سورة الأعراف 007 - الدرس (49): تفسير الآيات (172 - 174) الأمانة نفسك التي بين جنبيك ـ والإنسان قبِل حملها في عالم الذر

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ..."> سورة الأعراف 007 - الدرس (49): تفسير الآيات (172 - 174) الأمانة نفسك التي بين جنبيك ـ والإنسان قبِل حملها في عالم الذر

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ...">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج مع الحدث: مع الحدث - 38- المبادرات نصرة لغزة- سامر خويرة -17 - 03 - 2024           برنامج أنت تسأل والمفتي يجيب 2: انت تسأل - 284 - د. حسين الترتوري- 18 - 03 - 2024           برنامج مع الغروب 2024: مع الغروب - 09 - رمضان - 1445هـ           برنامج منارات مقدسية: منارات مقدسية - 264 - رباط الملك نجم الدين           برنامج رمضان عبادة ورباط: رمضان عبادة ورباط - 09 - بشائر النصر في رمضان - الشيخ أمجد الأشقر           برنامج الكلمة الطيبة 2024: الكلمة الطيبة - شهر انتصار الانسان         

الشيخ/

New Page 1

     سورة الأعراف

New Page 1

تفسير القرآن الكريم ـ سورة الأعراف - تفسير الآيات: (172 - 174) - الأمانة نفسك التي بين جنبيك ـ والإنسان قبِل حملها في عالم الذر

21/03/2011 10:24:00

سورة الأعراف (007)
الدرس (49)
تفسير الآيات : (172 ـ 174)
الأمانة نفسك التي بين جنبيك ـ والإنسان قبِل حملها في عالم الذر
 
لفضيلة الدكتور
محمد راتب النابلسي
 

 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
 
الله سبحانه وتعالى خلق الخلائق كلها قبل عالم الصور :
 
       أيها الأخوة الكرام ... مع الدرس التاسع والأربعين من دروس سورة الأعراف ، ومع الآية الثانية والسبعين بعد المئة ، وهي قوله تعالى :
﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ * وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ .
أيها الأخوة الكرام ، هذه قصة الإنسان ، الله سبحانه وتعالى خلق الخلائق كلها قبل عالم الصور ، خلقها في عالم الذر ، والآية التي توضح هذه الحقيقة هي قوله تعالى :
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ﴾ .
( سورة الأحزاب ) .
هذه الآية ، والآية التي هي موضوع الدرس تتكاملان لتكونا قصة هذا الإنسان .
 
القضايا ثلاثة أنواع ؛ إخبارية عقلية و حسية :
 
1 – دائرة المحسوسات أداة اليقين بها الحواس الخمس :
بادئ ذي بدء : بنص الآية التي تلوتها قبل قليل ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ ﴾ ، السماوات ، والأرض ، والجبال تعبير عن كل الخلائق ، الخلائق خلقت قبل عالم الصور ، أنت لك صورة ، وأنا لي صورة ، والحصان له صورة ، والشمس لها صورة ، هذا العالم اسمه عالم الصور ، وكنا قبل هذا العالم في عالم الذر .
ولكن القضايا الإخبارية ، لابد من أن يكون واضح لديكم أن هناك قضايا عقلية ، وأن هناك قضايا حسية ، وأن هناك قضايا إخبارية ، كل أمور الدين ، كل حقائق الدين ، كل أفكار الدين لابدّ من أن تتوزع بين دائرة المحسوسات ، ودائرة المعقولات ، ودائرة الإخباريات ، فأنا بحواسي الخمس أرى أن هذا كأس ماء ، وبحواسي الخمس أرى أن هذا مكبر للصوت ، وأن هذا الضوء متألق ، وأن هذه طاولة ، هذه معرفة حسية ، أدواتها الحواس الخمس ، أو استطالته  ، الميكروسكوب استطالة للعين ، ترى بالميكروسكوب دقائق الأشياء ، والتليسكوب استطالة أيضاً للعين ترى به الكواكب البعيدة ، فكل شيء يُرى ، أو يُسمع ، أو يُلمس ، أو يُشم ، هذه أشياء مادية أداة اليقين بها الحواس الخمس ، هذه قضية سهلة ، الحواس الخمس أو استطالتها .
لكن هناك قضايا عقلية ، القضايا الأولى الحسية شيء ظهرت عينه ، أداة اليقين به الحواس الخمس ، هذا الكأس أمامي له وزن ، من بلور صافٍ ، فيها ماء ، هذه معرفة حسية أداتها الحواس ، المس أو استطالتها وهذه ليست موضع خلاف إطلاقاً .
لكن الموضوعات الثانية موضوعات حسية ، يا ترى في أسلاك الكهرباء في هذا المسجد هل تسري فيها الكهرباء ؟ الجواب نعم ، قطعاً ، والدليل : هذه آثار الكهرباء ، تألق المصابيح ، تكبير الصوت ، عمل المكيفات ، هذه كلها من آثار الكهرباء ، فالكهرباء غابت عنا ذاتها بقيت آثارها ، هذه معرفة عقلية ، أيضاً هذه المعرفة ليست موضع خلاف إطلاقاً ، هناك عقل يستدل بالأثر على المؤثر ، وبالنظام على المنظم ، وبالخلق على الخالق ، وبالحكمة على الحكيم ، وبالجمال على الجميل ، وبالقوة على القوي .
فالشيء إذا غابت عينه وبقيت آثاره دليل اليقين به العقل ، لذلك العقل أصل من أصول المعرفة ، هذا الكون كله مظهر لأسماء الله الحسنى ، وصفاته الفضلى ، ذات الله لا   نراها .
   ﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ﴾ .
( سورة الأنعام الآية : 103 ) .
2 – دائرة المعقولات أداة اليقين بها العقل :
لكن كل هذا الكون أثر من آثار خالق السماوات والأرض ، فنحن نتعرف إلى الخالق من خلال خلقه ، وإلى الصانع من خلال صنعته ، وإلى المسير من خلال تسييره ، وإلى الحكيم من خلال حكمته ، وإلى الجميل من خلال جمال الكون ، هذه المعرفة الثانية المعرفة العقلية   ذات الشيء غابت عنا بقيت آثاره ، البعرة تدل على البعير ، والأقدام تدل على المسير ، والماء يدل على الغدير ، أفسماء ذات أبراج ، وأرض ذات فجاج ألا تدلان على الحكيم الخبير ؟ هذه المعرفة العقلية ، أداتها العقل ، طريقها التفكر .
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ  ﴾ .
( سورة آل عمران ) .
هذه المعرفة العقلية ، المعرفة العقلية لابدّ من شيء مادي ، من هذا الشيء المادي أنثقل إلى صانعه ، هل صنعته متقنة ؟ هل صنعته جميلة ؟ هل صنعته محكمة ؟ وهكذا .
وهذا الموضوع الثاني أيضاً ليس موضع خلاف إطلاقاً .
3 – دائرة الإخباريات أداة اليقين بها الخبر الصادق :
إلا أن الموضوع الثالث ؛ الدائرة الثالثة التي نحن بصددها ، هذه دائرة لا تخضع للعقل أبداً ، العقل يحتاج إلى شيء مادي يدرسه ، يلاحظه ، يحلله ، يفحصه ، يختبره ، ثم يحكم على صانعه ، هذا العقل ، أما الموضوع الثالث ، الدائرة الثالثة موضوع آخر ، العقل لا دور به إطلاقاً ، والحواس الخمس لا دور لها إطلاقاً ، الموضوع الثالث جهة أخبرتنا ، نسميه موضوع إخباري ، أو سمعي فقط .
لذلك هذا الموضوع الثالث تنطلق قيمته من المُخبر ، من هو المُخبر ؟ إذا الله عز وجل أحد أكبر مصادر المعرفة إخبار الله لنا ، الله أخبرنا أنه خلقنا لجنة عرضها السماوات والأرض ، أخبرنا أن بعد الموت إما في جنة يدوم نعيمها ، أو في نار لا ينفذ عذابها ، أخبرنا أنه لابدّ من أن نتصل به كي نسعد بقربه ، أمرنا بالصلاة ، والصيام ، والحج ، والزكاة ، نحن في الدين عندنا جانب كبير ، جانب إخباري ، هذا لا يخضع للعقل أبداً ، وأنصح أخوتنا الشباب ألا تحاوروا أحداً في الموضوع الثالث ، إلا إذا كان مؤمناً بالله ، إن كان ليس مؤمناً تقول له : الملائكة ، يقول لك : أين هي ؟ ما الدليل ؟ لا يوجد دليل معك ، دليل ، معك دليل لك ، كمؤمن ، الله أخبرك ، بل إن الذي أخبرك الله به ينبغي أن تأخذه وكأنك تراه .
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ﴾ .
( سورة الفيل ) .
من منكم رأى هذه الحادثة ؟ ولا واحد ، وأنا معكم ، لكن من المخبر ؟ هو الله عز وجل ، نحن في هذه الآيات لا تخضع للعقل أبداً ، ولا أتمنى عليكم أن تطرحوا أسئلة حولها  موضوع إخباري لا يخضع للعقل أبداً ، لا للتحليل ، ولا للدرس ، ولا للسؤال .
 
قبول الإنسان حمل الأمانة و رفض جميع الخلائق ذلك :
 
أخبرنا ربنا أنه خلقنا في عالم قبل عالم الصور ، وأنه عرض علينا ، وأن معظم المخلوقات أشفقن منها ، وأن الإنسان قال أنا لها ، وحملها ، وأنه إذا أدى الأمانة ، لم يكن ظلوماً جهولاً ، أما إذا خان الأمانة :
﴿ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ﴾ .
( سورة الأحزاب ) .
موضوع إخباري ، خلقنا الله عز وجل في عالم الذر ، قبل أن نكون في عالم الصور وعرض علينا الأمانة ، وجميع الخلائق أبى أن يحملها ، وخاف منها ، وحملها الإنسان .
 
من حمل الأمانة و أدى ما له و ما عليه دخل الجنة :
 
الآن لأنك إنسان بحسب هذه الآيات أنت خُلقت في عالم الذر مع بقية المخلوقات   ، فلما عرض الله الأمانة على هذه المخلوقات ﴿ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾ ولأنك إنسان إذاً أنت قبلت حمل الأمانة ، يجب أن تعرف نفسك ، الإنسان أعلى المخلوقات    إطلاقاً .
للتقريب : أب عنده عشرة أولاد ، غني كبير ، قال : كل واحد منكم له راتب شهري ، ومركبة ، وبيت ، وزوجة ، أما الذي يقبل أن يذهب إلى بلاد بعيدة ، ويأتي بالدكتوراه في إدارة الأعمال أمنحه هذا المعمل كله ، هناك عرض ، تسع أخوة خافوا ، أريح أن يبقى في بلده ، وله راتب شهري خمسين ألفاً ، وله زوجة وأولاد ، وسيارة ، أما هذا الأخ العاشر كان طموحاً ، قال أنا لها ، أرسله أبوه ، إن أتى بالدكتوراه تَمَلّك المعمل كله ، وإن لم يأتِ بها كل أخوته أفضل منه لذلك :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾ .
( سورة البينة ) .
أعلى من الملائكة .
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ  ﴾
( سورة البينة ) .
من هنا قال الإمام علي رضي الله عنه : رُكب الملك من عقل بلا شهوة ، ورُكب الحيوان من شهوة بلا عقل ، و رُكب الإنسان من كليهما ، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة ، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان .
خيروه بين أن يكون طياراً ، تأخذ بالشهر خمسمئة ألف مثلاً ، و بين أن تكون سائق سيارة على الأرض ، على الأرض القضية سهلة تعطلت تبلغ صاحبها ، تذهب إلى بيتك ، لكن بالطائرة ما في تبلغ صاحبها ، وقد مات جميع ركابها ، خمسمئة ألف مقابل احتمال الموت ، أما على الأرض الاحتمال أقل .
 
دائرة المرئيات و دائرة المسموعات و دائرة الخواطر :
 
لذلك الإنسان حينما قبل حمل الأمانة ، فإن لم يحملها أمامه النار ، خالداً فيها أبداً وإن حملها أمامه الجنة .
(( ما لا عين رأتْ ولا أذن سمعتْ ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ )).
[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة ] .
ما لا عين رأت ، هذه دائمة ، ولا أذن سمعت ، أوسع بكثير ، أنت زرت القاهرة  ، وعمان ، وبيروت ، وباريس ، فقط ، يوجد هنولولو ، هذه أنت ما زرتها ، لكن تسمع عنها ، يوجد موزنبيق ، هناك دول ، دائرة المرئيات أقل دائرة ، المسموعات أكبر بكثير ، أما الخواطر لا تنتهي ، قد تقول تصور إنساناً طوله للقمر ، خاطر هذا ، ما له أي ضابط ، فهناك دائرة اسمها دائرة المرئيات .
(( أعْدَدْتُ لعباديَ الصالحين ما لا عين رأتْ )) .
[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة ] .
وهناك دائرة أكبر اسمها دائرة المسموعات ، ولا أذن سمعت ، و دائرة لا تنتهي دائرة الخواطر ، ولا خطر على قلب بشر ، فإذا الإنسان حمل الأمانة ، وأداها كما أراد الله ، كان فوق الملائكة ، فوق بكثير ، من هنا يُعد الإنسان أكبر مغامر ، إما إلى جنة يدوم نعيمها ، أو إلى نار لا ينفذ عذابها ، فلذلك رأى النبي عليه الصلاة والسلام جنازة فقال :
(( مستريح ، أو مُسْتَراح منه  ، فقالوا  :  يا رسول الله ما المستريحُ ، وما المستَراح منه ؟ فقال : العبد المؤمنُ يستريح من نَصَب الدنيا ، والعبد الفاجرُ يستريح منه العبادُ ، والبلادُ ، والشجر ، والدواب )) .
[أخرجه البخاري ومسلم والنسائي ومالك عن أبي قتادة ] .
الآن العالم كله ينتظر بفارغ الصبر نهاية ولاية بوش .
(( يستريح منه العبادُ والبلادُ ، والشجر والدواب )) .
هذه المشكلة .
 
الأمانة التي قبلت حملها هي نفسك التي بين جنبيك :
 
 أيها الأخوة ، لأنك من بني البشر أنت في عالم الذر ، قبلت حمل الأمانة ، لأنك من بني البشر ، ولأنك من بني البشر أنت مهيأ أن تكون فوق الملائكة ، كلام دقيق هذا كلام في صميم العقيدة ، لأنك إنسان أنت مهيأ أن تكون أعلى مخلوق .
الآن ما هي الأمانة ؟ ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ ﴾ ، ما هي الأمانة ؟ إياكم أن تفهموا الأمانة فهم محدود جداً ، إنسان أودع معك شيء كأمانة ، ثم طلبه منك ، لا ، القضية عميقة جداً الأمانة في إجماع العلماء نفسك التي بين جنبيك ، سلمها الله لك ، أودع فيها الشهوات ، تشتهي المال ، هذه جماد ، لم تقبل حمل الأمانة ، هذه الطاولة لا تشتهي ، طاولة أنثى ، لا تشتهي تأكل  ، اتركها مئة سنة تبقى بمحلها ، ما في حركة ، أما أنت تشتهي أنثى ، تشتهي مالاً ، تشتهي أن تكون كبيراً في نظر الناس ، بمنصب رفيع ، تشتهي زوجة جميلة ، تشتهي بيتاً مريحاً ، تشتهي أموالاً طائلة ، أموالاً منقولة وغير منقولة ، تشتهي المتعة ، أودع فيك الشهوات ، إله .
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ والبنيين وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا  ﴾ .
( سورة آل عمران الآية : 14 ) .
 
العقل ميزان الإنسان ليرقى إلى رب السماوات و الأرض :
 
أودع فيك الشهوات ، أعطاك عقلاً ، هذا العقل ميزان دقيق .
﴿ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ﴾ .
( سورة الرحمن ) .
معك ميزان ، عامل الناس كما تحب أن يعاملوك ، أودع فيك الشهوات لترقى فيها إلى رب الأرض والسماوات ، تشتهي المرأة ، وقد أمرك الله أن تغض البصر عنها فتغض البصر عنها وتقول : يا رب احفظني من أن أُفتن .
   ﴿ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ ﴾ .
( سورة يوسف الآية : 33 ) .
أودع فيك شهوة المال ، وهناك دخل حرام ، و دخل حلال ، امتحنك الله .
﴿ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾ .
( سورة المؤمنين ) .
 
بالشهوات ترقى إلى الله صابراً و شاكراً :
 
أنت ترقى مرتين ، ترقى مرة حينما تقول إن أخاف الله رب العالمين ، ترقى صابراً وترقى شاكراً ، تزوجت الله هيأ لك زوجة صالحة جميلة ، فإذا ملأت عينيك من محاسنها ، لك أجر ، هذه هدية من الله ، ترقى إلى الله هنا شاكراً ، وإذا مرت امرأة لا تحل لك ترقى إلى الله صابراً ، ترقى بالشهوة مرتين ، لك معاش محدود ، اشتريت الطعام ، والشراب ، أكلت أنت وأولادك ، يا رب لك الحمد ، وهناك طريق غير مشروع ممكن تهرب مخدرات ، تربح ألف ضعف ، من مكان زراعتها إلى مكان بيعها يوجد ألف ضعف ، يقول لك : أغنى الأغنياء في العالم تجار مخدرات ، امتحنك ، المال محبب ، إما أن تكسبه حلالاً لكن لا يكون كثيراً جداً هناك جهد ، أو أن تكسبه حراماً ترقى مرتين ، إن قلت هذه الصفقة مشبوهة ، إني أخاف الله رب العالمين ترقى إلى الله صابراً ، وإذا كان صفقة مشروعة وربحت منها ربحاً معقولاً ، وأنفقت هذا المال على نفسك وأهلك ترقى إلى الله شاكراً ، أودع فيك حب المال وحب النساء ، ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ والبنيين ﴾ الأولاد ، ﴿ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ﴾   والسيارة ، ﴿ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ ﴾ ، وقتها ، الآن يقابلها سيارة ، ﴿ وَالْأَنْعَامِ ﴾ ، مزرعة  ﴿ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ أودع فينا الشهوات .
 
الله عز وجل زود الإنسان بمجموعة من المقومات لمعرفة الطريق الصحيح منها :
 
1 ـ الفطرة :
أعطاك عقلاً ، ميزاناً ﴿ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ﴾ ، أعطاك فطرة عظيمة  برمجك برمجة ، جبلك جبلة بطريقة أنك تكتشف خطأك بذاتك ، آتي بمثل دقيق :
دخلت إلى البيت الساعة الواحدة ، قالت لك والدتك : ماما أنا رأسي يؤلمني أريد أسبرين ، تقول لها : الساعة الواحدة كله مغلق ، قالت : خير إن شاء الله ، لكنك تعلم علم اليقين أن الصيدليات مناوبة ، هي لم تحرجك سكتت ، تريد أن تنام لا تستطيع ، أمك يؤلمها رأسها    أنت صرفتها عن هذا الطلب ، لم تتكلم شيئاً ، بعدها شعرت أن الوالدة غالية ، نهضت ، فرضاً ليس أسبرين دواء ثانٍِ ، أول صيدلية ، الثانية ، الثالثة ، درت عليهم كلهم لا يوجد هذا الدواء ، الوالدة بالمرتين الدواء لم تستخدمه ، لكن أول مرة تنام غير مرتاح ، المرة الثانية بعد جولة ساعة تنام مرتاحاً ، أنت أديت الذي عليك ، واضح تمام ؟.
الفطرة دقيقة جداً ، شخص دهس طفلاً الساعة الثانية بالليل ، وتابع سيره ، والضبط كُتب ضد مجهول ، يقول لي قريبه : أكثر من أربعين يوماً ما تمكن من النوم .
برمجك برمجة إذا أخطأت تشعر بكآبة ، تشعر بالذنب ، تشعر بالخطأ ، تشعر أنك صغير ، لو لم يعلم أحد بهذا الخطأ ، برمجة داخلية هذه فطرة ، أعطاك عقلاً ، مقياس مادي ،  أعطاك فطرة ، مقياس نفسي ، أعطاك شهوات قوة دافعة ، وأعطاك حرية اختيار .
﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ  ﴾ .
( سورة الكهف الآية : 29 ) .
2 ـ الشهوة :
أعطاك شهوة ، عقل ، فطرة ، حرية ، أعطاك منهجاً (شرع) ، في حلال ، في حرام ، الزواج له طريقة في الإسلام ، المال له طريقة في الكسب ، خالفوا الناس ربهم بالأرض كلها ، خالفوه فخسروا أموالهم كلها ، والله درس الأزمة المالية بالعالم والله درس بليغ من الله ، الله عز وجل أظهر آياته .
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾ .
( سورة البقرة الآية : 286 ) .
3 ـ العقل :
أعطاك منهجاً ، معك منهج ، ومعك عقل ، ومعك فطرة ، ومعك شهوة ، الشهوة كالمحرك قوة دافعة ، مُسرع يريد أن يأكل جوعان ، يريد أن يشتري بيتاً ويتزوج ، أعطاك شهوات ، قوة دافعة ، أعطاك عقلاً ميزان دقيق ، أعطاك فطرة ميزان نفسي آخر ، معك ميزانين العقل والفطرة ، معك شهوة .
4 ـ حرية الاختيار :
أعطاك حرية ، قيمة عملك أنك حر ، ﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ  ﴾ .
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً  ﴾ .
( سورة الإنسان ) .
5 ـ الشرع :
أعطاك شرعاً ، للتقريب :
هذه السيارة فيها محرك هو الشهوة ، قوة اندفاع ، وفيها مقود هو العقل ، وفيها طريق هو الشرع ، مهمة العقل أن يستخدم هذا المقود ليبقي المركبة وهي مندفعة على الطريق ، الطريق هو الشرع ، والمحرك هو الشهوة ، والطريق هو الشرع .
مثل آخر : يوجد بالجيب اليمين جهاز كشف العملات المزورة ، هذا يتحسس بالمعادن ، العملات فيها معدن ، تضعه على الجهاز يظهر لون برتقالي ، معناها عملة صحيحة ، إذا ورق فقط من دون معجونة خاصة يظهر لون آخر ، فمعك جهاز كشف العملات المزيفة ، معك بالجيب الثاني قائمة بأرقام العملات المزيفة ، هذا الشرع ، باليسار في شرع ، باليمين في عقل ، فأنت بعت بيتك بعملة صعبة ، لا استخدمت الجهاز ، ولا قرأت أرقام العملات ، ظهر المبلغ كله مزور الخطأ خطأك ، معل عقل ، ومعك شرع ، واضح تمام ؟.
فلما قال لك احمل الأمانة ، الأمانة نفسك التي بين جنبيك ، أعطاك عقلاً ، أعطاك فطرة ، أعطاك شهوة ، أعطاك إرادة ، أعطاك شرعاً ، الحسن ما حسنه الشرع ، والقبيح ما قبحه الشرع .
 
الإنسان الظلوم الجهول من خان حمل الأمانة :
 
أيها الأخوة الكرام ، ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾ ، الآية الآن دقيقة : ﴿ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ﴾ ، إذا ابن كان طموحاً هل يقال له ظلوم جهول ؟ لا ، بالعكس ، لذلك يمكن أن تقرأ الآية بصيغة الاستفهام ، ﴿ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ﴾ ؟ ما كان ظلوماً جهولاً ، كان طموحاً ، فلما قبل حملها وخانها ، ﴿ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ﴾ ، هذه الآية تُقرأ لمن أدى الأمانة بطريقة استفهامية ، وتقرأ لمن خان الأمانة بطريقة تقريبية ﴿ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ﴾ ؟ لا ما كان ظلوماً جهولاً لما قبل حملها ، لكن إذا خان الأمانة ﴿ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ﴾ .
لذلك ورد في الجامع الصغير حديث لا يرتقي إلى مستوى الصحاح يقول :
(( إن العار ليلزم المرء يوم القيامة حتى يقول يا رب لإرسالك بي إلى النار أيسر علي مما ألقى وأنه ليعلم ما فيها من شدة العذاب )) .
[ أخرجه الحاكم عن جابر بن عبد الله ] .
 
من عرّف نفسه بربها و حملها على طاعته سلم و سعد في الدنيا و الآخرة :
 
والله أيها الأخوة ، هؤلاء البشر الذين يقتلون ، يسفكون الدماء ، هؤلاء الطغاة ، الذين يقهرون الشعوب ، يقتلون بالمئات ، بالآلاف ، الذين ألقوا على هيروشيما قنبلة ذرية قتلت ثلاثمئة ألف بأربع ثوان ، هؤلاء المجرمون في العالم ، لو رأيتهم يوم القيامة ، وقد أصابهم ألم لا سبيل إلى وصفهم ، قال تعالى :
﴿  فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ﴾ .
( سورة البقرة ) .
فلذلك لأنك إنسان أنت المخلوق الأول ، ولأنك مخلوق أول أودع الله فيك الشهوات لترقى بها صابراً ، أو شاكراً ، إلى رب الأرض والسماوات ، ولأنك إنسان أُعطيت حرية الاختيار ، ﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ ولأنك إنسان أُعطيت فطرة تكشف لك فطرتك ، ولأنك إنسان أُعطيت شرعاً ضابطاً لميزاني العقل والفطرة ، معك ميزانين ، لكن الميزانان قد يلعب بهما ، عندنا ميزان مضبوط جداً هو ميزان الشرع ، الحسن ما حسنه الشرع ، والقبيح ما قبحه الشرع .
فلذلك : ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ﴾ ، من هنا الأمانة هي نفسك التي بين جنبيك .
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا *وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ .
( سورة الشمس ) .
أفلح بالقرآن وردت أربع مرات ، نجح نجاحاً عظيماً ، قلت أفلح يعني نجح ، وتفوق وسلم ، وسعد ، ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾ ، يعني أكبر هدف لك أن تزكي نفسك من أمراض تعد سبب هلاك الإنسان في الآخرة ، ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾ ، لا يوجد عنده حقد ، لا يوجد عنده ظلم ، لا يوجد عنده أكل حقوق ، لا يوجد اعتداء على الأعراض ، ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ     دَسَّاهَا ﴾ ، الذي أبقاها جاهلة ، وسمح لها أن تفعل المعاصي والآثام ، ولم يردعها ﴿ وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ ، أما إذا عرفها بربها ، وحملها على طاعته ، وحملها على اِتباع منهج نبيه ، فسمت نفسه على الله ، ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا *وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ .
 
الله سبحانه وتعالى أخذ من سيدنا آدم ذريته كلها في عالم الذر :
 
آية اليوم : ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾ أودع الله في سيدنا آدم نفوس الخلائق كلها إلى يوم القيامة ، كل البشر أودعت نفوسهم في سيدنا آدم ، فالله عز وجل أخذ ، المأخوذ منه سيدنا آدم ، المأخوذ نفوس البشر من آدم إلى يوم القيامة ، الآن كل إنسان آخذ ومأخوذ ، في ظهره أولاده ، هو يؤخذ منه أولاده ، وأولاده يأخذون من أبيهم ، يأخذ ويؤخذ .
﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾ ، بادئ ذي بدء أودع الله في ظهر سيدنا آدم الخلائق (البشرية كلها) ، من آدم إلى يوم القيامة ، لكن هناك صنفان من المخلوقات سيدنا آدم أُخذ منه ، ولم يؤخذ من أحد ، وآخر إنسان قبل يوم القيامة لم يؤخذ منه بل أخذ من أبيه فقط ، هناك إنسان أخذ من أبيه ولم يؤخذ منه ، هذا آخر واحد ، أول واحد أُخذ منه  ولم يؤخذ من أحد ، أما بقية البشر آخذ ومأخوذ ، يعني الملخص أن الله سبحانه وتعالى أخذ من سيدنا آدم ذريته كلها ، في عالم الذر .
 
تسخير ما في السماوات و ما في الأرض لمن قبل حمل الأمانة :
 
 وقال : ﴿ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى ﴾ ، يعني أودع في فطرنا الإيمان بالله ، كل واحد مودع في فطرته الإيمان بالله ، هذا الإيمان الفطري أعظم إيمان ، وعقله مبرمج على مبدأ السببية والغائية وعدم التناقض ، قوانين عقله تدعوه أن يؤمن بالله ، وقوانين فطرته تدعوه أن يؤمن بالله ، هذا الميثاق .
﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾ أخذهم دفعة واحدة ﴿ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ﴾ ، أنتم قبلتم حمل الأمانة ، ولأنكم قبلتم حمل الأمانة سخر الله لهذا الإنسان :
﴿ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ ﴾ .
( سورة الجاثية الآية : 13 ) .
ولأنه قبل حمل الأمانة أعطاه عقلاً ، وفطرة ، وشهوة ، وحرية ، وشرعاً .
﴿ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ﴾ ، أنتم قبلتم حمل الأمانة ، ولأنكم قبلتم حمل الأمانة سخرت لكم ﴿ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾ لكم ، ولأنكم قبلتم حمل الأمانة ، أودعت فيكم الشهوات ، ولأنكم قبلتم حمل الأمانة أعطيتكم العقل وهو أداة معرفة الله ، ولأنكم قبلتم حمل الأمانة أعطيتكم الشهوات ، أعطيتكم الاختيار ، أعطيتكم الفطرة ، أعطيتكم الشرع .
﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى ﴾ ، قد يقول واحد منكم : أنا لا أتذكر ، لأنك أنت مجبول على الإيمان بالله ، هذه الأمانة ، الله منحك إياها ، أنت مجبول في فطرتك على أن تؤمن بالله ، ولأن عقلك مبرمج على الإيمان بالله ، يعني العقل والفطرة هما الميثاق الذي منحك الله إياه فيما بينك وبينه .
 
العقل و الفطرة كافيان لمعرفة الله واتباع أوامره :
 
﴿ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا ﴾ ، هذه الشهادة لئلا ﴿ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ﴾ قال تعالى ، يوم القيامة يقول هذا الكافر :
﴿ وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ *انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ﴾ .
( سورة الأنعام ) .
﴿ أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ﴾ تقليد لا يوجد ، أودع الله فيك عقلاً و فطرة كافيان لمعرفة الله ، لو كان الأب منحرفاً ، لو كان الأب كافراً .
﴿ أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ﴾ ، التقليد مرفوض ، الله منحك عقلاً  ومنحك فطرة .
﴿ وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ .
هذه الآية ، مع آية : ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾ هاتان الآيتان تتكاملان ، وتتحدث الآية الأولى والثانية عن قصة الإنسان حينما خلقه الله في عالم الذر ، وعرض عليه الأمانة ، وقبل حملها ، ولذلك استحق أن يكون فوق الملائكة إذا أداها ، واستحق أن يكون دون الحيوان إذا خانها .
والحمد لله رب العالمين



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب