سورة الأنعام 006 - الدرس (62): تفسير الآيات (142 - 144) الأنعام من نعم الله علينا ـ وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ..."> سورة الأنعام 006 - الدرس (62): تفسير الآيات (142 - 144) الأنعام من نعم الله علينا ـ وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ...">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج منارات مقدسية: منارات مقدسية - 273 - مقبرة باب الساهرة2           برنامج موعظة ورباط: موعظة ورباط - 11 - يد الله تعمل في الخفاء - د.عمر عبدالكافي           برنامج خواطر إيمانية: خواطر إيمانية-437-المسلم صاحب همة عالية-الشيخ صالح المعطان           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 392 - سورة المائدة 009 - 012           برنامج مع الحدث: مع الحدث - 46- حلقة خاصة في يوم الاسير الفلسطيني- محمود مطر -17 - 04 - 2024           برنامج اخترنا لكم من أرشيف الإذاعة: اخترنا لكم - بيت المقدس أرض الأنبياء - د. رائد فتحي         

الشيخ/

New Page 1

     سورة الأنعام

New Page 1

تفسير القرآن الكريم ـ سورة الأنعام - تفسير الآية: (142 - 144) - الأنعام من نعم الله علينا ـ وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها

21/03/2011 08:20:00

سورة الأنعام (006)
الدرس (62)
تفسير الآيات: (142- 144)
الأنعام من نعم الله علينا ـ وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها
 
لفضيلة الدكتور
محمد راتب النابلسي
 

 
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات   القربات .
أيها الإخوة الكرام ، مع الدرس الثاني والستين من دروس سورة الأنعام ، ومع الآية الثانية والأربعين بعد المئة ، وهي قوله تعالى :
 
﴿ وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾
أيها الإخوة ، الآية التي قبلها :
 
﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾
 
الشكر في مقابِل عظيمِ نعمِ الله :
 
جاءت آية اليوم معطوفة عليها : ﴿ وَمِنْ الْأَنْعَامِ ﴾ ، يعني اذكروا نعم الله عليكم .
في الأثر : قال داود عليه السلام : (( يا رب ! أي عبادك أحب إليك أحبه بحبك ؟ قال : يا داود ! أحب عبادي إلى نقي القلب ، ونقي الكفين ، لا يأتي إلى أحد سوءا ولا يمشي بالنميمة ، تزول الجبال ولا يزول أحبني وأحب من يحبني وحببني إلى عبادي ، قال : يا  رب ! إنك لتعلم أني أحبك وأحب من يحبك فكيف أحببك إلى عبادك ؟ قال ؛ ذكرهم بآلائي وبلائي ونعمائي )) .
[ رواه وابن عساكر ، عن ابن عباس ] . 
أي ذكرهم بآلائي كي يعظموني ، وذكرهم بنعمائي كي يحبوني ، وذكرهم ببلائي كي يخافوني .
إذاً لا بد من أن يجتمع في قلب المؤمن تعظيم لله ، يوم القيامة :
 
﴿ إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ﴾
( سورة الحاقة ) .
هو آمن بالله ، لكنه ما آمن به عظيماً .
 
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً﴾
( سورة الأحزاب ) .
المنافق يذكر الله ، لكن قليلاً ، فالتركيز في قوله الله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ﴾ على كلمة : ﴿ كَثِيرًا ﴾ .
والتركيز في قوله تعالى : ﴿ إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ﴾ ذكرهم بآلائي كي يعظموني ، وذكرهم بنعمائي كي يحبوني ، وببلائي كي يخافوني  .
الوضع الصحي السوي للمؤمن أنه بقدر ما يعظمه يخافه ، وبقدر ما يخافه يحبه ويعظمه من آلائه ، ويحبه من نعمائه ، ويخافه من بلائه ، عزوجل وقد ورد في الحديث الشريف :
(( أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه )) .
[ أخرجه الترمذي والحاكم في المستدرك عن ابن عباس ] .
إذا استيقظ الإنسان صحيح الجسم فهذه نعمة كبيرة ، إذا مشى قوته فيه ، إذا رأى ، إذا سمع ، في ببيته زوجة ، وأولاد ، يملك ما ينفق عليهم ، الله مكنه من كسب الرزق بخبرة يتقنها ، فأنت دائماً وأبداً اذكر ما عندك ، ولا تذكر ما لا تملك ، الإنسان الموفق والمؤمن مشغول بشكر نِعَم الله عزوجل .
 
﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾
( سورة إبراهيم الآية : 7 ) .
هناك أشخاص سوداويون ، متشائمون ، لا يتحدثون إلا بما ينقصهم ، وكل نِعَم الله الذي أسبغها عليهم لا يعبئون بها ، هذا من لؤم الإنسان ، لذلك كان عليه الصلاة والسلام  تعظم عنده النعمة مهما دقت .
تصور إنسانًا دخل إلى الحمام ، ماذا قال عليه الصلاة والسلام عقب قضاء حاجته ؟ قال :
(( الحَمْدُ لِلَّه الَّذي أذَاقَنِي لَذَّتَهُ )) .
[ رواه ابن السني والطبراني أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه عن عائشة رضي اللّه عنها] .
الطعام له لذة :
(( وأبْقَى فِيَّ قُوَّتَهُ ، وَدَفَعَ عَنِّي أَذَاهُ )) .
هناك إنسان يعيش على السيروم ، سمح لك أن تذوق طعم الطعام ، وسمح للطعام أن يقويك ، والفضلات خرجت ببساطة ، هذه نعمة ، كان عليه الصلاة والسلام إذا استيقظ   يقول :
(( الحمد لله الذي رد إلي نفسي )) .
[ رواه ابن السني عن جابر ] .
يعني سمح لي أن أعيش يوماً جديداً .
(( وَعافِني فِي بَدَني )) .
[ رواه  أبو داود عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ] .
وقفت ذهبت إلى الوضوء ، توضأت ، عدت إلى غرفتك ، صليت الفجر ، قرأت تتكلم ، تقرأ ، تقف ، تركع ، تسجد ، تقعد ، هذه نِعَم .
 
وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوها
 
لذلك أيها الإخوة ، دققوا في هذا الذي يقوله الله عزوجل :
 
﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا ﴾
هو يُتوقع :
 
﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾
الآية :
 
﴿   وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ ﴾
( سورة إبراهيم الآية : 34 ) .
 
يعني لو أمضيت كل عمرك في تعداد بركات نعمة واحدة لا تنتهي :
﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾ .
إذا كنتم عاجزين عن إحصاء بركات نعمة واحدة ، فلأن تكونوا عاجزين عن شكرها من باب أولى .
إذاً الله قال عزوجل :
 
معنى : وَمِنْ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً
 
﴿ وَمِنْ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً ﴾ : الناقة تحمل ، تحمل بيتك الذي هو خيمة ، وأثاثها ، وحاجاتك ، وأوانيك تحملها على الناقة ، الآن تحملها بسيارة ، هذا الوقود السائل من أودع فيه تلك القوة ؟ أنا أضرب لكم مثل :
اجعل مركبة في طريق صاعدة ، وحاول أن تدعها متراً واحد لا تستطيع ، مركبة وزنها طنَّان ، وبطريق صاعدة ، لا تستطيع لا أنت ولا عشرة أشخاص أن تدفعوها ، ما بالها تنطلق بطريق صاعد صعوداً حاداً وعلى متنها خمسة رجال ؟! ما هذا الوقود السائل الذي ينفجر فيعطي هذه القوة ؟‍ لأن الله عزوجل قال :
 
﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾
) سورة النحل ) .
هذه الشاحنة التي تحمل عشرين طنًّا في طريق صاعدة ، ما هذا القوة التي تدفع هذه الأطنان في طريق صاعدة ؟
هذا شيء خطر في بالي مرة ، مركبة بمنحدر ، وتعطل محركها في هذا المنحدر ، عشرة رجال بكل قوتهم لن يستطيعوا دفعها بعكس المنحدر نحو الأعلى ، ما هذا الوقود السائل الذي ينفجر ، فيدفع هذه المركبة بأوزانها الكبيرة ؟
أحيانا شاحنات تحمل ستين طنًّا ، والطريق صاعد ، ما هذا الوقود السائل الذي يدفع هذه المركبة ؟ ﴿ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ .
إذاً : ﴿ وَمِنْ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا ﴾ ، أثاثك من الصوف ، من شعر الغنم ، ومن وبر الجمل ، تصنع الأثاث منه ، يعني نحن أخذنا بالصناعة ، لكن كل هذه الصناعات التي أمامكم لها مصادر طبيعية ، الألبسة أكثرها قطن وصوف ، فالله  عزوجل يبين أن هذه الأنعام مذللة .
أحد إخوتنا في غوطة دمشق عنده بقرة أصابها الجنون ، فقتلت أول رجل ، وثاني رجل ، واضطر أن يطلق عليها النار حتى يقتلها ، ثمنها سبعون ألفًا ، من جعل هذه البقرة مذللة ؟ من جعل هذا الجمل مذللا ؟ العقرب غير مذلل ، لو رأيته تخرج من جلدك ، صغير الأفعى غير مذلل ، أما الغنم فمذلل ، البقر مذلل ، الإبل مذلل ، قال تعالى :
 
﴿ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ ﴾
( سورة يس ) .
إذاً : ﴿ وَمِنْ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً ﴾ .
 
﴿ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ ﴾
( سورة النحل الآية : 7 ) .
وتحمل أثقالكم بطريقة رائعة ، هي حينما تجلس على الأرض تجلس جلسة نظامية ، فإذا حملت عليها وهي منخفضة سهل جداً أن تحمل عليها وهي جالسة ، لو أنها تجلس على جنبها كالدواب الأخرى يكون التحميل مستحيلا ، تجلس جلسة نظامية ، ولها ثفينات ، الثفينات مكان متقرن في أرجلها وفي أيديها ، وكأنه قواعد لاستقرارها على الأرض ، فإذا حملت عليها ما تشاء دعوتها فقامت ، ﴿ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنفُسِ ﴾.
 
وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ
 
الآن هناك بواخر تحمل مليون طن ، وطائرات عملاقة تحمل ألف راكب ، حديثة جداً ، وهناك طائرات شحن ، فهذه الطاقة التي أودعها الله في الأرض .
 
﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ ﴾
( سورة يس ) .
الشجر الأخضر إحدى نظريات تشكل البترول ، أنه في عصور مطيرة جداً ، هذه الغابات العملاقة دُفنت تحت سطح الأرض فشكلت البترول ، لأن الملمح :
﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنْ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ ﴾ .
الله عزوجليقول : ﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ﴾ قال : ﴿ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ ، فعُزي خلق الطائرة إلى الله ، من ألهم هذا العالم أن يصنع مركبة تطير بالجو ؟ من أودع في الأرض الوقود المناسب لهذه الطائرة ؟ القرآن نزل في قوم يعيشون في الصحراء ، عندهم خيل ، وبغال ، وحمير ، وإبل ، لكن في قوله تعالى : ﴿ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ هذا كلام رب العالمين .
 أنت حينما ترى طائرة عملاقة تحمل ألف راكب ، أو ترى سفينة تحمل مليون طن ، أو ترى شاحنة تحمل ستين طنًّا ، وتنطلق بهذا الوقود السائل ، أو بالطاقة النووية ، حاملات الطائرات شيء لا يصدق ، مئة طائرة لها أماكن تحت سطحها ، فيها 7000 إنسان يعيشون ، وكأنها في مدينة ، والعمل بالطاقة الذرية ، الحاملات شيء أغرب من الخيال ، من أودع في الأرض هذه الطاقات ؟ الله جل جلاله ، من أودع البترول في داخل الأرض ؟ الله جل جلاله ، ولحكمة بالغةٍ بالغة الشعوب المتفوقة في الصناعة ليس عندها بترول ، والشعوب النائمة عندها بترول ، ولو كان البترول عند هؤلاء لمات هؤلاء من الجوع ، أناس ضعيفو الهمة في التصنيع والعمل والنشاط عندهم ثروات باطنية ، وأناس يملكون الطاقة والصناعة الدقيقة والتقنية ليس عندهم بترول ، فالله عزوجل لحكمة بالغةٍ بالغة وزع هذه الثروات ، وفي قوله تعالى :
 
﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ﴾
الآن دققوا :
 
﴿ وَمَا تَحْتَ الثَّرَى ﴾
( سورة طه ) .
هذه الآية إشارة إلى أن باطن الأرض فيه ثروات كبيرة جداً ، قال تعالى :
 
﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ﴾
( سورة الحجر ) .
قرأت مقالة عن سحابة في الفضاء الخارجي يمكن أن تملأ محيطات الأرض 60 مرة في اليوم الواحد بالمياه العذبة ، ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ ﴾ ، إذا أعطى أدهش .
مرة طبيب حدثني وهو عضو في حوض دمشق ، قال لي دمشق مهددة بالجفاف الجفاف الذي يدعو إلى أن تُهجر ، والله الحديث الذي حدثني إياه لم أستطع أن أقف بعدها ، وفي العام نفسه هطل في دمشق 350 مم مكعبًا ، الذي أذكره أن مياه نبع منين وصل إلى القابون ، وأن 30 نبع في الغوطة من 30 سنة غارت ، عادت فتفجرت ، وأن عين الصاحب عادت فتفجرت ، فتقنين الله لا يمكن إلا أن يكون تقنين تأديب لا تقنين عجز .
 
 
﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ ﴾
( سورة الشورى ) .
إذاً : ﴿ وَمِنْ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً ﴾ تحمل عليها أثقالك ، والآن تحمل على المركبات أثقالك ، تحمل أطنانًا ، تحمل بضائع ، تحمل مئات الأطنان ، إن في المركبات الأرضية ، أو في الطائرات ، أو في البواخر .
 
معنى : وَفَرْشًا
 
﴿ وَفَرْشًا ﴾ تأكلوا من لحمها ، وتنتفع من جلدها ، كل الصناعات الجلدية من أين تؤخذ ؟ من جلود الأنعام ، وتشرب من لبنها ، ومشتقات الألبان شيء لا يصدق ، الجبن  السمن ، اللبن ، القشدة ، أنواع المشتقات وصناعتها الغذائية لا تعد ولا تحصى ، وكان عليه الصلاة والسلام إذا شرب لبنناً يقول :
(( اللهم زدنا منه )) .
[ ورد في الأثر]
إذاً تنتفع من لحمها ، وتنتفع من أمعائها ، وتنتفع بجلدها ، وتنتفع بصوفها ، الآن الخيوط الصناعية .
أيها الإخوة حتى الآن لا يمكن أن تحل محل الخيط الطبيعي ، الآن بدؤوا يصنعون خيطًا يشبه خيط الصوف ، خيط الصوف مفرغ من الداخل ، كم هو دقيق من داخله وهو مفرَّغ ، فلذلك ننتفع بأوبارها ، وننتفع بأشعارها ، وننتفع بصوفها ، وننتفع بجلدها ، وننتفع بلبنها ، وحليبها ، وكل مشتقات الألبان ، وننتفع بها فتحملنا ، وتحمل أثقالنا ، هذه الأنعام :
 
﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ ﴾
( سورة النحل الآية : 5 ) .
أحياناً تدعو إنسانًا له مكانة إلى طعام ، وباسم عرف هذه الوليمة هو ضيف الشرف ، هذه الدعوة من أجله ، هذا الطعام من أجله ، هذا الإكرام من أجله ، قد يُطرق بابك فيأتيك ضيف على غير موعد ، ومن دون دعوى ، تدعوه ليجلس ويأكل ، نقول هذه المائدة صنعت خصيصى لضيف الشرف ، أما هذا فأكل عرضاً ، هذا معنى كلمة : ﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ ﴾ خصيصى لكم ، حليبها غذاء كامل ، أوبارها ، أشعارها ، صوفها  جلدها ، عظمها ، كل ما فيها ننتفع به ، كل ما في الأنعام ننتفع به :
﴿ وَمِنْ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا ﴾ لأثاثكم ، وبيوتكم .
 
نكتة قرآنية رائعة : التركيز على كلمة ( كلوا ) :
 
﴿ كُلُوا ﴾ .
أيها الإخوة ، والآية السابقة :
﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا ﴾ .
لمَ التركيز على ؟ ﴿ كُلُوا ﴾ .
الآية الأولى : ﴿ كُلُوا ﴾ .
والآية الثانية : ﴿ وَمِنْ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا ﴾ .
لأن أهل الكتاب حرموا ما أحله الله ، هذا الذي خلقه الله عزوجل لنا من يحرمه ؟ التحريم الإلهي والتحليل الإلهي لحكمة بالغةٍ بالغة ، لأن الجهة الصانعة هي التي تحلل وتحرم ، لكن الناس يحللون أو يحرمون تحليلاً أو تحريماً مزاجيًّا ، لذلك ردّ الله عزوجل علة من حرم هذا اللحم  وهذه الأنعام :
﴿ كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ ﴾ ، فهذا رزق الله عزوجل .
 
التحليل والتحريم من شأن الله وحدَه : وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ :
 
الشيطان يحرم عليك ما أحله الله ، ويحلل لك ما حرمه الله ، لذلك الحلال والحرام من شأن الله وحده ، ليس من شأن البشر لا أن يحللوا ولا أن يحرموا ، وقد قال الله عزوجل :
 
﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾
( سورة النحل ) .
﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ﴾ ، وهم أهلُ قرآن ، ﴿ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ .
وقد مر بي أن السلف الصالح يتحرجون أشد التحرج أن يقولوا : حرام أو حلال بهذه البساطة ، الحلال ما أحله الله ، والحرام ما حرمه الله ، والأشياء لا تحرم إلا بنص   قطعي الثبوت ، وقطعي الدلالة ، الأشياء الأصل فيها الإباحة ، ولا يحرم شيء إلا بالنص الثابت قطعي الدلالة ، لذلك هناك من : يقول هذا حرام ، والله أسمع كلمات حرام من آلاف من يعملون في الحقل الديني بلا دليل ، شيء ما أعجبه حرام ، الحلال والحرام من شأن الله وحده ، هو الذي يحلل ، وهو الذي يحرم ، والحلال الذي يحله الله نسعد به ، والحرام الذي حرمه الله لو أخذناه يحرمنا من السعادة .
 مثلاً : قال تعالى عن رجال الدين من الكتابيين :
 
﴿ وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ ﴾
( سورة الحديد الآية : 27 ) .
هذا من ابتداعهم ، هم حين كتبوها على أنفسهم ظنوا من أجل مرضاة الله تعالى لأنها فوق طاقتهم ، ولأنها ليست من عند خالق الأكوان ، قال :
 
﴿ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ﴾
( سورة الحديد الآية : 27 ) .
أما النبي عليه الصلاة والسلام قال :
(( أشدكم خشية لله أنا ، أنام وأقوم ، أصوم وأقطر ، أتزوج النساء ، آكل اللحم هذه سنتي ، فمن رغب عنها فليس من أمتي )) .
[ البخاري عن عائشة ]
إخواننا الكرام ، البطولات في الدين ليست سلبية ، إيجابية ، ليست البطولة أن تصوم صوماً مستمراً ، لكن البطولة أن تعمل عملاً عظيماً .
كنت أقول دائماً : أمتنا مع أننا والله هؤلاء الذين يموتون في سبيل الله ، والله نصغر أمامهم ، ولكننا في النهاية فقدناهم ، طاقة شابة ، مؤمنة ، مستنيرة ، ورعة ، معطاءة  مضحية ، فقدناهم ، كما أن أمتنا في أمسّ الحاجة إلى من يموت في سبيل الله ، هي أيضاً في أمسّ الحاجة إلى من يعيش في سبيل الله ، ويقدم لها الخير .
﴿ وَمِنْ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ﴾ .
لشيطان يحلل ويحرم ، يحرم الحلال ، ويحلل الحرام ، من أجل أن يحجبك عن الواحد  الديان .
أيها الإخوة ، أنت حينما تأخذ ما أحله الله لك تزداد قرباً من الله .
مثلاً : إنسان اشتهى المرأة فتزوج ، قارب أهله في ليل ، وقام لصلاة الفجر ، وقد يبكي في الصلاة ، لأن هذا وفق منهج الله ، ما فعل شيئاً ، أما لو أقام علاقة خارج الزواج مع أية امرأة يُحجب عن الله ، الله عزوجل أودع فينا الشهوات ، وجعل لهذه الشهوات قنوات نظيفة .
 
أساليب الشيطان في إضلال الناس :
 
﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ ، الشيطان يدعوك إلى الكفر ، فإن كنت على إيمانك دعاك إلى الشرك ، فإن كنت على التوحيد دعاك إلى البدع ، فإذا كنت على سنة دعاك إلى الكبائر ، فإذا كنت على طاعة دعاك إلى الصغائر ، فإذا كنت على ورع بقي معه ورقتان دعاك إلى المباحات ، التوسع في المباحات ، فإذا كنت زاهداً بقي معه ورقة
أخيرة ، دعاك إلى التحريش بين المؤمنين ، هذه الخصومات ، وتراشق التهم ، وكلُ يدعي وصلاً بليلى ، هذه آخر ورقة رابحة بيد الشيطان .
 
وَمِنْ الْأَنْعَامِ
 
﴿ وَمِنْ الْأَنْعَامِ ﴾ .
هي الإبل ، والبقر ، والغنم ، التي تحمل يسمى ما على ظهرها حمولة ، والتي لا تحمل ، إما لضعف بنيتها ، أو لصغر سنها ، أو لأنها مؤهلة كالغنم لشيء آخر .
أيها الإخوة ، كلمة : ﴿ كُلُوا ﴾ مع التكرار تفيد أن الشيطان يحرم عليكم ما أحل الله عليكم ، ودائماً الخبيث يقدم لك شيئاً منطقياً ليمرر أشياء غير منطقية ، ﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ﴾ في التحريم والتحليل ، زوجتك بحمق فاضح تحلف عليها يميناً ، بل يمين طلاق ألا تزور أهلها ، لمَ تحرم ما أحل الله لك ، ولها أن تزور أهلها ؟ والله هناك حماقات بالطلاق شيء لا يحتمل ، لأتفه الأسباب يحرم شيئاً أحله الله ، فالعبرة من هذا أن التحليل والتحريم من شأن الله وحده .
ثم يقول الله عزوجل :
 
ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنْ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنْ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ
 
الضأن معروف ، الذكر كبش ، والأنثى نعجة ، والمعز أيضاً ، فيه ذكر هو التيس ، وأنثى ، والبقر تطلق على الذكر والأنثى ، الذكر ثور ، والأنثى ثورة ، هذا في اللغة طبعاً ، لذلك :
﴿ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنْ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ ﴾ ذكر وأنثى ، سبحان الله ! شيء دقيق جداً ، أنثى الضأن لحمها قاسٍ ، لأنها أعدت للإنجاب ، والذكر لحمه طري جداً ، على عكس الوضع البشري .
 
ليس هناك تحريم مزاجي : قُلْ أَالذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمْ الْأُنْثَيَيْن
 
﴿ مِنْ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنْ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ أَالذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمْ الْأُنْثَيَيْن ﴾ ، تحريم مزاجي ، نبئونا ، هذا اسمه استفهام تقريري ، استفهام تقريري ، نبئونا المحرم الذكر أم  الأنثى ؟ وهناك تقاليد ، وسخافات ، وترهات ، وضلالات في الحياة الجاهلية لا يمكن أن تقبل في شؤون طعامهم وشؤون شرابهم ، وصيدهم ، واستقسامهم بالأزلام ، وما إلى ذلك .
﴿ قُلْ أَالذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمْ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ .
دائماً وأبداً أذكر لكم أن هناك علاقة بين الحلال وثماره ، والحرام وثماره ،
ودائماً وأبداً ما دام التشريع إلهياً فالعلاقة بين الحلال وثماره علاقة علمية ، بمعنى أنها علاقة سبب بنتيجة ، والعلاقة بين الحرام ونتائجه علاقة علمية أي أنها علاقة سبب  بنتيجة .
 
نكتة ولطيفة في كلمة ( أزواج ) :
 
          أيها الإخوة ، هناك لفت نظر لطيف جداً بما يتعلق بكلمة الأزواج ، الزوج يطلق على الشيء معه ما يقارنه ، شيء معه ، شيء ملازم له دائماً ، يطلق عليه الزوج ، تقول : زوج حذاء ، ونحن في أعرافنا نأخذ الزوج على الاثنين ، هذا خطأ ، إلا أنه إذا لم يكن هناك فارق بين الاثنين بحيث لا يتم الانتفاع بأحدهما إلا مع الآخر ، ولكن لا تميزهما عن الآخر كالجوربين ، جوربين متماثلين 100 % ، لكن لا يستعمل الجوربين إلا مثنى ، معه ما يلازمه دائماً ، ولا يختلف عنه ، فكلمة زوج تطلق على الاثنين معاً .
أما الذكر والأنثى من بني البشر فكلمة زوج لا على الاثنين معاً ، تطلق على الواحد ، والدليل :
 
﴿ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ﴾
( سورة البقرة الآية : 35 ) .
إذا هناك شيء يلازمه ، شيء آخر مختلف عنه ، فالزوج تطلق على الواحد ، أما إذا كان شيئًا يلازم شيئًا آخر ، ولا يختلف عنه تطلق الزوج على القطعتين معاً ، واضح ؟ هذا الدليل الأول .
 
 
﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ﴾
( سورة النجم ) .
مادام هناك تكامل ، بتعبير آخر ، إذا كان ثمة تكامل بين شيئين يستعملان معاً يقال لكل واحد منهما : زوج ، الذكر غير الأنثى ، بنيته غير بنية الأنثى ، وظيفته غير وظيفة الأنثى ، إذاً الزوج تطلق على الواحد منهما ، ﴿ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ﴾ ، أما إذا قلت أنا : اشتريت زوج جوارب ، الزوج تطلق على القطعتين معاً لأنهما متلازمان ، ولكن لا يختلف الواحد منهما عن الآخر .
 
ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنْ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ
 
طبعاً الذكر الضأن غير الأنثى ، وذكر البقرة غير الأنثى ، وذكر الإبل غير الأنثى ، هناك جمل وناقة ، الإبل ، البقرة ذكر وأثنى ، الزوج ثور ، والزوجة ثورة .
أيها الإخوة ، الضأن ذكره الكبش ، وأنثاه النعجة ، المعز اثنين ، ذكره التيس والأنثى عنزة ، البقر زوج ، ذكره الثور وأنثاه الثورة ، الإبل زوج ذكره الجمل ، والأنثى الناقة .
﴿ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ﴾ .
فيا أيها الذين تحرمون وتحللون أيهما حرام ﴿ أَالذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمْ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ ؟
تحريم البشر وتحليله مزاجي ، لا ضابط له ، والاستفهام كما تعلمون قد يحمل على معناه الحقيقي ، تقول له : ما اسمك ؟ أو كم الساعة ؟ هذا استفهام حقيقي ، لكن الاستفهام يخرجن مقصده الحقيقي إلى مقاصد بلاغية كثيرة ، هناك استفهام إنكاري ، هناك استفهام تقريري ، هذا الاستفهام تقريري يعني أنتم تحرمون وتحللون تحريماً مزاجياً ، وليس تحريماً شرعياً ، إلا أن التحليل والتحريم هو بيد الله جل جلاله .
 
﴿ وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾
( سورة الأنعام ) .
أيها الإخوة ، ذكرت لكم سابقاً أن الله رتب المعاصي ترتيباً تصاعدياً ، فذكر الفحشاء والمنكر ، وذكر الإثم والعدوان ، وذكر الشرك ، وذكر الكفر ، وجعل على رأس هذه المعاصي والآثام :
 
﴿ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾
( سورة البقرة ) .
وبعض الأئمة يقول : لأن يرتكب العوام الكبائر أهون أن يقولوا على الله ما لا يعلمون ، لذلك في قضية التحريم والتحليل ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ ، وكلما قلّ علم الإنسان سارع وحرم ، أو سارع وحلل .
بالمناسبة التحريم يحسنه كل إنسان ، ولو كان جاهلاً ، يقول : حرام ، أغرب شيء يتصل بي إنسان يقول لي : قالوا لي : هذا حرام ، من قال لك ؟ شخص بأي درجة من العلم قد يكون جاهلا ، يقول : حرام ، أكثر شيء يعاني منه من يُسأل عن بعض الأحكام أن أي إنسان يعمل في الحقل الديني من دون علم ، من دون دليل يحرم فالتحريم سهل ، ويحسنه كل إنسان ، ولكن البطولة أن تعطي الرخصة مع الدليل .
وشيء آخر : هناك مرض أنا أراه من أخطر الأمراض أن الإنسان يأخذ نفسه بالرخص فإذا سُئل أفتى بالعزائم ، لكن بعض الأئمة الكرام كابني حنبل أخذ نفسه بالعزائم ، فإذا سُئل أفتى بالرخص .
لا تكلف الناس مالا يطيقون ، أفتِ الناس بالرخص ، وخذ أنت بالعزائم ، لا  العكس .
 
الأصل في الأشياء الإباحة وعدم التحريم :
 
مرة ثانية : الأصل في الأشياء الإباحة ، ولا يحرم شيء إلا بالدليل قطعي الثبوت وقطعي الدلالة ، وينبغي أن نعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما عصاه الرماة في أحد صلى عليهم ، هم عصوه ، قال علماء السيرة : إنهم عصوا رسول الله في أمر تنظيمي ، ولم يعصوه في أمر تشريعي ، فالحلال ما أحله الله ، والحرام ما حرمه الله .
أحياناً يكون للإنسان دعوة فرضاً ، عنده إخوان كثر ، واثقون من علمه ، يحرم بتسرع ، هذا التحريم لا يجوز ، يجب أن تحلل ما أحله الله ، وأن تحرم ما حرمه الله .
مرة النبي عليه الصلاة والسلام أرسل سرية ، وأمّر عليها أنصارياً ، قرأت أنه ذو دعابة ، يحب الطرف ، فلما سار بأصحابه قال : أضرموا ناراً عظيمة ، أضرموا ناراً عظيمة قال : اقتحموها ، ما هذا الأمر ؟ فلما تعجبوا ، قال : ألست أميركم ؟ قالوا : بلى ، قال : أليس طاعتي طاعة رسول الله ، قالوا : بلى ، قال : اقتحموها ، ترددوا ، قال بعضهم : كيف نقتحمها وقد آمن بالله فراراً منها ؟ فلما عرضوا هذا على النبي صلى الله عليه وسلم قال عليه الصلاة  والسلام :
(( لو اقتحمتموها لازلتم فيها إلى يوم القيامة إنما الطاعة في معروف )) .
[ أخرجه مسلم عن علي في باب وجوب الطاعة ]   
والدليل أن الله سبحانه وتعالى حينما قال في كتابه العزيز :
 
﴿ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ﴾
( سورة الممتحنة الآية: 12 ) .
الآن لو قلت : ولا يعصينك ، أي شيء قاله مخالفته معصية ، أما حينما قال الله   عزوجل : ﴿ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ﴾ .
كرهت امرأة زوجها كراهية لا تحتمل ، فلما ذكرت هذا للنبي عليه الصلاة والسلام قالت : يا رسول الله ، إني أكره الكفر بعد الإيمان ، يعني إذا جلست معه أتضايق إلى درجة أنني على مشارف الكفر ، لا أحبه ، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال : لو تراجعيه    ـ دققوا في فقه الصحابيات ـ لو تراجعيه ، قالت : يا رسول الله ، أفتأمرني ؟ قال : لا ، إنما أنا شفيع ، قالت : لا أحبه ، فقال عليه الصلاة والسلام : طلقها تطليقة ، وردي له الحديقة ، هذه المخالعة .
النبي الكريم ما وضع مكانته ومقامه العالي في شأن شخصي ، فقدر طاعتك لله تتحرج عن أن تحرم بسرعة ، أو أن تحلل بسرعة ، تريث .
 
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ ﴾
( سورة الحجرات الآية : 6 ) .
 
﴿ قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾
( سورة النمل ) .
قبل أن تحرم زوجة على نفسك ، وقبل أن تمنعها من أهلها ، وقبل أن تطلق الأيمان التي لا تحتمل ، تريث ، تكون زوجته ، وهو زوجها ، ومباحة له ، وكل شيء ميسر ، يحلف يمينًا غير معقولة ، فالذي يفتي له بأن هذا اليمين يمين قسمي يشك في علمه ، والذي يقول له : طلُقت يتألم منه ، أنت كنت في غنى عن كل هذا ، لذلك الطلاق كما قال ابن عباس : << أيرتكب أحدكم أحموقته ثم يقول : يا ابن عباس ، يا ابن عباس >> .
 
 
والحمد لله رب العالمين
 
 



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب