سورة الأنعام 006 - الدرس (71): تتمّة تفسير الآيات (154 - 158) مضمون الكتب السماوية واحد

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ..."> سورة الأنعام 006 - الدرس (71): تتمّة تفسير الآيات (154 - 158) مضمون الكتب السماوية واحد

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ...">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج أنت تسأل والمفتي يجيب 2: انت تسأل - 287- الشيخ ابراهيم عوض الله - 28 - 03 - 2024           برنامج مع الغروب 2024: مع الغروب - 19 - رمضان - 1445هـ           برنامج اخترنا لكم من أرشيف الإذاعة: اخترنا لكم-غزة-فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله-د. زيد إبراهيم الكيلاني           برنامج خطبة الجمعة: خطبة الجمعة - منزلة الشهداء - السيد عبد البارئ           برنامج رمضان عبادة ورباط: رمضان عبادة ورباط - 19 - مقام اليقين - د. عبدالكريم علوة           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 371 - سورة النساء 135 - 140         

الشيخ/

New Page 1

     سورة الأنعام

New Page 1

تفسير القرآن الكريم ـ سورة الأنعام - تفسير الآيات: (154 - 158) - مضمون الكتب السماوية واحد

21/03/2011 08:38:00

سورةالأنعام (006)
الدرس (71)
تفسير الآيات : (154 ـ 158)
مضمون الكتب السماوية واحد
 
لفضيلة الدكتور
محمد راتب النابلسي
 

 
 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات   القربات .
أيها الإخوة الكرام ، مع الدرس الواحد والسبعين من دروس سورة الأنعام ، ومع الآية الرابعة والخمسين بعد المئة ، وهي قوله تعالى :
 
﴿ ثُمَّ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ ﴾
 
خصائص ( ثمّ ) في اللغة العربية :
 
إخواننا الكرام ؛ ثم من أدوات العطف ، وثم تنفرد أنها للترتيب ، قد نقول : دَرسَ ثم نجح ، فالدراسة قبل النجاح ، لكن هنا ترتيب آخر ، لأن التوراة نزلت قبل القرآن ، وفي التوراة الوصايا العشر ، وهي منطبقة تماماً على هذه الوصايا العشر التي في سورة الأنعام ، فما معنى ثم هنا ؟ قال العلماء : إما أن تُستخدم لترتيب الأفعال ، أو أن تُستخدم في ترتيب الأخبار .
فقد يقول عالم أمضى في التعليم ثمانين عاماً يشاهد طالباً له يقول : يا بني ، أنت طالبي ، ثم كان أبوك تلميذي ، ثم كان جدك تلميذي ، فثم هنا لا تعني الترتيب الزمني ، بل تعني ترتيب الأخبار .
 
ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ
 
لذلك : ﴿ ثُمَّ آتَيْنَا ﴾ قبل ما في القرآن الكريم من وصايا ، ﴿ ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى   الْكِتَابَ ﴾ ، الشواهد على هذا الترتيب الإخباري شواهد كثيرة .
 
﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ ﴾
( سورة الأعراف الآية : 11 ) .
حينما أمر الله الملائكة السجود لأدم قبل أن يخلق كل الخلق ، هذا ترتيب إخباري ، فأنت قد تُرتب الأخبار بالأحدث فالأقدمِ فالأقدم ، وبأيّة طريقة تعتمدها ، يقال : هذا ترتيب إخباري ، ولا يعني أنه ترتيب زمني ، إذاً : ﴿ ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ ﴾ .
 
معنى كلمة كتاب :
 
إخوانا الكرام ، كلمة : ﴿ الْكِتَابَ ﴾ إذا أُطلقت تعني القرآن الكريم ، لأنه كتاب خاتم ، كتاب يستوعب الكتب السابقة ، كتاب يهيمن على الكتب السابقة ، كتاب فيه مضامين الكتب السابقة ، فحيثما قلنا في القرآن الكريم : الكتاب ، أي القرآن الكريم ، أما إذا قلنا : ﴿ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ ﴾ أي التوارة ، إذا قلنا : آتينا المسيح الكتاب أي الإنجيل ، إذا أضيف الكتاب إلى نبي فهو الكتاب الذي نزل على هذا النبي ، ﴿ ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ ﴾ ، وثم كما تعلمون أنها لترتيب الأخبار .
قد يقول إنسان لابنه : اعتنيت بك يا بني في التعليم العالي ، أدخلتك أهم الفروع في الجامعة ، ودفعت لك أقساطاً كثيرة ، ثم اعتنيت بك في التعليم الثانوي ، ثم اعتنيت بك في التعليم الإعدادي ، ثم في التعليم الابتدائي ، فهذه ثم تعني ترتيب الأخبار لا ترتيب الأفعال ، بالأفعال الابتدائي ، ثم الإعدادي ، ثم الثانوي ، ثم الجامعي ، أما بالأخبار فالعكس .
أيها الإخوة ، ﴿ ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ ﴾ .
 
تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ
 
إذا قلنا : كتاب من عند الخالق ، أيّ هو تام وكامل ، الكامل هو الذي لا نقص فيه ، والتام هو الكتاب الذي لا يستدرك عليه ، أو الكامل صفة نوع ، والتام صفة عدد ، أيّ أن عدد القضايا التي عالجها الكتاب تام عدداً ، وأنّ طريقة المعالجة كاملة نوعاً .
﴿ ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا ﴾ ، لكن : ﴿ عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ ﴾ ، وهذه حقيقة دقيقة جداً ، المنحرف ، والفاسق ، والفاجر يقرأ القرآن وهو عمى عليه .
 
﴿ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً ﴾
( سورة الإسراء) .
 
﴿ وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ ¯فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ ﴾
( سورة الشعراء ) .
لو كان القرآن باللغة الفارسية ، وقرأه النبي على قريش باللغة الفارسية ، لا يفهمون منه ولا حرفاً ، قال :
 
﴿ كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ﴾
( سورة الشعراء ) .
إذاً : فهم كلام الله يحتاج إلى أن تكون مستقيماً ، ومنيباً ، ومستنيراً ، لذلك قال الصحابة الكرام : << أوتينا الإيمان قبل القرآن >> .
لذلك هذا الكتاب الذي أنزل على سيدنا موسى هو كتاب تام ، وكامل ، لكن لا على كل الناس ، ﴿ عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ ﴾ ، فإذا أنكرت قلبك ، وأنت تقرأ القرآن فاعلم أن في السلوك خللاً ، أو أن في العقيدة شبهات ، أو أن في الإقبال ضعفاً ، لذلك بقدر إقبالك ، وبقدر إيمانك ، وبقدر استقامتك ، يكون فهمك لكلام الله ، الله عز وجل عزيز ، وكلامه عزيز ، ليس سهلاً أن تناله ، يحتاج إلى فهم ، يحتاج إلى صفاء ، يحتاج إلى إخلاص ، لذلك قد تكون قراءة القرآن مسعدة إلى درجة تفوق حد الخيال .
(( ليس منا من لم يتغنَ بالقرآن )) .
[ ورد في الأثر ] . 
 
سعادة المؤمن بتلاوة القرآن وفهمه :
 
وأنا أؤكد لكم أن سعاد المؤمن بتلاوة القرآن ، أو بسماع القرآن يفوق متعة أشد الناس تعلقاً بأغنية ، أو بنشيد ، لأن القرآن الكريم كلام الله ، وتلاوته وفهمه ، والعمل به وتدبره من أسباب سعادة الإنسان .
﴿ ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ ﴾ ، وأنت كن قريباً من الله ، اعمل عملاً بطولياً ، واجلس واقرأ القرآن ، تشعر أن له حلاوة ، وأنك منطلق بتلاوته ، وقد تدمع عيناك ، وقد تشعر لوجل في قلبك ، وقد يقشعر جلدك ، وقد تعيش سعادة لا توصف ، ويأتي إنسان آخر ، ويقرأ الصفحات نفسها فلا يشعر بشيء .
إذاً : ﴿ ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا ﴾ .
 
معنى : وَتَفْصِيلًا
 
لو دخلنا في دقائق هذه الكلمة : هناك ألبسة جاهزة وألبسة تفصيل .
إذاً : ﴿ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا ﴾ ، التوراة يتناسب مع تطور الحياة وقت نزوله ، مع المشكلات التي يعانيها الإنسان ، كأنه تفصيل لمن أُنزل الكتاب إليهم ، لكن نحن في حياتنا قد تشتري ثوبا لابنك الصغير تفصيلا ، فإذا تقدم في السن يحتاج ثوبا آخر ، لأن الأجسام تنمو ، لكن القرآن الكريم لأنه الكتاب الخاتم ، ولأنه الكتاب المهيمن ، ولأنه لا كتاب بعده ففيه كل القضايا التي استجدت في هذا العصر ، هذا العصر عصر متميز ، حيث وصلت البشرية إلى قمة تقدمها ، وإلى تعقيدات لم تكن من قبل ، وإلى شبهات ، وإلى ضلالات ، وإلى طرحات ، فهذه التعقيدات ، وهذه المنجزات ، وهذه الفتن اليقظة ، الكتاب الخاتم ينبغي أن يغطي كل هذه المشكلات ، وأن يضع لها الحلول ، والدليل :
 
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ ﴾
 ( سورة النساء الآية : 59 ) .
تنازعتم مع علماءكم ، أو مع أمرائكم ، لأن أولي الأمر هم العلماء والأمراء ، العلماء يعلمون الأمر ، والأمراء ينفذون الأمر ، هم متكاملون ، ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ ﴾ مع علمائكم ، أو مع أمراءكم :
 
﴿ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ ﴾
( سورة النساء الآية : 59 ) .
ردوه إلى القرآن الكريم ، معنى ذلك أن في القرآن الكريم حلاً لأية مشكلة  ، ومستحيل وألف ألف ألفِ مستحيل أن تنشأ مشكلة في هذا العصر ، وليس في منهج الله حل لها ، لأن الله عز وجل أحالنا عند المنازعة مع أمرائنا ومع علمائنا ، إلى كتابه ، وإلى سنة رسوله ، فلا بد من أن نجد في الكتاب والسنة حلاً لهذه المشكلة ، هو كلام معجز .
(( إن فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على سائر خلقه )) .
[ رواه ابن الضريس ، عن شهر بن حوشب ] .
إذاً : ﴿ ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا ﴾ ، أي كاملا من حيث المضمون ، كاملا من حيث الشكل ، كاملا من حيث طريقة المعالجة ، كاملا من حيث عدد القضايا التي    عالجها .
﴿ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ ﴾ ، هل هناك عبارة أوضح من هذه العبارة ؟ ﴿ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ ﴾ ، هذا التوراة ، فكيف بالقرآن الكريم ؟ الكتاب الخاتم ، والكتاب المهيمن ، والكتاب الذي يغطي المرحلة الأخيرة من حياة البشرية ، وهي أعقد مرحلة ، وأصعب مرحلة لكثرة الشبهات ، وكثرة الطرحات ، وكثرة الضلالات ، وكثرة الفتن ، وكثرة ما يستجد .
﴿ ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ ﴾ .
 
وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ
 
إخواننا الكرام ، الذي عاش مع سيدنا موسى ، وقرأ التوراة كما أنزلها الله عز وجل ، أو عاش بعد سيدنا موسى ، وعمل بالتوارة التي أنزلها الله على رسوله ، ومات فهو في الجنة ، أما الذي عاش في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد أشار الإنجيل في آيات كثيرة إلى ظهور النبي عليه الصلاة والسلام :
 
﴿ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ﴾
( سورة الصف ) .
فإذا عاش الذي آمن بالإنجيل إلى زمن النبي محمد عليه الصلاة والسلام ، وقد أمر الله أتباع الأنبياء السابقين الذين أدركوا نبوة سيد المرسلين أن يؤمنوا به ، فلذلك الذين يعيشون مع الأنبياء ، ويؤمنون بالكتب التي أنزلت كما أنزلت ، ويموتون فمصيرهم إلى الجنة .
هناك قضية في بعض القرى في مصر ، أسرة فقيرة جداً ، تريد أن تشعل التنور ، فلم تجد إلا كتباً قديمة ، مر أحد الرهبان بهذا التنور ، فإذا بالكتب كتب مقدسة ، فأنقذ بعضها ، بعض الكتب المقدسة فيها تفاصيل طويلة جداً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكيف أن قومه ائتمروا على قتله ، أو إخراجه ، وفيها تفاصيل أيضاً تؤكد ما في القرآن الكريم عن سيدنا المسيح عليه الصلاة والسلام ، هذا الكتاب ترجم إلى اللغة اللاتينية ، ولما اطلع عليه بعض رجال الدين أوقفوا التبشير في العالم الإسلامي ، هذه وثائق دقيقة جداً ، والآن الكتاب في طور ترجمته إلى اللغة العربية .
 
التوراة والإنجيل والقرآن من مشكاة واحدة :
 
التوراة والإنجيل والقرآن من مصدر واحد ، من مشكاة واحدة ، هذا الكتاب إن شاء الله بعد حين يكون بين أيدي الناس في الأسواق ، تفاصيل في الإنجيل عن رسول الله تفاصيل دقيقة جداً ، لا بد من أن تكون من عند الله ، لأن هذه التفاصيل وردت في الإنجيل قبل أن يأتي النبي عليه الصلاة والسلام ، وأن رواية القرآن للسيد المسيح أتت في هذا الكتاب أيضاً مطابقة تماماً لما في القرآن الكريم .
إذاً : الذي يؤمن بنبي سابق ، وبكتاب أنزل عليه ، ويموت يموت فهو في الجنة ، لأنه دين الله ، ونبي الله ، وكتاب الله ، أما الذي يدرك النبي عليه الصلاة والسلام فينبغي أن يؤمن به ، بتوجيه من الله عز وجل ، والدليل أن الله ذكر في آخر كتاب أتى قبل كتاب القرآن الكريم إشارات طويلة إلى نبوة النبي عليه الصلاة والسلام .
 
القيم ثابتة :
 
أيها الإخوة ، لكن نحن لأن الأجسام تنمو فنحتاج إلى ألبسة من حين لآخر بقياسات مختلفة ، هذا في شأن المادة ، أما في شأن القيم فالقيم ثابتة ، يعني الصغير ينبغي أن يصدق  والكبير ، القوي ، والضعيف ، والفقير ، والغني ، لذلك القيم ثابتة في كل الأديان السماوية ، وفي كل الكتب المقدسة ، القيم ثابتة ، ولو تعمقتم أيها الإخوة في الكتب السماوية السابقة كما نزلت لوجدتم أن الخمر محرم فيها ، وأن لحم الخنزير محرم ، فلا يعقل أن يحرم شيء على أمة ، ويباح لأمة ، فنحن فينا أخطاء ، وتغيرات ، وتبديلات ، أما الحقيقة الدقيقة أن القيم ثابتة في الكتب الثلاثة ، والذين يتعمقون كثيراً في الكتب السماوية السابقة يجدون تطابقا عجيبا جداً بين ما في الإنجيل والتوراة ، وبين ما في القرآن الكريم .
مرة كنت في أستراليا ، وسُئلت عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنا في كنيسة ، قلت : هي موجودة في الإنجيل ، يقول السيد المسيح : أنا الطريق ، والحق والحياة ، فكل غصن لا يثبت فيّ يقطع ، ويلقى في النار .
في أحد مؤتمرات الخطاب الديني دُعيت لإلقاء كلمة لأمثل الدين الإسلامي ، حدثتهم عن موضوعات كثيرة ، فجاء هذا السؤال ، قلت : هذه في الإنجيل ، أنا الطريق والحق والحياة ، فكل غصن لا يثبت فيّ يقطع ويلقى في النار .
أريد من هذا الكلام المختصر أنك إذا تعمقت في فهم الكتب السماوية كما نزلت لوجدت التطابق العجيب ، لأنها كلها تأتي من مشكاة واحدة ، من عند الله عز وجل .
أيها الإخوة ، ثم يقول عز وجل : ﴿ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ ﴾ ، التوراة كما قال الله  عنه : ﴿ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً   لَعَلَّهُم ﴾ ، الهدى الهدف الواضح ، منارة المنارة هي الهدى .
كنت أذكر أن إنسانا صمم الجسر الأول في اسطنبول الذي يربط آسيا بأوربا  ، وفي أثناء افتتاح هذا الجسر ، وفي أثناء قص الشريط الحريري المفاجأة أن الذي صمم هذا الجسر ألقى بنفسه في البوسفور ، ومات ، ذهبوا إلى فندقه في اسطنبول فإذا ورقة كتبها بخط يديه ، قال : أنا ذقت كل شيء في الحياة ، هو خامس مهندس في العالم ، وسيم الصورة ، غني ، فلم أجد لها طعماً ، فأردت أن أذوق طعم الموت .
 
الحياة من دون هدف حياة تافهة :
 
أيها الإخوة ، والله الذي لا إله إلا هو حياة الإنسان من دون هدف والله تافهة  وفيها ملل ، ولو عاشرت أناساً بلغوا قمم النجاح في جمع الأموال ، وفي سكنى البيوت الفخمة وركوب المركبات الفارهة ، واختيار الزوجات الجميلات ، والله لوجدت عنده من الملل والإحباط ، كل شيء يُمل ما سوى الله ، يُمل ، شاءت حكمة الله أن تكون الدنيا ذات أثر محدود متناقص ، لكنك إذا عرفت الله سعدتَ .
بشكل مختصر : أنت مصمم لأن تسعى لهدف كبير ، نفسك لا نهائية ، لا يملؤها إلا معرفة الله ، لا يملؤها إلا العمل للآخرة ، فإذا اكتفيت بهدف أرضي ، وحصلته بدأت المتاعب ، بدأ الملل ، بدأ السأم ، بدأ الضجر ، بدأ الانحراف ز
لي تفسير خاص : أن الانحراف في العالم الغربي الشذوذ ، لا لأن هذه العلاقة أكثر متعة من المرأة ، لا ، لأنهم ملوا الشيء الطبيعي ، قضية ملل ، وسأم ، وضجر ، فانتقلوا إلى الشذوذ .
فلذلك أنت من دون هدف حياتك تافهة ، وحياتك مملة ، وسعادة إن صح التعبير متناقصة ، تجد إنسانا في خريف عمره محققا نجاحات كبيرة ، شعر بتفاهة الحياة ، أنا لا أنسى أن الذي حصل أكبر ثروة في العالم " بيل غيت " صاحب ميكرو سوفت ، قبل أيام تبرع  بـ 90 % من ثروته من أعمال الخير في إفريقيا ، واعتزل العمل التجاري ليدير أعمال الخير ، لأنه إنسان ، والإنسان الذي ليس عمل صالح تافه ، المال لا ينتهي .
إخواننا الكرام ، الدنيا لها سقف ، ومهما كنت غنياً ، فكم تأكل من الطعام ؟ كم ترتدي من الثياب ؟ ترتدي ثياباً واحدا في وقت واحد ، وتنام على سرير واحد ، وتأكل بقدر حاجتك .
مرة سألت إنسانا يعمل في قصر ، قلت له : ماذا يأكل مَن في هذا القصر ؟ قال  لي : الفول ، وهو طعام كما نأكله نحن ، الدنيا لها سقف ، أما الآخرة فليس سقف ، أنت لمجرد أن تختار هدفاً أرضياً ، وتصل إليه يبدأ الشقاء ، والملل ، والسأم ، والضجر ، لكن لمجرد أن تختار الله عز وجل يكون لك هدف ، الإله لا نهائي ، لذلك تجد إنسانا مؤمنًا في 95 من عمره شابًا ، وأنا أعني ما أقول ، شاب لا يشعر بالملل ، أهدافه كبيرة جداً .
كان يمر بعض العلماء على المقاهي حيث يلعب الناس فيها النرد ، ويقول : يا سبحان الله ! لو أن الوقت يُشترى من هؤلاء لاشتريناه منهم ، تجد المؤمن عنده طموحات ، عنده مشاريع ، ما في وقته دقيقة إلا وهي مشغولة بعمل صالح .
إخواننا الكرام ، إنسان بلاد هدف تافه ، والله لقد سافرت مرة إلى أمريكا ، إلى فلوريدا ، هذه باعتبار خط الاستواء منتجع المتقدمين في السن ، تقريباً المتقدمون في السن ي بأمريكا يقيمون في هذه الولاية ، وهي دافئة ، وجميلة جداً ، والله ترى إنسانا أتفه من التافه ، ما له همّ أبداً ، ما عنده أي هدف في الحياة ، إلا أنه يأكل ، ويستريح ، ويستلقي ، ترى المؤمن بطلا ، عنده أعمال ، عنده طموحات ، عنده مهمات ، يسعى لنشر الحق ، يسعى لتوضيح الحقائق ، يسعى لخدمة الفقراء والمساكين .
إخواننا الكرام ، الأناس الذين يعملون في الخير أقسم بالله هم أسعد الناس ، وقد يأخذ هذا العمل من وقتهم قسطًا لا حدود له ، معظم وقتهم بالعمل ، وفي الجهد ، وهم أسعد الناس ، لذلك أنا أتمنى أن يكون للواحد من الإخوة المستمعين هدف واضح .
الآية الكريمة : ﴿ ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى ﴾ ، منارة كبيرة ، ﴿ وَرَحْمَةً ﴾ سعادة .
 
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي ﴾
هدفي واضح وضوح الشمس :
 
﴿ وَآَتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ ﴾
( سورة هود الآية : 28 ) .
شعورك أنك أنت مستقيم ، أنت إنسان حر ، أنت لا تباع ولا تشترى ، لا تُجير إنسانا ، لا تحسب على إنسان ، أنت لله ، نظيف في علاقاتك ، نظيف في حسابات ، نظيف في كسب مالك ، نظيف في إنفاق مالك ، في بيتك ، ما في عندك شيء تستحي به ، ولا شيء سر وشيء علن ، هذا إنسان في سعادة لو وزعت على أهل بلد لكفتهم ، بسبب أنه طبق تعليمات الصانع .
إذاً : ﴿ قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ ﴾ .
 
﴿  فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ﴾
( سورة هود ) .
أحياناً يكون للشاب دراسات عالية جداً ، له استيعاب للقرآن ، للسنة ، له استقامته ، له أوراده صباحاً ، له غض بصره ، تجده إذا جلس بين شباب تافهين يحتقرهم ، ليس كبراً ، لا والله ، لكن كلامهم سخيف ، ومزاحهم رخيص ، وتعليقاتهم مخجلة ، واهتماماتهم قذرة  ، وعلاقاتهم شائنة ، فيترفع ، ليس كبراً ، لكن سمواً ، فإذا اقتربت من الله سمت نفسك ، وتركت سفاسف الأمور ، وتعلقت بمعالي الأمور .
هل من المعقول أن يطلق الرصاص بين زمرتين في دمشق تعصباً لفريق إيطالي أو فرنسي ؟! وتأتي الشرطة ؟! أنت كمسلم بكيانك ، بعقيدتك ، بإيمانك  بأهدافك ، تنحاز لفريق ؟! والله سخافات هذا العصر ـ شهد الله ـ لا تحتمل .
إذاً : ﴿ قَالَ يَا قَوْمِ ﴾ ، دققوا في الآية : ﴿ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ﴾ .
إذاً : ﴿ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ ﴾ ، توقن أن المصير لله ، وأن النهاية عند الله .
 
﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ¯ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ﴾
( سورة الغاشية ) .
ماذا أعددت لله عز وجل ؟ أرأيتم إلى الذين يقصفون ؟ ويهدمون ، ويذلون  ويقتلون ، والله يوم تكشف الحقائق هم أغبى أهل الأرض ، يوم تكشف الحقائق ، هم الأغبياء لأنهم ما أدخلوا الله في حساباتهم ، هم في عمى .
 
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ¯قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً ¯قَالَ كَذَلِكَ ﴾
( سورة طه ) .
كنت أعمى في الدنيا .
 
﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾
( سورة الأنعام ) .
 
وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ
 
القرآن الكريم : ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ ﴾ ، يعني أن هذا القرآن عظيم الخير .
 
﴿ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾
( سورة البقرة ) .
 
﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾
( سورة الإسراء الآية : 9 ) .
 
﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾
( سورة طه ) .
 
﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
 
( سورة البقرة ) .
هذا كلام خالق الأرض والسماوات ، والله الذي لا إله لا هو ما من مأساة على وجه الأرض إلا بسبب مخالفة منهج الله ، أية مأساة ، كبيرة ، أو صغيرة ، مادية ، أو معنوية أو معنوية ، فردية ، أو جماعية ، دولية ، حروب ، اجتياحات ، كل هذا الذي ترونه لبشر ابتعدوا عن الله ، نشأت بينهم العدواة والبغضاء .
 
معنى البركة :
 
﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ ﴾ مبارك يعني عظيم الخير ، يا ترى بصحتنا ، لو اتبعت توجيهات القرآن في الصحة لعشت صحيحاً ، لو اتبعت توجيهات القرآن في علاقتك بزوجتك لكنت أسعد زوج ، لو اتبعت توجيهات القرآن في تربية أولادك لكنت أعظم أب ، لو اتبعت توجيهات القرآن في تجارتك لكنت أعظم تاجر ، ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ .
﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ ﴾ فيه خبر من قبلنا ، فيه تطمين لنا ، فيه بشارة لنا ، ألا تكفي هذه الآية ؟
 
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾
( سورة الجاثية ) .
 
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾
( سورة النحل الآية : 97 ) .
بشارة :
 
﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾
( سورة التوبة الآية : 51 ) .
 
﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ ﴾
( سورة الزخرف الآية : 84 ) .
والله الذي لا إله إلا هو لولا القرآن الكريم لكانت الحياة لا تُعاش الآن ، متابعة الأخبار وحدها تسبب أزمة قلبية ، لا تحتمل ، عدو قوي جداً ، وحاقد جداً ، ويتمنى فناء هذه الأمة ، ويتفنن بإذلالها ، لولا التوحيد ، التوحيد شيء عظيم جداً يبعدك عن الحقد ، وعن الألم ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، والعقل لا يقبل ، ولا يصدق أن الله لا يعلم ما يجري ، مستحيل ، ليس إلهاً إذاً ، إله ، ما دام يعلم :
 
﴿ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا ﴾
( سورة الأنعام الآية : 59 ) .
إذا سقط صاروخ أبلغ ، الورقة إن سقطت يعلمها ، والصاروخ ؟ والألف صاروخ ؟ إذاً الله يعلم ، والذي يتوهم أن الله لا يقدر زلزال تسونامي بقوة مليون قنبلة ذرية  بساعات 300 ألف قتيل 500 ألف مشرد ، دول بأكملها ، جزر اختفت ، في جزيرة أزيحت 30 كم .
 
﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ﴾
( سورة البروج ) .
 
الله يعلم ما يجري ويعنيه ذلك :
 
شيء آخر ، الله عز وجل إذا توهمت أنه لا يعنيه ما يجري ، لا ، هذا كفر ﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ ﴾ .
 
﴿ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا ﴾
دققوا :
 
﴿ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ﴾
 
( سورة يونس الآية : 24 ) .
إذاً الله يعلم ، ما يجري ، وقادر على كل شيء ، ويعنيه ما يجري ، ولكن الذي يجري وفق خطة الله ، لحكمة بالغةٍ بالغةٍ بالغة ، عرفها من عرفها وجهلها من جهلها .
﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ ﴾ ، أحيانا يقال لك : بركة ، قد يكون المعاش خمسة آلاف ليرة ، تعيش أسرة به أجمل معيشة ، وهذا كلام معقول ‍ ، لأن العلماء قالوا : هناك رزق إيجابي ، ورزق سلبي ، ما هو الرزق السلبي ؟ ألْف نفقة مرهقة وكبيرة ، وكان من الممكن ألا تكون ، نفقات الأطباء ، والمستشفايات ، والمصادرات ، والغرامات ، ألف نفقة إذا أعفاك الله منها ، وسلمك منها دخلك عشر أضعاف صار ، المشكلة أحياناً الدخل ينفق كله بأشياء متعبة ، ارتفاع حرارة مفاجئ يقول لك : تصوير ، إيكو ، مرنان ، دفعت خمسة آلاف ، لو ما حصل هذا الشيء إطلاقاً فكأنه جاءك خمسة آلاف ، ووفرتها ، كلمة ( مبارك ) إذا استقام الإنسان قد يكفيه دخله المحدود ، وإذا ما استقام فالملايين لا تكفي ، معنى مبارك : الشيء القليل ينتج عنه خير كثير .
600 صفحة ، تربية ، وتاريخ ، وإعجاز علمي ، ومشاهد من يوم القيامة   وتطمين ، وأحكام شرعية ، هذا الكتاب ، ولا تمل من قراءته ، والله أي شيء آخر غير القرآن تملّ منه ، تسمع الشريط مرة مرتين ثلاثا تخرج من جلدك منه ، القرآن تسمعه 35 سنة ، 40 سنة الآيات نفسها ، كلما سمعته انبثقت المعاني أمامك ، وكأنك تسمعه أول مرة .
يقول بعضهم : صليت في الحرم في رمضان ، أو في العمرة ، وسمعت آيات كأنني أسمعها أول مرة في حياتي ، وأنا أذوب تعظيماً لهذا القرآن .
 
فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
 
﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ ، يعني اتبعوا أحكامه ، واتقوا أن تعصوا الله .
﴿ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ ، ورحمة الله أكبر عطاء إلهي ، هي صحة ، وهي سمعة ، وهي راحة ، وهي سكينة ، وهي توفيق ، وهي نصر ، وتأييد ، أرأيتم إلى هذه الأمة الإسلامية والله لو أنها طبقت هذا الكتاب لا تستطيع جهة بالأرض أن تنال منها :
(( لن ـ لتأبيد النفي ـ لن تغلب أمتي من اثني عشر ألف من قلة )) .
[ ورد في الأثر ] .
مليار و500 مليون ، ليست كلمتهم هي العليا ، وليس أمرهم بيدهم ، وهم متفرجون ، ألا ترون إلى أنهم متفرجون ؟ لا يستطيعون أن يفعلون شيئاً ، هذا من ضعف الإيمان ، من البعد عن الله ، من الحرص على الدنيا ، من الخوف ، من القلق .
﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ ، مستحيل وألف ألف ألفِ مستحيل أن تكون ملتزماً تماماً ، مطبقاً لهذا الكتاب ، مصطلحاً مع الله ، مقبلاً عليه  وقافاً عن حدوده ، وأن يستطيع كافر أن منك .
 
﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ﴾
( سورة النساء ) .
فإذا كان لهم علينا ألف سبيل وسبيل ، يكون إسلامنا فلكلوريا فقط ، وإطارا   وأقواسا إسلامية ، والله شيء جميل ، زخرفة إسلامية ، منظر إسلامي ، حفل إسلامي   مشاعر إسلامية ، خلفية إسلامية ، أرضية إسلامية ، لكن ليس هناك إسلام ، هناك مظاهر فقط ، لذلك الله كلما نظهر بخلاف ما عندنا يتخلى عنا الله عز وجل .
﴿ وَهَذَا كِتَابٌ ﴾ ، ما معنى كتاب ؟ شيء لنفاسته يكتب ، يمكن أن تجلس بجلسة يكون الكلام فيها فارغا ، ولا معنى له ، وسخيف ، وباللغة العامية ، هل تكتب شيئًا في دفتر ؟ مستحيل ، أما حكمة ، فتكتبها ، لأنها تلخص تجارب كثيرة ، تكتبها كلها .
﴿ وَهَذَا كِتَابٌ ﴾ ، كلام لنفاسته يُكتب ، وكلام لنفاسته يُحفظ ، الله عز وجل سمّى هذا الكتاب قرآناً وكتاباً ، يكتب في السطور ، ويحفظ في الصدور .
أيها الإخوة الكرام ، القرآن جاء على معاد على طموح البشريات ، وحضاراتها  وارتقائها بالعقول ، لذلك لا بد من أن يواجه القرآن كل هذه التحديات .
أحياناً يصنعون لنا كتابا مقدسا ، صُنع هذا الكتاب ، هو في 12 جزءاً ، صدر حتى الآن جزءان ، موجود بالانترنيت ، و وزّع بالكويت ، من آيات هذا الكتاب الفرقان : أن يا محمد ، أأنت أضللت عبادي ؟ يقول محمد : يا رب لقد ضللت فأضللتهم .
مثلاً : يأتون بأناس يصطنعون آيات ، وكأنها قرآن : والطاحنون والطاحنات ، والعاجنون والعاجنات ، ومودع في أعماق أعماقِ أعماقك أن هذا كلام الله ، وما سواه لا يستحق إلاّ الضحك والسخرية ، على من نزل هذا القرآن ؟ على إنسان أمّي ، وعاءه فارغ ونظيف ، إلا من الوحي ، والأمية في حق النبي وحده وسام شرف ، لأن الله أفرغ جعبته من كل ثقافة أرضية ، وجعل كل ما في جعبته وحياً يوحى إليه .
 
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ¯إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
( سورة النجم ) .
لكن نحن أميتنا وصمة عار ، نحن ما عندنا وحي ، نحن يجب أن نتعلم ، نحن إنما العلم بالتعلم ، أما النبي :
 
﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ﴾
( سورة النجم ) .
الله عز وجل تولى تعليم النبي ، إذاً أميته وسام شرف له ، لكن نحن إن لم نتعلم من أناس مثلنا لا نتعلم .
 
مِن موجبات الرحمة : اتباع القرآن :
 
﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ .
هذه ( لعل ) للرجاء ، أنت عليك أن تبلغ ، على الإنسان أن يسعى ، وليس عليه إدراك النجاح ، الإدراك ليس عليه ، أنا عليّ أن أسعى ، أنا أُبلغ ، أُوضح ، أُبين ، والإنسان حر أن يستجيب أو لا يستجيب .
﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ .
قال :
 
﴿ أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ ﴾
( سورة الأنعام ) .
 
أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ
 
أيّ لئلا تقولوا يوم القيامة : ﴿ إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا ﴾ ، يا رب ، أنت أنزلت على اليهود التوارة ، وعلى النصارى الإنجيل ؟ وهؤلاء بلغات لا نعرفها ، هم ضيعوها أيضاً ، ﴿ أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ ﴾ ، وما أتيح لنا أن نقرأ التوارة والإنجيل .
 
﴿ أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آَيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ ﴾
( سورة الأنعام ) .
أحيانا يقول الإنسان لأبيه : لو وضعتني بالمدرسة الفلانية لنجحت ، لكن أنت استرخصت ، مثلاً ، لو دفعت ثمن دروس خاصة لكنت الأول ، في العام الثاني جلب له عشرة مدرسين خاصين ، لكنه رسب ، فهو كذاب .
 
أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ
 
﴿ أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ كلام واضح كالشمس .
﴿ وَهُدًى ﴾ هدف مُنوّر .
﴿ وَرَحْمَةٌ ﴾ سعادة .
﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ ﴾ .
 
معنى : صَدَفَ :
 
صدف ؛ من الأفعال الدقيقة ، هذا الفعل وحده يكون لازمًا ، ومتعديًا ، صدف عن الحق ، انصرف عنه ، أما صدف أخاف عن الحق ، يعني أضله فصدف ، الفعل الثلاثي يأتي لازمًا ، ويأتي متعديًا ، صدف يعني صرف .
قد يكون لك أخ مثلاً التزم بجامع ، واستقام ، وغض بصره ، وأدى الصلوات ، وصلى قيام الليل ، ما لك همّ إلا أن تصرفه عن هذا المسجد ، فتفلت بعدها ، انبسطت الآن ؟ كان ملتزما ، كان يصلي ، كان يقرأ القرآن حتى زهده بهذا الجامع ، وبهذا الشيخ ، وماذا تريد من الدين ؟ ويأتيك وجع رأس منه كثير ، ويأخذون اسمك وأنت داخل ، مثلاً ، فترك ، وتفلت في الملاهي ، يأتي الساعة الثانية بالليل ، ويضرب أباه أحياناً ، هذا أعجبك ؟ كان ملتزما ، كان منضبطا .
إذاً: ﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا ﴾ ، إما صرف نفسه عن الحق ، أو صرف غيره .
 
جزاء من صد عن سبيل الله :
 
﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا ﴾ ، يعني لا تجد إنساناً أشد ظلماً لنفسه ﴿ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ ﴾ ، نفسه ﴿ عَنْهَا ﴾ ، انصرف إلى جهة ثانية ، أو انصرف ، وصرف غيره إلى جهة ثانية .
﴿ سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ ﴾ .
أمام الإنسان متاعب وعذابات ، وآلام ، إحباط ، وخيبة أمل ، لا يعلمها إلا الله .
في عهد النبي كان لرجل جارٌ وصّاه بزوجته ، فخانه بها ، فلما بلغ النبي الخبر قال : خان صاحبه ، والكلب قتله ، الكلب قتله ، والكلب خير منه .
أحيانا يعمل الإنسان عملا فيسقط من عين الله ، ومن عين الناس ، يلعنه الله ، والملائكة ، والناس أجمعون .
﴿ سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ ﴾ . 
أيها الإخوة ،
 
﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ ﴾
( سورة الأنعام ) .
هذه أخطر آية ، صدف عن آيات الله ، التفت للدنيا ، إلى المتع ، إلى النساء   إلى جمع المال ، إلى الملهيات ، إلى السفر ، السفر المنحرف ، وبعد ذلك موت .
 
مِن مَشاهد يوم القيامة :
 
1 – هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ الْمَلَائِكَةُ
﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ الْمَلَائِكَةُ ﴾ ملائكة الموت .
 (( بادروا بالأعمال الصالحة فماذا ينتظر أحدكم من الدنيا )) .
[ رواه ابن المبارك في الزهد ومن طريقه ابن أبي الدنيا ] .
كلام دقيق ، والحديث هذا والله يقصم الظهر :
(( بادروا بالأعمال الصالحة فماذا ينتظر أحدكم من الدنيا )) .
(( هل تنتظرون إلا فقراً منسياً )) .
الآن دُخول لا تعد ولا تحصى في بلاد مجاورة انتهت فوراً ، أليس كذلك ؟ انتهى كل شيء ، انتهت السياحة ، انتهت الصناعة ، انتهت المواصلات ، أليس كذلك ؟
مثلاً : أحياناً ينتهي الدخل فجأة .
(( هل تنتظرون إلا فقراً منسياً ، أو غناً مطغياً )) .
بعد أن اغتنى يريد أن يعصي الله ، والله أخت كريمة اتصلت بي على الهاتف وقالت لي : زوجها اغتنى ، وهو في بلد آخر ، قال لها : تعالي إلي ، وإن لم ترتدِي البنطال والبطن مكشوف لا أستقبلك ، وهي محجبة حجابا كاملا ، بعد ما اغتنى يريدها كالمومسات ، طبعاً هي رفضت طلبه .
(( هل تنتظرون إلا فقراً منسياً ، أو غناً مطغياً ، أو مرضاً مفسداً )) .
ورم بمقتبل حياته ، انهار ، (( أو مرضاً مفسداً )) .
(( أو هرماً مفنداً )) .
كبر بالسن ، يعيد القصة مئة مرة ، وصار حشريا ، وما أحد يحبه ، وإذا جلس ليتكلم ينصرف أهله من غرفته .
هذه حالة ، أقسم لي بالله أحد إخوتنا الكرام أن أمه توضع على سرير ، وتقيّد يداها ورجلاها بالسرير ، قلت له : لماذا ؟ قال لي : لأنها إذا كانت يداها طليقتين عرّت نفسها تماماً ، وأكلت من غائطها ، هذا هرم مفند .
والله في كل مرض بالشيخوخة يدع الحليم حيران ، وهناك إنسان أحياناً يفقد حركته ، أقرب الناس له يسمعه : ( الله يخفف عنك ) ، فلذلك سلوا الله العافية
(( بادروا بالأعمال الصالحة ، فماذا ينتظر أحدكم من الدنيا ، هل تنتظرون إلا فقراً منسياً ، أو غناً مطغياً ، أو مرضاً مفسداً ، أو هرماً مفنداً ، أو موتاً مجهزاً ، أو  الدجال )) .
من أجل الحرية تُرتكب كل الجرائم ، جندي يدخل بيتا بالليل فيغتصب فتاة مع ثلاثة ، ويقتلونها ، ويقتلون إخوتها وأمها وأباها ، ويحرقون البيت ، هذه الحرية ، جئنا من أجل حريتكم ، هذا دجال ، أو الدجال .
(( فشر غائب ينتظر ، أو الساعة ، والساعة أدهى وأمر )) .
يوم يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى ، ولا يستطيع أن يغير ، إن تكلم قتلوه  ، وإن سكت استباحوه ، موت كعقاص الغنم ، لا يدري القاتل لمَ يَقتل ، ولا المقتول فيمَ قُتل ، اسمعوا الحديث مرة ثانية :
(( بادروا بالأعمال الصالحة ، فماذا ينتظر أحدكم من الدنيا ، هل تنتظرون إلا فقراً منسياً ، أو غناً مطغياً ، أو مرضاً مفسداً ، أو هرماً مفنداً ، أو موتاً مجهزاً ، أو الدجال  فشر غائب ينتظر ، أو الساعة ، والساعة أدهى وأمر )) .
تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً ، أسير واحد دُمرت غزة ولبنان ، وعشرة آلاف أسير بلا ثمن ، هذا يحتمل ؟
(( والساعة أدهى وأمر )) .
هذا الحديث يقصم الظهر ، يمكن لإنسان لا يصاب بأحد هذه البنود ؟ قد يفتقر فجأة ، وقد يغتني غناً مطغياً ، وقد يصاب بمرض خبيث .
(( أو هرماً مفنداً ، أو موتاً مجهزاً ، أو الدجال)) .
(( وَاذَا كان أُمَرَاؤكُمْ شِرَارَكُمْ وَأَغْنِيَاؤُكُمْ بُخَلاَءَكُمْ وَأُمُورُكُمْ إِلَى نِسَائِكُمْ ، فَبَطْنُ الأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ من ظَهْرِهَا ، إِذَا كان أُمَرَاؤُكمُ خِيَارَكُمْ وَأَغْنِيَاؤُكُم سُمَحَاءَكم وَأُمُورُكُم شُورَى بَيْنَكُمْ فَظَهْرُ الأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ بَطْنِهَا )) .
[ رواه أَحْمَدُ بنُ سَعِيدٍ الأَشْقَرُ، عن أَبي عُثمانَ النّهْدِيّ ، عن أَبِي هُرَيْرَةَ ] .
أيها الإخوة ،
﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ الْمَلَائِكَةُ ﴾ ، ملك الموت .
والله أيها الإخوة ، حينما يأتي ملك الموت ، ولم يكن الإنسان مستعداً له والله تأتيه آلام لا يعلمها إلا الله ، من بيت فخم إلى قبر ، قد يكون للرجل أقرباء أغنياء ، فإذا ذهب إلى التعزية يقول : مساحة البيت 400 م ، رخام ! أين صاحبه ؟ بمقبرة باب صغير ، من اختار الرخام ؟ من اختار هذه الثريات ؟ السجاد 400 ، الجبصين ؟ من اختاره ؟ صاحبه ، أين هو ؟ بباب صغير في القبر ، نقلة مذهلة ، لذلك أعقل إنسان على وجه الأرض هو الذي يعد لهذه الساعة التي لا بد منها .
2 – أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ
﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ ﴾ ، يعني يأتي أمر ربك  ، لذلك من أدعية النبي الكريم :
(( اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ من َفَجْأةِ نِقْمَتِكَ )) .
[ رواه مسلم ، عن ابن عمر رضي ] .
كما حدث :
(( وَتَحَوُّلِ عافيتك ، وَجَمِيعِ سُخْطِكَ )) .
أحيانا يأتي المرض فجأة ، خثرة بالدماغ انشل ، كان ملء السمع والبصر ، ورم فبرك بالأرض ، قال طبيب لمريض : أنت معك ورم خبيث ، تعيش تقريباً أربعة أشهر فرتب أمورك ، مات ثاني يوم ، وما تحمل ، قال له : تعيش أربعة أشهر ما تحمل ، الله يعافينا جميعا .
﴿ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ ﴾ ، يعني يأتي أمر الله عز وجل .
3 – أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ
﴿ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ﴾ .
أحيانا يضعف بصره ، يبدل أسنانه ، يزرع بعض الأسنان ، يكون له مفصل اصطناعي ، أمراض مفاصل ، كبد ، شحوم ثلاثية ، احتشاء أحياناً ، انسداد شريان ، هذه كلها علامات أنه يا عبدي أن اللقاء اقترب اللقاء ، فهل أنت مستعد ؟ إشارات لطيفة .
﴿ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ﴾ .
الآن ﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا ﴾ .
 
الإيمان بالغيب هو المحكّ :
 
إخواننا الكرام ، الإيمان هو بالغيب :
 
﴿ الم ¯ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾
( سورة البقرة ) .
الإيمان بالغيب ، أما الشهود فليس إيماناً ، لذلك فرعون لما أدركه الغرق قال :
 
 ﴿ قَالَ آَمَنْتُ ﴾
( سورة يونس الآية : 90 )
هذا آمن ، آمن شهوداً ، هذا ما له قيمة أبداً ، البطولة أن تؤمن بالغيب .
﴿ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلْ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ ﴾ . 
 
﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾
( سورة الأعراف ) .
 
﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾
( سورة آل عمران ) .
﴿ قُلْ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ ﴾ .
والحمد لله رب العالمين
 



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب