سورة الأعراف 007 - الدرس (35): تفسير الآيات (115 - 126) هزيمة فرعون أمام سيدنا موسى

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ..."> سورة الأعراف 007 - الدرس (35): تفسير الآيات (115 - 126) هزيمة فرعون أمام سيدنا موسى

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ...">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج مع الحدث: مع الحدث - 38- المبادرات نصرة لغزة- سامر خويرة -17 - 03 - 2024           برنامج أنت تسأل والمفتي يجيب 2: انت تسأل - 284 - د. حسين الترتوري- 18 - 03 - 2024           برنامج مع الغروب 2024: مع الغروب - 09 - رمضان - 1445هـ           برنامج منارات مقدسية: منارات مقدسية - 264 - رباط الملك نجم الدين           برنامج رمضان عبادة ورباط: رمضان عبادة ورباط - 09 - بشائر النصر في رمضان - الشيخ أمجد الأشقر           برنامج الكلمة الطيبة 2024: الكلمة الطيبة - شهر انتصار الانسان         

الشيخ/

New Page 1

     سورة الأعراف

New Page 1

تفسير القرآن الكريم ـ سورة الأعراف - تفسير الآيات: (115 - 126) - هزيمة فرعون أمام سيدنا موسى

21/03/2011 09:54:00

سورة الأعراف (007)
الدرس (35)
تفسير الآيات: (115 ـ 126)
هزيمة فرعون أمام سيدنا موسى
 
لفضيلة الدكتور
محمد راتب النابلسي
 

 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
             الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
             أيها الإخوة الكرام ، مع الدرس الخامس والثلاثين من دروس سورة الأعراف ، ومع الآية الخامسة عشرة بعد المئة ، ونحن في قصة سيدنا موسى مع فرعون ، ولعل هذه القصة في هذه السورة من أطول قصص سيدنا موسى مع فرعون :
 
قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ
 
﴿ قَالُوا ـ أي السحرة ـ يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ ﴾
( سورة الأعراف )
1 – كل الخصائص الفنية للقصة متوفرة في قصص القرآن :
 
كلكم يعلم أن القصة فيها شخصيات رئيسية ، وشخصيات ثانوية ، الرئيسية فرعون وسيدنا موسى ، والثانوية السحرة ، وفيها سرد ، وفيها حوار ، وفيها تحليل ، وفيها بداية ، وفيها عقدة ، وفيها نهاية ، وفيها مغزى ، وفيها حبكة ، بعض الذين درسوا القصة في القرآن أكدوا أن كل خصائص القصة الفنية التي هي أرقى فن في الأدب متوافرة في قصة القرآن   الكريم .
الآن هؤلاء السحرة الذين استعان بهم فرعون ، وطلبوا منه العطاء ، وعدهم بعطاء جزيل ، وأن يكونوا من المقربين ، لأن كيانَه كإلهٍ تزلزل .
2 – فائدة في تأخير قولهم : نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ
 
﴿ قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ
لو أن الآية : وإما أن نكون الملقين فهناك معنى آخر .
﴿ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ ﴾
لكن هناك  معنى آخر ، هذا الضمير يسمى ضمير التأكيد ، كأن رغبتهم أن يبدؤوا هم ، عزتهم دفعتهم إلى أن يبدؤوا ، ولكن العقل يقتضي أن يتأخروا .
في أكثر الاحتفالات آخر كلمة لأعلى مرتبة ، آخر كلمة هي الختام ، والحفل يقيَّم من الكلمة الأخيرة ، والكلمة الأخيرة تتلافى نقص الكلمة الأولى .
هم كانوا في صراع بين أن يبدؤوا تحقيقاً لعزتهم ، وبين أن يتأخروا مراعاة للحكمة ، لكن عبارتهم :
﴿ قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ
يعني أنت أولاً ألقِ عصاك .
﴿ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ ﴾ .
 
قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ
 
﴿ قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ﴾
( سورة الأعراف )
1 – سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ
 
لما رأى رغبتهم أن يبدؤوا هم .
﴿ قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا ﴾
هناك روايات في بعض الكتب تؤكد أنهم جاؤوا بأنابيب ، ولوّنوها على شكل ثعبان ، ووضعوا فيها الزئبق ، والزئبق معدن سائل رجاج ، وأنه يتمدد بالحرارة ، ومع التمدد يتحرك ، ووضعوا هذه الأنابيب فوق سطح ساخن ، فالذي يراها من بعيد يرى ثعابين تتحرك .
﴿ قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ
السحر له ترجمة معاصرة اسمها التنويم المغناطيسي ، ولا ينوم إلا ضعاف الشخصية .
2 – السحر توهُّم الأشياء :
 
حدثني أخ كان في الهند قال لي : تجمّع الناس حول ساحر ، معه ربطة حبال ، ألقاها في الفضاء ، فعلقت ، معه غلام أمره أن يصعد ، فصعد ، إلى أن غاب عن الأنظار ، أمره أن ينزل فلم ينزل ، فغضب الساحر ، ولحقه ومعه سكين ، بعد حين وقع رأسه ، ووقعت أعضاءه عضواً عضواً ، مع هذا الجمع الغفير سائح غربي ، معه آلة تصوير سينمائية ، فصور ، في أثناء التحميض لم يجد شيئاً ، هذا معنى قوله تعالى :
﴿ سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ ﴾
أحياناً في علم النفس يضعون بقعة حبر على ورقة ، هناك مَن يفهمها نجمة ، هناك من يفهما أخطبوطًا ، فكل إنسان يسقِط ما عنده على هذه البقعة ، هذا اسمه التنويم المغناطيسي ، والمصطلح القرآني :
﴿ سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ ﴾
وفي آية ثانية :
﴿ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ﴾
( سورة طه )
توهموا ، وكم من إنسان توهم شيئاً ليس موجوداً ، توهم رؤية لا أصل لها ، توهم كلاماً لم يسمعه ، هذه قضية متعلقة بعلم النفس ، لكن هؤلاء السحرة عندهم براعة كبيرة ، فحينما ألقوا رأى الناس ثعباناً ضخماً كالعثبان الحقيقي يتحرك ، ويتلوى :
﴿ قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ﴾
قال فرعون :
 
﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾
( سورة النازعات )
وقال :
﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾
( سورة القصص الآية : 38 )
3 – احذوا الطرف الآخر ، فإنه ليس غبيًّا :
 
استعان بمهرة السحرة ، فلابد أنهم سيأتون بشيء عظيم ، فالطرف الآخر ليس سهلاً ، الطرف الآخر قد يكون ذكياً جداً ، وقد يكون مثقفاً ثقافة عالية ، وقد يوهم الناس بشيء ، لذلك يجب على المؤمن أن يتسلح بالعلم ، فلو كان علمه ضعيفا فإن الطرف الآخر يقنعه بالكفر أحياناً ، ويقنعه أن هذا الدين ليس لصالح البشرية ، والمذاهب الأرضية لماذا رفضت الدين ؟ الدين فيه قيود ، وهي الحقيقية ليست قيوداً ، لكنها حدود لسلامة الإنسان ، فإن لم تكن متسلحاً بالعلم فقد تقع في شباكهم .
لي رأي : لا تعد مؤمناً الإيمان المنجي إلا إذا استطعت أن تدحض كل الشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام ، والشبهات كثيرة جداً ، ولحكمة بالغة بالغةٍ سمح الله للطرف الآخر أن يطرحوا شبهاتهم ، هذا امتحان لنا ، فالإنسان ضعيف الإيمان يتزلزل .
 
﴿ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً ﴾
( سورة الأحزاب )
الله عز وجل من محبته لنا ، من رحمته بنا ، لا يسمح لنا أن يكون الإيمان الذي نحن عليه إيماناً ساذجاً يتزلزل لأية شبهة ، أنا أقول لكم : في عصر لا يكفي أن تكون مؤمناً إيماناً تقليدياً ، الإيمان التقليدي لا يصمد أمام شبهات الغرب ، لا يصمد إلا إيمان متين ، إيمان أساسه البحث والدرس ، والتأمل ، إيمان أساسه التحقق لا التقليد ، الدليل أن الله عز وجل قال :
 
﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ 
( سورة محمد الآية : 19 )
ما قال لك : فقل ، قال :
﴿ فَاعْلَمْ ﴾
﴿ قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ ﴾
بثوا فيهم الرهبة :
﴿ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ﴾
أنا أقول لكم كإسقاط لهذه الآية على واقعنا : الغرب الذي شرد عن الله ليس شيئاً سهلاً ، عنده إمكانية كبيرة جداً أن يقنع الناس بشيء ليس صحيحاً ، هناك وسائل النشر ، فأحياناً يصور الطرف الآخر بآلة تصوير خاصة ، على وجهه غبرة ، والبطل الإيجابي يصور بآلة تعطيه ضياء ، وهناك وسائل الإعلام ، والصحافة قوة كبيرة جداً ، وهي الآن بيد من ؟ بيد الطرف الآخر .
 
وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ
 
﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ﴾
( سورة الأعراف )
الفرق بين السحر وبين المعجزة :
﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ﴾
هذا الثعبان الكبير أكل كل هذه الثعابين التي صنعها السحرة ، التي ما كانت ثعابين حقيقية :
﴿ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ﴾
 
فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
 
﴿ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
( سورة الأعراف )
1 – ليس في الإسلام ضعف :
 
الحقيقة : يجب أن تعتقد اعتقاداً جازماً أنه لا يمكن ، بل يستحيل ، وألف ألف ألف مستحيل أن يكون في الدين ضعف يتيح للطرف الآخر أن ينتصر .
﴿ فَوَقَعَ الْحَقُّ ﴾
2 – الله هو الحقُّ :
 
الله عز وجل اسمه الحق ، ولأنه حق فلا بد من أن يحق الحق ، وأنت أيها المؤمن إذا كنت على الحق فلا تخف ، لابد من أن ينصرك الله ، وإذا كنت على باطل فلا بد من أن يخذل ربنا جل جلاله هذا المبطل ، لذلك قالوا : قد تخدع معظم الناس لبعض الوقت ، وقد تخدع بعض الناس لكل الوقت ، أما أن تخدع كل الناس لكل الوقت فهذا مستحيل .
ذكرت البارحة قصة : أن إنسانا في بلد عربي بعيد عن بلدنا ، والحمد لله ، استطاع أن يستورد أغذية ليست صالحة لبني البشر ، هي مصممة للحيوانات ، لكن في مستودع كبير نزع اللصاقة ، ووضع لصاقة أخرى ، فحقق أرباحا كبيرة جداً ، العمال المكلفون بتبديل اللصاقات نسوا علبة واحدة أن يغيروا لصاقتها ، فوصلت إلى الجهات المسؤولة ، فلما وصلت دُمر هذا الإنسان ، هذه جريمة ، والله عز وجل مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن يسمح لك أن تغش الناس إلى ما لا نهاية ، تغش الناس إلى حين ، لأنه لا بد من أن يهلك الإنسان عن بينة ، وأن يحيى عن بينة .
﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ .
 
هذه هي النتيجة : فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ
 
﴿ فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ ﴾
( سورة الأعراف ) .
مرة ثانية : الحق هو الذي سينتصر ، من آدم إلى يوم القيامة ، ولكن انتصار الحق عمره أطول من أعمار البشر ، أحياناً يأتي رمضان في شهر آب ، إلى أن يأتي مرة ثانية بعد 36 سنة ، لو أن شخصًا عاش عشرين سنة لا يبلغه ، فقد يراه في الصيف ، ولا يسمح له العمر القصير أن يدركه مرة ثانية ، الآن تبدل الحق والباطل بدورة الحق والباطل ، وأحياناً الله عز وجل يجعل أهل الحق هم الأقوياء ، وأحياناً لحكمة بالغة يجعل الطرف الآخر قويًّا ، قال تعالى :
 
﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾ 
( سورة آل عمران الآية : 140 )
لو كان أهل الحق بيدهم القوة دائماً يظهر النفاق ، وإذا كانت القوة بيد أهل الباطل بشكل مستمر كان اليأس ، الله عز وجل قال :
﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾
نحن جميعاً هكذا ، وشاءت حكمة الله أن نكون في عصر الباطلُ فيه قوي جداً ، معه الإعلام ، معه المال ، معه التحالفات ، معه الأقمار ، يغير الحقائق كما يتمنى ، يوهم الناس بشيء غير صحيح ، يتهم المسلمين بكل التهم ، أنا أرى البطولة الآن أن تصبر ، والبطولة أن تلتزم .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ الصَّابِرُفِيهِمْ عَلَى دِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ)) .
[ الترمذي ]
الآن أينما تحركت رأيتَ المعاصي على قارعة الطريق ، ففي الطريق نساء كاسيات عاريات ، مائلات مميلات ، والصحف فيها نساء شبه عاريات ، وكذا في المجلات كذلك ، وفي الإنترنت كذلك ، وفي الفضائيات كذلك ، وفي الجامعة كذلك ، وفي الدوائر كذلك ، كل شيء يدعو إلى المعصية ، حتى لو اشتريت علبة لمسح الحذاء ترى عليها صورة امرأة شبه عارية  ، وهذا احتقار للمرأة ، وقد ثارت مظاهرات في العالم الغربي احتجاجًا على هذا الامتهان للمرأة ، فلا تروَّج سلعة إلا بامرأة شبه عارية .
﴿ فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ ﴾
هؤلاء السحرة الذين أتى بهم فرعون ليدعموه ، ليبطلوا عصا موسى التي أصبحت ثعباناً مبيناً صغروا ، هو يفعل شيئاً فيه إيهام ، أوهم الناس أنه ثعبان بأنبوب مطاطي ، طلاءه متقن ، فيه زئبق ، الزئبق معدن رجاج ، على سطح ساخن ، تمدد الزئبق ، وتحرك ، حرك معه الأنبوب ، فتوهم الناس أنه ثعبان ، أما حينما ألقى سيدنا موسى عصاه كانت ثعبانا حقيقيا 100% ، والساحر يعلم أن هذا فوق طاقته ، أن هذا الإنسان ليس ساحراً ، لذلك قالوا :
 
﴿ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ﴾
( سورة الشعراء )
هو نبي مرسل .
 
﴿ وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ ﴾
( سورة الأعراف ) .
الخضوع لإرادة الله : وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ
 
هذا اسمه حرق المراحل ، هناك صحابي صلى ركعتين ، واستشهد ، وبين إسلامه واستشهاده ركعتان فقط ، وهو من أهل الجنة ، حرق المراحل ، هؤلاء سحرة دجالون أفّاكون ، جاءوا ليدحضوا معجزة سيدنا موسى ، فإذا هم يرون حقيقة هذا الذي حصل ، هذا ليس سحراً ، ولكنه معجزة ، وهذا الإنسان رسول الله .
مرة صفوان بن أمية جلس مع رجل أُسِر ابنه في غزوة بدر ، فحقد على الإسلام حقداً كثيراً ، في ساعة ألم قال له : " والله يا صفوان ، لولا ديون لزمتني ما أطيق سدادها ، ولولا أطفال صغار أخشى عليهم العنت منى بعدي ، لذهبت وقتلت محمداً ، وأرحكتم منه " ، صفوان استغلها ، وكان غنيًّا ، قال له : أما ديونك فهي علي بلغت ما بلغت ، وأما أولادك فهم أولادي ما امتد بهم العمر ، فاذهب لِما أردتَ ، أعطاه الضوء الأخضر ، قلق على أولاده وعلى ديونه ؟ ديونك أنا أدفعها عنك ، بلغت ما بلغت ، وأولادك أولادي ما امتد بهم العمر فاذهب لِما أردت ، سقى سيفه سماً ، وركب ناقته ، وتوجه إلى المدينة ، ما الحجة في دخولها ؟ جاء ليفدي ابنه ، ابنه أسير ، فلما وصل إلى المدينة رآه سيدنا عمر ، قال : هذا عدو الله عمير بن وهب ، جاء يريد شراً ، فقيَّده بحمالة سيفه ، وساقه إلى النبي عليه الصلاة والسلام ، قال له : هذا عدو الله عمير جاء يريد شراً ، سيدنا النبي رقيق رفيق ، قال له : دعه يا عمر ، وأطلقه ، قال له : اقترب يا عمير ، فاقترب ، قال له : سلّم علينا ، قال له : عمتَ صباحاً ، قال له : قل : السلام عليكم ، قال له : هذا سلامنا ، بكل غلظة وفظاظة ، قال له : ما الذي جاء بك إلينا ؟ قال له : جئت أفدي ابني قال له : وهذه السيف التي على عاتقك ؟ قال له : قاتلها الله من سيوف ، وهل نفعتنا يوم بدر ؟ قال له : ألم تقل لصفوان : لولا ديون لزمتني ما أطيق سدادها ، ولولا أولاد صغار أخشى عليهم العنت من بعدي لذهبت وقتلت محمد ، وأرحتكم منه ، قال : أشهد أنك رسول الله ، هذا القول بينه وبين صفوان كان في الفلاة ، ولم يطلع عليه أحد ، قال له : هذا الذي كان بيني وبين صفوان لم يطلع عليه أحد ، وأنت رسول الله ، وتوضأ ، ونطق بالشهادة ، وأسلم .
أما صفوان فكان في غاية الفرح ، لأن أخبارا سارة سوف تأتي ، ما كان يومَها فضائيات ، ووكالات أنباء ، والخبر يتناقل في ثوان ، فكان الناس يذهبون إلى ظاهر المدينة ينتظرون الركبان ، كان كل يوم يخرج إلى ظاهر مكة ، حتى يسمع الخبر السار بقتل محمد ، فجاءه الخبر الذي سحقه ؛ قد أسلم عمير .
هذا ما حدَثَ للسحرة :
﴿ وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ ﴾
الحقيقة لمعَتْ أمامهم .
﴿ وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ ﴾
كان أصحاب النبي يطعمون الأسرة أطيب الطعام ، ويأكلون أردأه ، الإسلام ما انتشر بسهولة ، انتشر بجهد كبير ، انتشر بالالتزام صارم .
﴿ وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ ﴾
أتى بهم فرعون حتى يدعموه ، لكنهم خيَّبوا ظنَّه ، سجدوا لله .
 
قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ
 
﴿ قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
( سورة الأعراف )
والله أيها الإخوة ، حينما تعرف الله ، وتعرف الحقيقة ، وتعرف سر وجودك ، وغاية وجودك ، والله هذا اليوم هو يوم عيد ، والله الذي لا إله إلا هو لا تسخو نفسي أن أقول لإنسان : هنيئاً لك ببيت سيتركه ، بزوجة سيغادرها أو تغادره ، الآن كل واحد له زوجة ، فله احتمالان لا ثالث لهما : إما أن يموت قبلها ، وإما أن تموت قبله ، فأحبب من الدنيا ما شئت ، فإنك نفارقها .
﴿ قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
أنا أقول : هنيئاً لمن عرف الله ، هنيئاً لمن عرف سر وجوده ، هنيئاً لمن عمل للآخرة .
﴿ قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾
 
﴿ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ﴾
( سورة الأعراف )
فرعون اختل توازنه ، هو تزعزع بسيدنا موسى ، لما ألقى عصاه ، فإذا هي ثعبان مبين ، وجمع الناس ، في يوم الزينة ، يوم عيد ، جمع الناس جميعاً ، وكان هناك طرفان : سيدنا موسى والسحرة ، ألقى السحرة عصيهم :
﴿ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ﴾
أما سيدنا موسى فألقى عصاه :
﴿ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ ﴾
﴿ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ﴾
فرعون اختل توازنه ، هو تلقّى ضربة قاسمة ، وهي ضربة ثانية .
 
﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ آَمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾
( سورة الأعراف )
الآن فرعون لا يخيف ، لكن لو كنتم في عهد فرعون ، فقد يكون الواحد أمام قوي ينهي وجوده ، دائماً القصة يجب أن تعيش أحداثها ، فرعون كان من الأقوياء ، إذا نظر إلى بإنسان يموت من الخوف ، لأن الطاغية مخيف .
الحسن البصري أدى أمانة العلم ، وبيّن الحق ، فقال الحجاج لجلسائه : " يا جبناء ، لأروينكم من دمه " ، القضية بسيطة جداً ، أمر بقتله ، وانتهى الأمر ، جاء بالسياف ، السياف جاهز ، مدّ النطع ، مدة لئلا يصاب أثاث الغرفة ، كان الطغاة أو الأقوياء يقتلون خصومهم أمامهم ، ففي قطع الرأس دم ، هذا الدم سيفسد الأثاث الفخم ، فكان هناك رداء كبير جداً يسمى النطع ، فأمر بقتله ، فجاء بالسياف ، وجاء بالنطع ، ومدّه ، أرسل إليه ، وجاءوا به ليقتل ، فلما دخل إلى مجلس الحجاج ، ورأى السياف واقفا ، والنطع قد مُدَّ ، حرّك شفتيه بكلمات ، فإذا بالحجاج يقول له : أهلاً بأبي سعيد ، أنت سيد العلماء ، وما زال يدنيه من مجلسه حتى أجلسه على سريره ، وسأله ، وضيَّفه ، وعطَّره ، وشيّعه إلى باب القصر ، هناك شخصان صعقا ، هما الحاجب والسيّاف ، تبعه الحاجب ، قال له : يا أبا سعيد ! لقد جيء بك لغير ما فعل بك ، فماذا قلت لربك وأنت داخل ؟ قال له : قلت : يا رب ، يا ملاذي عندي عند كربتي ، يا مؤنسي في وحشتي ، اجعل نقمته علي برداً وسلاماً كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم .
إخواننا الكرام ، الإنسان إذا عرف الله كانت الدنيا لا شيء أمامه .
﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ آَمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾
اسمعوا التهديدات :
 
هذه هي حلولُ المُفلِسِين : لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ
 
﴿ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾
( سورة الأعراف )
يقطع يده اليمنى ، ورجله اليسرى .
﴿ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾
بعدها يَصلبهم .
اسمعوا جواب السحرة ، وما رأوا قوته ، ولا رأوا بطشه ، ولا رأوا طغيانه ، ولا رأوا لحياتهم معنًى إذا كانوا أعواناً له .
 
جواب المؤمن بالله : إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ
 
﴿ قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ * وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِآَيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ ﴾
( سورة الأعراف )
القصة وردت في أماكن عديدة ، ففي بعض الأماكن :
 
﴿ فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾
( سورة طه ) .
هذا هو الإيمان ، فلذلك حينما تعرف الله لا ترى شيئاً في الدنيا له قيمة ، بل تصغر الدنيا في عينيك ، وتنتقل من قلبك إلى يديك ، والله الذي لا إله إلا هو إن لم يستوِ عندك التبر والتراب ، وهما الذهب والتراب أمام رضوان الله ففي بالإيمان خلل .
 
وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِآَيَاتِ رَبِّنَا
 
﴿ وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِآَيَاتِ رَبِّنَا ﴾
هذه آية كبيرة ، قديماً خرق القوانين آية ، وأنا قناعتي أن القوانين نفسها آية ، الشمس آية ، القمر آية ، الماء العذب الفرات آية ، البحر الملح الأجاج آية ، خلق ابنك آية ، بويضة كذرة الملح لا ترى بالعين آية ، ضع لعاباً على إصبعك ، ومس كمية ملح قليلة ، بأقلّ مسٍّ ، لترى طبقة من ذرات الملح ، البويضة إحدى هذه الذرات ، من الصعب أن تتصور حجمها ، والحوين المنوي أصغر منها بكثير ، بويضة ملقحة تصبح بعد تسعة أشهر طفلا له جمجمة ، ودماغ فيه 140 مليار خلية ، و300 ألف شعرة ، وعينان ، وقرنية ، وقزحية ، وجسم بلوري ، وماء زجاجي ، وشبكية ، والعصب البصري ، 900 ألف عصب ، و1500 كيلومتر من الأوعية الدموية ، وقلب يضخ في اليوم 8 أمتار مكعبة ، هذه ليست آية ؟ ابنك آية ، الماء آية ، الشمس آية ، النبات آية ، البقرة آية ، الدجاجة آية .
﴿ وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِآَيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ ﴾
هذا الشهيد حينما يقتل ، مع أول قطرة دم يضاء نور يملأ السماء والأرض عند استشهاده ، الشهادة شيء كبير جداً ، في رواية أنه قتلهم جميعاً ، لكن دخلوا إلى الجنة ، فيا بُنَي ، ما خير بعده النار بخير ، وما شر بعده الجنة بشر ، وكل نعيم دون الجنة محقور ، وكل بلاء دون النار عافية .
مهما كنت تملك من ثروات ، إذا انتهت بك الحياة إلى جهنم ـ لا سمح الله ولا قدر      ـ فلا قيمة لكل هذه الدنيا ، مهما تكن معذباً في الدنيا ، إذا انتهت بك الحياة إلى الجنة ينبغي أن تقول : لم أرَ شراً قط .
(( وعزتي وجلالي لا أقبض عبدي المؤمن وأنا أحب أن أرحمه ، إلا ابتليته بكل سيئة كان عملها ، سقماً في جسده ، أو إقتاراً في رزقه ، أو مصيبة في ماله أو ولده ، حتى أبلغ منه مثل الذر ، فإذا بقي عليه شيء شددت عليه سكرات الموت حتى يلقاني كيوم ولدته أمه )) .
[ ورد في الأثر ]
إذا أوصلنا الله عز وجل إلى القبر طاهرين سالمين فهذا أكبر مكسب يحققه إنسان في الدنيا ، لذلك المؤمن حينما يأتيه ملك الموت ، ويرى مقامه عند الله يقول : لم أرَ شراً قط ، والآخر حينما يرى مكانه في النار ، يقول : لم أرَ خيراً قط ، وقد يصيح الذي استحق النار صيحة لو سمعها أهل الأرض لصعقوا .
 
رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ
 
﴿ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ ﴾
هؤلاء السحرة حرقوا المراحل ، وأنا أعتقد أن بين إيمانهم وموتهم لحظات ، هم استحقوا الجنة ، فكل واحد منا يفكر في المصير ، له عمل طيب ، له موقف .
 
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
 
 
 



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب