سورة الجاثية 045 - الدرس (4): تفسير الأيات (14 – 19)

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ..."> سورة الجاثية 045 - الدرس (4): تفسير الأيات (14 – 19)

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ...">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج أنت تسأل والمفتي يجيب 2: انت تسأل - 287- الشيخ ابراهيم عوض الله - 28 - 03 - 2024           برنامج مع الغروب 2024: مع الغروب - 19 - رمضان - 1445هـ           برنامج اخترنا لكم من أرشيف الإذاعة: اخترنا لكم-غزة-فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله-د. زيد إبراهيم الكيلاني           برنامج خطبة الجمعة: خطبة الجمعة - منزلة الشهداء - السيد عبد البارئ           برنامج رمضان عبادة ورباط: رمضان عبادة ورباط - 19 - مقام اليقين - د. عبدالكريم علوة           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 371 - سورة النساء 135 - 140         

الشيخ/

New Page 1

     سورة الجاثية

New Page 1

تفســير القرآن الكريم ـ ســورة الجاثية ـ (الآية: 14 - 19)

02/05/2013 18:18:00

سورةالجاثية (045)
الدرس (4)
تفسير الآيات: (14 – 19)
 
لفضيلة الدكتور
محمد راتب النابلسي
 

 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
       الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ،  واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
 
       أيها الإخوة المؤمنون ، مع الدرس الرابع من سورة الجاثية ، ومع الآية الرابعة عشرة ، وهي قوله تعالى :
      
﴿ قُلْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ¯مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾
 
قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ
       هؤلاء الذين لا يرجون أيام الله هم الكافرون ، المؤمن يرجو أيام الله ، يرجو نصره وتأييده في الدنيا ، ويرجو عطاءه في الآخرة ، فالأيام التي يتحقق فيها وعد الله ووعيده هي أيام الله ، فالمؤمن يرجوها ، يرجوها عطاءً ، ويخافها ابتلاءً ، يرجوها عطاءً ويخافها عقاباً ، فإذا أردت صفةً بارزةً في المؤمن فهو يرجو أيام الله ، آماله كلها معقودةٌ على عطاء الله ، رغائبه كلها موجَّهَةٌ إلى ما عند الله ، كل آماله أن يرضى الله عنه ، وأن ينجيه من عذاب النار ، وأن يدخله الجنة ، فأيام الله هذا معناها ، أي الأيام التي يتحقق فيها وعده أو وعيده .
 
       المؤمن يدخل في حساباته اليومية هذه الأيام ، الذي يأكل أموال الناس بالباطل ولا يرجو أيام الله ، لا يخاف يوماً يمحَق الله ماله ، والذي يعتدي على أعراض الناس لا يرجو أيام الله ، ولا يخاف يوماً يعتدى على عرضه ، والذي يظلم لا يرجو أيام الله ، ولا يخاف يوماً يُكال له الصاع صاعين ، فأيام الله المستقبل ، المستقبل فيه أيام ، فيه وعد ووعيد ، الكافر يرثى له ، فلماذا يقول الله عزَّ وجل للمؤمنين :
 
﴿ قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ.
 
       هؤلاء مساكين ، هؤلاء في عمى ، هؤلاء كانت أعينهم في غطاءٍ عن ذكري ، هؤلاء عُمِّيَت عليهم رحمة الله ، إذاً يرثى لحالهم ، إذاً وضع المؤمن مع أهل الدنيا ، مع الضائعين ، مع الشاردين ، مع التائهين ، مع الضالين ، مع الكفار ، لا وضع ند لند ، وضع طبيب مع مريض ، حقيقة المؤمن إذا رأى إنسانًا شاردًا  يرتكب المعاصي ، يتباهى بالموبقات ، يقول : هذا إنسان يرثى لحاله ، فيشفق عليه ، إنه جاهل ، وسوف يدفع الثمن باهظاً ، جاهل وسوف يشقى في الدنيا والآخرة ، فأنت فضلاً على أنه سيشقى في الدنيا والآخرة اغفر له ، عالجه ..
      
﴿ قُلْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ ﴾
 
قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ
 
      الحقيقة أن المؤمن سعيد ، وقد يسأل سائل : كيف هو سعيد ، وهو يعيش بين الناس ، يصيبه ما يصيبهم ؟
 
       الجواب : أن المؤمن لأن الله وعده بالجنة ، ولأن الله راضٍ عنه ، شعوره أن الله راضٍعنه ، وأنه موعودٌ بالجنة ، هذا الشعور يمتص كل متاعب الحياة .    مثلا : اختار طالب جامعي فرعًا راقيًا جداً ، وعنده آمال كبيرة جداً في المستقبل ، دخلٌ كبير ، وتحقيق لكل أهدافه ، في أثناء الدراسة على الرغم من الدوام الطويل ، والكتب الصعبة ، والفحوص الشديدة ، والإجراءات الدقيقة تراه مسرورًا ، لا بيومه ، ولكن بغده ، فالمؤمن ربما تحمل من شَظَفِ العيش ، ربما تحمل بعض المضايقات ، ربما واجه بعض الاعتراضات ، ربما كاد له الكفار ، ربما ضَيَّقوا عليه الخِناق ، ربما كان دخله أقلّ مما ينبغي ، ربما كانت مكانته في الدنيا متوسِّطة ، متواضعة ، لم يكن من أهل الحول والطول ، الذي يغطي كل ذلك أن الله وعده بجنةٍ عرضها السماوات والأرض ..
 
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا.
(سورة السجدة : آية " 18 ")
 
 
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الْمُحْضَرِينَ.
(سورة القصص61)
      هذا توجيه إلهي لطيف ، المعنى التوجيهي : أن هذا الكافر ، هذا المشرك ، هذا العاصي ، هذا الفاجر ، هذا لا يرجو ما عند الله ، لا يخاف وعيده ، ولا يرجو وعده ، لأنه في عمى ، لأنه جاهل،فأنت أيها المؤمن أكبر منه ، وأوسع أُفُقاً منه  وأشد بصيرةً منه ، قلبك مستنير ، أنت رأيت الحق ، رأيت مصائر الناس ، كيف أن المؤمن سيصير إلى جنةٍ عرضها السماوات والأرض ، وكيف أن الكافر سينتهي في الدنيا إلى عذاب وفي الآخرة إلى عذاب ، فهذا يستحق الشفقة ، لا يستحق أن تحقد عليه ، ولا أن تنتقم منه ، ولا أن تشعر أنك في مستواه ، أنت أكبر منه بكثير ، إذاً :
      
﴿ قُلْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾
 
صبر النبي e على أهل الطائف وإيذائهم
 
       الحقيقة : ما الذي حمل النبي صلى الله عليه وسلم على أن يقول لأبناء الطائف حينما بالغوا في الإساءة إليه ، وحينما كذَّبوه وسخروا منه ، وحينما دفعوا صبيانهم ليضربوه،لماذا حينما عرض عليه جبريل عليه السلام أن يطبق عليهم الأخشبين ، لماذا وقف النبي eهذا الموقف ؟ وقال: (( بل أرجو أن يخرج الله من
 
 أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا )) .
[الجامع الصغير عن عائشة بسند صحيح]
 
        الحقيقة أن هذا موقف الطبيب من مريض ، النبي e ما رآهم أنداداً له ، رآهم في جهلٍ عميق ، وفي ضلالةٍ ضالة ، وفي غِطاء ، وفي ضياع ، لذلك رثى لحالهم فقال : (( بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا )) .
 
       ما تخلَّى عنهم ، ولكن اعتذر عنهم ، ودعا لهم ، وتوسم في أولادهم الخير ، إذاً أنت دائمًا تمتحن نفسك من هذا الموقف ، إذا أساء كافر إليك ، أو اعتدى ضال عليك ، هل تراه نداً لك ، أم ترى نفسك أكبر منه بكثير ؟ أنت المؤمن ، أنت صاحب الأفق الواسع ، أنت صاحب القلب المستنير ، أنت الذي أكرمك الله بمعرفته ، أنت الذي أكرمك الله بالاستقامة على أمره ، أنت الذي عرَّفك الله بحقيقة الدنيا وحقيقة ذاتك ، وماذا بعد الموت ، وماذا قبل الموت ، فهذا الذي يناهضك ، ويعتدي ، ويتطاول جاهل ضائع ، كأن الله عزَّ وجل يريد من المؤمن أن يكون أكبر من أخطاء الآخرين ، أن يتسع صدره لأخطائهم ، ولتطاولهم ، ولبغيهم ، ولعداوانهم ، فهو أكبر منهم عند الله بكثير ..
      
﴿ قُلْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا يَغْفِرُوا ﴾
 
قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا
 
      فالمغفرة لا تكون تصنّعاً ، لكن أساسها العلم ، وأساسها الكمال ، فكما أن الطبيب حينما يأتيه مريض مصاب بمرض جلدي مزعج هل يحقد عليه ؟ لا ، بالعكس ، يرثي لحاله ، يرجو له الشفاء ، ينصحه ، فكلما رأيت نفسك فوق الحقد ، وفوق الانتقام ، وفوق الشعور أن هذا ند لك ، كلما كنت بهذه الحالة فأنت أعلى عند الله ، وأنت أكرم عند الله ، وكلما رأيت الكافر نداً لك ، وأردت أن تنتقم منه فأنت في مستواه ، لذلك الأنبياء جاءوا بهذه الدعوة العظيمة ، والنبي عليه الصلاة والسلام على رأسهم جاء بهذه الدعوة ، لو أنه يرى المعارضين والكفار والمشركين نداً له لما كان نبياً عليهم ، لكن النبي عليه الصلاة والسلام كان كالأب الرحيم ، كالأم الرؤوم ، يرى أخطاء الناس فيمتصها ، ويتجاوزها ، وكل إنسان أراد هداية الخلق ينبغي أن يتجاوز عن أخطائهم ، فكما قال أحد الخلفاء : " يا بنيَّ ، من عفا ساد ، ومن حَلُم عَظُم ، ومن تجاوز استمال إليه القلوب " ، على كلٍ هناك أيام الله ..
       
﴿ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾
لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ
 
        إنسان عنده صندوق حديد ، أي شيء يضعه في هذا الصندوق هو له ، لو وضع قطعًا ذهبية له ، لو وضع قطعًا معدنية له ، ولو وضع موادَّ سامة له ، كله له  ..
     
﴿ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾
لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ
 
        فإذا آمن الإنسان باليوم الآخر ، آمن بالجزاء ، آمن بعدالة الله عزَّ وجل ، لا يمكن أن يتجاوز الحدود ، لأنه يعلم علم اليقين أن كل شيءٍ له عند الله حسابٌ دقيق .. لأن لكل حسنةٍ ثواباً ، وإن لكل سيئةٍ عقاباً  .
 
        أيها الإخوة الكرام ، يقول الله عزَّ وجل بعد هذه الآية :
      
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ﴾
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا
 
أجمل ما في الآية اللام وعلى ..
      
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ ﴾
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ
 
       هذه اللام لام المُلك،أي هذا يعود عليه بالخير ، هذا له ، هذا سينفعه يوم القيامة ، هذا سينير له الطريق ، سيكون في قبره مصباحاً وضاءً .
      
﴿ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ﴾
 
وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا
 
       كأن الله عزَّ وجل شَبَّهَ الإساءة بصخرة كبيرة تسحقه عليها ، هو تحت وطأة إساءته ، وشبَّه العمل الصالح بشيء ثمين ، قطعة ماس ثمنها ملايين ، سبائك ذهبية ..
     
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ﴾
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا
 
       يُشَمُّ من هذه الآية أن الإنسان مخيَّر تخييرًا كاملاً ، إن عملت كذا فالنتيجة كذا ، إن عملت كذا فالنتيجة كذا ، لولا أنه مخير فلا معنى لهذه الآية ، لولا أن الإنسان مخير ، والاختيار الذي منحه الله للإنسان هو الذي يثمِّن عمله لما كان لهذه الآية من معنى إطلاقاً ، فيا أيها الإنسان أنت مخير ، فإن عملت صالحاً فلنفسك ، وربنا عزَّ وجل كلامه موجز ، وقد قالوا : البلاغة في الإيجاز ، أي عمل هذا ؟ يا ترى عمله في بيته ؟ عمله في حرفته ؟ كل واحد منا له حرفة ، هذا مدرس ، هذا مهندس ، هذا طبيب ، هذا بائع ، هذا من أصحاب الحِرَف اليدوية .
 
       وكل إنسان يعلم علم اليقين متى ينفع ، ومتى يضر ، متى يحسن ، ومتى يسيء ، متى يغش ، ومتى ينصح ، متى يتقن ، ومتى يهمل .     أنت موظف ، جاءك مواطن له عندك معاملة ، لو أوهمته أنها تحتاج إلى يومين آخرين ، وبإمكانك أن تخرجها من الدرج ، وأن توقعها ، وينتهي الأمر تعلم أنك أسأت ، أطلت عليه الأمد ، يأتيك المشتري وأنت بائع فقل له ما شئت ، لكنك تعلم بالفطرة إن صدقته أو كذبته ، إن نصحته أو غششته ، إن أوهمته أو كنت صادقاً معه ، هذه قضاياً الفطرة مخيفة ، لا تحتاج إلى تعليم ، لا تحتاج إلى تذكير ، فطرتك تكشف خطأك ، وربنا عزَّ وجل قال :
 
﴿ بَلْ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ¯وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ.
(سورة القيامة14-15  )
 
       أحياناً أنت أقوى من زوجتك ، أقوى بكثير ، أمْرها بكلمة تلفظها من فمك ، لكنك إذا أسأت ، وأقمت عليها الحُجَّة تعلم أنك ظالم ، وأنك تبالغ ، وأنك لا تستقيم لك حجة عند الله ، فالإنسان بصير على أعماله ، وهنا المسؤولية ، وهنا المحاسبة الدقيقة ، في زواجك ، مع أولادك ، إن عدلت أو لم تعدل ، مع زوجتك ، إن أحسنت أو لم تحسن ، مع زبائنك ، إن نصحت أو غششت ، مع صنعتك ، إن أتقنت أو أهملت ، يمكن أن توهم الناس بشيء لأمد طويل ، ولا سيما أصحاب الاختصاص العالي ، لا يكشفهم إلا أندادهم ،  من الذي يعلم أن هذا المريض لا يحتاج إلى تخطيط ؟ وأنك كلفته بالتخطيط لتزيد الربح ، ما أحد يعلم إلا الله ، المهندس ، المدرس ، ابنك يحتاج دروسًا خاصة ، من يعلم ؟ الأب مستسلم ، فعظمة الإيمان أن يرى الإنسان المؤمن أن الله عزَّ وجل يراقبه ، إذا دخلت في حالة المراقبة فقد وصلت إلى الجنة ، وإذا دخلت في حالة المراقبة علمتَ أنّ الله يراقبك ..
      
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً ﴾
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا
 
       إياكم أن تظنوا أن الدين صلاةٌ فقط ، وصيامٌ فقط ، وحجٌ فقط ، الدين يدخل في كل حركاتك وكل سكناتك ، في عملك ، كل كلمة تقولها لمن أمامك ، أنت موظف ، وهذا مُراجع ، أنت طبيب ، وهذا مريض ، أنت مهندس ، وهذا له عندك مشروع ، أنت محامٍ ، وهذا موكِّل ، أنت تصلِّح الأجهزة ، وهذا أمامك جاهل ، كل كلمة تقولها لمن أمامك الله يعلم ما إذا كنت صادقاً أو كاذباً ، يعلم ما إذا كنت ناصحاً أو غاشاً ، يعلم ما إذا كنت متجنياً أو منصفاً ، الله يعلم ، فلا يسعد الإنسان عند الله عزَ وجل إلا إذا رأى أن الله يراقبه ، ] مَنْ عَمِلَ صَالِحًا [ ، الكلام البليغ موجز :
      
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً ﴾
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا
 
        ضمن الحرفة ، ضمن البيت ، ضمن العمل ، ضمن النُزُهات ، يمكن أن تعتدي على أعراض الناس ، والناس لا يعرفون ذلك ، لذلك الله عزَّ وجل قال :
       
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ ﴾
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ
 
      إذا وصل المؤمن إلى حال المراقبة مع الله ، إذا شعر أن الله بالمرصاد ، أن الله مُطَّلِعٌ عليه ، يعلم سرائره ، يعلم نواياه ، يعلم مقاصده ، يعلم طموحاته ، يعلم إلى ما يرمي بهذه الكلمة استقام على أمر الله .
 
     ومن أدق الآيات القرآنية :
 
﴿ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ.
( سورة المائدة : آية " 97 " )
 
        إذا وصلت إلى هذه الحقيقة ، وهي أن الله يعلم فقد نجوت ، لأنه إذا علمت أن الله يعلم ، وسيجازي لا يمكن أن تعصيه أبداً ، مستحيل ، إذا أيقنت أنه يعلم وسوف يحاسب ، ولن يفلت إنسان من قبضته ، فقد نجوت ، فإذا فهم الإنسان كتاب الله فهماً عميقاً ، وكشفت له الحقائق ، واستنار قلبه بنور الله عزَّ وجل ، تراه منضبطاً إلى أبعد الحدود ، انطلاقاً من حبِّه لذاته ، انطلاقا من حبه لسلامته ، انطلاقاً من حبه لوجوده ، ولسلامة وجوده ، ولكمال وجوده ، ولاستمرار وجوده ، لذلك كانت الاستقامة عين الكرامة ، وكل كرامتك في الدنيا أساسها الاستقامة ..
        
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ ﴾
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ
 
        أحياناً قد يبدو لك ـ وهذا من الامتحان ـ أن دخلك يزداد إذا خرجت عن منهج الله ، وهذا ما يقع فيه معظم الناس ، فإذا كذبت عليهم ، وتحكمت فيهم ، وأنت تعلم ، وهم لا يعلمون ، تجني أرباحًا طائلة ، وهذه أرباح توفِّر لك حياة ؛ فتقتني البيت الفاخر ، والمركبة الفاخرة ، وتؤمِّن لأولادك مستقبلهم ، وتحل كل مشاكلك ، لكن لا يمكن لإنسان أن يسلك طريق الانحراف و تنجح الخطة التي رسمها إلى ما لا نهاية ، لابدَّ من أن يفاجأ بأن الخطة التي رسمها لم تنجح ، وأن الله عاقبه ، لكن متى ؟ بعد أن يأخذ مجراها ، فالله عزَّ وجل لو عاقب الإنسان لعاقبه فور معصيته ، لا يوجد اختيار ، ألغي الاختيار ، لو كافأه بعد الطاعة مباشرةً فلا اختيار .
 
      ربما تطيعه فترة طويلة ، ولا تجد أي ميزة لك ، دخلٌ قليل ، وبيت صغير ، حياة فيها متاعب ، وربما ترتكب أكبر المعاصي وإلى حين ، سنة سنتين ، ولا يحدث لك شيء ، فأين الله ؟ هنا الاختيار ، الله عزَّ وجل سمح لك ، تحقق اختيارك ، تحقق شهواتك ، تحقق كمالاتك دون عقاب ، ودون ثواب ، لكن بعد حين يشد الحبل ، فقد أمّنت مستقبلك ، ورتبت وضعك ، والأمور كلها جيدة ، فتفاجأ بمفاجئات لم تكن في الحسبان ، هذا : ]أَتَى أَمْرُ اللهِ [ ، هذا : ] وَجَاءَ رَبُّك[ ، إلى أن تأخذ أبعادك كلها ، إلى أن تحقق اختيارك ، إلى أن تمضي فيما تريد ، إلى أن تصل إلى كل غاياتك ، فيقول لك : هل انتهيت ؟ الآن جاء الحساب ، وحتى المؤمن يستقيم ، يبالغ في الاستقامة ، يبالغ في تحرِّي الدخل الحلال ، إلى أن يثبت لنفسه ، وللناس أنه يريد وجه الله عزَّ وجل ، الآن تأتيك الدنيا وهي راغمة ، لأنك نجحت في الامتحان ، فليس هناك امتحان خلال دقيقة أو دقيقتين ، بعدئذٍ يأتي الحساب ..
      
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ ﴾
لك ..
   
﴿ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ﴾
وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا
 
        العمل الصالح كالجوهرة الثمينة تتملَّكُها ، والعمل السيئ كالصخرة الساحقة تسحق الإنسان ، كلمة ( لها ) ومن كلمة ( عليها ) ، الله عزَّ وجل لم يقل : من عمل صالحاً فعلى نفسه ، لم يقل : فمن أساء فلها ، لا ..
      
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ﴾
العمل السيئ يسحق   .
      
﴿ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾
ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ
 
       أردت من هذه الآية أن العمل الصالحفي بيتك ، في عملك ، في نزهتك ، في أفراحك ، في أتراحك ، تعلم بالفطرة من دون تعليم ، تضع قطعة أثاث خشب من أسوأ الأنواع ، بعد حين تتحطم القطعة ، من يعلم ؟ الله وحده يعلم ، فالذي يصل إلى مرتبة المراقبة ، وصل إلى الله ، الذي يصل إلى مرتبة المراقبة وصل إلى سلامة الدنيا وسعادة الآخرة ، الذي يشعر أن الله معه دائماً ، كل كلمة سوف يُحاسب عليها ، لماذا قلت كذا ؟  يقول لك الذ يريد أن يشتري حاجة من عندك : أنت اختر لي اللون ، على ذوقك ، بإمكانك أن تختار له أسوأ لون ، لا يباع معك ، وتقول له : هذا هو اللون الحديث ، من يعلم ذلك ؟ الله يعلم ، عندما خَيَّرَكَ يجب أن تختار له أجمل لون ، على هذا المستوى ، فكل كلمة تقولها أنت مسؤول عنها ..
      
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ﴾
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا
 
       لك أن تقول ما شئت ، ولك أن تفعل ما شئت ، لكن كله بحساب ، كله بدقة بالغة ، وكلما ظننت أن الله عزَّ وجل لا يدقق تكون أنت لا تعلم ، وما دام الله عزَّ وجل قال :
 
﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه¯وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه.
( سورة الزلزلة7-8 )
فقد انتهى الأمر.
 
﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ.
 
       هذه الذرة ليس لها وزن إطلاقاً ، يحملها الهواء ، لو عملت عملاً صالحاً بمستوى هذه الذرة فهي مسجلة ومحفوظة عند الله ، ولو عملت عملاً سيئاً بمستوى فهذه الذرة محفوظة عند الله عزَّ وجل ، هذا الدين ، لذلك عندما يعرف الإنسان الله ، ويراقبه دائماً لا يستطيع إلا أن يقول حقاً ، إلا أن يقول صدقاً ، لا يستطيع إلا أن يكون صادقاً ، مخلصاً ، نصوحاً ، أميناً ، المؤمن شخصية فذَّة كبيرة جداً ، أنه أمين ، صادق ، عفيف ، منصف ، محسن ، رحيم ، الكمال البشري كله في المؤمن ، كلمة مؤمن ، يقول لك : فلان دكتور مثلاً ، يضعون له دالاً ، هذه الدال تعني ثلاثًا وثلاثين سنة دراسة ، إذا قلت : مؤمن ، فهذه كلمة ، ولكن بالمعنى الذي أراده الله ، بالمرتبة الصحيحة ، كلمة مؤمن منصف ، كلمة مؤمن لا يظلم ، لا يكذب أبداً ، لا يخون أبداً ، مستقيم على أمر الله ، وفق المنهج ، يؤتمن على الملايين ، مؤمن ، والله الذي لا إله إلا هو لا يسمح له إيمانه أن يأكل درهماً واحداً حراماً .
 
        ذكر لي أخ قصة أعدّها نموذجية ، أخ من إخواننا بعدما سلك في الطريق إلى الله شوطًا لا بأس به ، وهو يعمل في لف المحركات قال لي : قبل أن أتعرف إلى الله عزَّ وجل يأتيني محرك محروق ، الشرط خمسة أو ستة آلاف ليرة ، يذهب الشخص ، أفتحه فلا أجده مـحروقاً ، أجد سلكًا مقطوعًا ، ألحمه بالآلة خلال دقيقة ، فلا يبقى في المحرك أي شيء ، في زمن الجاهلية عندما يأتي صاحب السيارة في اليوم الثاني أقيم تمثيلية أمامه ، بأن إصلاحها استغرق وقتا طويلا ، قال لي : بعد ما عرفت الله عزَّ وجل أقول له : خمسة وعشرين ليرة ، فيستغرب الزبون !! فأخبره الحقيقة ، من يعلم ؟ الله يعلم ، هذه قصة واضحة ، هكذا المؤمن ، لأنه يعلم أن الله يعلم فهو وقاف عند حدود الله عزَّ وجل .
 
       وعلى هذا فقس كل المهن ، التدريس ، الهندسة ، المحاماة ، التجارة ، صناعة غذائية ، الآن الذي عنده صناعات غذائية من يعلم ماذا يضع في هذا البسكويت ، فيه مواد غذائية سيئة  جداً ، منها مواد مسرطنة ، من يعلم ؟ كشفوا في بعض المعامل أنها تضع صباغ البلاط في السكاكر ، من يعلم ؟ الله يعلم ، عظمة الإيمان أنك ترى أن الله يعلم ، وهؤلاء عباده ، فإذا أحسنت لهم أكرمك الله .
 
       والله حدثني أخ ، والله لا أنسى هذه الكلمة ، له معمل في الصناعات الغذائية ، قال لي : والله أنتقى المواد من أعلى درجة ، لكي يرضى الله عني ، هؤلاء لأنهم أبناء المسلمين ، الخلق كلهم عيال الله ، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله ، وكثيراً من المعامل يضعون مواد سامة ، مواد للدهان يضعونها في الطحينة ، لتبييض لونها ، فتباع بثمن أغلى ، لا يعرفون الله أبداً ، ولو أنهم صلوا في المساجد !!! فإنهم لا يعرفون الله أبداً ، أما الدين فيدخل في الصناعة ، ويدخل بالزراعة .
 
       ففي الزراعة هناك مواد هرمونية ، هذه المواد مسرطنة ، تعطيها للشجر فيعطي ثمارًا كبيرة ، وألوانًا زاهية ، تبيع بضاعتك بالضعف تقريباً ، لكن هذه الهرمونات ممنوعة دولياً ، يمكن أن تستقيم على أمر الله ، خذ نصف الدخل أو ثلثيه بالحلال ، كثير من الصناعات الغذائية فيها انحرافات خطيرة تودي بحياة الناس ، أو تؤذي أطفالهم ، من يعلم ؟
 
       أقول لكم كلمة : والله لا يمكن أن تستقيم الحياة دون إيمانٍ بالله ، من يعلم ماذا تفعل أنت في المعمل ؟ ربما يكون الزيت نجسًا ، سقطت فيه فأرة ، من يعلم أن هذا الزيت رديء نجس ؟ يمكن أن تستعمله في صنع الصابون ، وتبيعه كزيت ، وهو نجس ، من يعلم ؟ الله وحده يعلم ، فإذا علمت أن الله يعلم انتهيت إلى الجنة ، والإنسان المستقيم لا يخسر، والإنسان المستقيم لا يضيعه الله ، واسمعوا مني هذه الكلمة : والله زوال الكون أهون على الله من أن يضيِّعَ مؤمناً مستقيماً ، لكن قد يبدو له ربحه في الغش ، وهذه رؤية شيطانية ، قد يبدو له أن أرباحه الطائلة تحتاج إلى كذب ، أو إلى غش ، أو إلى بضاعة محرمة ، أو إلى أعمال لا ترضي الله عزَّ وجل ، ما الذي يحصل ؟
 
        يعطيك في بادئ الأمر أرباحًا طائلة ، ثم يأتي القصم ، مرض خبيث أتلف الحياة كلها .
 
      أعرف رجلاً يعيش على إفساد أخلاق الشباب ، عنده دار سينما ، جمع ثروة جيدة جداً لكي يمضي حياته في الدعة والبحبوحة ، أصيب بمرض خبيث في وقت التمتع بالحياة ، بعد أن استقرت هذه الثروة بين يديه ، فصار يبكي على أن كل هذا التعب لكي يرتاح بضع سنين ، الله لم يسمح له أن يتنعم بها ، لأن هذا المال أساسه مبني على إفساد أخلاق الشباب ، كلما كان الفيلم فيه مناظر مؤذية أكثر كان الإقبال عليه أشد ، لكن الله كبير ، كلمة : ( الله كبير ) يجب أن تعلمها ، كبير أيْ :
 
﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ.
(سورة البروج12)
       تبني مجدك على أنقاض الناس ، تبني ثروتك على متاعب الناس ، الله ينتقم إن عاجلاً أو آجلاً ، اسمعوا هذه الآية :
 
الآية الأولى :
 
﴿ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ.
(سورة النحل36)
       الآية الثانية :
 
﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ.
( سورة الأنعام11 )
 
         إذا وجدت إنسانًا انحرف ، وبعد الانحراف جاءته البطشة الكبرى ، هذه على (الفاء) ، وإذا انحرف الإنسان و أمد له الله فهذه على (ثم) ، الفاء للترتيب على التعقيب ، وثم للترتيب على التراخي ، فعلى كلٍ لابدَّ من الفاء أو من ثم ، إما أن يأتي العقاب عاجلاً لحكمةٍ أرادها الله ، أو أن يأتي العقاب آجلاً ، لابدَّ من العقاب .. إن لكل حسنةٍ ثواباً ولكل سيئةٍ عقاباً ، والآية الأوضح من ذلك :
 
﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه¯وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه.
(سورة الزلزلة7-8)
       أبداً ، هذا هو الدين ، افعل ما تشاء
 
     في آية قرآنية :
 
﴿ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ.
(سورة فصلت : آية " 40 " )
       كلٌّ بحسابه ، الآية دقيقة جداً .
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾
 
       ترجعون لتقبضوا ثمن الطاعة ، وتدفعوا ثمن المعصية ، لتسعدوا بطاعتكم ، وليشقى الإنسان بمعصيته .
      
 
﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ¯وَآَتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ
 
 الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾
 
﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ ﴾
 
وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الكِتَاب وَالحُكْمَ
 
التوراة  .
      
﴿ وَالْحُكْمَ ﴾
فَهْمَهُ ..
      
﴿ وَالنُّبُوَّةَ ﴾
من فضل الله على بني إسرائيل أنه جعل فيهم النبوة إلى أمدٍ طويل.
      
﴿ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾
في زمانهم ، لئلا يُفْهَم أنها مطلقة .
     
﴿ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾
في زمانهم .
      
﴿ وَآَتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ ﴾
الأمر هو الدين .
      
﴿ بَيِّنَاتٍ ﴾
دلائل واضحة ، حجج ، براهين قوية .
 
      
﴿ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ ﴾
فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ
 
الاختلاف : أنواع وأسبابه
 
       وهذه الآية دقيقة جداً ، الاختلاف له أسباب كثيرة ، من أبرز أسبابه قلة المعلومات ، أوضح مثل : سمعنا صوت مدفع ليلة العيد ، فماذا نقول ؟ لعله مدفع العيد ، لسنا متأكيدين ، يقول قائل : لا ، هناك تفجيرات في الجبل لشق طريق ، لماذا اختلفنا ؟ لنقص المعلومات ، هذا اختلاف طبيعي جداً ، ومقبول ، لكن الخلاف الخطير الخلاف القذر ، ليس خلاف نقص معلومات ، خلاف بغي وحسد ، فمن المكن أن تعزي الخلافات بين المسلمين لا إلى نقص المعلومات ، الكتاب واحد ، السنة واحدة ، علم الحديث واضح ، حديث متواتر ، صحيح ، حسن ، ضعيف ، موضوع ، الكتاب قطعي الثبوت ، قطعي الدلالة ، وظني الدلالة ، الحديث ظني الثبوت ، وظني الدلالة وقطعي ، الكتاب واحد ، الحديث واحد ، الإله واحد ، الكعبة واحدة ، المنهج واحد ، ومع ذلك هناك خلافات لا يعلمها إلا الله ، يا تُرى هذه الخلافات بين المسلمين بسبب نقص المعلومات ؟ لا ، المعلومات وافرة ، بسبب الحسد والبغي والهوى ، وربنا عزَّ وجل لحكمةٍ أرادها أحياناً يتحدث عن بني إسرائيل ، ونحن المعنيون ، لأن الأمراض التي أصيبوا بها نحن معرَّضون إلى أن نصاب بها مثلهم .
      
﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ ﴾
التوراة  .
      
﴿ وَالْحُكْمَ ﴾
فهمه  .
      
 
﴿ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾
في زمانهم  .
      
﴿ وَآَتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ ﴾
 
أي كل شيء أمرناهم به ، أو نهيناهم عنه بحجةٍ قويةٍ دامغة وبرهانٍ ساطع .
      
﴿ وَآَتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ ﴾
العلم القطعي الواضح .
      
﴿ بَغْياً بَيْنَهُمْ ﴾
أي عدواناً على بعضهم بعضاً ، حسداً لبعضهم بعضاً .
      
﴿ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾
 
إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
 
       وهذه الآية يمكن أن تنسحب على المسلمين تماماً ، فالخلاف بين فرقهم وجماعاتهم ،هذا خلاف ليس أساسه الجهل ، لا ، إن أساسه هو الهوى ، وأساسه المصالح ، وأساسه المكاسب ، وأساسه حب الرئاسة ، وأساسه حب السيطرة ، وأساسه الحسد  ، وأساسه البغي ،  لمَ الخلاف وكتابنا واحد ؟ لِمَ الخلاف والسنة واحدة ، والنبي e واحد ، والأمور واضحة ، والقرآن بلسانٍ عربيٍ مبين ، فلِمَ الخلاف ؟ لمَ التشرذم ؟ لمَ التقوقع ؟ لمَ تراشق التُهَم ؟ لمَ الطعن ؟ لمَ الإنكار ؟ لمَ البغضاء ؟ لِمَ العداوة ؟ لمَ التحزُّبات ؟ فهؤلاء ما اختلفوا لجهلٍ ، بل اختلفوا وهمْ في أعلى درجات العلم ، معهم كتابٌ واضحٌ كالشمس ، معظم آياته محكمات لا تحتاج إلى تفسير ، الآيات المتشابهة قليلة ، آيات العقيدة محكمة ، آيات العبادات محكمة ، آيات التشريع محكمة ، لا إشكال أبداً ، والأحاديث واضحة ، بَيِّنَة ، فلماذا اختلفوا ؟ اختلفوا طمعاً في المكاسب ، كلٌ يدعي وصلاً بليلى ، كل جماعة تدعي أنها على حق ، وما سواها على باطل ، هذا حسد ، هذا بغي ، هذا حب رئاسة ، هذا هوى ، هذا عدوان ، هذه هي المشكلة .
      
﴿ وَآَتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾
 
        هنيئاً لمن كان على حق ، وكان مستقيم السريرة ، وكان مخلصاً في دعوته ، وكان وَفْقَ الكتاب والسنة ، وكان متعاوناً مع الآخرين  .
 
ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا
 
 
      
﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ ﴾
يا محمد  .
      
﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍمِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا ﴾
 
 
      جعلناك على منهجٍ قويم ، على دستورٍ عظيم ، على كتابٍ معجز ، على محجَّةٍ بيضاء كما قال عليه الصلاة والسلام :
 
(( قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا ، لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ )) .
[ابن ماجه عن الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ ]
 
﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ ﴾
 
قال تعالى :
 
﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى.
( سورة الليل12 )
 
       الهدى على الله عزَّ وجل ، هو تكفل بهداية الخلق ، ما علينا إلا أن نتبع الأمر ، هو تكفَّل بإظهار الحق ، هو تكفل بإظهار الحق وإبطال الباطل ..
 
﴿ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا.
( سورة الإسراء81 )
      
﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا ﴾
 
إذا لم يتبع الإنسان الحق فماذا سيتبع ؟ قال تعالى :
      
﴿ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾
 
وَلاَ تتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا َيعْلَمُونَ
 
      أنت بين أحد خيارين ، إما أن تتبع منهج الله ، أو تتبع البديل وهو الهوى ؛ والنزوات ، والشهوات ، والمصالح ، والمكاسب ، وكل شيء مادي دنيوي ، فأنت بين خيارين صعبين ، إما أن تتبع الحق ، وإما أن تتبع الهوى ، لذلك :
 
﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ.
( سورة القصص : آية " 50 ")
 
       اجعل دائماً هذه المعادلة : إما أن أتبع الهوى ، وإما أن أتبع الحق  في كل علاقاتك ، في كل مواقفك ، في كل نشاطاتك ، إما أن تتبع الحق ، وإما أن تتبع الهوى  .
       
﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ¯إِنَّهُمْ ﴾
  إِنَهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا
 
      هؤلاء الذين لا يعلمون ، هؤلاء الذين يضغطون ، هؤلاء الذين يغرونك ، أو يضغطون عليك من أجل أن تتبع أهواءهم ، يتساءلون مثلاً : لماذا هذا الحجاب ؟ لماذا أنت خائف من الربا ؟ مثلاً ، هذه أهواء ، الناس الضالون المضلون دائماً يحبون أن يوسعوا الباطل ، فإذا كان الإنسان مستقيمًا لا يريحونه ، دائماً عليه يكثرون الضغط ، والإغراء ، لا يعطونك ميزات إلا إذا كنت على هواهم .
 
﴿ حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ .
( سورة البقرة : آية " 120 " )
        هذا الضغط وهذا الإغراء ، هي أهواء ..
      
﴿ إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً ﴾
 
       إذا ضغط  على الإنسان كي يتبع أهواء الذين ضلوا ، أو أغري بعطاء كبير كي يتبع أهواء الذين ضلوا ، لا هؤلاء ولا هؤلاء ، لا بالضغط ، ولا بالإكراه ، ولا بالإغراء ، في النهاية ستستفيد ، لأنك لا تنجو من عذاب الله .
 
        والي البصرة جاءه من يزيد الخليفة الأموي توجيه معين ، يبدو أن التوجيه مخالف للكتاب والسنة ، فكان عنده الحسن البصري ، فوقع في حيرة كبيرة ، إن نفَّذ توجيه الخليفة أغضب الله ، وإذا لم ينفذه أغضب الخلفة ، وقد يعزله من منصبه ، فسأل الحسن البصري قال له : ماذا أفعل ؟ فأجابه بكلامٍ جامعٍ مانعٍ شافٍ ، قال له : " إن الله يمنعك من يزيد ، ولكن يزيد لا يمنعك من الله " .
 
       كلام في منتهى البلاغة ، فإذا سمعت كلام فلان ورضيته ، مهما كان عظيمًا فلا يمنعك من الله ، أما إذا أرضيت الله عزَّ وجل ، وكان الشخص شريرًا ، وأراد أن يوقع بك الله يمنعك منه ، وانتهى الأمر ، " إن الله يمنعك من يزيد ، ولكن يزيد لا يمنعك من الله " ، هذه الكلمة تكتب بماء الذهب ، اجعلها شعارًا لك ، كلما جاءك ضغط أو إغراء من أجل أن تتبع الهوى لا أن تتبع الحق ، فإذا أحب أحدهم أن يسير أهل بيته وفق الشرع عاداه كل أهله ، قد يحرمونه من الميراث ، الضغط أو الإغراء من أجل أن تتبع الهوى ، يريدون الاختلاط ، يريدون كسب الأموال بالباطل ، يريدون أفعالاً لا ترضي الله عزَّ وجل ، لذلك :
      
﴿ إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾
 
 سبيل الضغط على المؤمنين ، هذه التولية بالباطل ، يتعاون الكفار على المسلمين وعلى المؤمنين ، يضعفونهم يمنعون عنهم الأشياء الأساسية في حياتهم .
      
﴿ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾
لكن هذه الولاية لا تنجح ، لسبب :
      
﴿ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ﴾
  وَاللَّهُ وَلِيُّ المُؤْمِنِينَ
 
      ما أدق هذه الآية ! لو فرضنا أهل الأرض اجتمعوا ، دول العالم كلها اجتمعت على أن توقع الأذى بالمؤمنين ، دول كبرى عظمى معها أسلحة فتَّاكة تسيطر على العالم كله ، لو أنها اجتمعت على أن توقع الأذى بالمؤمنين لا يستطيعون لسببٍ بسيط ، هو أن الله مع المؤمنين ، لأن الله بيده كل شيء ، تصور جهازين أمامك يعملان بقوة كهربائية ، ومعك المفتاح ، فأنت بضغط على زر توقف واحدة ، وتشغل الثانية ، انتهى الأمر كله ، توجد رافعات ترفع خمسة أطنان من الحديد ، الرافعة هي مسطح مربع كبير حوله وشيعة كهربائية ، فإذا سرت الكهرباء  ، ينزل فوق الحديد ، ويحمل خمسة أطنان ، الشد كبير ، أما العامل على الرافعة فيكبس الزر ميلي مترا واحدا فيقطع الكهرباء ، فيسقط الحديد ، فعلى الله القضية سهلة جداً ..
 
((وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ )) .
(من سنن الترمذي عن ابن عباس )
 
﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا.
(سورة فاطر)
       شيء دقيق جداً ، الأمر بيد الله عزَّ وجل ، لو أن الناس اجتمعوا كلهم  ضد الإسلام ، أنت كن مؤمنًا صادقًا ، ولا تخف .
      
﴿ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ﴾
 
       كن مؤمنًا صادقًا ، أقم الإسلام في بيتك ، أقمه في عملك ، حرر دخلك من الشبهات ، اضبط حواسك ، اضبط بيتك انتهى .
 
﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ.
(سورة التوبة123)
 
       لو تآمروا عليك ، لو أن أقوى الأقوياء أراد أن يوقع بك الأذى لا يستطيع ، لأن الله مع المتقين ، فربنا لا يوجد غيره ، الله عزَّ وجل إذا كان مع المؤمنين انتهى الأمر ، فإذا بدا لك أن الله تخلى عن المؤمنين ، فهو لم يتخلَّ ، هم ليسوا بمؤمنين ، لو أنهم مؤمنون لما تخلَّى عنهم ، وإسلامهم انتماء شكلي ، وانتماء تاريخي ، يقول لك : أنا مسلم ، وتجده على البحر ، المسلم وغير المسلم يشربون الخمر ، ويسبحون عراة أمام بعضهم بعضاً ، هذا مسلم ، ما عاد مسلمًا ، أين المسلم ؟ لا تجد فرقًا على الإطلاق ، لا في كسب المال ، ولا في إنفاقه ، ولا في البيت ، ولا في العمل ، النظام ربوي ، الشهوات ، الاختلاط ، هذا مسلم وهذا غير مسلم ، هذه أصبحت عصبية ، هذه أصبحت جهالة ، أما المؤمن فهو متميِّز بأخلاقه ، متميز ببيته ، متميز بعمله ، نمط فذ ، نمط غريب ، كن مؤمنًا وانظر ، الله لا يتخلى عنك :
 
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ.
 
       انظر إلى الآية ما أعظمها ..
 
﴿ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا  .
 
       لكن :
 
﴿ يَعْبُدُونَنِي.
( سورة النور: آية " 55 " )
 
       فهم لا يعبدونه ، البيوت ليست إسلامية ، العمل ليس إسلامياً ، فيه غش ، وكذب ، وخداع ، واختلاط ، قد ترى امرأةً تمشي في الطريق ، هل هذه مسلمة ؟ وأبوها مسلم ؟ مستحيل ، كل مفاتنها في الطريق ، أين أبوها ، وأين إخوتها ؟ كيف سمحوا لها أن تمشي بهذا الشكل ؟ كلما كما يقولون : وكلما قلّ ماء الحياء قلّ ماء السماء .
 
﴿ وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا.
(سورة الجن16)
 
 
 
﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ.
(سورة الأعراف : آية " 96 ")
 
 
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا.
(سورة فصلت: آية " 30 " )
     نحن مقصِّرون ، ولم يتخلَّ الله عنا ، ولكن وعده حق ، والله لزوال الكون أهون على الله من أن لا يحقق وعده للمؤمنين للكن أين المؤمنون ؟ عدد كبير ، كان الصحابة واحدًا منهم كألف ، الآن ألف كأف ، لا دين ، ولا صدق ، تجد القصر العدلي به ستة آلاف دعوة ، كلها باطلة ، لا رحمة ، ولا  إنصاف ، أكل أموال الناس بالباطل ، هؤلاء يستحقون أن يرحمهم الله عزَّ وجل ؟ فالإنسان عليه أن يستقيم على أمر الله ، فالآية هنا :
     
﴿ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ﴾
 
      تصور جندين تشاجرا ، وكان قائد الجيش مع واحد منهم ، من خصمه ؟ انتهى الأمر ، لما يكون ربنا مع مؤمن فلا تجد كافرًا ، انتهى .
 
      
﴿ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ
 
     وفي درسٍ آخر إن شاء الله نتابع تفسير هذه الآيات .
والحمد لله رب العالمين
 
 
 

 

 



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب