمع خُطَب الجمعة ، عرف أن لهذا الكون خالقاً هو الله ، لكن أمره ونهيه لم يدخله في حساباته اليومية ، لم يُقِم بيته على مبدأ الإسلام ، لم يربِّ أولاده تربيةً إسلامية ، لم يُقِم عمله على منهج الله عزَّ وجل ، إنه نسي الله ، نسي أمره ، ونسي نهيه ، نسي منهجه ، ونسي أنه هو الهدف ، نسي أن الحياة الدنيا مؤقَّتة ، نسي الآخرة .

﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ ﴾

 

2 ـ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ

 

نسيان الله أنساهم أنفسهم ، حينما تنسى الله لا تعرف لماذا خلقك ؟ حينما لا تعرف أن الله خلق السماوات والأرض ، وأن الله سبحانه وتعالى هو الأول والآخر ، والظاهر والباطن ، وأنَّه إليه يرجع الأمر كله ، بيده كل شيء ، الله عزَّ وجل يقول :

 

﴿ مَا يَفْتَحْ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا ﴾

( سورة فاطر : الآية 2 )

حينما نسيت الله فنسيانك لله أنساك هويَّتك ، من أنت ؟ أنت المخلوق المكرَّم ، لم يعرف نفسه ، أنت مخيَّر ، لم يعرف نفسه ، أنت مكلَّف ، لم يعرف نفسه ، أنت في دنيا محدودة ، الدنيا إعدادية لحياةٍ أبديةٍ عُليا ، لم يعرف ، جعل الدنيا أكبر همِّه ، ومبلغ علمه ، جعل الدنيا نهاية آماله ، ومحطَّ رحاله ، حينما نسي الله ، ونسي سرَّ الخلق نسي نفسه ، نسيانه لله عزَّ وجل أنساه نفسه ، لذلك الكافر نفسه هَينةٌ عليه ، لا قيمة لنفسه عنده .

إخواننا الكرام ، هناك أشياء ترفضها ، لأنك تحتقرها ، إلا أنك إذا رفضت الدين إنما تحتقر نفسك  .

       

﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ﴾

( سورة البقرة : الآية 130 )

أنت حينما ترفض دين الله عزَّ وجل أن تعتنقه ، ترفض منهج الله أن تطبقه ، ترفض هذا الدين القويم أن تتمسَّك به ، ترفض هذا التفسير الدقيق المُطْلَق في صحَّته أن تعتنقه فأنت تحتقر نفسك .

 

﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ ﴾

 

3 ـ أُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ

 

كأنها سلسلة ، حينما فسق عن أمر ربه حُجِب عن الله عزَّ وجل فما عرفه ، وحينما لم يعرف الله عزَّ وجل لم يعرف من هو ، القضية مترابطة ، إن عرفت أن لهذا الكون خالقاً ، خلقنا من أجل أن يسعدنا ، من أجل أن يرحمنا ، خلقنا لجنَّةٍ عرضها السماوات والأرض ، جاء بنا إلى الدنيا لتكون إعداداً للجنَّة ، أعطانا العقل ، أعطانا الكون ، أعطانا حرِّية الاختيار ، أودع فينا الشهوات ، أعطانا قوَّةً في ما يبدو كي نحقق اختيارنا ، قلت : فيما يبدو ، أعطانا المنهج الكتاب والسنَّة ، جعلنا المخلوق المكرَّم ، سخِّرت لنا السماوات والأرض ، كلَّفنا بالأمر والنهي ، أنت إن لم تعرف هذا فلا تعرف مَن أنت ، فالقضية مترابطة ..

      

﴿ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ ﴾

لم يعرف نفسه ، من أنت ؟ يقول لك : نحن نعيش ، لماذا أنت تعيش ؟ مِن قلَّة الموت ، ماذا تفعل ؟ إننا نزاحم في الدنيا ، والله شيء جميل ، هذا كلام الناس ، لماذا أنت عايش ؟ قال :

(( كالناقة عقلها أهلها ، فلا تدري لمَ عُقِلَت ؟ ولمَ أُطلِقَت ؟ )) .

[ ورد في الأثر ]

لماذا هناك موت ؟ إنه لا يعرف ، لماذا هناك مصائب ؟ يقول لك : هكذا الله قدّر علينا ، فما السبب ؟ أين قوله تعالى :

 

 

﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾

( سورة الشورى )

وأين ..

 

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾

( سورة النساء : الآية 147 )

لماذا لا يوجد رزق وفير ؟ لأن ثمة جفافا ، الله عنده جفاف ؟ الإنسان يقنن تقنين عجز ، أما هل الله يقنن تقنين عجز ؟ إنه يقنن تقنين تأديب .

 

﴿ وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا(16) لنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾

( سورة الجن )

 

﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتقوا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ﴾

( سورة الأعراف : الآية 96 )

هذا كلام ربنا .

 

 

﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا(10) يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا(11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا(12) مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا(13) ﴾

( سورة نوح )

 

اعرف الحقيقة قبل فوات الأوان :

 

فلذلك الآية الكريمة فيها سلسلة ، حينما يفسق الإنسان يُحجَب بمعصيته عن الله ، إن حُجِبَ عنه ما عرفه ، وإن لم يعرف الله لم يعرف نفسه .

إن الإنسان إذا عرف أن هناك جامعة ، وهذه جامعة من يتخرَّج منها ينال أعلى المرتبات .. مثلاً .. إذا عرف قيمة هذه الجامعة ، وعرف أنها تعطي مرتبةً عُليا لمن ينجح في امتحاناتها ، وأن مستقبله يصبح زاهراً ، وهو طالبٌ فيها ، متى عرف قيمته ؟ حينما عرف قيمة جامعته ، متى عرف قيمته كطالب في هذه الجامعة ؟ حينما عرف قيمة جامعته ، لو لم يعرف قدرها لم يعرف قدره ، هذا مثل للتوضيح ..

      

﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ ﴾

فاعل أنساهم : نسيان الله أنفسهم ، فنسيان الله أنساهم أنفسهم .

      

﴿ أُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ ﴾

الفسق خطير ، ومضاعفاته خطيرة ، والإنسان يفسُق فيحجَب ، ويحجَب فيجهل ، ويجهل فيجهل نفسه ، جهل نفسه فجهل حقيقته ، جهل هويّته ، جهل دوره ، جهل تكليفه ، جهل أمانته ، جهل مصيره ، يأتيه الموت فجأةً ..

 

﴿ فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمْ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ ﴾

( سورة الطور )

ماذا قولك عن رجلٍ .. للتقريب .. يبيع أرضه خمسمائة دنم ، وبيته في حي المالكي ، ومعمله ، وفيلا راقية ، وسيارته ، ويقبض ثمنها عملة صعبة ، ثم يكتشف فجأةً أن العملة كلّها مزوَّرة ، هذا الخبر كيف وقعه عليه ؟ كل شيء يملكه باعه بعملة صعبة ، ثم اكتشف فجأةً أنها كلّها مزوَّرة ، هذا هو الصَعْق ، عندما يأتي الإنسان يوم القيامة يجد أن كل شيءٍ فعله في الدنيا ..

﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾

( سورة الفرقان )

إخواننا الكرام ... كل إنسان يندم فهذا يدلّ على وجود قصور في تفكيره ، والعاقل ينبغي أن لا يندم ، لأنه عرف الحقائق المستقبلية ، وانسجم معها من الآن .

تصوَّر طالبًا عرف خطورة الامتحان ، واستعدَّ له أعلى استعداد ، فإذا جاء الامتحان والأسئلة واضحة ، يعرف الأجوبة الكاملة ، وهو يكتبها ، فإنه في الامتحان هو في أسعد لحظات حياته ، لأن الحقيقة المستقبلية انسجم معها من الحاضر ، حتى إنهم يقولون في علم النفس : " من أرقى الذكاء التكيُّف " .

 

ساعة المغادرة :

 

أنت إنسان ، أنت بضعة أيام ، كلَّما انقضى يومٌ انقضى بضعٌ منك ، هل يوجد أحد ليس له عمر عندنا في الأرض ؟ ضع رقمًا كمثال : ثلاث وسبعون سنة ، وخمسة أشهر ، وأسبوع ، وخمسة أيام ، وثماني ساعات ، وأربع دقائق ، وثلاث ثوان ، هذا هو عمره ، كل ساعة بل كل ثانية تقرَّبنا إلى الأجل ، أنت كائن متحرِّك لهدف ثابت ، لملاقاته ، كلَّما تمضي ثانية في الساعة معنى هذا أنها ذهبت من عمرك ، الإنسان بضعة أيام كلَّما انقضى يومٌ انقضى بضعٌ منه ، أما عندما يأتي مَلَك الموت فلا رجعة .

إذا كان الإنسان مقيمًا في دولة نفطية ، ومعه إقامة ، وكتبوا له : مغادرة بلا عودة ، يمكن أن يصاب بجلطة ، وكلنا سوف نغادر ولا نعود ، فعندما يأتي ملك الموت تكون المغادرة بلا عودة ، وإذا مات الإنسان ، وشُيِّع ، ودفن ، هل يقول أهله مساءً : لماذا لم يأت فلان ؟ لا ، إنه لن يرجع ، غرفته انتهت ، وملابسه يوزِّعونها ، هذه الساعة الحرجة .. ساعة مغادرة الدنيا.. ينبغي أن نعرف خطورتها ، ينبغي أن نستعدَّ لها من الآن .

والله أيها الإخوة ، إن الإنسان المؤمن الذي يستعدُّ لهذه الساعة بالتوبة والطاعة والاستقامة والعمل الصالح ، والله حينما يأتي ملك الموت ليس في الأرض كلِّها إنسانٌ أسعد منه .. << وا كربتاه يا أبتا ، قال : لا كرب على أبيك بعد اليوم ، غداً نلقى الأحبَّة محمَّداً وصحبه >> ..

تصوَّر لو أن طالبا يدرس في بلد أجنبي ، يعمل في مطعم خادما يغسل الصحون ، ويدرس ، وهو ساكن في غرفة قميئة إلى أن نال الدكتوراه ، إنه موعود في بلده بأعلى منصب ، وأجمل بيت ، وأجمل زوجة ، وأجمل مركبة ، أخذ الشهادة ، وصَدَّقها ، ووضعها في حقيبته ، وقطع تذكرة السفر ، وصعد إلى الطائرة ، وهو يصعد الطائرة هو في أسعد لحظات حياته .. كيف القدوم على الله يا أبا حازم ؟ قال : " كالغريب عاد إلى أهله " .

سيدنا رسول الله تفقَّد أحد أصحابه اسمه سعد بن الربيع ، بحث عنه أصحابه ، فإذا هو بين الموت والحياة في ساحة المعركة ، قيل له : "يا سعد بن الربيع ، إن النبي قد أمرنا أن نتفقَّد حالك ، هل أنت مع الأحياء أم مع الأموات ؟ أي هل هناك أمل ؟ فقال : بل أنا مع الأموات ، ولكن بلِّغوا نبي الله مني السلام ، وقولوا له ـ وهو في الرمق الأخير ـ : جزاك الله عنَّا خير ما جزى نبيّاً عن أمَّته ، وقولوا لأصحابه : لا عُذْرَ لكم إذا خُلِص إلى نبيكم وفيكم عينٌ تطرف " .

ما حالة هذا الإنسان ؟ حالة هذا الإنسان في أعلى درجات السعادة ، لأنه أدَّى ما عليه .

عندما نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه قبل أن يتوفَّاه الله عزَّ وجل لأول مرَّة يبتسم حتى رأى الناس نواجذه ، قال :

(( علماء حكماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء )) .

[ تخريج أحاديث الإحياء ]

إنه أدَّى الأمانة .. اللهمَّ إني أديت الأمانة ، وبلَّغت الرسالة ، ونصحت الأمة ، هكذا أنت تقول أمام قبر النبي : " نشهد أنك بلغت الرسالة ، وأدّيت الأمانة ، ونصحت الأمة ، وكشفت الغُمَّة ، وجاهدت في الله حقّ الجهاد ، وهديت العباد إلى سبيل الرشاد " .

إذا كان الرجلُ  منَّا الله خلقه في الدنيا ، ثم كبر ، وصار أبًا ، تزوج امرأة صالحة ، وأنجب أولادا ، ربَّاهم تربية إسلامية ، له عمل ابتغى به خدمة المسلمين ، له دعوة إلى الله ،  له سَمْتُه الحسن ، له أعماله الصالحة ، له إنفاقه ، ثم جاء ملَك الموت فإنه يقول له : أهلاً بك ، الله يسلِّم عليه .

 

﴿ سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ ﴾

( سورة يس )

﴿ قِيلَ ادْخُلْ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي ﴾

( سورة يس )

 

لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ

 

لا يستوي الصنفان :

 

لابد للإنسان أن يكون على منهج الله ، ويعرف حقيقة هذا الدين  ..

 

﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ ﴾

( سورة السجدة )

مَن عنده قطعة من الماس صغيرة ، ثمنها ثمانية ملايين ليرة ، وآخر عنده قطعة فحم كبيرة ، هل هما مثل بعضهما ؟ قطعة الماس ثمنها ثمانية ملايين ، وقطعة فحم للحم المشوي وكبيرة ، ويفتخر بكبرها ، إنه أحمق ..

 

﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ(18) ﴾

( سورة السجدة )

 

﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ(35)مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾

( سورة القلم)

 

 

﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الْمُحْضَرِينَ ﴾

( سورة القصص )

 

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾

( سورة الجاثية )

 

﴿ لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ ﴾

( سورة الحشر : الآية 20)

أين الثرى من الثُريّا ؟ لا توجد نسبة ، إنسان جاهل جهلا مطلقا ، وإنسان يحمل أعلى شهادة في العالم ، لو جلسا جنبًا جنب وتحدَّثا ، فلا توجد نسبة .

أبو حنيفة النعمان رضي الله عنه كان يدرِّس ، يبدو أن هناك ألما في رجله ، وتلاميذه يحبونه .. مع أن النبي ما رئي ماداً رجليه قط .. يبدو أنه معذور فمدَّ رجله ، دخل إنسان طويل القامة ، عظيم الهيئة ، يرتدي عمامة وجبَّة ، فظنَّه عالماً ، فاستحيا ، فرفع رجله ، وجلس ، وكان الدرس عن صلاة الفجر ، بعد أن أتمَّ الدرس سأله الرجل : وقال له : كيف نصلي الفجر إذا طلعت الشمس قبل الفجر ؟ فقال له : عندئذٍ يمدُّ أبو حنيفة رجله .

شتَّان بين العالم والجاهل ، هناك عالم وهناك جاهل ، هناك إنسان رحيم ، وهناك إنسان قلبه كالصخر ، شتان بين الرحمة والقسوة ، وبين العدل والجَوْر ، وبين الإحسان والإساءة ، وبين الاستقامة والانحراف ، وبين الصدق والكذب ، وبين الإخلاص والخيانة ، لا يوجد شيء يجمع بينهما ، الدنيا فيها مراتب ، هل بائع متجوّل يشبه أكبر مستورد ؟ إنسان يعمل بأعلى منصب في الجيش ، هل هو مثل جندي غر ؟ هناك فرق كبير في كل شيء ، هل الأستاذ في الجامعة كإنسان يحمل شهادة ابتدائية ؟ هناك فرق كبير جداً ..

 

﴿ لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ ﴾

لو أن قطعتين من اللحم ، قطعة لحم مشوية ، وهي من أجود الأنواع ، وقطعة لحم متفسِّخة من خمسة أيام ، وريحها تصل إلى ما بعد خمسين مترًا ، إنَّ هذه لحم ، وهذه لحم ، فهل يستويان ؟ والله البونُ شاسع بينهما ، وأنا أعتقد أنه لا توجد رائحة على وجه الأرض  أكثر إيذاء للإنسان من اللحم المتفسِّخ ، وكلكم سافرتم ، فإذا كان هناك حيوان ميت متفسِّخ من مئتي متر تجد أنك لا تتحمَّل الرائحة ، فتسد أنفك ، وتضاعف السرعة لكي تتخلَّص من هذه الرائحة ، وهناك لحم مشوي ، وكلاهما لحم ..

 

﴿ لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ ﴾

      لا يستوي ، المؤمن عالم .. ما اتخذ الله ولياً جاهلاً ولو اتخذه لعلَّمه .. الكافر جاهل ، إنه كتلة جهل ، وقد يكون يحمل أعلى شهادة ، ولكن لأنه لم يعرف الله فهو جاهل ، قد يكون في اختصاصه متفوِّقا ، هذا يسمى ذكيا ولا يسمى عاقلاً ، بالمعاملة ؛ هذا مستقيم وهذا منحرف ، هذا وفيّ وهذا خائن ، هذا حيي وهذا وقح ، هذا عفوّ وهذا منتقم ، هذا صبور وهذا لجوج ، هذا منصف وهذا ظالم ، هذا سامٍ وهذا دنيء ، هذا وديع وهذا فيه غلظة ، هذا مؤنس وهذا موحش ، لا يستويان ، المؤمن متصل بالله فاشتقّ من كماله ، وأي مؤمن إن اتصل بالله عزَّ وجل اشتقَّ من كماله ، فتجد فيه الوداعة واللطف ، والأدب والحياء ، والرحمة والشفقة ، والعدل والإنصاف ، والورع والخوف ، والافتقار والتواضع ؛ وابتعد عن الكبر والغطرسة ، والعنجهية والسيطرة ، والدناءة والأنانية ، والأثرة والقسوة والجحود ..

﴿ لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ ﴾

والله لو عشت مع مؤمنٍ ، وعشت مع عاصٍ أو كافر لو لم ينطق كلاهما بكلمة لرأيت البون شاسعاً بينهما .

حدَّثني طبيب يعمل في مستشفى قال لي : زارنا مريض معه ورم خبيث في أمعائه ، وهو مؤمن ، لكن العجب أنه كلَّما دخلنا عليه استأنسنا به ، كلَّما دخل عليه إنسان يقول له : أتشهد أنني راضٍ عن الله ؟ اشهد على أنني راضٍ على ما ساقه الله لي ، يا رب لك الحمد ، قال لي : حينما يضغط على كبسة الجرس يتنافس الممرضون لخدمته ، ويتنافس الأطبَّاء لخدمته ، واضطروا أن يفتحوا أمعاءه ، وأن يخرج الغائط من طرف أمعائه ، قال لي : والله .. وهو صادق .. إذا دخلنا لغرفته فهي برائحة المسك ، وجه منير ، تسبيح وذكر وصبر ، واعتراف بالفضل ، ويا رب ، إني راضٍ عن فعلك ، فارض عني ، ويُشهِد كل الناس أنه راضٍ عن الله ، ثم توفي هذا المريض ، وانصرف إلى رحمة الله ، قال لي : لحكمةٍ أرادها الله ولدرسٍ تأديبيٍّ لنا جاءنا مريض بالمرض نفسه ، ورم خبيث في الأمعاء ، قال لي : لا يوجد نبي لم يسبَّه ، رائحة الغرفة لا تطاق ، كلَّما قرع الجرس لا أحد يستجيب له ، يتكلَّم كلامًا غير معقول ، نفس غليظة ، اعتراض على حكم الله ، يتكلَّم بالكفر ، انظر الشاهد :

 

﴿ لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ ﴾

المرض نفسه ، هذا تلقَّاه بالصبر ، والثاني بالضجر ، هذا بالشكر ، وهذا بالجحود ، هذا بالهدوء ، وهذا بالضجيج ، هذا بالعرفان بالجميل ، وهذا بإنكار الفضل .

 

﴿ لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ الْفَائِزُونَ ﴾

 

أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ الْفَائِزُونَ

 

قد يفوز الكافر في الدنيا .

 

﴿ لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ(196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ(197)لَكِنْ الَّذِينَ اتقوا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ﴾

( سورة آل عمران  )

 

لا بد من استخدام مقاييس القرآن للفوز :

 

ينبغي أن تستخدم مقاييس كتاب الله ، أن تقيّم الناس لا بحجمهم المالي ، ولا بقوَّتهم ، بل بطاعتهم لله ..

 

﴿ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾

( سورة الأحزاب )

هذا كلام ربنا .

 

﴿ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾

أحياناً يقول لك أحدُهم : أخذنا أرضا الدنم بعشرين ألف ليرة ، الآن بستة ملايين لا أبيع هذا الدنم ، خير إن شاء الله ؟ يظن أنه فاز فوزاً عظيماً ، اشترى بيتا بثلاثين ألفًا فأصبح ثمنه ثمانية ملايين ، يظن نفسه فاز فوزاً عظيماً ، وكيل شركة حصرية أرباحها طائلة ، ومركزه مكين في الشركة ، يظن أنه قد فاز فوزاً عظيماً ، وصل إلى منصبٍ رفيع ، يظن أنه قد فاز فوزاً عظيماً ، لكن الله يقول :

 

 

﴿ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾

 

 

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ ﴾

( سورة فصلت )

      

﴿ لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ الْفَائِزُونَ ﴾

أي إن الإنسان إذا كان في طريق الجنَّة فهذا من أسعد الناس ، وفي الكون حقيقة : أن الله جلَّ جلاله هو كل شيء ، هو الأول والآخر ، والظاهر والباطن ، وأيّ شيء يقرِّبك منه فهو الحق ، وأيّ شيءٍ يبعدك عنه فهو الباطل ، فلذلك :

 

﴿ لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ الْفَائِزُونَ ﴾

هم الفائزون بنصِّ القرآن الكريم ، وهناك مليون نص آخر غير قرآني يبين أن الغني هو الفائز ، القوي هو الفائز ، الذكي هو الفائز ، المنتمي إلى فئة معيَّنة هو الفائز ، لا ..

 

﴿ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ الْفَائِزُون ﴾

      وأصحاب الجنَّة هم الطائعون ، الجنَّة لكل الناس ، لكن لها ثمن ، سلعة الله غالية ، وثمنها طاعة الله عزَّ وجل .

 

﴿ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ الْفَائِزُون ﴾

ثم يقول الله عزَّ وجل :

 

﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾

 

لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ

 

هذه الآية لها تفسيرات عدَّة :

 

1 ـ معنى الآية :

 

أحد تفسيراتها : أن النبي صلى الله عليه وسلَّم أنزل الله عليه القرآن ، وكان ثابتاً  ..

 

﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ﴾

( سورة النجم )

إذاً : النبي عليه الصلاة والسلام كان أشدَّ رسوخاً من الجبال ، وحي السماء ينزل على إنسان ويتحمَّله !!

 

﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾

 

2 ـ كيف يخشع الجبل ولا يخشع الإنسانُ ؟!!!

 

القرآن فيه الحق ، فيه وعد خالق الكون ، فيه وعيده ، فيه حلالٌ وحرام ، فيه أمر ونهي ، فيه تاريخ البشرية ، فيه مستقبل البشرية ، فيه غيب الماضي ، فيه غيب الحاضر ، فيه غيب المستقبل ، قرآن ، إذا أنزِل على جبلٍ ، وكان لهذا الجبل عقلٍ لاستوعبه ، وآمن به ، وخشع له ، فكيف إذا أُنزل على البشر العقلاء الذين وهبهم الله أعظم نعمةٍ على الإطلاق ،  نعمة العقل ، ومع ذلك لا يتأثَّرون ، ولا يعبؤون به ، ولا يلقون له بالاً ، بل اتخذوه وراء ظهورهم ، وأهملوه .

 

3 ـ القرآن مهجورٌ في حياة المسلمين :

 

الآن في حياة المسلمين ، ادخلْ إلى بيت مسلم تجد أنه لا يطبِّق منهج الله ، طبعاً القرآن موجود ، معلَّق في غرفة ، وتوجد لوحات كثيرة قرآنية ، آية الكرسي في كل البيوت تقريباً ، لكن العلاقات ، اللقاءات ، الاجتماعات ، السهرات ، الندوات ، الحفلات ، الكسب ، الإنفاق ، خروج الزوجة ، خروج البنات ، كله غير إسلامي ، إذاً : هذا القرآن لا يحكَّم في بيوتنا ، ولا في أعمالنا ، بل مكاسبنا ربوية ، وهناك غش ، وكذب ودجل ، وإخفاء عيوب ، وبيعة في بيعتين ، آلاف المخالفات في أعمالنا ، وفي بيوتنا ، إذاً : هذا القرآن لا يحكِّم في حياتنا اليومية .

أيها الإخوة الكرام ، هذا القرآن الكريم إذا أنزل على جبلٍ لرأيته :

 

﴿ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا

 

أي متشقِّقا ً ..

 

﴿ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ

 

4 ـ كتاب الله منهج للمسلمين :

 

فكيف إذا أُنزل على إنسان من لحمٍ ودم ، له عقل وله نفس ، وله قوةٌ إدراكية ، وقد كُلِّف حمل الأمانة ، واختاره الله على علم ، وجعله سيد المخلوقات ، وسخَّر له الأرض والسماوات ؟ فهذا مثَلٌ يحثُّنا على أن نتمسَّك بهذا الكتاب ، هذا منهج الله ، هذه تعليمات الصانع ، هذا حبل الله المتين ، هذا ركنٌ ركين ، هذا الملجأ ، هذا المنهج ، هذا الدستور ، هذا الطريق القويم ، هذا الصراط المستقيم ، هذا كما يقول بعض الناس: المنهج الذي إن تمسَّكنا به وصلنا إلى سعادتنا في الدنيا والآخرة ، فعلينا أن نقرأه ، علينا أن نفهمه ، علينا أن نتدبَّره ، علينا أن نطبِّقه ..

 

﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

 

وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ

 

إذا كان الإنسان مستقيما ، وكان الخط مع الله سالكا ، وهو قريبٌ من الله يلقي الله في قلبه من المعاني الدقيقة ، ومن السرور في قراءة هذا الكتاب ما لا يوصف ، أما حينما يبتعد عن الله بالمعاصي حُجِب عنه ذلك .

 

﴿ وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا ﴾

( سورة الإسراء )

معنى هذا أنك إذا آمنت ، واستقمت فإن هذا القرآن شفاءٌ لك ، شفاءٌ لعقلك ، شفاءٌ لنفسك ، شفاءٌ لجسدك ، شفاءٌ لمجتمعك ، شفاءٌ في دنياك سعادةٌ في آخرتك ، هذا الكتاب ينبغي للإنسان ألاَّ يهجره ، أن يعيشه ليلاً ونهاراً ، صبحاً ومساءً .

في الدرس القادم إن شاء الله نتحدَّث عن آيات الله الكريمة :

 

﴿ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَانُ الرَّحِيمُ ﴾

( سورة الحشر : الآية 22)

والحمد لله رب العالمين



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب