سورة الأعراف 007 - الدرس (7): تفسير الآيات (011 - 013) تسلسل الإيمان بالله

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ..."> سورة الأعراف 007 - الدرس (7): تفسير الآيات (011 - 013) تسلسل الإيمان بالله

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ...">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج خطبة الجمعة: خطبة الجمعة - بئس الضجيع - الشيخ توفيق الصايغ           برنامج اخترنا لكم من أرشيف الإذاعة: اخترنا لكم - ضوابط التفاؤل - د. أحمد السيد           برنامج موعظة ورباط: موعظة ورباط - 17 - موعد تحرير فلسطين - د. راغب السرجاني           برنامج خواطر إيمانية: خواطر إيمانية - 438 - شد الرحال للأقصى - الشيخ محمد ماهر مسودة           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 398 - سورة المائدة 032 - 033           برنامج من كنوز النابلسي 2: من كنوز النابلسي - 163 - أنا عند ظن عبدي بي         

الشيخ/

New Page 1

     سورة الأعراف

New Page 1

تفسير القرآن الكريم ـ سورة الأعراف - تفسير الآية: (011 - 013) - تسلسل الإيمان بالله

21/03/2011 08:56:00

سورة الأعراف (007)
الدرس (7)
تفسير الآيات: (11 – 13)
تسلسل الإيمان بالله
 
لفضيلة الدكتور
محمد راتب النابلسي
  

 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الإخوة الكرام ، مع الدرس السابع من دروس سورة الأعراف ، ومع الآية الثانية عشرة ، وهي قوله تعالى :
 
﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ﴾
 
 تذكير للفائدة والتقرير :
 
1 – مسألة الخَلق :
وفي الدرس السابق بينت لكم قصة الخلق بفضل الله عز وجل ، وكيف أن الإنسان خُلق في عالم الذر ، بل خُلقت جميع المخلوقات في عالم الذر ، قبل أن تكون صوراً .
2 – حملُ الإنسان للأمانة :
وعُرضت عليها الأمانة ، حيث قال الله عز وجل :
 
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾
( سورة الأحزاب الآية : 72 ) .
3 – العبادة أصل خلق الإنسان وثمن للجنة :
ولما حمل الإنسان الأمانة كُلف أن يزكي نفسه عن طريق تعريفها بالله ، وحملها على طاعته ، والتقرب إليه من أجل أن تكون هذه المعرفة ، وهذه الطاعة ، وهذا التقرب ثمناً لجنة عرضها السماوات والأرض ، فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، إلى أبد الآبدين ، فنحن في الأصل مخلوقون للجنة .
 
 الناس قسمان : عامل للجنة وعامل للنار :
 
وقد انقسم البشر قسمين في ضوء هذه الحقيقة ، فقال الله تعالى :
 
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى¯فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾
( سورة النازعات ) .
أي أن الجنة ثمنها الانضباط ، أن تعرف الله ، وأن تنضبط بمنهجه ، وعلى هذا قال تعالى :
 
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ¯(5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾
( سورة الليل ) .
صدق أنه مخلوق للجنة ، والحسنى هي الجنة ، بني على هذا التصديق أنه اتقى أن يعصي الله ، وبنى حياته على العطاء .
 
 
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾
( سورة الليل ) .
إذاً كل شؤون حياته في اتجاه سعادته الأبدية .
 
﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى ¯وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى﴾
( سورة الليل ) .
الصنف الثاني كذب بالجنة ، وآمن أنه مخلوق للدنيا ، بُني على هذا التكذيب أنه استغنى عن طاعة الله ، وبنى حياته على الأخذ وكل شؤون حياته باتجاه شقائه .
 
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾
( سورة الليل ) .
قصة الخلق حينما قال الله تعالى :
 
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾
 
( سورة الأحزاب ) .
لم يكن ظلوماً جهولاً حينما قبِل حمل الأمانة ، ولكن حينما خان الأمانة ولم يؤدِ الأمانة ، ﴿ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ .
4 – مقوّمات حملِ الأمانة :
وذكرت في الدرس الماضي أن الإنسان حينما قبل حمل الأمانة سخر الله له :
 
﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾
( سورة الجاثية الآية : 13 ) .
الكــون :
وأعطاه مقومات التكليف ، وذكرت أن أبرز مقومات التكليف هذا الكون الذي سخر له ، وكان التسخير تسخير تعريف وتكريم .
لذلك رد فعل التعريف أن تؤمن ، ورد فعل التكريم أن تشكر ، وأنت حينما تؤمن وتشكر حققت الهدف من وجودك ، قال تعالى : 
 
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ ﴾
( سورة النساء الآية : 147 ) .
العـقـل :
ثم أعطاه العقل ، كأداة لمعرفة الله وهو مناط المسؤولية والمحاسبة ، وهو   ميزان :
 
﴿وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ﴾
( سورة الرحمن ) .
والعقل مهمته التأكد من صحة النقل ، ثم فهم النقل ، ولن يكون العقل حكماً على النقل .
الفـطرة :
ثم أعطاه فطرة سليمة تكشف له خطأه ذاتياً .
 
﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا¯فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾
( سورة الشمس ) .
الاختيـار :
ثم أعطاه اختياراً ليثمن عمله :
 
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً﴾
( سورة الإنسان ) .
الشهــوة :
ثم أعطاه شهوة كقوة دافعة ، وهي حيادية ، يمكن أن تكون قوة نافعة ودافعة ، ويمكن أن تكون قوة مدمرة .
الشــرع :
ثم أعطاه الشرع ، وأنزل الله على أنبيائه الكتب ليكون الشرع ميزاناً على ميزاني العقل والفطرة .
ذكرت هذا في درس سابق ، وأنتقل اليوم إلى تسلسل الإيمان بالله .
 
 تسلسل الإيمان وثوابته :
 
 الثابت الأول : الكون :
 
أيها الإخوة ، هناك الكون يعد الثابت الأول ، لا يختلف عليه اثنان في الأرض ستة آلاف مليون إنسان هذا الكون بين أيديهم ، وتحت سمعهم وبصرهم ، فيه شمس ، وقمر ونجوم ، ومجرات ، وأرض ، وجبال ، وسهول ، وينابيع ، وأنهار ، وبحار ، وبحيرات ، ونبات ، مليون نبع من النبات ، وأطيار ، وأسماك ، وحيوانات ، ومعادن ، وأشباه معادن ، هذا الكون هو الثابت الأول في الإيمان ، كل أسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى يمكن أن يشفَّ الكون عنها .
 
1 – كل أسماء الله وصفاته يشفّ عنها الكون :
كل أسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى ، يمكن أن تراها في الكون ، يمكن أن ترى في الكون علمَه ، يمكن أن ترى في الكون حكمته ، يمكن أن ترى في الكون لطفه ، يمكن أن ترى في الكون رحمته ، يمكن أن ترى في الكون عدله ، يمكن أن ترى في الكون قوته ، يمكن أن ترى في الكون بطشه ، كل أسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى يمكن أن يشف الكون عنها ، وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد .
2 – مبادئ العقل : السببية ـ الغائية ـ عدم التناقض :
وعقلك بني على مبادئ ثلاث مبدأ السببية ، مبدأ الغائية ، مبدأ عدم التناقض والكون أنظمته الأساسية لكل شيء سبب ، ولكل شيء غاية ، والتناقض لا وجود له في الكون ، مبادئ عقلك مطابقة تطابقاً تاماً مع مبادئ الخلق .
لذلك هذا العقل إذا أعملته في الكون يمكن أن تتعرف إلى الله من خلاله ، إذاً : العقل أداة معرفة الله .
3 – الكون لغةٌ عالمية :
أيها الإخوة ، ثم أن هذا الكون لغته عالمية ، العربي يقرأ ما فيه ، والأعجمي يقرأ ما فيه ، وأهل أوربا يقرؤوا ما فيه ، هذا قاسم مشترك ، لذلك قال بعضهم : الكون قرآن صامت ، والقرآن كون ناطق ، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي ، فأكبر ثابت من ثوابت الإيمان هذا الكون الذي يشف عن وجود الله ، وعن كماله ، وعن وحدانيته ، وعن أسماءه الحسنى وصفاته الفضلى ، لكن العقل سأوضح لكم مهمته :
أنت دخلت إلى جامعة ، عقلك وحده ، تجد منشآت تتناسب تناسباً رائعاً مع حقيقة الجامعة ، مدرجات ، فيها عزل صوت ، فيها تدفئة ، فيها شاشات عارضة ، فيها تهوية ، فيها مقاعد مريحة ، فيها مكتبة ، وحدائق ، وسكن للطلاب ، وسكن للأساتذة ، وإدارة جامعة ، ومخابر ، أنت بعقلك يمكن أن تكتشف أن وراء هذا البناء تخطيطا ، وأدمغة ، ونظاما ، وخبرات متراكمة ، لكن مهما كنت ذكياً ، مهما كنت حصيفاً فلا يمكن أن تعرف ما اسم رئيس الجامعة ، لا يمكن أن تعرف ما اسم عمداء الكليات ، لا يمكن أن تعرف ما الكليات التي في الجامعة ، لا يمكن أن تعرف نظام القبول ، أو نظام النجاح والرسوب ، هذه المعلومات لا يمكن أن تكتشفها بعقلك ، لا بد من كتيب ، هذا الكتيب يتكامل مع عقلك ، هذا تمهيد .
الله عز وجل جعل هذا الكون ينطق بوجوده ، بعلمه ، بقوته ، برحمته ، بعدله بلطفه ، بجماله ، لكن لماذا خلقك الله ؟ أنزل كتاباً هو القرآن الكريم ، قال لك فيه :
 
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾
( سورة الذاريات ) .
لماذا الحياة القصيرة ؟ لماذا الحياة أربعون عاما ، خمسون ، ستون ؟ قال لك في كتابه :
 
﴿ وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى﴾
( سورة الضحى ) .
لماذا يأتي الأنبياء ؟ يأتي الأنبياء ليبينوا للناس علة وجودنا ، وطريق سلامتنا وسعادتنا .
 
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾
( سورة الأنبياء ) .
فصار الكتاب يكمل العقل ، ما عجز عقلك عن إدراكه أخبرك الله به ، هذا الكتاب لعل قائلاً يقول : إنه كلام إنسان عبقري بليغ في اللغة ، أعطاك مع الكتاب شهادة الإله العظيم على أنه كلامه ، أكبر دليل على أن هذا الكتاب كلام الله إعجازه ، يعني قبل 1400 عام نزل هذا الكتاب .
 
 صور من حقائق كونية :
 
1 – ظاهرة تناثر الضوء :
وقبل عشرين عام تقريباً صعد الإنسان إلى القمر ، وفي أثناء الصعود تجاوز طبقة الهواء ، وهي تزيد عن 65 ألف كم ، فلما تجاوز رواد الفضاء طبقة الهواء صاح أحدهم بأعلى صوته : لقد أصبحنا عميا ، التفسير العلمي أن الهواء مع الشمس يشكل ظاهرة ضوئية اسمها التناثر ، أي أن أشعة الشمس إذا سلطت على طبقات الهواء عكست هذه الذرات أشعة الشمس على ذرات أخرى لم تصلها أشعة الشمس ، فصار في الأرض مكان فيه أشعة شمس  ومكان فيه ضياء الشمس ، وجود الضياء من دون أشعة هذه ظاهرة اسمها تناثر الضوء ، فلما تجاوزنا طبقة الهواء ألغي التناثر ، فصار الفضاء ظلاماً دامساً كالليل الأليل ، فصاح رائد الفضاء : لقد أصبحنا عمياً ، افتح القرآن :
 
﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ ¯لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ﴾
( سورة الحجر ) .
لا يمكن أن يكون هذا الكلام كلام بشر ، مستحيل ، لأن الحقيقة التي كشفت بعد 1400 عام ذكرها القرآن قبل 1400 عام .
2 – الوردة الجورية :
أكبر وكالة فضاء ( ناسا ) تعرض صورة لوردة جورية ، وردة جورية ، أوراق حمراء داكنة ، حولها وريقات خضراء زاهية ، في الوسط كاس أزرق ، كتب تحته صورة لانفجار نجم اسمه عين القط ، يبعد عنا ثلاثة آلاف سنة ضوئية ، تفتح القرآن :
 
﴿ انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ ¯فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾
( سورة الرحمن ) .
3 – الحاجز بين البحرين :
يكتشف رواد الفضاء من سفينة الفضاء أن بين كل بحرين خطا ، والخط تباين لونين ، هذا المنظر يثير الفضول عند علماء البحار ، يتابعون هذه الظاهرة ، فإذا بعد التحقيق والبحث ، والدرس ، والتجريب تبين لكل واحد ماءه ، لكل بحر كثافته ، لكل بحر ملوحته  ولا يمكن أن تختلط مياه البحار مع بعضها بعضا ، حتى في بعض الصور لمكان التقاء البحار كباب المندب ، أو كقناة السويس ، أو كمضيق جبل طارق ، أو كمضيق بنما ، أو بمضيق البوسفور هناك جدار بين البحرين ، تفتح القرآن الكريم :
 
﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ¯بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ ¯فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾
( سورة الرحمن ) .
 
4 – النطفة هي التي تحدد جنس المولود وليس البويضة :
بعد تطور علم الأجنة إلى أعلى مستوى تبين أن الذي يحدد كون المولود ذكراً أو أنثى هي النطفة وليس البويضة ، تفتح القرآن الكريم :
 
﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ¯مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى  ﴾
( سورة النجم ) .
5 – كل شيء في الكون يدور :
بعد اكتشاف علم الذرة أن كل شيء في الكون يدور حتى الخشب ، حتى الصخر أي شيء في الكون مؤلف من ذرات ، والذرة من نواة ، وكهارب ، ومسارات .
 
﴿ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾
( سورة يس ) .
6 – أدنى الأرض : غور فلسطين :
بعد اكتشاف أشعة الليزر تبين أن أعمق نقطة في الأرض هي غور فلسطين  والآية الكريمة :
 
﴿غُلِبَتِ الرُّومُ ¯فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ¯فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ﴾
 
( سورة الروم ) .
في أدنى الأرض باكتشاف أشعة الليزر تبين أن أعمق نقطة في الأرض غور فلسطين ، وتؤكد روايات التاريخ أن المعركة التي تمت بين الفرس والروم كانت في غور فلسطين .
7 – وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ :
تركب طائرة أحدث طائرة 777 ، وأنت على مقعد وثير ، والجو لطيف ، ومكيف ، وشراب متنوع ، وأطعمة فاخرة ، ومجلات ، وصحف ، وقنوات ، تفتح القرآن الكريم فتقرأ قوله تعالى :
 
﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا﴾
( سورة النحل الآية : 8 ) .
كم هي المسافة بين الحمار والطائرة ؟
 
﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً﴾
( سورة النحل الآية : 8 ) .
لأنه كلام خالق الأكوان :
 
﴿ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾
( سورة النحل ) .
الطائرة ، والباخرة ، والقطار ، والسيارة  .
 
 
﴿ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾
 
8 – الحكمة من تذكية الحيوان وعدم قطع رأسه :
النبي عليه الصلاة والسلام يعطي أمراً تشريعياً بعدم جواز قطع رأس الدابة حينما تذبح ، قال : اقطعوا أوداجها فقط ، هذا التوجيه لا يمكن أن يفسر في مكان في العالم ، ما الفرق بين قطع رأسها وقطع أوعيتها الدموية ؟ لا أحد يعلم ، لا في عهد النبي ، ولا بعد مئة عام ، ولا بعد مئتي عام ، ولا بعد 500 عام ، ولا بعد ألف عام ، ولا بعد 1400 عام هناك جهة في الأرض تفسر ما سر هذا التوجيه ، الآن انكشفت الحقيقة ، لأن القلب أخطر عضو في الجسم ، ولأن القلب عليه مدار الحياة ، لا يمكن أن يكون تحت رحمة الشبكة العامة الكهربائية ، لا بد له من مولد ذاتي في مركز كهربائي ذاتي ، وهذا المركز إذا تعطل في مركز ثان ، وإذا تعطل الثاني في مركز ثالث ، احتياطيان ، وأن هذا المركز الكهربائي يعطي أمر بالنبض النظامي 80 نبضة بالدقيقة فقط ، والإنسان بحاجة أحياناً إذا هاجمه عدو أن يسرع ، أو إذا واجه حيواناً مخيفاً ، أو ثعباناً في بستان بحاجة إلى جهد أعلى من 80 نبضة ، لكن العين بإدراك الخطر تنقل صورة الخطر إلى الدماغ ، والدماغ عنده مفهومات الثعبان ، مفهومات الثعبان تنبئ الدماغ أن هذا لدغته قاتلة ، فالدماغ ملك الجهاز العصبي يعطي التماسا لملكة الجهاز الهرموني ، الغدة النخامية ، تعطي أمر لوزير داخليتها ....... فيعطي أمرا إلى القلب ليرفع النبض إلى 180 نبضة ، وأمرا إلى الرئتين ليزداد الوجيب ، فالخائف قلبه ينبض سريعاً ، ورئتاه تخفقان سريعاً ، وأمرا إلى الأوعية المحيطية بتضييق اللمعة فيصفر الخائف ، وأمرا إلى الكبد بإطلاق كمية سكر استثنائية ، فالخائف سكره عالٍ ، وأمرًا إلى هرمون التجلط بإطلاق كمية إضافية فدم الخائف لزج .
هذه الدابة إذا ذبحنها ، وقطعنا رأسها يبقى القلب يعمل 80 نبضة ، الثمانون نبضة تخرج ربع الدم فقط ، أما إذا أبقينا الرأس موصولا بالجسم يعمل الجهاز الاستثنائي ، فالخروف أدرك الخطر ، ارتفع النبض 180 نبضة  حيث يخرج الدم كله من جسم الدابة ، تجد اللحم الذي ذُبح وفق الطريقة الإسلامية أزهر اللون ، شهي المنظر ، طيب الطعم ، أما إذا ذُبح بقطع رأس الدابة يبقى أربعة أخماس الدم في الدابة ، يصبح لون اللحم أزرق ، ومؤذيًا ، واللحم بؤرة جراثيم ، ليس هذا من علم النبي ، ولا من تجربة النبي ، ولا من ثقافة النبي ، ولا من معطيات بيئة النبي :
 
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ¯إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾
( سورة النجم ) .
فالكون أكبر ثابت من ثوابت الإيمان .
 
الثابت الثاني : القرآن :
 
يليه في المصداقية القرآن الكريم ، كلام الله ، الكون خلقه ، والقرآن كلامه ، ولكن هذا القرآن معه شهادة من الله أنه كلامه .
لكل نبيٍّ معجزة :
إخواننا الكرام ، كل نبي معه معجزة ، والمعجزة في حقيقتها شهادة الله للبشر أن هذا الإنسان رسول رب البشر ، علامة ، إلا أن الأنبياء السابقين كانوا لأقوامهم ، فالمعجزة حسية ، سيدنا موسى ألقى عصاه :
 
﴿ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ﴾
( سورة الأعراف ) .
سيدنا عيسى أحيى الميت ، وهذا شيء فوق طاقة البشر ، سيدنا إبراهيم أُلقي في النار فلم تحرقه ، هذه معجزات ، لكن هؤلاء الأنبياء لأقوامهم فقط ، أما النبي عليه الصلاة والسلام هو خاتم الأنبياء والمرسلين ، هو لكل البشر أجمعين ، هو رحمة للعالمين ، هو إلى نهاية الدوران ، هو حتى قيام الساعة ، إذاً كتابه خاتم الكتب ، لا بد من أن تكون شهادة الله للخلق من أن هذا القرآن كلامه مستمرة ، المعجزة الحسية كتألق عود الثقاب يتألق مرة ، ثم ينطفئ فتصبح خبراً تصدقه أو لا تصدقه ، بينما إعجاز القرآن شهادة الله المستمرة .
في القرآن 1300 آية كونية ، سدس القرآن شهادة على خمسة أسداسه أنه كلام الله ، السدس شهادة من الله .
 
﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا﴾
( سورة يس الآية : 38 ) .
الآن ثبت أن الشمس تجري ، يعني حقائق لا تنتهي ، والإعجاز يحتاج إلى سنوات ، والآن المادة الأولى في الدعوة إلى الله الإعجاز العلمي في القرآن والسنة .
 
 
الثابت الثالث : السُّنة :
 
لكن القرآن كلي ، يحتاج إلى من يفسره لنا ، فيأتي النبي الكريم ليبين للناس ما نزل إليهم ، فبيان النبي الكريم هو شرح ، وتوضيح لمجمل القرآن الكريم ، وكأن سنة النبي هي تفسير لكلام الله ، فعندنا كون الثابت الأول في الإيمان ، وكتاب فيه كل شيء ، وإنسان سيشرح هذا الكتاب ، دليل أن الله موجود ، وواحد ، وكامل الكون ، ودليل أن هذا القرآن كلام الله إعجازه ، ودليل أن النبي رسول الله هو القرآن .
لا زلنا في العقل ، لكن بعد هذه المرحلة يأتي دور النقل ، أي شيء عجز العقل عن إدراكه أخبر الله به ، صار عندنا في ديننا معقولات ، ومسموعات ، وعندنا تفكر ، ونقل ، وعندنا عقل ونقل ، وعندنا أبحاث يتولاها العقل ، وعندنا أخبار تتلقفها الأذن .
1 – إخبار الله بوجود الملائكة والجن والنار والجنة :
الآن القسم الآخر من الدين الله أخبرنا أن هناك ملائكة .
                                                      
﴿ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾
 
( سورة التحريم ) .
ما الدليل ؟ ليس عندنا دليل حسي ، بل هناك دليل إخباري ، هو إخبار الله لك .
أنت دخلت إلى بيت ، صاحب البيت كل ذرة في دمك ، وكل خلية في جسمك تؤمن أنه صادق ، وهناك خزانة مغلقة ، سألته : ما في هذه الخزانة ؟ قال لك : كتب قديمة ، الدليل الخبر فقط ، لكن لو فتحت الخزانة ترى بعينك ، وتدرك بعقلك أن هذه كتب قديمة ، أما هو فما فتحها لك ، لكنه أخبرك .
فأخبرنا الله عن وجود الملائكة ، وعن وجود الجن ، وأن هناك حياة بعد الموت   فيها جنة وفيها نار ، فيها نار لا ينفذ عذابها ، وفيها جنة يدوم نعيمها إلى أبد الآبدين .
2 – إخبار الله بالماضي السحيق :
أخبرنا عن الماضي السحيق ، كيف خُلق الإنسان ، آدم وحواء ، وكيف كانا في الجنة ، فالشيطان أخرجهما من الجنة ، وأخبرنا عن الأقوام السابقة عن عاد وثمود   وأصحاب الأيكة ، وقوم موسى وهارون ، ففي ماضي سحيق ، في مستقبل بعيد ، في حديث عن الذات الإلهية .
 
﴿ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾
 
( سورة البقرة الآية : 255 ) .
هذا الدين العظيم فيه معقولات ، ومخبرات ، عقل ، و نقل ، الذي عجز عقلك عن إدراكه أخبرك الله به .
 
 وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَم
 
أيها الإخوة الكرام ، ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَم ﴾  .
لأن الإنسان قبِل حمل الأمانة كان أعلى المخلوقات ، لأنه قبِل حمل الأمانة صار أعلى المخلوقات على الإطلاق ، فالملائكة دونه ، هنا السجود يعني خذوا أمري من آدم ، المعنى الدقيق للسجود أن نأخذ الأمر أمر الله عز وجل من آدم ، السجود هو الخضوع ، أنت حينما يأتيك أحياناً إنسان عادي معه أمر من الملك ، فإذا أطعت هذا الإنسان العادي هي في الحقيقة ليست طاعة له ، ولكنها طاعة للملِك ، فهنا السجود الخضوع يعني أيها الملائكة أنتم أشفقتم من حمل الأمانة ، لكن آدم قبِلها ، وحملها ، فكان أعلى المخلوقات ، وسوف أُنفذ له أمري ، وأنتم عليكم أن تأخذوا أمرني من خلاله :
﴿ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ ﴾ .
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾ .
 
 معصية إبليس بعدم السجود معصية كبرياء وعظمة :
 
قال الله عز وجل :
 
﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾
( سورة الحجر ) .
لكن إبليس رفض أن يسجد ، قال :
 
﴿ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾
( سورة الأعراف الآية : 12 ) .
الآن بدأت معصية الكِبْر ، المعاصي نوعان : معصية كبر ، ومعصية غلبة ، وأفضل ألف مَرة أن تقع في الغلبة من أن تقع في الكبر ، لأن الكبر يتناقض مع العبودية لله ، لذلك الذي يعصي الله غلبة ترجى له التوبة ، وهو قريب من التوبة ، وربما معصية أورثت ذلاً وانكساراً خير من طاعة أورثت عزاً واستكباراً .
 
﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾
أي عصى :
 
﴿ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾
( سورة الكهف الآية : 50 ) .
لم يسجد ، هو طبعاً ليس من الملائكة ، لكن قبل أن يؤمر كان متفوقاً ، حتى ظُن أنه فوق الملائكة ، لكنه أبت نفسه أن يسجد استكباراً ، وعلواً في الأرض :
﴿ إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ ﴾ .
﴿ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ﴾ .
الآن أيها الإخوة ، قال الله عز وجل :
 
﴿ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾
( سورة الأعراف ) .
 
 إبليس أوَّل مَن سن قاعدة : أنَا خَيْرٌ :
 
أنت أمام قضيب مستقيم ، وأمام خطاف يستخدم للحمل ، خطاف منحني هكذا أيهما أفضل ؟ كلام ليس له معنى ، حينما تحتاج إلى قضيب مستقيم القضيب المستقيم أفضل  ، وحينما تحتاج إلى خطاف تحمل به الأشياء فالانحناء أفضل ، فأن تقول : أيهما أفضل الطين أم النار هذا كلام لا معنى له ، كل صفة تؤدي مهمتها ، أيهما أفضل سيارة سياحية أم سيارة    شاحنة ؟ كلام مضحك ، ماذا تريد أن تستخدم هذه السيارة ، لنقل الركاب ؟ السياحية أفضل  ، لنقل البضاعة ؟ الشاحنة أفضل ، فكل صفة لا يمكن أن تكون مفضلة إلا بحسب مهمتها ، لكن أنا أفاضل بين شاحنتين ، أو بين سيارتين لنقل الركاب ، أما أنا أفاضل بين مركبة مهمتها نقل الركاب ، ومركبة مهمتها نقل البضائع فهذا غير مقبول .
قال : ﴿ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ ﴾ .
لا ، الجن لهم مهمات تخطي المسافات ، والحدود ، والسدود ، وسرعة الحركة ، والإنس لهم مهمة ، أعطي كل مخلوق الصفات التي تؤهله لتحقيق هدفه .
طبعاً قال القرآن على لسان إبليس :
 
﴿ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً﴾
( سورة الإسراء ) .
إذاً : جاء التوضيح :
 
﴿ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ﴾
( سورة ص الآية : 74) .
 
 بين المنعِ والامتناع :
 
الله عز وجل يقول :
﴿ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ ﴾ .
ما الذي منعك أن تسجد ؟
والحقيقة هنا نحتاج إلى وقفة متأنية ، عندنا :
﴿ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ ﴾ .
و:
﴿ مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ ﴾ .
هذا يتوضح في الفرق بين المنع و الامتناع .
أحياناً تريد أن تأكل تأتي قوة قاهرة تشهر عليك سلاحاً ، فلا تأكل ، أنت الآن مُنعت أن تأكل ، لكن الأكل أمامك ، وهممت أن تأكل ، فجاء طبيب تثق بعلمه ، وأخبرك أن هذا الطعام يؤذي مرضك ، ويؤخر شفاءك ، الآن لم تمنع من أن تأكل ، ولكنك أُقنعت ألا تأكل ، فامتنعت ، الفرق كبير بين أن تُمنع بالقوة ، وبين أن تمتنع اختياراً .
دقة القرآن الكريم شيء عجيب :
﴿ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ ﴾ .
هل هناك قوة قاهرة منعتك أن تسجد ؟ وهناك آية ثانية توضح هذا المعنى :
﴿ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ ﴾ ، من الذي أقنعك ألا تسجد ؟
الفرق بين : ﴿ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ ﴾ و : ﴿ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ ﴾ هو الفرق بين أن تقهر ، وبين أن تقتنع ، فيبدو أن إبليس اقتنع أن النار خير من الطين ، فقال :
 
﴿ قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ﴾
( سورة الحجر الآية : 33 ) .
﴿ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾ .
 
 هذا ما ترتب عن المعصية :
 
1 – الهبوط من الجنة :
أيها الإخوة ، لما رفض إبليس أن يسجد :
 
﴿ قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ﴾
( سورة الأعراف ) .
2 – معنى الهبوط :
الهبوط له معنيان ، هبوط مكاني ، الطائرة هبطت على المطار الفلاني ، هذا هبوط مكاني ، وإنسان كان مديرًا عاما بمؤسسة ، وباعتبار المؤسسة فخمة جداً مكتبه الفخم في الطابق الأول ، فهبطت مكانته ، ووظفوه رئيس دائرة في الطابق العاشر ، نقول : هبطت مكانته ، لكن كان هو تحت ، فصار فوق ، لا ، مكانته هبطت هنا ، كان مكتبه في الطابق الأول ، لأنه مدير عام ، أصبح رئيس فرع في الطابق العاشر ، هو لم يصعد تحت ولكنه هبط ، هبطت مكانته ، هبطت سلطته ، هبط دخله .
لذلك : ﴿ قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا ﴾ .
كنت مرشحاً أن تكون من أهل الجنة حيث فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، لكنك الآن تكبرت ، وأبيت أن تطيع الله ، وتوهمت أن النار خير من الطين ، فتستحق الآن أن تهبط منها ﴿ فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنْ الصَّاغِرِينَ ﴾ قيسوا على هذه الآية أوضاع البشر ، هذا الذي يأبى أن يطيع الله ، يتكبر أن يصلي ، يتكبر أن يسجد لله ، ترون أنتم في المناسبات الدينية المسئولون كلهم يسجدون ، هذا وسام شرف لهم ، أليس كذلك ؟ للأرض .
قال :
﴿ إِنَّكَ مِنْ الصَّاغِرِينَ ﴾ .
أما الذي يأبى أن يسجد لله فهو صغير عند الله ، تتكبر على من ؟ على خالق السماوات والأرض ، مع أن العلاقة مع الله كلما ازددت تواضعاً له وخضوعاً له أعزك الله ، أنا لا أتصور على وجه الأرض إنسان أعز الله كسيدنا   محمد .
هل من المعقول لإنسان ليس مسلماً يؤلف كتابا ، يدرس تاريخ البشرية ، ويبحث من هؤلاء البشر على عظماء البشر ، عظماء البشر في كل القرون ، وفي كل القارات ، وفي كل الثقافات ، ويختار من بين هؤلاء العظام القادة العباقرة ألف إنسان ، ثم يصطفي من هذه الألف مئة ، ثم يجعل محمد بن عبد الله على رأس هذه المئة .
مرة ذكرت أقوالا لمفكري الغرب في هذا النبي الكريم ، رفعه الله عند المسلمين وعند غير المسلمين .
أيها الإخوة الكرام ، قال تعالى :
﴿ إِنَّكَ مِنْ الصَّاغِرِينَ ﴾ .
لأنك استنكفت أن تسجد تنفيذاً لأمر الله .
 
والحمد لله رب العالمين



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب