سورة محمد 047 - الدرس (6): تفسير الأيات (24 – 28) - لا إله إلا الله أساس دعوة الأنبياء جميعاً

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ..."> سورة محمد 047 - الدرس (6): تفسير الأيات (24 – 28) - لا إله إلا الله أساس دعوة الأنبياء جميعاً

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ...">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج بريد الأسرى: بريد الأسرى - 17 - 04 - 2024           برنامج موعظة ورباط: موعظة ورباط - 08 - فقدنا الأمل في الدعاء - د. عمر عبدالحفيظ           برنامج الكلمة الطيبة 2024: الكلمة الطيبة - التضامن مع الأسرى           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 389 - سورة المائدة 006 - 006           برنامج منارات مقدسية: منارات مقدسية - 272 - مقبرة باب الرحمة           برنامج موعظة ورباط: موعظة ورباط - 07 - بشرى لمن قصف بيته - الشيخ محمد نور         

الشيخ/

New Page 1

     سورة محمّد

New Page 1

تفســير القرآن الكريم ـ ســورة محمّد ـ الآيات: (24 - 28) - على المؤمن أن يتدبر القرآن و يفهم معانيه و يطبق آياته عبادة و سلوكاً

25/05/2013 18:10:00

سورة محمد (047)
 
الدرس (6)
 
تفسير الآية: (24-28)
 
على المؤمن أن يتدبر القرآن و يفهم معانيه و يطبق آياته عبادة و سلوكاً
 
 
 
لفضيلة الأستاذ الدكتور
 
محمد راتب النابلسي
 

 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الأخوة المؤمنون ... مع الدرس السادس من سورة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلَّم .
  
العاقل من تدبر آيات القرآن الكريم و فهم معانيه :
 
 :مع الآية الرابعة والعشرين وهي قوله تعالى
 
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)
أيها الأخوة ... تدبر الشيء : النظرُ إلى عاقبته ومؤدَّاه ، أو النظر إلى ما ورائه والقُبُل مقدم الإنسان والدُبُر عكس القبل ، فنظر إلى دبر الشيء أي : نظر إلى نتائجه ، نظر إلى ما ينتج عنه من نفعٍ أو من ضُر ، تدبَّر الأمر نظر إلى عواقبه ، تدبَّر آيات القرآن الكريم نظر إلى هذا الأمر ورأى الخير الذي ينتج عن تطبيقه ، ونظر إلى هذا النهي ورأى الشر الذي ينتج عن اقترافه ، فالإنسان عليه أن يقرأ القرآن ، وعليه أن يتدبر آيات القرآن الكريم ، إذا كان الله جلَّ جلاله توعَّد المرابين بحربٍ من الله ورسوله ، فكيف يجرؤ عبدٌ على أكل الربا وقد توعده الله بحرب ؟! ما معنى تدبر هذه الآية ؟ إن الله سبحانه وتعالى في قرآنه الكريم ، وفي آيةٍ محكمةٍ واضحةٍ قطعية الدلالة تؤكد أن من يقترف هذه المعصية فالله سبحانه وتعالى سيدمره .
    
على الإنسان أن يقرأ القرآن تعبداً و تدبراً :
 
التدبر أن تقرأ الأمر وأن تعرف من هو الآمر ، وما هي النتائج ؟ أن تقرأ النهي وتعرف من هو الناهي وما هي النتائج ؟ فانطلاقاً من حبك لذاتك ، وانطلاقاً من حبك لوجودك ولسلامة وجودك ، ولكمال وجودك ، ولاستمرار وجودك تَدَبَّرْ آيات القرآن الكريم ، تفحَّصْ الحلال وكيف أن النفس تطيب به ، وتدبر آيات الحرام وكيف أن النفس تحرم به من السعادة ، تدبر آيات الأمر وكيف أن أمر الله أصل كل خير ، تدبر آيات النهي وكيف أن النهي ضمانٌ من الوقوع في الهلاك ، تدبر آيات الكون وكيف أنها السبيل لمعرفة الله عزَّ وجل ، تدبر مشاهد يوم القيامة وأن الله سبحانه وتعالى وعد المؤمنين بالجنة ووعد الكفار بالنار .
 
وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ حَدِيثًا(87)
(سورة النساء )
فهذا الكتاب الذي هو من عند خالق الكون ألا يستأهل أن تقرأه قراءة تدبر ؟ قراءة تمعُّن ، قراءة تبصُّر ، قراءة تأمُّل ، قراءة فهم ، قراءة بحث ، قراءة درس ، فأحياناً الإنسان يتأمل مادة بمرسوم أو قانون ، ماذا يقصد الوزير ؟ أيسمح بالاستيراد ؟ لا يسمح ، لو أنه سُمِح لأصبحنا فوق الريح هكذا يقول ، أم لهذا السماح قيد يا ترى ، من أجل مصالحك الدنيوية تقرأ القرار مرة ومرتين وثلاثاً وتسأل خبراء وأشخاصاً لهم خبرة ، وأصدقاء ، وزملاء ، بعد ذلك تنتظر المرسوم التفسيري ، لأن هذا الأمر يتعلق بمصالحك المادية ، ولكن مصيرك في الآخرة متعلق بهذا الأمر والنهي الإلهيين .
 
   تأكيد الله عز وجل على قراءة التدبر : 
 
لذلك فالقرآن الكريم يُقرأ تعبداً ، ويقرأ تدبراً ، قراءة التعبد غير قراءة التدبر ، قراءة التعبد تشعر براحة نفسية حينما تقرؤه وبسرور ، كلام الله من أي بابٍ أتيته تسعد به ، لو أنك قرأته تسعد به ، حفظته تسعد به ، فهمته تسعد به ، لكن الله سبحانه وتعالى يؤكِّد على التدبر .
      
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)
إله في عليائه يأمرك بغض البصر ، ليس هذا في الحديث الشريف فحسب بل في نص القرآن الكريم أيضاً ، فالإنسان حينما يمشي في الطريق ويملأ عينيه من الحرام ، ما موقفه مع الله ؟ مكشوف ، كيف يتوازن ؟ كيف يقدر أن يرتاح نفسياً ؟ هل يأمن مكر الله عزَّ وجل ؟ هل يأمن عقابه ؟ لما الإنسان تمتد يده لمال حرام فقد أهلك نفسه ، والله عزَّ وجل قال :
 
وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ
(سورة البقرة : آية " 188 ")
 
  التدبر يوصل الإنسان إلى عاقبة كل أمر يريد أن يفعله :
 
خالق الكون بآيةٍ واضحةٍ ، صريحةٍ ، بينةٍ ، محكمةٍ ، قطعية الدلالة يقول :
 
وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ
 :ورد في الحديث الشريف أنه
(( مَا آمَنَ بِالْقُرْآنِ مَنِ اسْتَحَلَّ مَحَارِمَه ))
[من سنن الترمذي : عن " صهيب "]
(( ورب تالٍ للقرآن والقرآن يلعنه ))
[ ورد في الأثر]
 :أنت مع كتاب خالق الكون ، فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه ، التدبر : هذا الأمر لو أنني طبَّقته ما العاقبة ؟ الله عزَّ وجل قال
 
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً
سورة النحل : آية " 97 " )
 
من أراد الدنيا و زينتها  عاش عيشة ضنكاً :
 
: قال لك
 
وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي
( سورة طه : آية " 124 " )
.أردتَ الدنيا ، أردت زينتها ، أردت الملاهي ، أردت الأصدقاء ، أردت الاختلاط ، أردت اقتراف الذنوب ، أردت المُتَع الرخيصة
 
وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا
( سورة طه : آية " 124 " )
 :خالق الكون الذي بيده كل شيء يقول لك
 
فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا
معيشة كلها متاعب ، كلها احباطات ، كلها إخفاق ، كلها تعسير ، كلها ضيق نفسي ، ضيق على تعسير على إحباط على قهر على حرمان يعني معيشة ضنكاً .
 
فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا
 
ضيق القلب عاقبة المعرض عن ذكر الله :
 
..قد يقول قائل : هؤلاء الذين ينعمون بأموالٍ كثيرة ومراتب عالية ما علاقتهم بهذه الآية ؟ أجاب المفسرون : ضيق القلب ، لو أنك تملك المال الوفير والجاه العريض
 
وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا
( سورة طه : آية " 124 " )
 .وإذا أردت فابحث ، اذهب إلى هؤلاء الذين هم في نظر الناس في أعلى قمم النجاح المادي ، المالي ، الاقتصادي ، ادخُل في صميم حياتهم
 
فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا
 
التدبر كلمة تتضمن عدة معان منها :
 
1ـ  قراءة القرآن الكريم و فهم معانيه :
التدبر أن تقرأ كتاب الله ، أن تقرأ الآية ، أن تفهم معناها الدقيق ، أن ترى ما النتيجة التي تتأتى من تطبيقها ، وما الخطر الذي يتأتى من مخالفتها ، فالإنسان قد أعطاه الله عزَّ وجل فكراً ، هو أثمن ما يملكه ، هذا الفكر لماذا يعمل في الدنيا ؟ لكسب المال ، والإيقاع بين الناس ، يعمل في الكيد بين الخلائق ، لٍمَ لا يعمل هذا الفكر في فهم كلام الله ، في التدبر ؟ الله يقول :
  
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ
2 ـ النظر إلى النتائج :
التدبر أن تنظر إلى النتائج ، نتيجة الطاعة ، نتيجة المعصية ، ماذا بعد الحياة الدنيا ، ما معنى أن يدخل الإنسان جهنم ؟ الإنسان يتدبَّر الآية ، أيطيق لهب شمعةٍ على إصبعه ، اعمل للدنيا بقدر بقائك فيها ، واعمل للآخرة بقدر مقامك فيها ، واتقِ الله بقدر حاجتك إليه ، واتقِ النار بقدر صبرك عليها ، التدبر مهم جداً .
 
من قرأ القرآن قراءة تعبد تمكّن من معرفة أحكام الله تعالى :
 
 : ، ولك حصةٌ تقرأ فيها القرآن قراءة تدبر ، يعني تكفيك آية واحدة ، قال له : " عظني ولا تطل " ، قال عليه الصلاة والسلام فيا أيها الكريم ... يجب أن يكون لك حصة تقرأ فيها القرآن قراءة تعبد ، أنا والله بشهر أختمه ، أو بأسبوعين ، أو بأسبوع ، أو بأشهر ثلاثة ، لا يوجد مانع
 
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه(7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه(8)
(سورة الزلزلة)
قال : " كفيت يا رسول الله " ، آية اكتفى بها ، فقال عليه الصلاة والسلام : (( فَقُهَ الرجل )) .. فاقرأ آيات الأمر والنهي ، اقرأ آيات الوعد والوعيد ، اقرأ خبر الماضي ، غيب الماضي ، وغيب الحاضر ، وغيب المستقل ، اقرأ وصف ربنا للجنة والنار ، اقرأ ما حدثنا به ربنا عزَّ وجل عن ذاته وكيف حَدَّثنا عن نفسه لتتمكن من معرفته ..
 
  عظمة الله عز وجل تتجلى من خلال فهم الآيات الكونية :
 
 
اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ
(سورة البقرة : آية " 255 ")
 
هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)
(سورة الحشر)
فاقرأ القرآن قراءة تدبر ، اقرأ القرآن قراءة درس ، قراءة تعبُّد ، قراءة بحث ، قراءة فهم ، قراءة معاينة ، قراءة غوص في الأعماق ، هل هناك كتابٌ يستحق أن تغوص فيه كالقرآن ؟ العجيب أن دارساً للأدب يأخذ قصيدة قيلت في الجاهلية ، فلا يزال يدرس أبعاد المعاني ، وماذا يريد الشاعر من هذا البيت ؟ وما الخلفية التي دفعته لهذا البيت ؟ وماذا يعني هذا البيت ؟ فهذا الجهد الكبير يبذل لفهم كلام إنسان عادي ، فالأولى أن تفهم كلام الله بهذا العمق ، الأولى أن تقف عند آياته ، عند حلاله ، عند حرامه ، عند محكمه ، عند متشابه ، عند وعده ، عند وعيده ، عند وصف الله للأقوام السابقة ، عند مشاهد الجنة ، عند مشاهد النار ، عند الآيات الكونية الدالة على عظمة الله .
      
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)
 
  الفرق الكبير بين العالم و العابد :
 
 :لذلك من بعض المعاني التي ترد في قوله تعالى
 
إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ(1)وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ(2)لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ(3)
(سورة القدر)
من بعض المعاني التي يمكن أن تستنبط من هذه الآيات أنك إذا قدَّرت الله حق قدره فهذا الذي حصل خيرٌ لك من ألف شهرٍ تعبده ، لأن العلم شيء والعبادة شيء ، العابد مهما عبد الله خيره محصورٌ فيه ، يسعد لكن لا يستطيع أن ينفع ، ويوم القيامة :
 
ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(32)
(سورة النحل)
من الممكن أن تقرأ القرآن قراءة تعبد وترتاح وتسعد ، لكنك لا تستطيع أن تنقل هذا القرآن للناس شرحاً وإيضاحاً وتبصيراً ، العابد لذاته ، يعمل لذاته ، يعمل لإسعاد نفسه ، لكن الجنة تحتاج إلى عمل ، ماذا قدمت ؟ ماذا فعلت ؟ ما العمل الذي فعلته حتى تستحق رضوان الله عزَّ وجل ؟ فقراءة القرآن قراءة تعبُّد مريحة جداً ومسعدة ، لكنك إذا قرأته قراءة تدبر وفهمت أسراره ، ومدلولات كلماته ، والقوانين التي يمكن أن تستنبط من آياته الدقيقة ووضحتها للناس فقد ارتقيت بالعلم ..
 )) فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ ((
[سنن أبي داود]
 :عليه الصلاة والسلام وكما قال
(( فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُم))
[سنن الترمذي]
 
  قراءة التعبد تسعد بها لكنك لا ترقى بها و قراءة التدبر تسعد و ترقى بها :
 
 : ، ولا تنسى أن الله سبحانه وتعالى يقول آمراً النبيَّ عليه الصلاة والسلام لذلك قراءة التعبُّد شيء ، وقراءة التدبر شيءٌ آخر ، قراءة التعبد تسعد بها لكنك لا ترقى بها ، ولا تستطيع أن تكسب الدرجات العُلا في الجنة بها
 
وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا(52)
(سورة الفرقان)
.عقلتها لكانت سبب سعادتك في الدنيا والآخرة ، آية واحدة ، ولا تنسى أن القرآن الكريم ما فرَّط بشيء ، فيه كل شيء أنت محتاجٌ إليه في علاقتك بالله عزَّ وجل ، فيه كل شيء أنت محتاجٌ إليه في توجهك إلى الله عزَّ وجل ، كتاب هدايةجاهدهم بالقرآن ، قف عند آياته ، ولو كانت آية واحدة فقط ، القضية ليست قضية كم ، بل القضية قضية نوع ، لو أن آيةً واحدةً
 
  من عَقِل معاني الآيات و بلغها للناس شعر بسعادة لا توصف :
 
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)
:أن تكون هذه الآية منطلقاً لنا ، فما الذي يمنع في أيام الأسبوع أن تقرأ القرآن مرتين ، مرة قراءة تعبُّد ومرة قراءة تدبر ، لو أنك جعلت من آيات درس الجمعة ، آيات التدبر طوال الجمعة ، الإنسان يستمع أحياناً ويسعد في الاستماع ويتأثر ، فلو أنه بعدما ذهب إلى البيتقرأ الآيات التي فُسِّرَت ، ودرس ما قيل في شرح هذه الآيات وحَوْل هذه الآيات ، واستعمل عقله ، وقلَّب الآية على وجوهها ، فإذا عقل معانيها الدقيقة فعليه أن يبلِّغها للناس ، كما قال عليه الصلاة والسلاملذلك أرجو الله سبحانه وتعالى
((بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً  ))
[من صحيح البخاري : عن "عبد الله بن عمرو]
فإذا عقلها وبلَّغها للناس فبدون أن يشعر يطبَّقها على نفسه فيسعد بمعانيها ، والإنسان يحب ذاته ، وخيره في فهم كتاب الله وتطبيق ما فيه ؛ فلنستمع إذًا إلى بعض الآيات في الأسبوع ونطبقها تطبيقاً دقيقاً .
 
  ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً : آية لها عدة معان :
  
1ـ  المعتدي لا يحبه الله و لا يستجيب له :
 :اليوم في الخطبة ذكرت
 
ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ(55)
(سورة الأعراف)
في معانٍ دقيقة ، المعتدي لا أحبه وبالتالي لا أستجيب له ، فالذي يعتدي على أموال الناس ، الذي يعتدي على ما في أيديهم ، الذي يعتدي على أعراضهم ، الذي يبيح لنفسه ما حرَّمه الله عليه هذا لو دعا دعاءً مُنَمَّقاً بصوتٍ عالٍ ، لو تشدق بالدعاء ، لو تقعَّر بالدعاء لا يستجيب الله له.
 
ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ(55)
(سورة الأعراف)
هذا معنى .
2 ـ على الإنسان أن يدعو ربه تضرعاً و تذللاً :
هناك معنى آخر : أمرك الله عزَّ وجل أنتدعوه تضرعاً ، تذللاً ، خضوعاً ، استكانةً ، تعبُّداً ، فإذا تعودته مستكبراً فقد اعتديت على شروط الدعاء ولن يستجيب الله لك .
3 ـ على الإنسان أن يدعو ربه همساً :
أمرك الله عزَّ وجل أن تدعوه خفيةً همساً بينك وبينه ، إنك لا تنادي أصم ، إنك تنادي من يعلم خائنة الأعينوما تخفي الصدور ، فإذا رفعت الصوت في الدعاء رياءً ، فقد اعتديت على شروط الدعاء ، إذاً لا يستجيب الله لك .
4 ـ من دعا فأطال كثيراً حمل الناس على الملل و أثقل عليهم :
إنك إذا دعوت فأطلت كثيراً حتى حملت الناس على السأم والملل فقد اعتديت عليهم ، إذا دعوت لنفسك فادعُ الساعات الطِوال ، أما إذا دعوت للناس فادعُ الدعاء المختصر الذي لا يثقل عليهم ، فأنت قد عرفت هذه الآية مثلاً بأربعة معانٍ ، والشرطين الأساسين ، الخفية والتضرُّع وعدم العدوان ، إذا فهمت هذه الآية بهذا الفهم الدقيق لك أن تذكرها للناس ، هذه الآية أصبحت للدعوة موضوعاً كما أصبحت موضوعاً للحديث في المجالس .
 
التدبر هو معرفة النتائج :
 
ما أسعد هذا الإنسان الذي يمضي كل وقته في ذكر الله عزَّ وجل أينما جلس ، معظم الناس يمضون الساعات الطوال مع بعضهم يتبادلون كلاماً فارغاً لا معنى له في معصية وبُعد عن الله عزَّ وجل ، أما إذا ذكرت الله عزَّ وجل :
(( ما ذكرني عبد في ملأٍ إلا ذكرته في ملأٍ خيرٌ منه ، وما ذكرني عبدي في نفسه إلا ذكرته في ملأٍ من ملائكتي ، وما ذكرني في ملأٍ من خلقي إلا ذكرته في ملأٍ خيرٍ منه )) .
[ متفق عليه عن أبي هريرة]
فأحياناً تجد أن الآية فيها مفتاح سعادتك ، مفتاح التوفيق، مفتاح الفوز في الدنيا والآخرة ، آية واحدة ، كلام خالق الكون ..
 
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ
(سورة الأنعام : آية " 1 ")
 
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ
(سورة الكهف : آية " 1 " )
أيْ أنّ الكون يوازي هذا القرآن الكريم وأن هذا القرآن في عظمته يوازي الكون في سعته ، الكون خلقه وهذا كلامه ، فما الذي يمنعنا من أن نفهم كلام الله فهماً عميقاً ، ما الذي يمنعنا من أن نقف عند آياته وقفةً متأنيةً ؟ ما الذي يمنعنا من أن نتفحَّص كلام الله عزَّ وجل ، أبعاده ، الأحكام الشرعية المستنبطة من كلام الله عزَّ وجل ؟ ما الذي يمنعنا أن نأتمر بما أمر الله وأن ننتهي عما نهى الله عنه ؟ التدبر إذًا : معرفة النتائج .
 
  العاقل من يصل إلى النتائج على صعيد الفكر قبل أن يصل إليها على صعيد الواقع :
  
إذا أردت أن تذهب إلى بلدٍ غربي ، وتستقر فيه قد يذهب الإنسان إلى هناك فيعجب بالرفاه ، والحضارة ، والأبنية الفخمة ، والمركبات الرخيصة ، والحدائق الغنَّاء ، والشوارع العريضة فهذا لم يتدبر ، أما الذي يتدبر فهو يتصور أنه تزوج هناك ، وأنجب أولاداً ، ونشّأ الأولاد في ظل الإباحية الجنسية ، فماذا ينفعه ؟ إذا أردت إنفاذ أمرٍ تدبر عاقبته ، لذلك : من هو العاقل ؟ هو الذي يصل إلى النتائج على صعيد الفكر قبل أن يصل إليها على صعيد الواقع ، يصل إليها بعقله قبل أن يصل إليها بجسده ، هذا هو التدبر ، لذلك دائماً المتدبر لا يندم ، لأنه رأى الذي سيكون قبل أن يكون .
       
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)
ليس هناك عمل يعلو على أن تفهم كلام الله ، الإنسان يدرس ويعمل طيلة حياته ، يا ترى عمله ، دوامه في وظيفته ، كسب رزقه ، تجارته ، صحته ، زواجه ، أولاده ، فما من عمل على الإطلاق يعلو على أن تفهم المنهج الذي في كتاب الله .
 
  وجود الإنسان لا معنى له من دون منهج يسير عليه :
  
الله عزَّ وجل قال :
 
الرَّحْمَانُ(1)عَلَّمَ الْقُرْآنَ(2)خَلَقَ الإِنسَانَ(3)عَلَّمَهُ الْبَيَانَ(4)
(سورة الرحمن)
 :أيعقل أنَّ يُعَلَّم الإنسان القرآن قبل أن يخلق ؟ هكذا الآية
 
الرَّحْمَانُ(1)عَلَّمَ الْقُرْآنَ(2)خَلَقَ الإِنسَانَ(3)
فالإجابة عن هذا السؤال : أن الترتيب يبين الآيتين ليس ترتيباً زمنياً بل هو ترتيب رُتَبِي، بمعنى أن وجود الإنسان لا معنى له من دون منهج يسير عليه ، لذلك ليس هناك من عملٍ على الإطلاق مقدّم على فهم منهج الله ، ليس هناك عملٌ على الإطلاق يعلو على أن تفهم كلام الله ، لأنه منهجك ، نجاحك في الزواج نتيجة فهمك لكلام الله ، نجاحك بالتجارة انعكاس لفهمك لكلام الله ، نجاحك مع أهلك سببه فهمك لكلام الله ، نجاحك في علاقاتك الاجتماعية ، نجاحك في صحتك ..
 
  من كان حريصاً على سلامته و سعادته عليه أن يفهم آيات القرآن فهماً دقيقاً :
 
وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا
(سورة الأعراف : آية " 31 " )
نجاحك في كل شيء أساسه فهم المنهج ، مرة ضربت مثلاً قلت فيه : لو فرضنا جهاز حاسوب ثمنه ثلاثون مليون لتحليل الدم ، فممكن أن تضع نقطة دم في مكان فيه وخلال ثوانٍ تظهر على الشاشة نتائج سبعة وعشرين تحليلاً ، فلو فرضنا أجرة كل تحليل ألف ليرة ، وعندهم مئة زبون ، مئة ألف كل يوم ، فلو أنك اشتريت هذا الحاسوب وليس معه كتاب التعليمات ، تعليمات التشغيل والصيانة ، وأنك إذا استعملته من دون كتاب تفسده ، ويصاب بالعَطَب ، وإن خفت عليه جَمَّدت ثمنه ، أليس هذا الكتاب أثمن منه ؟ أنا أعتقد من يشتري هذا الحاسوب بهذا الرقم الكبير ، يركب الطائرة ويذهب بنفسه ليأتي بدفتر التعليمات ، لأنها أساسيةٌ في استعمال هذا الحاسوب ، مصيريةٌ لتشغيله ، فأقول لكم : ما من عملٍ على الإطلاق يعلو على أن تفهم منهجك في الحياة ، كيف تعامل زوجك ، كيف تتقي المصائب ، كيف تتقي الهلاك ، كيف تسعد بذاتك ، فالإنسان آلة معقدة جداً ، وهذا الكتاب تعليمات الصانع ، ولاحظ نفسك حينما تقتني آلة غالية جداً ، تحرص على ترجمة تعليماتها ولو كانت بلغة صينية ، هل يوجد أحد هنا يفهم اللغة الصينية ؟ أو اللغة الألمانية ، وقليل عندنا من يترجم لها  فإذا كانت الآلة غالية ،غالية الثمن وعظيمة النفع ، تحرص على ترجمة تعليمات الصانع مهما كلَّفك الأمر ، وهذا القرآن الذي أمامك تعليمات الصانع ، فإن كنت حريصاً على سلامتك ، وإن كنت حريصاً على سعادتك فعليك بفهم هذه الآيات فهماً دقيقاً دقيقاً .
     
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)
 
القرآن الكريم فيه إشارات إلى أدق الحقائق : 
 
 :مرة قال لي أخ : ابني مريض مضى عليه بالمستشفى أسبوع ، قلت له : خير إن شاء الله ، قال لي : لقد أكل فواكه غير ناضجة ، عندنا بستان فقطف من أشجار البستان ، فقلت له : هل علَّمته القرآن ؟ قال لي : ما علاقة هذه بهذه ؟ قلت له : الله قال
 
كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ
(سورة الأنعام : آية " 141 " )
.الفواكه الفجَّة تؤذي الجسم ، القرآن فيه كل شيء تقريباً ، لو قرأتَ القرآن قراءة دقيقة لوجدتَ فيه إشارات إلى أدق الحقائق
 
 على الإنسان أن يكون في حياته خبيران أحدهما لدنياه و الآخر لآخرته :
  
 :فيا أيها الأخوة الكرام ... هذه آية دقيقة جداً
      
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)
أنت أحياناً يغيب عن ذهنك أن بعض الناس من بني جنسك من هو أقوى منك بحكم موقعه ، فيصدر قراراً ، تتأمل بالقرار ساعات طويلة ، ماذا يقصد بهذه الكلمة ؟ وماذا يعني بهذه الكلمة ؟ وهل يقصد المنع المُطْلق أم المنع المشروط ؟ وما رأي مفسري هذا القرار ؟ ما رأي كبار الموظفين عنده ؟ ألا تستحي من الله أن تأخذ نصًّاً بشرياً وتدرسه وتقتله دراسةً وتقلبه على وجوهه وتبحث عن مراميه ، وعن أبعاده ، وعن دلالاته ، وكلام ربك بين يديك ألا تسأل عنه؟ أنت يلزمك أن يكون في حياتك خبيران ؛ أحدهما لدنياك والآخر لآخرتك ، قال تعالى :
 
فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ(43)
(سورة النحل)
 
 كل إنسان بحاجة إلى من يعرفه بالله عز وجل :
  
 :قال
 
فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا(59)
(سورة الفرقان)
فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً : أنت بحاجة إلى إنسان يدلك على الله ، يكون مرجعاً لك ، طبعاً يأتيك بالدليل وليس من عنده ؟ لا أحد مؤهَّل بأن يعطيك شيئًا من عنده ، يقول لك : هذا افعله وهذا هو الدليل ، وهذا لا تفعله وهذا هو الدليل ، أنت بحاجة إلى من يعرِّفك بالله عزَّ وجل .
 
فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا(59)
وأنت بحاجة إلى إنسان خبير في الدنيا ، أردت أن تقدم على عمل ، على مشروع ، اسأل الخبراء المؤمنين ، اسأل أهل الخبرة من المؤمنين ، لأن من المؤمنين مَن ينصحونك ، لو فرضنا أنك التجأت إلى مؤمنٍ غير خبير فلن يفيدك ، هو طيِّب لكنه ساذج بهذا الموضوع ، ولو كان خبيثًا يقول لك : أنت تحتاج لهذا العمل ، يخاف أن تنافسه فيه ، في أمر الدنيا ، اسأل أهل الخبرة من المؤمنين ، وفي أمر الآخرة اسأل به خبيراً ، أحياناً آية يعسر عليك فهمها .
 
وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ
(سورة السجدة : آية " 13 " )
هذه الآية ألم تشكل عليك ؟ اسأل عنها الخبراء من مفسِّري القرآن الكريم ، الله عزَّ وجل جعل بعض الآيات تدعو إلى التساؤل حتى يتحرك الإنسان ، لينطلق ولا يبقى خاملاً ، الأشياء الواضحة جداً تدعو إلى الكسل أحياناً ، فهناك آيات تحتاج إلى تأمُّل ، إلى تدبر ، إلى سؤال مَن هو أكثر منك خبرةً فيها .
 
حبّ الدنيا و المعاصي تحجب الإنسان عن الله عز وجل :
      
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)
ما الذي يجعل على قلب الإنسان قِفْلاً ؟ حب الدنيا ، حبك الشيء يعمي ويصم ، وما الذي يجعل على القلب قفلاً ؟ المعاصي ، المعاصي حُجُب ، كل معصية حجاب ، الغارق في المعاصي لا يعي على خير ، لا يرى شيئاً ، غارق في شهواته ، هو غارق وفيه عمى ، هو في ظلام ، وفي ظلماتٍ بعضها فوق بعض ، إذا أخرج يده لم يكد يراها ، فربنا عزَّ وجل وصف الشهوات والمعاصي وصفاً مجازياً ، فهي قفلٌ على القلب ، فلا يظن أحدٌ أن الله عزَّ وجل قفل قلب هذا الإنسان ، هذا المعنى لا يليق بالله عزَّ وجل ، فالإنسان مخيَّر ، حينما اختار الشهوة واختار المعصية جعل من الشهوة والمعصية قفلاً على قلبه ، هذا يسمونه تحصيل حاصل ، حينما اختار الشهوة الدنيئة والمعصية القبيحة ، جعل من الشهوة والمعصية قفلاً على قلبه ، المعاصي بريد الكفر ، قد ينسى المرء بعض العلم بالمعصية .
    
علامة إصغاء الإنسان تطبيق ما سمع :
     
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)
﴿أفلا﴾ حرف حض ، أيْ تدبروا القرآن ، فإن لم تفعلوا ، فإن لم تستطيعوا فاعلموا أن على القلوب أقفالاً هي المعاصي والشهوات ، لذلك فالإنسان بمجرد أن يستقيم يصبح مصغياً للحق ، فلو فرضنا أنّ واحداً ألقى محاضرة والحضور استمعوا استماعاً دقيقًا جداً إلى درجة أنه لو رميت إبرةً لسمعت صوتها ، يعني أنهم منصتون ، فهل هذا هو الإصغاء الذي أراده الله ؟ لا والله ..
 
إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا
(سورة التحريم : آية  4)
..علامة الإصغاء لا أن ترى النفوس مستمعة استماعاً دقيقاً ، علامة الإصغاء التطبيق
 
إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا
 
تدبر آيات القرآن الكريم يبدأ بالتفكر و التأمل و الدرس و ينتهي بالتطبيق :
 
لذلك التدبر علامته لا التشدُّق بمعاني الآيات ، لكن تطبيقها ، إذا طبقتها فقد تدبرتها ، علامة الفهم الدقيق التطبيق العملي ، وإلا دخلنا في متاهةٍ العلم للعلم ، والعلم في الدين ليس هدفاً لذاته ، ما أردنا العلم للعلم ، لكن العلم للتطبيق ، للسمو ، للسعادة ، المعنى الجديد الآن الذي ينتج عن هذه المعاني ، أنك إذا وقفت عند الآية فاهماً ، متفَحِّصاً ، كُشفت لك الأبعاد ، المؤدى ، النتائج ، لكن إذا تعمَّقتَ في فهمها ولم تبادر إلى تطبيق مضمونها فأنت لم تتدبرها ، لأن التطبيق علامة الوعي ، وعلامة الفهم العميق ، فالتدبر يبدأ بالتفكر ، والتأمل ، والبحث ، والدرس وينتهي بالتطبيق ، أما إذا لم يشعر الإنسان بحاجة إلى التدبر فالمعنى أن قلبه مقفل ، فليبحث عن العقبات.
 
   على الإنسان أن يبعد المعاصي و الشهوات عن قلبه ليتدبر آيات القرآن الكريم : 
 
..؟ لماذا توقفت ؟ أين العُطل ؟ أين الخلل ؟ ما السبب ؟ فإذا الإنسان لم يرَ بنفسه حاجة ملحَّة إلى التدبر فمعنى ذلك أن على قلبه قفلاً ، فلينزع هذه الأقفال بعيداً ، والأقفال هي المعاصي ، والأقفال هي الشهوات ، وهذا المعنى ورد في آيات أخرى ، الذي يقترفون المعاصيلا أحد تتعطل سيارته وهو في سفر فيبقى مكتوف اليدين ، فأول عمل يفتح غطاء المحرِّك ، ما الذي حصل
 
أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44)
(سورة فصلت)
:والآية الثانية
 
وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا(82)
(سورة الإسراء)
 
:الآية الثالثة
 
وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى
(سورة فصلت : آية  44  (
    
الاتجاه إلى غير الله من أخطر الأعمال التي تؤدي بصاحبها إلى الشقاء :
 
الإنسان حينما يتلبس بالمعاصي ، وينغمس في الشهوات يكون بينه وبين هذا الكتاب حجابٌ سميك ، وكلما ازددت استقامةً وإخلاصاً وصفاءً كلما رأيت نفسك تفهم هذا القرآن فهماً دقيقاً عميقاً ، قال تعالى يصف هؤلاء الذين ارتدُّوا على أدبارهم ..
      
إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ(25)
الحركة الطبيعية نحو الأمام ، ونحو الله عزَّ وجل ، ونحو الحق ، ونحو الجنة ، أما الحركة المعاكسة فهي نحو الشهوات ، فربنا عزَّ وجل عبر عن الحركة المعاكسة للهدف الذي خلقتَ من أجله بالارتداد على الأدبار ، من هنا طريق الجامعة ، أدرت ظهرك للجامعة واتجهت عكس الاتجاه ، من هنا طريق الكسب أدرت ، ظهرك لهذه الجهة واتجهت جهةً معاكسة ، فقال تعالى :
      
إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ(25)
وهذه هي المصيبة الكبيرة أن الإنسان بعد أن يعرف الحق يتَّجه إلى الباطل ، بعد أن يعرف الهدى يتجه إلى الضلال ، بعد أن يعرف الطُهْرَ والكمال يتجه إلى الدَنَس والمعصية ، بعد أن يعرف الله يتجه إلى ما سواه ، هذا من أخطر الأعمال التي تؤدي بصاحبها إلى الشقاء.
 
على الإنسان أن يصغي لصوت الحق إن وقع بين وسوسة الشيطان و إلهام الملائكة :
      
إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ
إنّ الله عزَّ وجل حينما خلق الإنسان رسم له هدفًا وقال : اتجه نحوي يا عبدي ، اتجه نحو الحق ، اتجه نحو الآخرة ، اتجه نحو الإحسان ، اتجه نحو الفهم ، اتجه نحو العمل الصالح ، فإذا سار الإنسان باتجاهٍ معاكسٍ نحو الشهوة ، نحو الشيطان ، نحو المعصية ، نحو المتعة الرخيصة ، نحو الدنيا ، فكأنه أدار ظهره للحق ، إذاً يرتد على دبره ، وَلَّىَ الحق دبره ، واتجه نحو الباطل .
      
إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ(25)
أصغَوا إلى صوت الشيطان ، أصغَوا إلى وسوسته ، أنت بين وسوسة الشيطان وإلهام الملائكة ، الملك يلهمك : أن يا عبد الله اتقِ الله ، والشيطان يوسوس لك : أن يا أيها الرجل التفت إلى الدنيا ، أما قوله تعالى : ﴿أملى لهم﴾ فبعضهم قال : الإملاء هنا بمعنى أنه منَّاهم بمستقبل رغيد ، إن فعلت هكذا سعدت في دنياك ، إذا أخذت هذا المال الحرام اشتريت به بيتاً جميلاً وتزوجت أجمل امرأةٍ وعشت في بحبوحةٍ ويسر وكنت من سعداء الدنيا ، أملى لهم الأماني ، وبعضهم قال : الشيطان سوَّل لهم والله سبحانه وتعالى أمدَّهم تحقيقاً لاختيارهم ، كلا المعنيين صحيح .
      
إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ
 
  عدم تعاون الإنسان الكافر مع المؤمن بأي ظرف من الظروف :
  
 :الآن دققوا النظر
      
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26)
فهل من المعقول أن يتعاون إنسان مع كافر ؟
      
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ
هؤلاء الذين ارتدوا على أدبارهم ، هؤلاء الذين أصغوا لصوت الشيطان ، ماذا فعلوا حتى ألمّ بهم ما ألم بهم ؟ قال :
      
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ
هم اليهود ، اليهود كانوا يقيمون على العرب بأنه الله بعث  نبيًّاً منهم هو خاتم الأنبياء ، فلما كان هذا النبي الكريم من نسل إبراهيم عليه السلام كرهوا هذه النبوة لأنها ليست منهم .
 
 من رغب عن الدين احتقر نفسه :
  
قال سبحانه :
      
إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ
..اليهود
      
سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26)
يعلم أنهم كاذبون ، أيْ أنّ هؤلاء الذين جاءتهم الرسالة وضلوا عنها آثروا في طاعتهم وفي تآمرهم الذين كرهوا هذه الرسالة وهم اليهود ، والله يعلم إسرارهم يعلم نواياهم السيئة ، يعلم كذبهم ، قال :
      
فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27)
لماذا وجوههم وأدبارهم بالذات ؟ الوجه الذي اتجه نحو الشيطان ، أو نحو الشهوة ، والدبر الذي استدار للحق ، فلان أعطى هذا الشيء دُبُرَهُ ، أعطاه ظهره ، دليل الإعراض والاحتقار ، وبالمناسبة الإنسان أحياناً يحتقر شيئاً ما برفضه ، قد تحتقر صديقًا سفيهاً ، فاسقًا، بذيء اللسان ، تعرض عنه ، رغبت عنه احتقاراً له ، لكن أي إنسانٍ إذا رغب عن الدين فهو في الحقيقة يحتقر نفسه .
 
 سمو نفس الإنسان مرتبطة بمعرفة و تطبيق منهج الله عز وجل :
  
وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ
(سورة البقرة : آية  130  (
في الدين وحده ، إذا أدرت ظهرك له فأنت بهذا العمل تحتقر نفسك ، تحتقرها وتجعلها سفيهةً لا قيمة لها ، لأن الإنسان له حاجات عُليا وحاجات دنيا ، الحاجات الدنيا الطعام ، والشراب ، والزواج ، والعُليا معرفة الله ، فالإنسان إذا أعرض عن الله عزَّ وجل تخلَّى عن قيمته الإنسانية وبقي على مستوى البهيمة ، فكل إنسان يُعْرِض عن الدين يحقِّر نفسه ، يجعلها في مصافِّ البهائم ، الذي يرفعك عن الحيوانات أنّ الله سبحانه وتعالى أعطاك قوةً إدراكية ، أنت بهذه القوة الإدراكية يمكن أن تعرف الله ، إذا عرفته وعرفت منهجه ، وسمت نفسك إليه ، أكَّدت فيك الجانب الإنساني ، الإنسان هو المخلوق الأول ، والمخلوق المكرم ، والمخلوق المكلف .
 
دُبُرُ الإنسان الذي أَدَارهُ للحق هو مكان ضربه يوم القيامة :
      
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26) فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27)
لا شك أنّ الإنسان إذا ارتكب جريمة وألقي القبض عليه ، فإذا كان أتعب رجال الأمن الجنائي ثم ألقي القبض عليه ، يتلقّوه بالضربات والركلات الكثيرة إلى أن يصل إلى مكان التحقيق ، فيُهان ، يضرب أمام الناس أحياناً ، يضرب على أي مكان في جسمه ، بأي شيء ، يرفس بالرجل ، بعقب بندقية ، مجرم أتعب رجال الأمن ثم ألقي القبض عليه ، قال :
      
فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27)
.الوجه الذي ولَّيته إلى الدنيا هو مكان الضرب ، والدُبُرُ الذي أَدَرْتَهُ للحق هو مكان الضرب
      
يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27)
 
  النار عاقبة من يسخط الله عز وجل :
  
لذلك هذه النتيجة المأساوية ، وهذا الهلاك ..
      
الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27)
 :فهم في أدنى حالات الإهانة ، قال تعالى
    
ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28)
. ، الإحسان يرضيه ، الإساءة تسخطه ، العدل يرضيه ، الظلم يسخطه ، الرحمة ترضيه ، القسوة تسخطه ، فبالبديهة ومن دون تعلم من دون جهد كبيرهل هناك إنسان على وجه الإطلاق لا يعلم بالفطرة ما الذي يرضي الله ، وما الذي يسخطه ؟ ليس أحد أبداً ، بالفطرة ، بر الوالدين يرضي الله ، عقوقهما يُسْخِطُ الله ، الكذب يسخطه ، الصدق يرضيه
      
ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ (28)
الذي يسخط الله عزَّ وجل فعلوه ، والذي يرضيه ابتعدوا عنه ، هذه النتائج ، هذه النتيجة المأساوية ، هذا الهلاك الشديد ، دخول النار إلى أبد الآبدين ..
 
 من آثر دنياه على آخرته اتبع ما أسخط الله عز وجل :
  
      
ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ (28)
هذا مقياس دقيق ، ما الذي يسعدك ؛ أن ترضي الله أم أن تسخطه ؟ أن ترضي الله أم ألاّ تعبأ برضاه ؟ لذلك الله عزَّ وجل يضع الإنسان في امتحانات صعبة ، كل كلام وكل سلوك لا قيمة له إذا فعل في سرِّه ما يخالف علانيته :
(( ركعتان منورع خيرٌ من ألف ركعةٍ من مُخَلِّط ))
[ الجامع الصغير عن أنس ]
      
ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ (28)
إذا آثر الرجل زوجته على والدته ، وأهان والدته من أجل زوجته هذا اتبع ما أسخط الله ، إذا كان يغش المسلمين في البيع والشراء ليكسب أموالاً طائلة على حساب استقامته وعلى حساب دينه ، فهذا اتبع ما أسخط الله ، حينما تاجر ببضاعة محرمة تفسد الناس كأن تنشر إحدى دور النشر كتاباً فيه ضلالات وسموم فكرية .. يقول المسؤول عنها : مبيعاته بلغت أربع طبعات.. فلو كانت مئة طبعة ، أنت تربح من وراء إضلال الناس ، اتبعت ما أسخط الله ، هذا هو الدين ، فالدين دخل في كل شيء ، دخل بحرفتك ، دخل بمهنتك ، فلتعلموا إخواننا الكرام أن موضوع الاستقامة موضوع دقيق جداً ، فينبغي ألاّ يكون في أعمال جانبٌ فيه معونة للباطل ، وترويج للباطل أو شيء من الإثم والعدوان :
 
وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ
(سورة المائدة : آية  2)
 
 أول ثمرة من ثمار الدين الاتصال بالله عز وجل :
  
حتى تجد الطريق سالكًا إلى الله عزَّ وجل ، ومن أجل أن تسعد بهذا الدين ، من أجل أن تُقْبِل على الله عزَّ وجل ينبغي ألاّ يكون في كل حياتك ما فيه دعم للباطل ، من أعان ظالماً ولو بشطر كلمة ، لو أعطاه قلماً ، أو قال له : معك حق ، أو قال له:  لا عليك ، لو هز برأسه إرضاءً لهذا الظالم ..
(( مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّه ))
(من سنن ابن ماجة : عن " أبي هريرة)
: حرام ؟ فيها مجاوزة للحدود ؟ حتى تشعر بقيمة الدين ، أول ثمار الدين الاتصال بالله ، توفيق ، سعادة ، إكرام ، طمأنينة ، سكينة ، شعور بالتفوق ، هذا يحتاج إلى استقامة ، إلى بذل ، إلى تضحية ، قالأعمالك ، مصلحتك ، مهنتك ، حرفتك ، يا ترى هل فيها غش ؟ فيها
      
ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ (28)
 
من كان عمله مبنياً على فاحشة ظاهرة عليه أن يتخلى عنه :
 
يا ترى أهذه الرحلة ترضيه أم تسخطه ؟ فيها اختلاط مع أناس متحللين من الدين ، قد يشربون الخمر أمامك ، قد يمزحون مُزاحاً رخيصاً ، يعرضون زوجاتهم بأبهى زينة ، أرخص رحلة ، ارفضها من أساسها إذا كانت تسخط الله عزَّ وجل ، يا ترى هل هذه السهرة ترضيه أم تسخطه ؟ وهذا الاجتماع يرضيه أم يسخطه ؟ يا ترى هذه الأفكار التي تروِّجها من أجل أن تبيع بضاعتك ترضيه أم تسخطه ؟ فالمشكلة كبيرة جداً ، قد يكون العمل مبنياً على معصية واضحة جداً وفاحشة في قبحها ، فلذلك :
      
ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ (28)
الله عنده حساب موحَّد ، بيتك ، وعملك ، ونشاطاتك ، وأفراحك ، وأتراحك كلها بحساب واحد ، يقول لك : أنا أصلِّي ، الصلاة مع المعاصي ليست لها قيمة ، صلِّ طبعاً لا أقول لك لا تصلي ، لكن هذه الصلاة لا تقدم ولا تؤخر مع المعاصي ، هذه الآية دقيقة جداً ، هل تشعر أنك ارتكبت جريمةً حينما تفعل ما يسخط الله ؟ هذه علامة إيمانك ، هل تسعد بطاعة الله ؟ بخدمة الخلق ؟ بالإنصاف ؟ أن تقول الحق ولو على نفسك ؟ أحياناً يكون الخلاف بين ابنك وبين ابن الجيران ، أنت كمؤمن يجب أن تكون مع الحق ، ما الذي يرضي الله ؟ أن تكون مع الحق ولو كان مع ابن الجيران ، ما الذي يسخطه ؟ أن تنحاز إلى ابنك انحيازاً أعمى ، عندك صانع بالمحل ما الذي يرضي الله ؟ أن تنصفه ، أن ترحمه ، أن تحسن إليه ، ما الذي يسخطه ؟ أن تستغلَّه ؟ أن تستغل يُتْمَهُ وضعفه ؟ وأن تعصره عصراً ؟
 
  الدين سلوك و قيم و صدق و أمانة :
 
قال لي شخص يعمل في محل تجاري : طلب من معلمه إجازة ساعة ليومين في الأسبوع ليلتحق بمدرسة ليلية ، فقال له : غير ممكن ، فكان عنده صديقه وقال له : يفقس بكرةإن يتعلم يفقس ، أما إذا أنفق على ابنه أربعين ألف ليرة مقابل دروس خاصة لكي يصبح طبيباً هذا ممكن ، فابنه يجب أن يكون متعلماً ، أما هذا الصانع إذا أحب أن يأخذ شهادة كفاءَةٍ بالليل لا يتركه يلتحق بمدرسة ليلية ويقول : يفقس بعد ذلك ، هذا يسخط الله عزَّ وجل ، انتبه ، فالدين ما هو صلاة وصوم فقط ، الدين تعامل يومي ، بعث ابنه ليعلمه ميكانيك ( مكنسيان ) ، قال لأبيه : لم يفك صاحب المحل  المحرك أمامي ولا مرة واحدة ، الأب مقتنع أنه سيتعلم المصلحة فلم يأخذ أجرة من المعلم ، فالمعلم صاحب المحل استخدمه في تنظيف المحل ، أما وقت فك المحرك يصرفه إلى الخارج ، يقول : إن يتعلم فسوف ينافسني ، إذًا استخدمته ولم يعلمه و لم يعطه أجراً ، فلو صلّى في أول صف فقد خان والد هذا الغلام الصغير ، بل خان أمانته وخان الله من بعد ، فالدين أعمق من أن تصلي وتصوم ، الدين أعمق بكثير ، الدين سلوك ، الدين قِيَم ، الدين صدق ، الدين أمانة ، الدين رحمة .
 
  من فهم الدين فهماً أخلاقياً فتح العالم :
 
"الشريعة رحمةٌ كلها عدلٌ كلها مصلحةٌ كلها ، وأية قضيةٍ خرجت من الرحمة إلى القسوة ، ومن العدل إلى الجور ، ومن المصلحة إلى المفسدة فليست من الشريعة ، ولو أدخلت عليها بألف تأويل وتأويل ".
الصحابة لما فتحوا العالم فهموا الدين فهماً عميقًا ، فهموا الدين صدقًا وأمانة ، وحسن جوار ، وكفّوا عن الحرام والدماء ، انظر إلى قصر العدل ، يقال لك : ثمانية آلاف دعوى عقارية ، وكذا دعوى مدنية وجزائية إلخ ...، شخص استأجر بيتاً و تركه مهجوراً وحجزه بأجرة مئة ليرة في الشهر ، وصاحب البيت يتحرق ليزوج ابنه فيه ، فليس لديه بيت آخر، ولكن عنده بيت مؤجر ، والمستأجر يحتجزه مهجوراً ، فليحذر الإنسانُ قبل أن يقول لك الصلاة والصوم ، فليعلم أن الدين استقامة ، الدين أداء الحقوق ، الدين رحمة ، الدين خدمة ، الدين إنصاف ، فلما الصحابة الكرام فهموا الدين فهماً أخلاقياً فتحوا العالم ، لما فهمناه فهماً شعائرياً وطقوساً ، غُزينا في عقر دارنا ، مليار ومئتا مليون مسلم ليست كلمتهم هي العُليا ، وأمرهم ليس بيدهم .
 
  الاستقامة أساس تمكين و استخلاف الإنسان في الأرض :
 
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا
(سورة النور : آية  55)
أين التمكين ؟ وأين الاستخلاف ؟ وأين الأمن ؟ هذا وعد الله :
 
وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ حَدِيثًا(87)
(سورة النساء)
 
وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ
(سورة التوبة : آية  111)
فنحن أيها الأخوة بحاجة إلى استقامة ، نحن كفانا كلاماً ، فالكلام كثير ، والكتب كثيرة ، فنحن بحاجة إلى مسلم ، ولسنا بحاجة إلى إنسان ثقافي ، لا أريد مشاعر إسلامية ، ولا أريد ثقافة إسلامية ، لا أريد فكراً إسلامياً ، أريد مسلماً ، أريد مسلماً يرى الدنيّة في معصية الله ، أريد مسلماً يقيم الإسلام في بيته ، في عمله ، في أفراحه ، في أتراحه ، في علاقاته ، في كل نشاطات حياته ، انظر إلى هذه الآية ما أدقها دلالة ومعنى :
      
ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ (28)
 
من اتقى الله كان أعبد الناس :
 
..والله الذي لا إله إلا هو ما من واحدٍ على وجه الأرض إلا ويعلم بالفطرة من دون تعليم ما الذي يرضي الله وما الذي يسخطه ، فإذا اتبعت ما يرضي الله وابتعدت عما يسخطه نِلْتَ مرادك في الدنيا والآخرة
" ليس الولي الذي يمشي على وجه الماء ولا الذي يطير في الهواء ولكن الولي كل الولي الذي تجده عند الحلال والحرام " .. " اتقِ الحرام تكن أعبد الناس " .. الدين لا يحتاج إلى دجل ، ولا إلى تغطية ، ولا إلى مبالغة ، هذِهِ كلها حالات مرضية ، اتقِ الحرام تكن أعبد الناس .
(( ترك دانقٍ من حرام خيرٌ من ثمانين حجةً بعد الإسلام )) .
[ ورد في الأثر ]
 
((لأن أمشي مع أخٍ مؤمنٍ في حاجته خيرٌ لي من صيام شهرٍ واعتكافه في مسجدي هذا ))
[ الترغيب والترهيب عن ابن عباس بسند ضعيف]
 
((إِنَّ فُلانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَاقَالَ هِيَ فِي النَّار ))
[من مسند أحمد :عن أبي هريرة]
ركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلِّط :
(( من لم يكن له ورع يحجزه عن معصية اللّه إذا خلا بها لم يعبأ اللّه بسائر عمله شيئاً)) .
[ رواه الديلمي عن أنس ] .
 
  على المؤمن أن يتدبر القرآن و يفهم معانيه و يطبق آياته عبادة و سلوكاً :
 
كُن مؤمنًا صادقًا وخذ تأييداً وحفظاً ونصراً وتوفيقاً في كل شيء ، الله عزَّ وجل يرينا آياته دائماً ، فالله عزَّ وجل خلقنا ليسعدنا ، ويرينا آياته دائماً في تأييد المؤمن وخذلان الفاسق ، يرينا آياته في توفيق الذي يراعى منهج الله وفي التعسير على من يخرج عن منهج الله عزَّ وجل ، فهذه الآية كانت محور الدرس وجدير بالمؤمن أن يتدبر القرآن و يفهم معانيه و يطبق آياته عبادة و سلوكاً ، قال تعالى :
      
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)
ليس هناك على وجه الأرض من عملٍ أبعد غايةً من أن تفهم كلام الله وأن تطبقه .
 
  لا قيمة لعمل الإنسان إن اتبع ما أسخط الله تعالى :
 
:والشيء الثاني
      
ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28)
 :أي
 
وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا(23)
(سورة الفرقان)
..لا قيمة لأعمالهم مهما بلغت ومهما عظمت في الدنيا ، لا قيمة لها عند الله عزَّ وجل ولا قيمة لأصحابها
 
فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا(105)
(سورة الكهف)
  .لهم صغارٌ عند الله
 
  الغنى والفقر يكونان بعد العرض على الله :
 
إِذَا وَقَعَتْ الْوَاقِعَةُ(1)لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ(2)خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ(3)
(سورة الواقعة)
 .يوم القيامة يعلو أناسٌ كانوا في مقياس البشر في الحضيض ؛ ويصغر أناسٌ كانوا في مقياس البشر في القمم
 
إِذَا وَقَعَتْ الْوَاقِعَةُ(1)لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ(2)خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ(3)
(سورة الواقعة)
والغنى والفقر يكونان بعد العرض على الله .
 
تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ(83)
(سورة القصص)
والحمد لله رب العالمين
 

 



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب