سورة الدخان 044 - الدرس (3): تفسير الأيات (37 – 50) يوم القيامة هو يوم الفصل بين الخلائق

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ..."> سورة الدخان 044 - الدرس (3): تفسير الأيات (37 – 50) يوم القيامة هو يوم الفصل بين الخلائق

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ...">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج أنت تسأل والمفتي يجيب 2: انت تسأل - 287- الشيخ ابراهيم عوض الله - 28 - 03 - 2024           برنامج مع الغروب 2024: مع الغروب - 19 - رمضان - 1445هـ           برنامج اخترنا لكم من أرشيف الإذاعة: اخترنا لكم-غزة-فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله-د. زيد إبراهيم الكيلاني           برنامج خطبة الجمعة: خطبة الجمعة - منزلة الشهداء - السيد عبد البارئ           برنامج رمضان عبادة ورباط: رمضان عبادة ورباط - 19 - مقام اليقين - د. عبدالكريم علوة           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 371 - سورة النساء 135 - 140         

الشيخ/

New Page 1

     سُورَةُ الدُّخَان

New Page 1

تفســير القرآن الكريم ـ ســورة الدخان ـ (الآية: 37 - 50) - يوم القيامة هو يوم الفصل بين الخلائق

09/04/2013 18:27:00

سورة الدخان (044)
الدرس (3)
تفسير الآيات: (37- 50)
يوم القيامة هو يوم الفصل بين الخلائق
 
لفضيلة الأستاذ الدكتور
محمد راتب النابلسي
 

 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الأخوة الكرام : مع الدرس الثالث من سورة الدخان .
    
 العبودية لله عز وجل :
 
مع الآية السابعة والثلاثين وهي قوله تعالى :
 
﴿ أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ(37) ﴾
(سورة الدخان)
معنى أهم خير أم قوم تبع أي أن قوم تبع كانوا أقوى منكم وكانوا أشد منكم وملكوا أطراف الأرض ومع ذلك أهلكهم الله عز وجل فمن أنتم ؟ هذا كلام دقيق ، لو أردنا أن نسحبه على حياتنا المعاصرة ، فإن كنت قوياً فقد أهلك الله من هو أقوى منك ، وإن كنت غنياً فقد دمر الله مال من هو أغنى منك ، وإن كنت ذكياً فقد وقع الذكي في شر عمله ، فالإنسان إذا توهم أنه على شيء فقد أشرك ، لأن هذا الشيء لو أراد الله أن يمحقه محقه في طرفة عين ، وليس لك أي حول ولا أي طول ، وهذا المعنى هو معنى العبودية لله عز وجل ، إذا كنت على شيء فمن فضل الله ، وإذا كنت على جانب من القوة فمن كرم الله ، إن كنت على جانب من اليسر فمن إكرام الله لك .
    
 قوة المال و العلم و السلطان من دون إيمان تحمل صاحبها على الطغيان :
 
﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى (7)
( سورة العلق )
الإنسان قبل أن يعرف الله متى يطغى ؟ أن رآه استغنى ، أن رأى نفسه قد استغنى ، فالقوة في المال  ، والقوة في العلم ، والقوة في السلطان ، وهذه من شأنها من دون إيمان أن تحمل صاحبها على العدوان ، ولهذا يقول عليه الصلاة والسلام: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف . معنى القوي ، أي أن القوة من دون إيمان خطرة لأنها تهلك صاحبها ، كيف تهلكه ؟ توقعه في الغرور ، والقوة تحجب عن الحقائق ، والمال يحجب ، وكذلك التفوق العلمي في العلوم  المادية تحجب ، فهناك ثلاث قوى : قوة العلم وقوة المال وقوة السلطان ، هذه من دون  إيمان من شأنها أن تحمل صاحبها على الطغيان ، ولذلك فالإنسان أحياناً بجهد جاهد قد يصل إلى قمة النجاح ولكن بغفلة يسيرة يقع في الشرك ، فيعتد في نفسه ويقول إنما أوتيته على علم عندي ، فبلحظة واحدة وبغفلة يسيرة يصبح في الحضيض ، فما الذي أهلكه ؟ شركه ، وإذا قال أنا فقد هوى ، إذا قال نحن ( نحن أولو قوة وأولو بأس شديد ) فقد هووا ، أنا خير منه خلقتني  من نار وخلقته من طين فقد هلك ، إنما أوتيته على علم عندي فخسفنا به وبداره الأرض .
    
 من بقي في النعمة ونسي المنعم فقد أشرك بالله :
 
 انتبه إنّ الله عز وجل يعطي ويمتحن ، فإن أعطاك شيئاً فلا تنس أن الله هو الذي تفضل عليك به ، وكان فضل الله عليك عظيماً ، فإذا ملكت النعمة فلا تنس المنعم ، وإذا ملكت الذكاء فلا تنسََ أن الله سبحانه وتعالى بقطرة دم لا يزيد حجمها عن حجم رأس دبوس تفقد ذاكرتك ، ويختل عقلك ، ويتوسط أهلك كي يودعوك في مستشفى الأمراض العقلية ، بواسطة  وبجهد جاهد ، كان قد اشترى هذا البيت ورتبه ونظمه وأولاده يتوسطون الآن كي يضعوا أباهم في مستشفى الأمراض العقلية ، فنقطة دم إذا تجمدت في بعض أوعية المخ تزول الذاكرة بأكملها ، ويكون هذا المصاب يحمل دكتوراه فَتُمْحَى المعلومات كلها ، وهكذا زالت شخصية الإنسان وقد أردت من هذه الأمثلة أن أبين بأن الإنسان إذا أعطاه الله شيئاً كنعمة القوة فعليه ألاّ ينسى من أنعم عليه بهذه القوة ، وهو في نعمة المال وفي نعمة الصحة ، ألاّ ينسى أن الله سمح له بذلك ، فإذا بقي في النعمة ونسي المنعم فقد أشرك ، وإذا أشرك يؤدب ، فكيف يؤدب ؟ يريه الله النعمة بفقدها لا بدوامها ، وكان عليه الصلاة والسلام يدعو ربه ويقول : اللهم أرنا نعمك بدوامها لا بزوالها .
 
شكر النعمة فيه سعادة حينما تعرف قدر المنعم :
 
أيها الأخوة الكرام :بالشكر تدوم النعم ، كان عليه الصلاة والسلام تعظم عنده النعمة مهما دقت ، وكم منا من يدخل إلى بيته ومعه مفتاح البيت ، وعنده مأوى ، وكم ممنلا مأوى له ، فلو ذهبت إلى شرقي آسيا فملايين الأسر تنام على قارعة الطريق ، هو وزوجته وأولاده ، أو في القوارب ، فمعك مفتاح ، وعندك مأوى ، ووجدت ثمن الطعام فهذه نعمة كبرى ، وهي أنّه تعالى أطعمك ، سيدنا عمر استقبل رسول عامله على أذربيجان فلما استضافه في بيته قال يا أم كلثوم : ما عندك من طعام ؟ قالت : والله ما عندنا إلا خبز وملح ، فقال سيدنا عمر :     ( عملاق الإسلام وخليفة المسلمين) : هاته  لنا ، أكل مع ضيفه خبزاً وملحاً ولما انتهى قال : الحمد لله الذي أطعمنا فأشبعنا ، وأسقانا فأروانا . أنت حينما تأكل ، كم نوعاً من الطعام ؟ تأكل ألوانًا مختلفة في بعض الولائم ، فهل قلت الحمد لله من أعماق أعماقك للذي أطعمنا فأشبعنا وأسقانا فأروانا . شكر النعمة فيه سعادة ، حينما تعرف قدر المنعم .
أي شيء بالجسم لو تعطل يجعل الحياة جحيماً ، والله عز وجل يحبك أن تشكره ، وألا تنسى فضله ، وألا تتعامى عن كرمه ، وكان فضل الله عليك عظيماً ، وأكبر فضل هو أنه هداك إليه ، عرفك بذاته ، علم فيك الخير فأسمعك الحق ، وهذا فضل كبير ، فلذلك : إن الإنسان لو وصل إلى شيء من القوة ، الله قد دمر من هو أقوى منه ، كلكم يعلم ويرى أحياناً مدينة من أرقى المدن ، مدينة سياحية جميلة جداً ، دخلها كالبحر ، هي على البحر ودخلها كالبحر ، زلزال في ثلاث ثوانٍ جعلها قاعاً صفصفاً ، فالله كبير ، وإذا بلدة فسقت فإنّه تعالى يدمرها ، وإذا إنسان فسق فإنه يزلزله ، وإذا إنسان تجاوز يرسل إليه مرضاً عضالاً .
    
ثناء النبي الكريم على ملك التبابعة :
 
فيا أيها الأخوة الكرام ، هذه الآية ﴿أهم خير أم قوم تبع﴾  قوم تبع أي قوم سبأ وتبع أي كان ملكهم ، والتبابعة ملوك اليمن ، كما أن القياصرة ملوك الروم والأكاسرة ملوك الفرس ، كان من هؤلاء الملوك ملكاً صالحاً أراد أن يغزو الجزيرة العربية فوَصل إلى المدينة ، وأعلمه بعض العلماء أن هذه المدينة مكان هجرة رسول وسيأتي بعد حين ، فامتنع عن غزوها ، فلما وصل إلى الكعبة ، نبؤوه أيضاً أن هذه الكعبة بيت الله فكساها وأكرمها ، فالنبي الكريم كان يثني عليه لأن الأخبار تواترت بأنه كان صالحاً ، وبعض الروايات تؤكد أنه كان نبياً.
﴿أهم خير أم قوم تبع﴾
(سورة الدخان)
تبع دمرهم الله بسد مأرب ، لأنهم فسقوا .
    
المعصية تودي بصاحبها إلى الهلاك :
 
قالوا ربنا باعد بين أسفارنا ، والإنسان حين يعصي فلسان حاله يقول : يا رب دمرني ، الآية حيرت العلماء ، فَمعقول أنّ إنسانًا يدعو على نفسه ، فبلادهم جنات ، وبساتين ، وأنهار ، وخيرات ، إني أراكم بخير ، وفرة المواد ورخص الأسعار ، إني أراكم بخير ، كانت البلاد متصلة ، لشدة الرخاء والعمران والبساتين والماء والأنهار والينابيع : العمران متصل ، فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا ، يعني يا رب دمرنا ، اجعل أرضنا قاحلة ، ودمر هذه البساتين ، وجفف هذه الأنهار ، إنّه كلام غير معقول ، فهذه الآية حيرت علماء التفسير ، فبعضهم قال : الذي يعصي الله لسان حاله يقول : يا رب دمرني ، وإذا كان البيت فيه معصية كأنك تقول يا رب دمر هذه الأسرة ، وامحق هذا الرزق ، إذا دكان فيها بيع طيب وصار فيها معاص ، وصار فيها غش ، وصار فيها كذب ، تحرش بالنساء ، فكأن صاحب هذه الدكان يقول : يا رب امحق هذا الرزق ، ويا رب دمرني ، وهذا لسان حال العاصي ، شاء أم أبى .
    
 من يعصِ الله يمحقه و يدمره :
 
﴿ فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ﴾ .
( سورة القصص الآية : 8 ) .
أيعقل أن يلتقط إنسان طفلاً لكي يكون له عدواً ، هذه الآية أيضاً حيرت العلماء ، هذه اللام لام التعليل فاخترع علماء النحو إعراب لهذه اللام قالوا هذه هي لام المآل ، لأنه لا يعقل لإنسان أن يلتقط طفلاً ليكون له عدواً ، ولكن في النهاية ما الذي حصل ؟ أن هذا الطفل سيدنا موسى هو الذي قوض عرش فرعون حينما دخل في البحر فتبعه فرعون فأغرقه الله عز وجل ، إذا أردت من هذا التفصيل أن الإنسان في بيته ومع زوجته وأولاده وبعمله عندما يعصي على علم ، أي يعرف نفسه أنه يعصي ، فكأن لسان حاله يقول : يا رب دمرني ، وامحق هذا الرزق ، و أنشب خلافاً بيني وبين زوجتي ، وحينما يتطلع الإنسان إلى غير زوجته ويطلق بصره في الحرام فكأنه يقول : يا رب دمر سعادتي الزوجية ، فالله يخلق مشكلات : فكلاهما عندئذ لا يطيق الآخر وكلاهما يتجاوز حدوده مع الآخر ، إلى أن يقع الخلاف والخصومة ويدخل الشيطان فيحلف بالطلاق لأتفه سبب ويشرد الأولاد ، ولقد كان بيتاً عامراً بذكر الله فصار خرباً من المعصية . فالمعاصي تدمر .
 
من اعتصم بأقوى مخلوق من دون الله جعل الله الأرض هوياً تحت قدميه :
 
لذلك :
 
﴿أهم خير أم قوم تبع﴾
(سورة الدخان)
هناك أقوى منك دمره الله ، ما من مخلوق يعتصم بي من دون خلقي ، أعرف ذلك من نيته ، فتكيده أهل السماوات والأرض ، إلا جعلت له من بين ذلك مخرجاً ، وما من مخلوق يعتصم بمخلوق دوني ، أعرف ذلك من نيته ، إلا جعلت الأرض هوياً تحت قدميه ، وقطعت أسباب السماء بين يديه .
إذا اعتصمت بأقوى مخلوق من دون الله ، حصل لك ذلك ، ولذلك كلما ازددت خوفاً من الله فهذا يدل على كبر عقلك ، وكلما رجح عقلك ازداد خوفك ، ورأس كل الحكمة مخافة الله ، لا تبعد كثيراً ، بل اسمع الأخبار ، ترى كيف أن الله يدمر مدناً ، وأقواماً ، ويمحق أمماً ، و تجارات ، وواضحة جداً هذه الأخبار فلو سمعتها عليك أن تسمعها بأُذن موحدة ، وعليك أن ترى يد الله تعمل في الخفاء ، يد الله فوق أيديهم ، وعليك أن ترى أن الله في السماء إله وفي الأرض إله ، ومالكم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحداً ، وأن الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل ، وأنه ما تسقط من ورقة إلا هو يعلمها ، فإذا سمعت الأخبار ، وقرأتها فعليك أن تفهمها بعقل موحد ، افهمها بأن الله وراء كل شيء ، وأنه بيده كل شيء ، وأنه لا راد لمشيئته ، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، افهم هكذا ، ترى تفسيراً رائعاً .
    
 على الإنسان ألا ينسى القرآن الكريم و يغتر بالأقوام الفاسدة :
 
يمكن أن تشاهد مثلاً حرباً أهلية في بلد ، تسمع أخباراً خلال عشر سنوات عن التدمير وعن القتل ، يُقتل مئات الألوف ، وتدمر الأبنية ، ويمكن أن تقرأ مئة تفسير لهذه الحرب ولكن لا تنس تفسير الله لها :
 
﴿ وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ ﴾ .
( سورة النحل ) .
تغب عن تفسير الله عز وجل ، تغب عن القرآن الكريم فهو يعطيك تفسير أي شيء ، حتى لو رأيت أمة متقدمة تتحكم بمعظم الشعوب رخاء ، وبيوتًا رخيصة ، مواصلات ، ومركبات رخيصة ، وكل شيء فيها جميل ، وكلها خضراء ، لا تغتر بهؤلاء :
 
﴿لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ(196) ﴾
( سورة آل عمران )
    
 من يقرأ القرآن الكريم يطمئن قلبه و ترتاح نفسه :
 
لا تنس القرآن الكريم :
 
﴿مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ(197) ﴾
( سورة آل عمران ) .
 
﴿ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً ﴾
( سورة الأنعام الآية : 44 ) .
لا تنس القرآن ، فلو قرأت فيه كل يوم لعشت مع التفسير الصحيح لكل شيء ، فلا تغترّ أبداً :
 
﴿ وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ ﴾ .
( سورة إبراهيم ) .
 
﴿فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ(47) ﴾
( سورة إبراهيم ) .
 فهذا القرآن الكريم حين تقرأه يطمئن قلبك ، وترتاح نفسك لكلام خالق الكون ، يقول لك : أنا يا عبدي أفعل كذا وأفعل كذا ، فكن دائماً مع التفسير الديني للأشياء .
    
 من لم يضبط شهوته وفق منهج الله لابد وأن يعتدي على حقوق الآخرين :
 
﴿أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ(37) ﴾
(سورة الدخان)
 لأنهم فسقوا وفجروا ومن لوازم الفسق العدوان ، عندما تتحكم بالإنسان شهوته لابد وأن يعتدي على حقوق الآخرين ، ولو ضبط شهوته وفق منهج الله ، لم يكن معتدياً ، ولو ضبط شهوته في حبه للمال أو للنساء أو للعلو في الأرض وفق منهج الله لا يعتدي .
    
 كمال الخلق يدل على كمال التصرف  :
 
ثم يقول الله عز وجل :
 
﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ(38) ﴾
(سورة الدخان)
 ما هو اللعب ؟ هو العبث ، أو عمل لا طائل منه ، فلعب الطاولة ، ما نتيجتها ؟ تحررت القدس ، أو أسست مشروعاً أو أخذت شهادة عليا ، أو ساهمت في حل مشكلة ببلدك ، فما معنى اللعب ؟ عمل لا طائل منه ، وليس له ثمرة إطلاقاً ، عبث ، اللعب هو العبث ، وربنا عز وجل ينفي أن يخلق الأرض والسماوات لاعباً ، بالكون لا يوجد عبث ، إله عظيم لا يعبث ولا يلعب ، كمال الخلق يدل على كمال التصرف .
 
﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ (38) ﴾
(سورة الدخان)
يعني الكون .
 
﴿وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ(38) ﴾
(سورة الدخان)
 
الله عز وجل نفى عن أن يكون خلق السماوات والأرض باطلاً :
 
الموضوع نجمعه من أطرافه ، هناك آية أخرى :
 
﴿ وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلاً ﴾
(سورة ص الآية: 27)
فربنا عز وجل نفى عن أن يكون خلق السماوات والأرض باطلاً ، ونفى أن يكون خلق السماوات والأرض لعباً ، فإذا عرفنا ما اللعب وما يقابله ، وإذا عرفنا ما الباطل وما يقابله ، أي أن الله عز وجل خلق السماوات والأرض بالحق ، ما خلقها باطلاً ولا لعباً ، فالحق هو ما يقابل اللعب وما يقابل الباطل ، والباطل الشيء الزائل ، فمن الممكن أن ننشئ جناحاً في المعرض من قماش من أجل 20 يوماً فقط ، أما إذا أردنا أن نبني بناء يبقى مئات السنين ، نبنيه من الحجر ، فإنشاء بناء ليعيش مئات السنين ، غير إنشاء جناح في معرض من أجل 20 يوماً فقط ، فالباطل الشيء الزائل ، أما الحق فالشيء الدائم الأبدي السرمدي ، فاللعب الشيء العابث أما الحق فهو الشيء الجاد ، فاجمع اللعب والباطل وما يقابله من الدوام والجدية ، تجد الحق أن تعمل عملاً نبيلاً ثابتاً ، فيه الثبات والسمو ، والاستمرار والعظمة .
    
 من أراد الآخرة عليه أن يعمل لها في الدنيا :
 
أحياناً يحتار الإنسان ، يقول لك ما هذه الحياة ؟ حتى استقر وضعه بالأربعين ، ومن الأربعين للخمسين استكمال تثبيت مكانة واستكمال تركيز أوضاع ، ومن الخمسين إلى الستين كلها متاعب صحية ، الميزان نزل ، ومعترك المنايا بين الستين والسبعين فهذا إذا وصل إلى الستين ، فحالياً لم يعد له إلا القليل فهل من المعقول ثلثا العمر إعداد والثلث الثالث متاعب ، وكل هذا الكون من أجل عشر سنوات ، إذْ لا يتناسب الكون معها ، مجرة تبعد عن الأرض أربعاً وعشرين ألف مليون سنة ضوئية ، يوجد في الكون مليون مليون مجرة وكل مجرة فيها مليون مليون كوكب ، فهذ شيء عجيب جداً فمن أجل عشر سنوات ، انظروا إذا كنت مخطئاً ، هذه النعوات أمامكم ، كلما رأيت نعوة اسأل ما عمر صاحبها ؟ الجواب 53 ، 42 ، 39 ، 47 ،63 فهذا الأخير معمر ، فمتى استقر ؟ ومتى تزوج ؟ متى أصبح له دخل ثابت ؟ وركز مكانته ؟ بالأربعين أو بالخامس والأربعين ، كون من أجل عشر سنوات ؟ لا يتناسب ، فلا يتناسب أن تعمر غرفة ضمن معرض من البيتون المسلح سماكة الحائط 1 م من أجل عشرة أيام ثم تهدمها بالمهدّة الآلية ، إنه عمل غير عاقل ، فإذا كان الشيء مديداً فيجب أن يكون الهدف كبيراً  .
    
 كل إنسان مخلوق ليحاسب إما إلى جنة أو إلى نار :
 
ربنا عز وجل قال :
 
﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا ﴾ .
( سورة المؤمنون الآية : 115 )
أي لعباً :
 
﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى ﴾ .
( سورة القيامة ) .
حياة دنيا تنتهي بالموت وانتهى كل شيء ، وهذا ظن الجاهل ، والإنسان مخلوق ليحاسب ، جاء الله بك إلى الدنيا لتعرفه وتعرف منهجه وتطبقه ، وسوف تحاسب عن كل حركة و سكنة ، وسوف تلقى جزاء العمل في جنة يدوم نعيمها أو في نار لا ينفد عذابها.
    
 الموت بداية الحياة عند المؤمن :
 
﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ(38) ﴾
(سورة الدخان)
 يوجد آية أخرى :
 
﴿ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا (27) ﴾
(سورة الدخان)
فالذي يؤمن بالعبثية والزوال وأن الموت نهاية الحياة وأن لاشيء بعد الموت فهو كافر ، بأوسع معاني هذه الكلمة ، لكن الموت بداية الحياة .
 
﴿يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26)
( سورة الفجر )
 
المؤمن الحق لا يفرح إلا بعطاء الله :
 
الحياة الآخرة هي الحيوان أي هي الحياة الحقيقية لو كانوا يعلمون ، وهي الحياة الحقيقية التي خلقت من أجلها ، إنها حياة لا يوجد فيها قلق ولا حر ولا برد ولا هرم ولا مرض .
(( أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ... )) .
[ متفق عليه عن أبي هريرة]
 
﴿لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ(61) ﴾
( سورة الصافات )
 
﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ(26) ﴾
( سورة الصافات )
 
﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴾
( سورة يونس ) .
 والمؤمن الحق لا يفرح إلا بعطاء الله ، العطاء الأبدي السرمدي ، أما العطاء الدنيوي فهو زائل ، ولا يسمى هذا عطاء .
    
 الهدف من خلق السماوات و الأرض إسعاد الخلق :
 
﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ(38) ﴾
(سورة الدخان)
أي خلقنا السماوات والأرض بالحق لهدف كبير وهو إسعاد الخلق ، فبالكون تتعرف إلى الله وإن عرفت الله وعرفت منهجه واتبعت منهجه سعدت بقربه في الدنيا والآخرة ، هذا ملخص الملخص .
 
﴿مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ (39) ﴾
(سورة الدخان)
لهدف كبير ودون عبث أو لعب :
 
﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ(39) ﴾
(سورة الدخان)
جئت لا أعلم من أين ولكنـي أتيت !
 ولقد أبصرت أمامي طريقاً  فمشيت
. أين كنت ؟ أين صرت ؟ أين أبصرت طريقي ؟ لست أدري
كيف لا تدري والقرآن بين يديك ؟ هذا حمق ، وتردد كلمة لا أدري والله عز وجل يبين لك :
 
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ .
( سورة الذاريات )
    
 الفرق بين الحياة الدنيا و الحياة العليا :
 
الآية واضحة  كالشمس .
 
﴿ إ لاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾ .
( سورة هود الآية : 119 ) .
 
﴿يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي(24) ﴾
( سورة الذاريات ) .
الله يميز بين الحياة الدنيا والحياة العليا واحدة دار عمل وتكليف والأخرى دار استقرار وتشريف ونعيم مقيم ، الأولى حياة نظامها الكسب والسعي وبذل الجهد والكدح .
 
﴿يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ(6) ﴾
( سورة الانشقاق ) .
فهناك النظام :
 
﴿لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ (16) ﴾
( سورة الفرقان ) .
إنه اختيار فقط ولمجرد أن يقع في ذهنك طلب تراه أمامك .
 
﴿مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ(39) ﴾
(سورة الدخان)
فأكثرهم لا يعلمون .
    
 يوم القيامة هو يوم الفصل بين الخلائق :
 
﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ(40) ﴾
(سورة الدخان)
كم فرقة وكم اتجاه وكم مبدأ وكم جماعة في الأرض الآن ، خذ قارة قارة : مئات الجماعات كل جماعة لها مبدأ ولديها أدلة ، إذاً من على الحق ؟ أمر يحير ، المسلمون آلاف الفرق والنصارى آلاف الفرق وكذلك اليهود بالإضافة إلى البوذيين والسيخ والهندوس وديانات إفريقيا وأمريكا اللاتينية ، كم دين يوجد في الأرض وكم اتجاه وكم فئة وكم حزب ...... فمن يا ترى من هؤلاء على حق ؟ يجيب تعالى ؟
 
﴿ِإنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ(40) ﴾
(سورة الدخان)
ففي هذا اليوم يفرز فيه كل الخلق ، هذا على حق والآخر على باطل .
 
﴿ِإنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ(40) ﴾
(سورة الدخان)
 الفصل بين الخلائق ، كل يدعي أنه على حق ، من هو صاحب الحق .
 
في الدنيا مقاييس تدل الإنسان على الله عز وجل هي :
 
1 ـ الكون :
في الدنيا مقاييس ، ولندخل الآن في هذا المقياس : الشيء الثابت الكون ، قال ديكارت أنا أفكر فأنا موجود ، لدينا شيء ثابت هو الكون فالشمس ثابتة والقمر والليل والنهار والأرض ، الجبال ، والبحار ، والنباتات ، والأسماك ، والأطيار، وجسمك ، وقلبك ، ورئتاك ، فأنت أمام آلاف الآيات الدالة على عظمة الله ، يوجد لهذا الكون خالق ، مربٍ ، ومسير ، وموجود ، وواحد كامل . وكل ما في الكون يدل عليه ، يدل على وجوده ، وعلى كماله ، وعلى وحدانيته ، هذه ثابتة ولا يستطيع إنسان كائناً من كان أن ينقض هذه الحقيقة ، الصنعة تدل على الصانع ، والتسيير يدل على المسير ، والخلق على الخالق ، والتربية على المربي ، والنعمة على المنعم ، فهذا هو الخالق العظيم ، وكمال الخلق من لوازمه كمال التصرف ، أيعقل لإله عظيم خلق فسوى وقدر فهدى أن يدع عباده بلا توجيه ، ولا منهج ، ولا نظام ، وأن ينساهم وأن يدعهم هملاً .
2 ـ القرآن الكريم :
والآن دخلنا في موضوع المقياس : الكون ثابت ، كل ما في الكون يدل على الله ، وعلى أنه خالق ، ومرب ، ومسير ، واحد وكامل وموجود ، وجيد ، فالله موجود وخلقه كامل ومعجز فمن لوازم خلقه المعجز الكامل وتصرفاته الكاملة ، أيعقل أن يبقى الناس بلا منهج ؟ ولا دليل ؟ فمثلا وزارة مواصلات تشق طريقاً وبعد فترة تضع إشارات تحذيرية للمنعطفات ولكل ما يجب تنبيهاً السائق ، لوحات مختلفة وإلا تكثر الحوادث ، إذاً بعد أن شق الطريق وضعنا إشارات لتنبيه الناس ، الله عز وجل الله نور السماوات والأرض أي خلق الكون ونوره بالوحي أرسل كتاباً وهو لا يقل عن الكون ، الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض  ، الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب  ، فالكون في كفة والقرآن في كفة أخرى ، منهج  وهذا المنهج من عند الله ، وما الدليل على أن هذا الكتاب هو من عند الله ؟ هنالك دليل قطعي : إعجازه : ففيه إعجاز إخباري لغيب الماضي ، ولغيب الحاضر والمستقبل ، ففيه إعجاز علمي ، وإعجاز تشريعي ، وبياني ، وتربوي ، فإذا كان الأمر يهمك هناك مليون دليل على أن هذا القرآن هو كلام الله ، ومستحيل لمخلوق مهما علا أن يأتي بمثله ، ولو اجتمعت الأمة على ذلك ، هذا شيء ثابت آخر .
3 ـ النبي و كلامه :
والذي جاء بهذا الكتاب هو رسول قطعاً فما دام هذا معجزاً فالذي جاء به رسول ، فأصبح لديك ثلاثة ثوابت : فالكون ثابت ، والقرآن ثابت ، والنبي وكلامه (ما صح عنه بالتمام فهو ثابت) وأصبح لديك قرآن وسنة ، فأي شيء تسمعه ولو كان مليون مقولة تعرضها على القرآن والسنة فإن وافقت الكتاب والسنة فهي صحيحة .
 
من جرّ الحقائق إلى صالحه ولعب بالأفكار فحسابه يوم القيامة :
 
 يوجد لدينا أدلة قبل يوم الفصل ، وأما إذا كان هناك تعنت .
 
﴿ِإنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ(40) ﴾
(سورة الدخان)
 وإذا كان فيه تعنت وفيه مكابرة وجرّ الأمور لمصلحة جهة معينة ، فالإنسان يتحرك بعض الأحيان لا وفق قناعاته بل وفق مصالحه ، فيزين فكرة لغاية في نفس يعقوب ويرفض فكرة لغاية في نفس يعقوب ، هذا الرفض لا قيمة له والقبول لا قيمة له ، لأنه قبول مصلحي و رفض مصلحي .
 
من أراد معرفة الحقيقة تعرّف عليها في الدنيا قبل يوم الفصل :
 
لو أردت الحقيقة وأنت في الدنيا وقبل أن تصل إلى يوم الفصل فتعرفها ، من الثوابت : الكون ثابت والقرآن ثابت وكلام النبي ثابت ، هذا هو الحق . تركت فيكم اثنين ما إن تمسكتم بهما فلن تضلوا بعدي أبداً : كتاب الله وسنة نبيه . وبكل قضية تسمع أحياناً فكرة، وتقرأ مقالة في مجلة ، وتسمع محاضرة ، اِعْرِضْ هذا على كتاب الله ، فأهم عمل تفعله وقبل كل شيء ، وقبل أن تأكل أن تفهم كلام الله ، لأنه هو المقياس ، هو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وهو الكتاب المقرر ، فيه النجاة ، فلذلك عندما يجلس الإنسان في مجلس علم ليفهم كلام الله يقوم بأخطر عمل في حياته ، ولا شيء يعلو على هذا العمل إطلاقاً ، أنت الآن تتعلم كلام الله ، فهو منهجك ، ومقياسك ، فلو أردت الحقيقة تعرفها في الدنيا قبل يوم الفصل ، لو أردتها صادقاً ، لو أردتها مخلصاً ، تعرفها قبل يوم الفصل ، لكن لو ركب الإنسان رأسه وجر الحقائق إلى صالحه ولعب بالأفكار وزور ودجل وحاور لمصلحة يريدها ، هذا يقول له حسابه يوم الفصل .
 
﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ(40)يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ(41) ﴾
(سورة الدخان)
 
يوم القيامة يأتي كل إنسان ربه فرداً :
 
:الحياة الدنيا مبنية على العلاقات والجماعات والتحزبات والكتل ، هذا من جماعتنا وهذا ضدنا وهذا معنا وهذا ليس معنا وهكذا الحياة الدنيا ، لكن يوم القيامة : يا فاطمة بنت محمد ، يا عباس عم رسول الله ، أنقذا نفسيكما من النار ، أنا لا أغني عنكما من الله شيئاً ، لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم ، من يبطئ به عمله لن يسرع به نسبه
 
﴿أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنقِذُ مَنْ فِي النَّارِ(19) ﴾
(سورة الزمر)
يا محمد ، تنقذ من في النار .
 
﴿يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا ِ(19) ﴾
(سورة الزمر)
يا رسول الله أيعرف بعضنا بعضاً يوم القيامة ؟ قال نعم يا أم المؤمنين ، إلا في أربعة مواطن .... وفي غير هذه المواطن قد تقع عين الأم على ابنها ، تقول له يا بني : جعلت لك صدري سقاء وبطني وعاء وحجري وطاء فهل من حسنة يعود علي خيرها اليوم ؟ يقول هذا الابن لأمه يوم القيامة : ليتني أستطيع ذلك ، إنما أشكو مما أنت منه تشكين .
 
﴿يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا ِ(19) ﴾
(سورة الزمر)
 لذلك الإنسان أحياناً كل الدنيا مبنية على أن هناك جماعة محيطة بإنسان ، يوم القيامة يأتي كل إنسان ربه فرداً .
               
﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ (94) ﴾
(سورة الأنعام)
 
رحمة الله عز وجل خير للإنسان يوم القيامة من كل أهل الدنيا :
 
 الإنسان يسافر بعض الأحيان إلى بلد لا يعرفه فيه أحد ، شخص عادي ، قد يكون في بلده معروفاً ومخدوماً ومعززاً ومكرماً ، بهاتف يحل ألف مشكلة ، أما في بلد آخر لا أحد يعرفه والآخرة هكذا :
 
﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ (94) ﴾
(سورة الأنعام)
 
﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ(40) ﴾
(سورة الدخان)
لا يوجد هناك جماعات ولا تحزبات ولا تكتلات ولا وساطات :
 
﴿يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ(41)إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ(42) ﴾
 (سورة الدخان)
إلا من رحم الله طبعاً رحمة الله خير للإنسان من كل أهل الدنيا .
 
﴿وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ(32) ﴾
(سورة الزخرف)
 
من مشاهد يوم القيامة :
 
1 ـ شجرة الزقوم طعام الأثيم :
 
﴿إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ(43)طَعَامُ الْأَثِيمِ(44) ﴾
(سورة الدخان)
 الآن مشهد من مشاهد النار ، هذه الشجرة تنبت في البادية من أخبث أنواع الشجر ، قال هي طعام الأثيم ، الذي وقع في الإثم والمعصية في الدنيا .
2 ـ الزيت المغلي :
                                   
﴿كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ(45) ﴾
(سورة الدخان)
المهل عكر الزيت والزيت إذا غلى ، فدرجته عالية جداً ، يحترق فيه الشيء فوراً ، والزيت المغلي لا يحتمل .
3 ـ سوق الكافر إلى منتصف الجحيم :
 
﴿كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ(45)كَغَلْيِ الْحَمِيمِ(46)خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ(47) ﴾
(سورة الدخان)
:عتالة و أما المؤمن يأتي ربه كالوفد وأما الكافر يعتل عتالة كأنه من سقط المتاع
 
﴿خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ(47) ﴾
(سورة الدخان)
أي إلى منتصف الجحيم .
4 ـ عذاب الجحيم :
 
﴿ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ(48)ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ(49) ﴾
(سورة الدخان)
أي كنت في الدنيا عزيزاً ، أخذته العزة بالإثم ، يعني مثلاً  لا يصلي ، اتبع جنازة والجنازة دخلت إلى المسجد ليصلى عليها فهو أكبر من أن يصلي بالمسجد ، بل أكبر بكثير ، وقف خارج المسجد ليدخن وينتظر إلى إن تخرج الجنازة .
 
﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ(49) ﴾
(سورة الدخان)
أي كما قال عليه الصلاة والسلام : ألا يا رب نفس طاعمة ناعمة في الدنيا ، جائعة عارية يوم القيامة ، ألا يا رب نفس جائعة عارية في الدنيا ، طاعمة ناعمة يوم القيامة ، ألا يا رب مكرم لنفسه وهو لها مهين ، ألا يا رب مهين لنفسه وهو لها مكرم .
 
من يعصِ الله لكرامة مزعومة وسلامة موهومة فالنار مثوى له :
 
أحياناً الإنسان يوضع في موقف حرج ، لو صدق لتزلزل ، يؤثر أن يصدق وأن يتزلزل على أن يغضب الله عز وجل ، ولكن الله ينقذه ، ويكرمه ، أحياناً الإنسان محافظة على ما يتوهم أنه سلامة وكرامة  يعصي الله ، فمحافظة على سلامته الموهومة وعلى كرامته المزعومة يعصي الله ، فإذا عصى الله يقال له يوم القيامة :
 
﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ(49) ﴾
(سورة الدخان)
 أنت لكرامة مزعومة ولسلامة موهومة عصيتني لذلك الله عز وجل يقول له هذه الكلمات كي يرى أنه اختار الأسوأ وحينما كان في الدنيا .
 
﴿إِنَّ هَذَا مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ(50) ﴾
(سورة الدخان)
 
الغارق في المعاصي ينفي الدار الآخرة ليتحرك حركة عشوائية :
 
عندما يغرق الإنسان في المعاصي لكي يتوازن مع نفسه يقول لك : من مات ورجع وقال لك أنه في آخرة ؟ حتى يتوازن ، و أكثر الأشياء راحة نفي الدار الآخرة ؛ لأنه إذا نفى الدار الآخرة فقد نفى الجزاء والحساب ، عندئذ يتحرك حركة عشوائية ، ويأكل مال هذا ، ويشتم ويعتدي على هذا ، ويغتصب ويطغى ويبغي ، فصعب على الإنسان أن يتطاول ويأخذ ما ليس له إذا كان عنده يقيناً وأن هناك حساباً ، ولذلك فأركان الإسلام خمسة : الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وأكثر ركنين بالإيمان متلازمين الإيمان بالله و اليوم الآخر . إذا ألغيت اليوم الآخر يقيناً عندها لا توجد استقامة ، وتصبح الدنيا كل شيء،  فالحقيقة الإيمان باليوم الآخر من لوازم الإيمان بالله ، عندئذ كل عمل يقيم وفق ساعة الحساب يوم القيامة .
 
الإيمان باليوم الآخر من لوازم الإيمان بالله :
 
أيها الأخوة ،كما قلت قبل قليل الإيمان بالله واليوم الآخر يتلازمان في أكثر سور القرآن ، الإيمان باليوم الآخر أن تؤمن أن هناك حياة أبدية سرمدية هي الحياة الحقيقية وهي الحياة التي خلقت من أجلها ، لذلك إذا آمنت باليوم الآخر تجعل هذه الحياة الدنيا مدرسة للآخرة ، حياة إعدادية لمدرسة عليا أبدية فلذلك التناقض من أين يأتي ؟ يأتي التناقض والهم والحزن من اعتبار الحياة الدنيا هي الحياة الأساسية ، لذلك النقص مزعج ، نقص المواد ، وارتفاع الأسعار ، ونقص شيء في الصحة ، وعدم التوفيق في زواجه وفي عمله ، هذه الهموم يراها كبيرة ساحقة لأن آماله كلها في الدنيا ، لو أنه نقل أهدافه وآماله واهتماماته إلى الآخرة ، كل شيء في الدنيا يرضيه لأن الحياة مؤقتة : عش في الدنيا كأنك مسافر ، عندما يسكن الإنسان في بيت شهراً واحداً بمصيف ، يكون فيه أخطاء كثيرة جداً ونواقص كثيرة جداً لا يعبأ بها أبداً ، هو جاء استجماماً فأي شيء فيه نقص أو خلل أو خطأ يتجاوزه لو أردت أن تعيش الدنيا كما تعيش شهراً في مصيف تحل كل المشكلات ، لأن الحياة مؤقتة ، والشيء الذي يلفت النظر أن الإنسان أحياناً  يهيئ بيتًا لا يسكنه ، وينال شهادة لا يستفيد منها فالمنايا بالمرصاد ، لا يجد إنساناً لديه ضمانة أن يعيش بعد ساعة وكل إنسان يموت لديه أمل يعيش عشرين سنة قادمة ، فالموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل والدنيا ساعة فاجعلها طاعة والنفس طماعة عودها القناعة ، أي لابد من نقل الاهتمامات لليوم الآخر ، ولابد من الإيمان باليوم الآخر إيماناً حقيقياً ، أن تجعل هذا اليوم محط الرحال ونهاية الآمال ، لذلك الدنيا مقبولة في أي وضع ، النبي قال : اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم.
 
من نقل أهدافه الحقيقية للدار الآخرة يسعده كل شيء :
 
تلاحظ إنساناً يجد الحياة الدنيا أكبر همه ، ولذلك فأي نقص في المواد أو بالدخل يخرجه من جلده ، تجده ناقماً دائماً كثير الشكاية يرى أن المال كل شيء ، والطعام الطيب كل شيء ، والبيت الواسع كل شيء ، الزوجة ، النزهة ، هذا مبلغه من العلم أما لو نقل أهدافه الحقيقية للدار الآخرة يسعده كل شيء ويرضى بكل شيء ، إن هذه الدنيا هي دار التواء لا دار استواء ، ومنزل ترح لا منزل فرح ، من عرفها لم يفرح برخاء ولم يحزن لشقاء ، قد جعلها الله دار بلوى وجعل الآخرة دار عقبى ، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي .
في درس قادم إن شاء الله تعالى نتابع تفسير هذه الآيات أما من حكمة ربنا عز وجل بعد كل مشهد من مشاهد العذاب هناك مشهد من مشاهد أهل الجنة .
 
﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ(51)فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ(52)يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ(53)كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ(54) ﴾
(سورة الدخان)
والحمد لله رب العالمين



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب