سورة الزخرف 043 - الدرس (3): تفسير الأيات (15 – 25) المرأة مساوية للرجل في التكليف والتشريف والمسؤولية

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ..."> سورة الزخرف 043 - الدرس (3): تفسير الأيات (15 – 25) المرأة مساوية للرجل في التكليف والتشريف والمسؤولية

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ...">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج بريد الأسرى: بريد الأسرى - 15 - 04 - 2024           برنامج موعظة ورباط: موعظة ورباط - 06- غزة وخزة ايقاظ- د. عبدالوهاب الطريري           برنامج الكلمة الطيبة 2024: الكلمة الطيبة - علامات قبول الطاعة           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 387 - سورة المائدة 004 - 005           برنامج مع الحدث: مع الحدث - 45- إدارة الأزمات والمخاوف- أ. أسامة ملحس -14 - 04 - 2024           برنامج مع الأسرى: مع الأسرى - حلقة45 - 13 - 4-2024         

الشيخ/

New Page 1

     سورة الزّخرف

New Page 1

تفســير القرآن الكريم ـ ســورة الزخرف ـ (الآية: 15 - 25) - المرأة مساوية للرجل في التكليف والتشريف والمسؤولية

25/02/2013 16:49:00

سورة الزخرف (043)
الدرس (3)
تفسير الآية: (15- 25)
المرأة مساوية للرجل في التكليف والتشريف والمسؤولية
 
لفضيلة الأستاذ الدكتور
محمد راتب النابلسي
 

 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الأخوة المؤمنون ، مع الدرس الثالث من سورة الزخرف .
 العلم غذاء العقل والذكر غذاء القلب :
 
مع الآية الخامسة عشرة وهي قوله تعالى :
   
﴿ وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ(15)
(سورة الزخرف)
وقبل أن أبدأ  شرح هذه الآية أريد أن أضع بين أيديكم حقيقة تعيننا على فهم كتاب الله ، هذه الحقيقة هي أن الإنسان كما تعلمون جسد وقلب وعقل ، فإذا اعتنى بعقله وغذاه بالعلم فقد حقق شطراً من الدين ، وإذا اعتنى بقلبه فأكثر من الذكر فقد حقق الشطر الآخر ، أما أن يكتفي الإنسان بسماع الدروس ، حتى ولو أبدى إعجابه بالدروس ، فما لم يكثر من ذكر الله عز وجل فلا يشعر بالسعادة التي وعد الله بها المؤمنين ، فأحياناً الأخ يشكو ويقول : حينما سلكت طريق الإيمان كنت في سعادة كبيرة ما لبثت أن تضاءلت ، إلى أن أصبحت أنكر على قلبي الأحوال التي أعيشها ؟!
فالجواب على هذا الشعور الذي ينتاب بعض الناس هو أن الدين يحتاج إلى علم كغذاء للعقل ، وإلى ذكر كغذاء للقلب ، وأبرز ما فيالذكر الصلاة .
الذكر لا ينعقد إلا بالالتزام التام بالأمر والنهي :
 :قال تعالى
 
﴿ وَأَقِمْ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي(14)
 (سورة طه(
الإنسان حينما يصلي ينبغي أن يخشع بصلاته ، وأن يستحضر عظمة الله عز وجل ، وأن يعيش الآيات التي يقرؤها ، وإذا ركع يشعر أنه خاضع لله عز وجل ، وإذا سجد يشعر أنه يستمد العون من الله ، فالصلوات ذكر ، وتلاوة القرآن ذكر ، والأدعية ذكر ، والاستغفار ذكر ، لكن هذا الذكر لا ينعقد إلا بالالتزام التام بالأمر والنهي ، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول :
(( إن الشيطان يئس أن يعبد في أرضكم ولكن رضي فيما دون ذلك مما تحقرون من أعمالكم .))
 [كنز العمال 941]
 من ذكر الله تعالى شعر بأثر ذلك في قلبه ونفسه :
 
إن الإنسان الذي يشكو من أنه ينكر على قلبه ما يعانيه ، فعلاجه ضبط جوارحه ضبطاً تاماً كما أمر الله ، وضبط دخله وإنفاقه ، وضبط بيته ، حينما يحقق هذا كله يشعر أن الطريق صار إلى الله سالكاً ، فإذا ذكر الله عز وجل سواء في الصلوات الخمس .. أو في تلاوة القرآن .. أو في الأدعية والاستغفار يشعر بأثر ذلك في قلبه ونفسه ، فإذا حضر مجلس العلم ليستمع إلى تفسير القرآن مثلاً فنفسه مهيأة لهذا السماع ، أما أن يتلقى معلومات ودقائق وتفسيرات وتعليلات من دون أن يرافق هذا العلم ذكر ، ومن دون أن يرافق هذا الذكر استقامة تامة وانضباطاً وبذلاً ، فهو لا زال بعيداً محجوباً ، وكل أخ يشكو فتور صلواته ، فالجواب هو في قوله تعالى :
 
﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا (110)
                                                                (سورة الكهف 110) 
 
 الدين قضية مصيرية والإقبال على الله هو مصدر السعادة :
 
أليست الصلاة لقاءً مع الله ! أليس اللقاء مع الله مسعداً ! ألا يشعر المصلي حينما يصلي أن الله تجلى على قلبه ! فهذه قضية متكاملة ، قضية الاستقامة مع العمل الصالح ، قضية طلب العلم كغذاء للعقل ، وقضية الذكر وفي قمة الذكر الصلوات الخمس ، والأدعية والاستغفار وتلاوة القرآن .
فلما يلتزم المسلم بكل جوانب الدين يقطف الثمرات ، كنت أضرب هذا المثل دائماً : أن الإنسان يمكن أن يشتري قطعاً من سيارة (عجلات ، هيكلاً ، مقاعداً ، محركاً )، لكن هذه القطع المتناثرة ، ولو كان لها ثمن باهظ ، في مجموعها لا تشكل سيارة لينطلق بها حيث يريد كذلك الدين ، فالإنسان لم يأخذ بالدين من كل جوانبه ، يعني اعتنى بقلبه ذاكراً ، واعتنى بعقله متعلماً ، واعتنى بسلوكه مستقيماً ومحسناً فلا يقطف ثمار الدين ، ويظل يشكو ، ويعاني ، ولم يدرك حقيقة أن الدين قضية مصيرية.
 
الدين كلٌ متكامل :
 
الإنسان حينما يصطلح مع الله فهو يتعامل مع خالق الكون ، فهل من المعقول إن أقبلت على الله أن تشعر بالوحشة والملل ؟ مستحيل ، فالله عز وجل هو مصدر السعادة ، مصدر السرور ، مصدر الطمأنينة ، مصدر الثقة ، مصدر السكينة ، كل المشاعر العالية جداً التي يحس بها المؤمن إنما هي ثمرة من ثمار الاتصال بالله ، والدين كلٌ متكامل فلنأخذ به كلاً ، لا أن نأخذ منه جانباً ، وأن ندع جوانب .
 
الدين فيه كليات ثلاث :
 
1 ـ كلية السلوك :
لقد قلت سابقاً : الدين فيه كليات ثلاث ، هذه الكليات الثلاث متكاملة ، كلية العلم ، كلية القلب ، كلية السلوك ، السلوك فيه شيئان : انضباط وعمل صالح ، الانضباط هو الالتزام  والاستقامة والطاعة ، هذه كلها مترادفات ، يعني ما من واحد إلا ويعلم الحلال والحرام ، إطلاق البصر حرام وغض البصر طاعة لله عز وجل ، الكذب حرام والصدق طاعة لله عز وجل ، الإخلاص والخيانة ، الإحسان والإساءة ، فالإنسان حينما يستقيم يجعل الطريق إلى الله سالكاً ، بقي أن يتحرك على هذا الطريق ، الحركة هي العمل الصالح ، العمل الصالح يدفعك في طريق الإيمان ، والاستقامة تذلل العقبات التي في طريق الإيمان .
تصور أنك أمام طريق كله عقبات ، وتقود مركبة صغيرة وكل عقبة تتشكل من خمسة أمتار مكعبة من الإسمنت المسلح ، وهي كثيرة  في الطريق فالطريق إذاً مسدود ، كل عقبة عبارة عن معصية ، فالإنسان حينما يزيل هذه العقبات يعني حينما يستقيم ، يعني حينما يضبط بيته وعمله وجوارحه ولسانه وعينه وسمعه ، معنى ذلك أن العقبات أزيلت من طريق الإيمان .
 .فحينما يبذل من ماله ، من وقته ، من عضلاته ، من خبرته ، من جهده يتحرك على هذا الطريق ، والحركة هي العمل الصالح ، فإذا عمل صالحاً تحرك على هذا الطريق ، هذا الجانب السلوكي
2 ـ كلية القلب :
    . الجانب القلبي الصلوات الخمس ، الذكر ، التلاوة ، الاستغفار ، والدعاء
3 ـ كلية العلم :
 :الجانب العلمي طلب العلم ، معرفة كتاب الله عز وجل والتفسير ، ومعرفة سنة النبي عليه الصلاة والسلام لقول الله عز وجل
 
﴿ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا(7)
(سورة الحشر(
 
معرفة الله تؤدي إلى صدق الطاعة والعبادة :
 
ومعرفة سيرة الرسول ليكون لنا من النبي أسوة ، إذاً أركان المعرفة معرفة كلام الله والكتاب المقرر ، تصور أن إنساناً سيتقدم لامتحان بعد يومين ومكتبته عامرة بالكتب ، وهذا الامتحان مصيري وسيحدد بعد يومين ولديه كتاب واحد مقرر ، أليس العقل كل العقل أن يقرأ الكتاب المقرر ؟ ويترك ما عداه .
ذكرت في درس سابق : كل علم ممتع ، لكنّ هناك علماً ممتعاً نافعاً ، أما علم الدين فهو علم ممتع نافع مسعد ، قد تقرأ في النعوة أن فلاناً يحمل أعلى شهادة ، لكن حينما توفاه الله عز وجل مفعول هذه الشهادة انتهى ، قد يكون أعلم إنسان في النحو ، قد يكون أعلم إنسان في الطب ، قد يكون أعلم إنسان في الهندسة حينما يفاجئه أجله يتوقف مفعول شهادته واختصاصه وينسى الناس تفوقه لمجرد وفاته ، إلا من كان عالماً بالدين ، فالذي سار في سبيل معرفة الله في حياته فهذه المعرفة تنفعه بعد الموت وإلى أبد الآبدين ، لأن معرفة الله تؤدي إلى صدق الطاعة والعبادة .
لذلك ليس هناك تناسب إطلاقاً بين أن تتعلم علم الخليقة وبين أن تتعرف إلى الله عز وجل ، كل العلوم المادية العصرية من طب وفيزياء وكيمياء ورياضيات وطبيعيات وفلك وعلم نفس هذه علوم الخليقة ، وهناك علوم الشريعة ، وهناك علوم الحقيقة .
 
 :معرفة الله عز وجل تحتاج إلى مجاهدة
 
معرفة الله عز وجل لا تحتاج لا إلى مدارسة ولا إلى إصغاء ولا إلى مطالعة ولا إلى كتابة ولا إلى تذكر تحتاج إلى مجاهدة ، الإمام الغزالي رحمه الله تعالى قال : جاهد تشاهد.
المجاهدة توصلك إلى الاستقامة ، يعني إنسان يضبط جوارحه فهو كمن يعرض نفسه للرحمة ، أما حينما يتفلت الإنسان يقع الحجاب ، ومع الحجاب يأتي الملل والسأم ، والله الدرس طويل ، وكل شيء قاله نعرفه سابقاً ، الإنسان حينما تفتر همته يضعف اتصاله بالله عز وجل ، ويتخلف عن القافلة ، ويفوته زاده من الإيمان .
إذاً الذي أتمناه على الأخوة الكرام أن يأخذ كل منّا الدين من كل جوانبه ، الجانب الاعتقادي العلمي ، حضور مجلس العلم طلب للعلم ، طبعاً المعلومات تتراكم ، لأنه يتلقاها أسبوعياً فلا يفوته منها درس ، وتتكون لديه القناعات ، وتتراكم ، والمسلم لا يعرف فضل طلب العلم إلا إذا جالس شخصاً في سنه لم يطلب العلم فيرى فرقاً شاسعاً بينه وبين من جالس ويرى سبقه وثراءه ، عرف التوحيد ، وعرف بأن الله سبحانه وتعالى بيده كل شيء ، وعرف بأن الله سبحانه وتعالى بيده مقاليد السماوات والأرض ، عرف أن الله يراقبه ، ويكلؤه ، وعرف أن الله سيحاسبه ، ويكافئه ، هذه المعرفة لا تقدر بثمن ، لكن أهل الدنيا في عداوة ، وخصومة ، وضلال ، فيدفعون الثمن باهظاً نتيجة جهلهم بأحوالهم ، كلام سخيف ، وتفكير ضحل ، وشرك واضح ، واهتمامات بالدنيا زائلة ، وهذا يعرفه كل من طلب العلم ، فطلب العلم فريضة على كل مسلم ، الإنسان بالعلم يرقى ، ويسعد .
 لا أحد ينال ثمار هذا الدين إلا إن أخذه من كل جوانبه :
 
والخلاصة ؛ أيها الأخوة الكرام .. أنه لا  أحد منّا ينال ثمار هذا الدين العظيم يانعة ناضجة ، إلا إذا أخذه من كل جوانبه ؛ الجانب السلوكي استقامة وعمل صالح ، الجانب العلمي معرفة كتاب الله وسنة رسوله ، وسيرة نبيه وصحابته ، ومنهاجنا درس تفسير ، ودرس فقه وحديث ، ودرس سيرة ، هذه أركان ثقافتنا الإسلامية ؛ القرآن كلام الله والنبي يفصل كلام الله في أقواله ويعبر عن فهمه لكلام الله بأفعاله ، فنحن نريد الكتاب والسنة والسيرة ، والفقه نأخذه من السنة .
بقي على الإنسان أن يذكر الله في خلواته ، والذكر متعلق بالاستقامة ، إذا لم يكن هناك استقامة فالإنسان يمل من الذكر ، يقوم إلى الصلاة وهو كسول ، لا يذكر الله إلا قليلاً ، قال الحسن البصري : إذا قرأت القرآن ولم تشعر بلذة ، وإذا صليت الصلوات الخمس ولم تشعر بخشوع فاعلم أن الإيمان تعدوه غشاوة كثيفة .
معنى ذلك أن الطريق مسدود ، يعني أنه في حجاب فابحث عن سبب الحجاب ، الإنسان لا يجامل نفسه ، أكثر الناس يسخطون على قلة أرزاقهم ، لكن يرضون عن عقولهم ، وأنا أضيف إلى ذلك أنهم يرضون عن إيمانهم ، لأن الإنسان أحياناً يتوهم أنه يوازن نفسه مع قطاع الطرق فيرى نفسه ولياً ، يوازن نفسه مع المنحرفين ، مع المقصرين ، مع العصاة ، مع تاركي الصلاة ، فيجد نفسه من الأولياء ، هذا خطأ كبير ، يجب أن تقارن نفسك مع الصالحين ، مع المؤمنين الصادقين ، مع العلماء العاملين ، مع العلماء المخلصين ، مع التابعين ، مع النخبة التي اختارها الله عز وجل لتكون من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام ، فالإنسان دائماً إذا أراد أن يسعد عليه أن يوازن دنياه مع من هو دونه ، وعليه أن يوازن إيمانه مع من هو فوقه حتى يسعد ، فهذا الكلام إجابة عن سؤال أحد الأخوة الكرام عن أن الإنسان بعد حين تفتر أحواله .
وهناك جواب آخر ، جواب طبيعي جداً .
 
الشيء إذا وجد يُؤْلَف :
 
الإنسان حينما ينتقل فجأة من بيت صغير إلى بيت واسع في حي بمقياس الناس راقٍ يشعر بنشوة ليومين أو ثلاثة أو عشرة ، لكن بعد شهر أو شهرين يكون قد ألف البيت الجديد ، وألِف مساحته الواسعة وألِف مرافقه الجيدة ، هذه النقلة النوعية معها فورة هذه الفورة بعد الانتقال المفاجئ من شيء إلى شيء ، أمرٌ طبيعي جداً ،  وبعد حين يألف الإنسان أحوال أهل الإيمان ، هذا ما قاله الصديق عليه رضوان الله قال : بكينا حتى جفت مآقينا .
.النقلة المفاجئة من الكفر إلى الإيمان ، من التفلت إلى الاستقامة ، من الضياع إلى الهدى ، هذه النقلة المفاجئة مسعدة جداً ، لكن من الطبيعي جداً أن هذه النقلة ستتضاءل النشوة التي رافقتها ، لأنها أصبحت مألوفة ، فمثلاً قد يشتري شخص مركبة،ولفرحته لا ينام تلك الليلة ، ويتجول في الشوارع إلى ساعة متأخرة من الليل فرحاً بها ، لكن بعد سنتين لا يركبها إلا عند الضرورة ، معنى أن الشيء إذا وجد يؤلف
من آثر مرضاة الله على شهوات نفسه ارتقى عند الله عز وجل :
 
إذا أحد شك أن أحواله في مسيرة الإيمان قد ضعفت  فتفسير ذلك وتعليله أنه ألف ما هو فيه ، واعتاده ، والدليل لو أن واحداً يشكو من ضعف أحواله ألمّ بمعصية أو مخالفة فإنه يشعر وكأنه قد سقط من السماء إلى الأرض ، إذاً حينما كان يشكو ضعف أحواله كان على اتصال بالله عز وجل ، والدليل طمأنينته ، والدليل سعادته ، لكن هذه السعادة ألفها فظنها تراجعاً ، أقول : إنها ليست تراجعاً .
وإليكم قصة أذكرها كثيراً ؛ شخص سمع من شيخه أن لكل معصية عقاباً ، وزلت قدمه بمعصية خفيفة فصار ينتظر العقاب من الله عز وجل ، مضى يوم ويومان وثلاثة فلم يشعر بعقاب أصابه ، ففي الصلاة ناجى ربه وقال : ربي عصيتك ولم تعاقبني ؟ فوقع في قلبه أن الله تعالى قال له : عبدي قد عاقبتك ولم تدر ، ألم أحرمك لذة مناجاتي ؟ فالإنسان عندما يكون على اتصال بالله يشعر بسعادة ، والإنسان حينما يستقيم استقامة تامة ، كأن يمشي في الطريق ويغض بصره بشكل حازم وإذا كان وقت الصلاة دخل المسجد ، وصلى خاشعاً ، يشعر بأنه عفّ عن أشياء ، وليس هناك من يعاقبه لو فعل عكسها ، ويرى أن الدافع وراء غض بصره هذا كان خوفه من الله عز وجل فقط ، ويقول في نفسه  ويردد بلسانه :
 
﴿ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ(28)
(سورة المائدة(
فيشعر عندئذٍ بالسعادة الغامرة ، إذ آثر مرضاة الله على شهوات نفسه ، فارتقى ، واستعلى
 
طلب العلم ومذاكرته والتدقيق في أفعاله تمكّن المرء من ترسيخ معلوماته :  
 
فيا أيها الأخوة الكرام ... ثلاثة أشياء أتمناها عليكم ؛ وأن تتحلوا بها متواكبة متزامنة معاً جنباً إلى جنب ، أولاً طلب العلم ، عن طريق حضور مجالس العلم ، وأن يضاف إلى ذلك مذاكرة ما تلقاه في تلك المجالس ، هذا ثانياً ، فالإنسان إذا سمع درساً ولم يراجعه في البيت ، تتفلت منه المعلومات ، ثم تتلاشى ، فيحسن به أن يعيده مع زوجته ، ومع أولاده ، ومع أقربائه ، ومع جيرانه ، ومع زملائه في العمل ، فالعلم يلقى في الهواء والتأثير آني ، لكن المراجعة والمذاكرة تمكن المرء من ترسيخ معلوماته ، ثم الاستفادة منها ، والله عز وجل قال :
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ(46)
 (سورة سبأ 46)
:   إذاً ؛ لقد أفاد هذا الإنسان علماً عندما حضر المجالس ، ثم رسخ علومه ، ومكنها في قلبه ، وذاكرته عند مذاكرته ، أما الأمنية الثالثة فعليه أن يدقق جداً في أفعاله ، وأعماله ، وفي دخله ، وفي إنفاقه ، وفي بيته ، وفي سائر تصرفاته ، يجعل ذلك كلهموافقاً لشرع الله ، وهذا هو الجانب السلوكي ، وصار عندئذ من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، ومن بعد ذلك فإن الله عز وجل قال
﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ(3)
(سورة البقرة(
 الذكر يحقق طمأنينة القلب والنفس :
 
لكل إنسان ما يميزه عن غيره،فمثلاً في مجال المعرفة ؛ هذا يتقن اللغة ، وهذا يتقن الرياضيات ، وذاك يتقن الهندسة ، وآخر يتقن حرفة معينة ، كل إنسان يتقن شيئاً ، فإذا بذل من حرفته ، من خبرته ، من معلوماته ، من طاقاته ، من جاهه شيئاً للمؤمنين ابتغاء وجه الله عز وجل يكون قد حقق الجانب السلوكي ، فهو إذاً استقام وعمل أعمالاً صالحة ، وحضر مجالس علم وذكرها ، وبقي عليه الجانب القلبي فإذا قام للصلاة فليصلِّ خاشعاً ، متقناً صلاته ، وليكن ذاكراً ، إما ذكراً منفرداً أو ذكراً جماعياً ، وليدْعُ ربه ، وليستغفر الله ، وبهذا يحقق خشوع جوارحه وطمأنينة قلبه ونفسه ، وصار الآن بإمكانك أن تقطف ثمار الدين وأصبحت  ( وقد تزودت بزاد العلم والمعرفة ثم الذكر والاستقامة ) أهلاً للدعوة لله سبحانه وتعالى ، تدعو غيرك عن علم وبصيرة ، وتجاوزت نفسك إلى الآخرين ، ولأَن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك مما طلعت عليه الشمس .
صفات البشر لا تليق بخالق البشر :
 
 :نحن الآن مع قوله تعالى
         
﴿ وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا (15)
(سورة الزخرف)
أي قال الكفار من أهل الجاهلية : إن الملائكة بنات الله ، لأن الابن في الأصل جزء من الأب والأم ، فاطمة بضعة مني من أكرمها فقد أكرمني ، من أحبها فقد أحبني ، ومن أبغضها فقد أبغضني ، الابن دائماً جزء من الأب ، فهم حينما قالوا إن الملائكة بنات الله ماذا فعلوا ؟ جعلوا الذات الإلهية مركبة من أجزاء ، هذا خلاف علم التوحيد .
 
﴿ وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا (15)
(سورة الزخرف)
يعني وصفوا الإله العظيم بأن له بنات ، أو ذرية ، والذرية تكون من أجل الاستعانة بهم حينما تتقدم به السن ، أو ليأنس بهم ، أو ليكمل ضعفه بهم ، فالإنسان يتخذ الأهل عن حاجة ، أو عن ضعف والإنسان ضعيف ، وهكذا خلق ، فمع زوجته وأولاده  يتكاملون ، الرجل بحاجة إلى الأنثى ، والعكس صحيح ، وإذا اجتمعا صارا بحاجة إلى أولاد ، والأبناء بحاجة إلى آبائهم ، فهذه صفات البشر لكنها لا تليق بخالق البشر .
فالخلاصة أنهم جعلوا الذات الإلهية مركبة ، كل شيء فيه أجزاء فهذا يعني أنه مركب ، هذه الآلة فيها أجزاء فمكن أن نفصل أجزاءها بعضها عن بعض ، إذاً مركّبة ، والله عز وجل منزه عن التبعيض والتركيب ، والجزئية ، والمكان ، والزمان ، والصورة كل هذه الصفات لا تليق بالله عز وجل .
 
﴿ وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ(15)
(سورة الزخرف)
كفرٌ ظاهر بيّن ، يكفر أحدهم ويتبجح بكفره ، يكفر ويفتخر بكفره ويتطاول ، يعني إذا أحسنت إليه لا يقابل الإحسان بالإحسان ، بل يقابل الإحسان بالإساءة .
 
الذين يعصون الله قابلوا نعمه بالكفر والعصيان :
 
: هؤلاء الذين يكفرون ويعصون الله ، ثم يعتدون على عباد الله ، ونسوا أن الله امتن عليهم بنعمة الوجود ، نعمة الصحة ، نعمة الإمداد ، وبدل أن يقروا بها ، ويشكروا الله عليها قابلوا هذه النعم بالكفر ، والعصيان ، والطعن ، والسباب أحياناً ، إذاً
         
﴿ وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا (15)
 (سورة الزخرف(
أي جعلوا لله أولاداً ، جعلوا له ابناً ، فبعضهم جعل له ابناً ، وبعضهم جعلوا الملائكة بناتٍ لله عز وجل .
﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ (15)
(سورة الزخرف(
 
كلمة الإنسان معرفة بـ (أل) في القرآن :
 
 :كلمة الإنسان وردت في الآية معرفة ، وكذلك في الآية التالية
 
﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا(19)إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا(20)وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا(21)إِلَّا الْمُصَلِّينَ(22)
 (سورة المعارج)
 
﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2)إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا
(سورة العصر(
فحيثما وردت كلمة الإنسان معرفة بـ (أل) في القرآن فهذه (أل) الجنس ، يعني جنس الإنسان قبل أن يتصف بالإيمان عملياً ،  وقبل أن تصطبغ نفسه بصبغة الله عز وجل ، فهو كفور ، هلوع ، وفي خسر .
 
الفاجر لا يكتفي بالكفر بل يبالغ في إظهار الكفر :
 
﴿ وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا (15)
(سورة الزخرف)
هذا يعني كفره ظاهر ، وأنه يعمل على إظهار كفره ، هذا اسمه الفاجر ، الفاجر لا يكتفي بالكفر بل يبالغ في إظهار الكفر ، وبعض الأمراض الوبيلة التي تطحن البشرية اليـوم ( مرض الإيدز ) ، والذين يصابون به هم مجاهرون بضلالهم هذا ، فهم فجرة ، والنبي الكريم حدَّث عنه قال :
 .((لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا))
[روى ابن ماجة و البزار والبيهقي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ]
 .وهؤلاء الذين ينغمسون في فعل الفاحشة صار لهمنقابات في بعض البلاد الغربية ، ويطالبون بحقوقهم ، والتحقوا في بعض البلاد في الجيش ، ويمارسون فاحشتهم علناً ، ويحميهم القانون ، فهؤلاء كفرة  فجرة
ولقد طالعتنا الصحف مؤخراً بأخبار عن مرض جديد اسمه (آكلة اللحم) ، والإنسان ينتهي مع هذا المرض بأربع وعشرين ساعة وسببه جنسي أيضاً ، وكأن الله سبحانه رفع العيار قليلاً ، فإذا لم يتأثروا  بالمرض الأول ، وهو (الإيدز) ، فهناك مرض آخر .
        
﴿ وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ(15)أَمْ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ(16)
 (سورة الزخرف)
  .والخليقة مؤلفة من ذكور ، وإناث ، وكان العرب في الجاهلية يكرهون البنات
 
   الحديث في كتاب الله عن وأد البنات : 
 
﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ(58)يَتَوَارَى مِنْ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ على هون .
(سورة النحل(
 :وتعلمون أيضاً أن العرب كانوا يئدون البنات ، وقد قال الله عز وجل
 
﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ(8)بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ(9)
(سورة التكوير(
 
المولود هدية من الله عز وجل ذكراً كان أم أنثى :
 
 :لكن المؤمن يرى أن هذا المولود هدية من الله عز وجل ذكراً كان أم أنثى ، ويحتفل بالبنت كما يحتفل بالذكر لأنها هدية الله عز وجل ، وربنا عز وجل قال
 
﴿ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى(36)
(سورة آل عمران (
لقد تمنت امرأة عمران أن يأتيها غلام يدعو إلى الله ، فلما جاءتها أنثى قالت وليس الذكر كالأنثى لأن الأنثى قعيدة البيت ، والله عز وجل قال :
 
﴿ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ(36)
(سورة آل عمران (
 :لكن الله عز وجل قبلها ، وجعلها أماً لنبيٍّ عظيم ، وكثير من النساء اللواتي يلدن ذكوراً ، فهؤلاء منهم من يصلحون العالم وتكون هي السبب في إنجابه ، أما هنا الآية
         
﴿ أَمْ اتَّخَذَ (16)
(سورة الزخرف)
 ارتكاب الكفار خطأ جسيماً بادعائهم أن لله بنات :
 
فقد ادّعوا أن لله بنات ، لكنكم كيف تَصطَفُون لأنفسكم الذكور وتنسبون البنات إلى الله ؟ لو أراد الله أن يتخذ لنفسه ولداً لاتخذه ذكراً وليس أنثى .
         
﴿ وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ(15)أَمْ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ(16)
(سورة الزخرف)
يعني أنت تختار لنفسك الذكور وتجعل لله عز وجل الإناث :
 
﴿تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (22)
( سورة النجم )
ففي الآية الأولى جعلوا لله جزءاً حينما نسبوا له الذرية ، ثم ارتكبوا خطأ آخر إذ جعلوا هذا الجزء أنثى ، وليس ذكراً يعني أنهم اقترفوا خطأً مركباً .
﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَانِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ(17)
 (سورة الزخرف)
طبعاً حينما تقول : إن الله اتخذ الملائكة بنات رفعنا الملائكة إلى جنس الألوهية ، وهناك رجل في الجاهلية زوجته ولدت بنتاً فغاب عن البيت من شدة ألمه ، فقالت زوجته :
مالِ أبي حمزة لا يأتينا    
غضبان ألا نلد البنينا
وإنما نعطي الذي يعطينا
*  *  *
نوع الجنين هو شأن الرجل :
 
: وبعد تقدم العلم أثبت أن نوع الجنين ذكراً أو أنثى ليس من شأن المرأة بل هو من شأن الرجل ، لقوله تعالى
 
﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى(45)مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى(46)
(سورة النجم(
فالمرأة ليس لها علاقة إطلاقاً بموضوع الذكر ، أو الأنثى ،  فأن يغضب الإنسان من امرأته إن أنجبت له بنتاً ، فهذا منتهى الجهل ، ويذكر أن رجلاً قال : إن أنجبت بنتاً فهي طالق ، فجاءته بِبِنتين معاً فلم تطلق شرعاً من جهة ، ومن جهة أخرى عاقبه الله تعالى بولادة بنتين دفعة واحدة .
﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَانِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ(17)
 (سورة الزخرف)
يعني اسوداد الوجه دليل الألم ، والإنسان إن يفرح يتألق ويتورد وجهه وتتحرك عيونه حركة زئبقية ، أما إذا تألم يسودّ وجهه وتجمد عيناه ، هذه علامات الحزن ، هنا اسودَّ وجهه وهو كظيم أي ممتلئ ألماً ، ويكاد أن ينفجر غيظاً .
 الله عز وجل وصف الفتاة أن من طبيعتها أنها تحب الزينة :
 
          ﴿ أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ(18)
(سورة الزخرف)
.من هذا الذي يُنَشَّأ في الحلية ؟ قالوا : هي الفتاة تنشأ في الحلية ، والزينة ، والدلال ، فالله عز وجل وصف الفتاة أن من طبيعتها أنها تحب الزينة ، وهذا جزء من طبيعتها
        ﴿ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ(18)
(سورة الزخرف)
هذا المخلوق الأنثى الله عز وجل صممه تصميماً يتناسب مع دوره في الحياة ، هذا الموضوع ينقلنا إلى موضوع دقيق المعنى هو أنَّ الرأي السديد والعقيدة الصحيحة المرأة كالرجل تماماً في ثلاثة أشياء .
 المرأة مساوية للرجل في التكليف والتشريف والمسؤولية :
 
 في التكليف مكلفة بالإيمان وبأركان الإيمان ، ومكلفة بالإسلام وبأركان الإسلام ، وفي التشريف ، يعني أن امرأة مؤمنة ( والله الذي لا إله إلا هو) هي خير عند الله من مليون مشرك ، من مليون رجل كافر ، فالأنثى مكلفة ومشرّفة .
إذاً المرأة مساوية للرجل تماماً في التكليف ، وفي التشريف ، وكذلك في المسؤولية ، وهذه الأخيرة تعني النقطة الثالثة .
(( كلكم راع وكل مسؤول عن رعيته ، المرأة راعية في بيت زوجها ، وهي مسؤولة عن رعيتها .))
[ متفق عليه عن عبد الله بن عمر]
 :وقال عليه الصلاة والسلام
 ))أيما امرأة قعدت على بيت أولادها فهي معي في الجنة .))
[الجامع الصغير 3002]
اعلمي أيتها المرأة وأعلمي من خلفك أن حسن تبعل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله  ، يعني مكلفة ومشرفة ومحاسبة كالرجل تماماً ، هذا معنى قوله تعالى :
 
﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ(189)
(سورة الأعراف)
والخلاصة ؛ أن المرأة تشعر كما يشعر الرجل ، وتحب كما يحب ، وتكره كما يكره ، وتبغض كما يبغض ، وتتمنى كما يتمنى ، وتؤمن كما يؤمن ، وتكفر كما يكفر ، وتفعل كما يفعل ، وترقى كما يرقى ، لا فرق بينها وبين الرجل مطلقاً ، و قد تكون مؤمنة إلى درجة كبيرة ، صديقة ، السيدة مريم كانت صديقة ، والسيدة خديجة ، والسيدة عائشة ، والسيدة آسية امرأة فرعون .
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ(11)
(سورة التحريم(
:والله الذي لا إله إلا هو أيما امرأة عرفت ربها ، وقامت على تربية أولادها ، وأطاعت زوجها ، وكانت امرأة مثالية السلوك والأخلاق ، فهي ولية عند الله عز وجل لقوله تعالى
 
﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(62)الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ(63)
         
(سورة يونس(
 النظرة الجاهلية للمرأة قبل الإسلام وبعده :
 
أخواننا الكرام ... أية نظرة للمرأة تجعلها أقل من الرجل هي نظرة جاهلية ، والجاهلية جاهليتان : جاهلية قبل الإسلام حيثكانوا يئدون البنات ، وجاهلية أخرى بعد الإسلام ، فحينما تُستغل الفتاة لأرخص الأهداف ، فتكون الفتاة وسيلة للإعلان ، أليس هذا امتهاناً للمرأة ؟ والله امتهان وأعظم امتهان ، المرأة في الأصل أم أو أخت أو بنت أو زوجة إن هذا شنيع عليها ، أن تصبح البنت سلعة تجارية ، وإني أعوذ بالله من هذا الانحراف المدمر إنها جاهلية القرن العشرين فجاهلية ما قبل الإسلام تئد البنت ، والجاهلية الثانية أنهم فتنوا البنات والفتنة أشد من القتل ، فالإنسان الجاهلي كان يحفر حفرة ويضع ابنته حيَّة  فيها ثم يواريها .
﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ(8)بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ(9)
(سورة التكوير(
والإنسان الحديث يقول لك : أنا ديمقراطي ، أنا أُطلِقُ لابنتي العنان ، أحب أن تختبر الحياة بنفسها ، أحب أن تمارس التجربة الإنسانية باختيارها ، فإذا أطلق لها حريتها،وهي بطبيعتها الأنثوية في  الأمور العامة ضعيفة النظر ،  فلماذا مثلاً ينبغي أن يوافق ولي الفتاة والفتاة على الزواج ؟ لأن ولي الفتاة أخبر بالرجال ، وهي لها الحق أن تختار شريك حياتها من حيث المظهر ، والمخبر ،  لكن الأب معرفته بالرجال أعمق بحكم المخالطة  ،  إنَّ المرأة مساوية للرجل تماماً في التكليف والتشريف والمسؤولية ولكن هناك استثناء ، والآية الكريمة :
﴿ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى (36)
(سورة آل عمران : 36)
 
النقص يكون كمالاً في بعض الأحيان :
 
.فالمرأة مجهزة نفسياً وعقلياً وجسمياً لتكون أماً ، ولتكون زوجة،لذلك زاد الله عز وجل في انفعالها ، وعاطفتها ، ورحمتها ، وحنانها  على قوة إدراكها للقضايا العامة وقوة حجتها في الأمور النظرية ، طبعاً لسنا بحاجة إلى محاضرة في أمور فلسفية بل نحن بحاجة إلى أم ترعى أولادها وتعتني بهم وتكون مصدر سعادة لزوجها ولأولادها
.ومن هنا فإن ما زاد في عاطفتها وانفعالها ورحمتها واهتمامها بأولادها وبيتها وزينتها وما نقص من قوة إدراكها وقلة اهتمامها بالقضايا العامة فهو كمال فيها ، وما زاد في قوة إدراك الرجل للقضايا العامة وشدة اهتمامه لها وما نقص من قوة انفعاله وقوة اهتمامهفي الأمور التزيينية والأسرية فهذا كمال فيه ، وهاأنذا أضرب مثلاً بمركبتين ؛ مركبة ركاب ومركبة بضاعة ، فأما مركبة البضاعة فإن مكان البضاعة يزيد على حساب مكان الركاب ، بينما مركبة الركاب زادت مساحة الركاب على حساب مساحة البضاعة فهذا كمال فيها، في الأولى زيادة ونقص وهو كمال فيها ، وفي الثانية زيادة ونقص وهو كمال فيها ، الله عز وجل كامل وخلقه كامل
 
   بنية المرأة وبنية الرجل ليس فيهما نقص عيب بل نقص كمال : 
 
فبنية المرأة العقلية والجسمية والنفسية كمال فيها ، وبنية الرجل العقلية والنفسية والجسدية كمال فيه ، هذا ليس نقص عيب بل نقص كمال ، فأنت تريد أن تحمل بضاعة بهذه الشاحنة فهل معقول أن تجعل مكان البضاعة واحداً بالمئة من حجمها فقط ؟ ليس معقولاً ، لكن مركبة الركاب أوسع مساحة للركاب ، وأقل مساحة للحاجات ، فإذاً ممكن أن يكون النقص كمالاً في حالات خاصة معينة .
وبشكل مجمل أقول : ما زاد فيقوة إدراك الرجل وشدة اهتمامه بالقضايا العامة والفلسفية وما نقص من شدة انفعاله واهتمامه بالقضايا التزيينية ، فهذا كمال فيه ، وما زاد من قوة انفعالها وعطفها وحنانها وأنوثتها وما نقص من قوة إدراكها للقضايا العامة ، فهذا كمال فيها ، فمثلاً إذا دخل إلى بيته ، ووجده غير مرتب ، والطعام غير ناضج ، والأولاد بمظهر لا يليق ، والبيت فوضى لا تحتمل ، وعند دخوله ألقت عليه امرأته محاضرة في نظام الدولة الجديد ، فهذا الأمر منها إساءة اختصاص ، وإهمال في الواجبات التي خلقت من أجلها ، قال تعالى :
﴿ وقرن في بيوتكن (33)
( سورة الأحزاب : 33 )
 البيوت مسؤوليات وللمرأة وظيفة فيها :
 
وللبيوت مسؤوليات ، وللمرأة وظيفة ، وصدق الله العظيم الذي خلق ، وقدر ، إذ يقول :
﴿ أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ (18)
(سورة الزخرف)
    :وهذا صرح في أن البنت مفطورة على حب التزين من أجل أن ترضي زوجها ، وصدق الشاعر العربي حيث يقول مخاطباً المرأة
فدعي الرماح لأهلها وتعطري
***
:   وتمام الآية
 
﴿ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ (18)
(سورة الزخرف)
فالمشادات الفكرية ، والقضايا الفلسفية ليس للمرأة  باع طويل فيها ، فلقد سمعت مثلاً أن أحداث لبنان السابقة لها تفسير عربي ودولي وطائفي ، بينما سمعت تفسيراً نسائياً ، فقلن : أصابت لبنان عين ، فالمرأة أحياناً تدرك إدراكا مختصراً ، وقناعتها بريئة ، وفطرية ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام :
(( إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها ادخلي من أي أبواب الجنة شئت.))                                                          
[مجمع الزوائد 7351]
المرأة دينها مختصر ، أما دين الرجل في ألف مزلق بكسب المال ، وألف مزلق بإنفاق المال ، يعني الرجل أمام آلاف الأحكام الشرعية التي ينبغي أن يطبقها حتى يفوز ، أما المرأة إذا صلت فرضها وصامت شهرها وأطاعت زوجها وحفظت نفسها دخلت جنة ربها ، يعني ربع دين المرأة طاعة زوجها ، قال عليه الصلاة والسلام :
(( لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها . ))
[تخريج أحاديث الإحياء للعراقي 9]
لعظم حقه عليها .
 
   حرص المؤمن على أسرته وعلى سعادة أبنائه : 
 
فيجب على الآباء أن يربوا بناتهم على هذه المفاهيم ، والأمهات على هذه المفاهيم والأحكام كي يعود للبيت تألقه ، وكي تصبح بيوت المسلمين جنات صغيرة ، لكن المرأة صارت تبدي كل زينتها للطريق،وكل ما فيها من تقصير لزوجها ، والبيوت تعمها الفوضى لذلك أي مجتمع تضعف فيه الأسرة ينتهي إلى خسارة ودمار ، ووضع الأسرة الأجنبية يشهد بذلك ، فالأسرة عندهم وجودها بات إلى زوال . أما المؤمن فدائماً يحرص على أسرته ، وعلى سعادة أبنائه ، وعلى الوئام والوفاق ، والحقيقة أن بطولة الإنسان أن يكون سعيداً في بيته ، لأنه إذا سعد في بيته انعكس هذا على عمله ، هذا معنى القرآن الكريم :
﴿ أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18)
(سورة الزخرف)
:إن الله عز وجل في الآية السابقة لم يمدح ، ولم يذم ولكنه وصف ، هذه الفتاة مصممة على أن تكون أماً تحتاج إلى عاطفة ، تحتاج إلى رحمة،تحتاج إلى إدراك سريع ، فيها حب التزين ، الله عز وجل خلق الحلي لتكون زينة للنساء ، والواقع يؤكد ذلك ، ويلتقي مع نص الآية، قال تعالى
﴿ وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَانِ إِنَاثًا (19)
(سورة الزخرف)
 جعلوا الملائكة إناثاً وهذا افتراء آخر لأنهم مخلوقات نورانية لا يعصون الله :
 
هذا افتراء آخر ، فأول افتراء أن جعلوا لله من عباده جزءاً ، الافتراء الثاني جعلوا هذا الجزء بنتاً ، والافتراء الثالث جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً ، ليس بين الملائكة ذكوراً وإناثاً ، والملائكة ليسوا كالبشر يتوالدون ، فالتوالد يقتضي أن يكون هناك ذكر وأنثى ، والملائكة صنف ثالث من الخلق ، فهم مخلوقات نورانية لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون .
﴿ وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَانِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ (19)
(سورة الزخرف)
ومن ثم فهل رأيت أنت أنهم إناث ، وحينما خلقهم الله فهل كنت مع الله عز وجل تخلق ، أو تشاهد عملية الخلق ؟
﴿ أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19)
(سورة الزخرف)
.لقد سجل الله عليهم مقالتهم هذه ، وسيسألون عنها
         
﴿ وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَانُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ(20)
(سورة الزخرف)
ولقد تكررت مقولتهم هذه  في القرآن الكريم مرات عديدة .
 
﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ(148)
(سورة الأنعام(
 
عقيدة الجبر عقيدة مضلة تلغي التكليف :
 
   :في الآية إشارة لعقيدة الجبر بأن تعتقد أن الله أجبرك على المعصية أو على الكفر وهذه عقيدة ضالة مضلة ، هذه العقيدة تلغي التكليف ، تلغي الأمانة
 
﴿ إنا عرضنا الأمانة(72)
( سورة الأحزاب 72 )
 تلغي الثواب ، تلغي العقاب ، تلغي المسؤولية ، تلغي الجنة والنار ، تلغي جدوى نزول الكتب السماوية ، تلغي جدوى إرسال الأنبياء ، والمرسلين ، تجعل الدين تمثيلية عابثة ، فلذلك قال تعالى مخبراً عنهم :
 
﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ(148)
(سورة الأنعام(
ومقولة العوام من الناس تلتقي معتلك المقولة بأسلوب آخر فيقولون : طاسات معدودة بأماكن معدودة ، يعني الجبر ، يقولون لسنا لنا حيلة وهذا ترتيب سيدك ، هذا جبر أنت ليس لك علاقة أبداً ، والله ألهمك المعصية ، هذه عقيدة أهل الجبر ، وهي عقيدة زائغة ، سيدنا عمر لما جيء له بإنسان شارب الخمر ، قال له : والله يا أمير المؤمنين إن الله قدر عليّ ذلك ، قال : أقيموا عليه الحدّ مرتين ، مرة لأنه شرب الخمر ، ومرة لأنه افترى على الله ، وقال له : ويحك يا هذا إن قضاء الله لم يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار.
 الإنسان مخير فيما يفعل أو يقول :
 
لو أن الله أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب ، ولو أجبرهم على المعصية لبطل العقاب ، ولو تركهم هملاً لكان عجزاً في القدرة ، إن الله أمر عباده تخييراً ، ونهاهم تحذيراً وكلف يسيراً ولم يكلف عسيراً ، وأعطى على القليل كثيراً ، ويجب أن نؤمن بأن الإنسان مخير فيما يفعل ، أو يقول .
 
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ(46)
(سورة فصلت(
 
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا(3)
(سورة الإنسان(
 
﴿ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى (17)
(سورة فصلت 17(
 
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ(148)
(سورة البقرة (
 :هنا قالوا
         
﴿ وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَانُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ (20)
(سورة الزخرف)
.هذا جدل وهذا افتراء على الله ، إذ قالوا : إنهم مجبرون على أن يعبدوا هؤلاء
﴿ وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَانُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ(20)
(سورة الزخرف)
 أشد أنواع الكذبأن يخرص الإنسان :
 
أي يكذبون ، وأن يخرص الإنسان فهذا في الحقيقة أشد أنواع الكذب ، ثم إن الله سبحانه وتعالى يشير إلى أدلتهم الواهية :
 
﴿ وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَانُ مَا عَبَدْنَاهُمْ (20)
(سورة الزخرف)
فهل لديكم دليل عقلي ؟
         
﴿ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ (20)
(سورة الزخرف)
 .المقصود بالعلم هنا المشاهدة
 
﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ(20)
(سورة الزخرف)
 :هم لم يكونوا مع الله عز وجل حينما خلق الملائكة ، وأفادت كلمة يخرصون أن الله عز وجل نفى عنهم الدليل العقلي ، أما النقلي
         
﴿ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ(21)
(سورة الزخرف)
 الدليل العقلي والدليل النقلي :
 
فهل لديهم نص ؟  وهذه إشارة دقيقة جداً في هاتين الآيتين إلى الدليل العقلي والدليل النقلي ، وقالوا :
﴿ وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَانِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ(19)وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَانُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ(20)
(سورة الزخرف)
وبعد ؛ فهل هذه الدعوة ، وهذا الافتراء ، وذاك الكفر ، ورد عندهم بكتاب منقول عن الله عز وجل  ؟
         
﴿ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ(21)بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ (22)
(سورة الزخرف)
أيْ على طريقة أو على دين ، والأمة في الآية هي الطريقة التي تؤم والنهج الذي يتبع .
﴿ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ(22)
(سورة الزخرف)
 .نحن هكذا نشأنا وهكذا تربينا ، أولياؤنا هكذا علمونا ، آباؤنا هكذا قالوا لنا ، أجدادنا هكذا كانوا ، تركوا النقل وليس نقل ولا عقل بل هو تقليد الآباء والأجداد
         
﴿ بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ(22)وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ(23)
(سورة الزخرف)
يعني عقل تقليدي لا يغير ولا يبدل ، عادات ، وتقاليد ، وتراث ، يقول لك تراث وصار التراث عندهم إلهاً .
         
﴿ وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا (23)
(سورة الزخرف)
 ثماني آيات في القرآن اقترن فيهن الترف مع الكفر :
 
 :وكلمة " المترفون " في القرآن في ثماني آيات حصراً ، وفي هذه الآيات الثماني اقترن الترف مع الكفر
﴿ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ(23)
(سورة الزخرف)
الترف مثلاً أن تقيم حفلة عرس أو حفلة عقد قران بعشرين مليون ليرة ، بينما يمكن لشاب أن يتزوج بمئة ألف ، ويسكن مع زوجه ببيت صغير خارج دمشق ، وبالمقارنة بين الحالتين يتبين لنا بحق أن عمل الأول يفسر لنا الترف ، والمترفين .
     
﴿ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ(23)قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ(24)
(سورة الزخرف)
 .إذاً هم لن يغيروا ، بل هم مصرِّون على موقفهم
        
﴿ قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ(24)فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ(25)
(سورة الزخرف)
 علاقة الآيات التالية بالآيات السابقة :
 
فالسؤال الذي يفرض علينا ذاته هو ما علاقة الآيات التالية والتي تتحدث عن سيدنا إبراهيم بالآيات السابقة :
        
﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ(26)إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِي(27)
 (سورة الزخرف)
هذا سؤال للدرس القادم ، ما علاقة القصة بين إبراهيم بسياق الآيات ؟ القرآن مترابط ، فالحديث الآن عن هؤلاء الذين وجدوا آباؤهم على أمة وإنهم على آثارهم مقتدون ، قال تعالى:
         
﴿ قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ(24)فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ(25)وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ(26)إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِي(27)
(سورة الزخرف)
 الله سبحانه نفى عنهم الدليل العقلي والدليل النقلي وأبقى لهم التقليد الأعمى :
 
               دققوا النظر فستجدوا أن الله سبحانه وتعالى نفى عنهم الدليل العقلي ، كما نفى عنهم الدليل النقلي ، وأبقى لهم تقليدهم الأعمى ، وهكذا سيدنا إبراهيم قال لأبيه وقومه :
       
﴿ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ(26)
(سورة الزخرف)
فالله عز وجل ينتظر منا  ألا نقلد أحداً ، ويريد منا أن نؤمن به بطريق العقل ، والنقل ، وفي درس قادم آخر نتابع هذا الموضوع إن شاء الله.
والحمد لله رب العالمين

 



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب