سورة الأنعام 006 - الدرس (51): تفسير الآيات (125 - 125) إن أراد الهدى هيأه له وإن أراد الضلال سمح له به

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ..."> سورة الأنعام 006 - الدرس (51): تفسير الآيات (125 - 125) إن أراد الهدى هيأه له وإن أراد الضلال سمح له به

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ...">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج منارات مقدسية: منارات مقدسية - 272 - مقبرة باب الرحمة           برنامج موعظة ورباط: موعظة ورباط - 07 - بشرى لمن قصف بيته - الشيخ محمد نور           برنامج الكلمة الطيبة 2024: الكلمة الطيبة - غزوة أحد           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 388 - سورة المائدة 006 - 006           برنامج بريد الأسرى: بريد الأسرى - 15 - 04 - 2024           برنامج موعظة ورباط: موعظة ورباط - 06- غزة وخزة ايقاظ- د. عبدالوهاب الطريري         

الشيخ/

New Page 1

     سورة الأنعام

New Page 1

تفسير القرآن الكريم ـ سورة الأنعام - تفسير الآية: (125 - 125) - إن أراد الهدى هيأه له وإن أراد الضلال سمح له به

21/03/2011 07:56:00

سورة الأنعام (006)
الدرس (51)
تفسير الآية: (125)
إن أراد الهدى هيأه له وإن أراد الضلال سمح له به
 
لفضيلة الدكتور
محمد راتب النابلسي
 

 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الإخوة الكرام ، مع الدرس الواحد والخمسين من دروس سورة الأنعام ، ومع الآية الخامسة والعشرين بعد المئة ، وهي قوله تعالى :
 
﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾
 
معاني كلمة ( يُرِدْ )
 
أيها الإخوة الكرام ، كلمة ﴿ يُرِدِ ﴾ دقيقة جداً ، هناك من أساء فهمها ، فكل معصية يرتكبها الإنسان تعزى عند الجهلة إلى أن الله أراد له هذه المعصية ، وهذا سوء ظن بالله ، وقد عاب الله على بعض الناس سوء ظنهم به .
 
﴿ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ﴾
( سورة الفتح الآية : 6 ) .
 
﴿ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ﴾
( سورة آل عمران الآية : 154 ) .
إذاً أحد الأسباب المهلكة سوء الظن بالله ، وحسن الظن بالله ثمن الجنة ، وحسن الظن بالله دليل معرفته ، لكن ما معنى كلمة : ﴿ يُرِدِ ﴾ ؟
أولاً : أيها الإخوة ، لا يليق ، ولا يقبل في ألوهية الله أن يقع في ملكه ما لا يريد ، لكن الإرادة هنا بمعنى سمح ، عبر العلماء علماء العقيدة عن هذه الحقيقة بأنه أراد ولم يأمر أراد ولم يرضَ ، يعني إذا وقعت جريمة ، أو وقع اختلاس ، أو وقعت جريمة زنا ، لو أن الله سمح لها أن تقع لما وقعت ، لكنه سمح لها لحكمة بالغة مع أنه لم يأمر بالذي وقع ، ولم يرضَ الذي وقع ، لم يأمر ، ولم يرضَ ، ما المعنى الدقيق ؟ الإنسان مخير ، هويته كائن مخير  جميع الكائنات مسيرة .
 
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾
( سورة الأحزاب الآية : 72 ) .
فالإنسان والجن مخيرون ، وما سوى ذلك مسيرون ، لذلك لا يقع الفساد إلا من كائن مخير ، أودعت في الشهوات ، فتحرك بدافع من شهواته من دون هدى من الله .
 
﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾
( سورة القصص الآية : 50 ) .
سيارة لها محرك قوي ، وطريق ينبغي أن تبقى عليه ، وفي مقود بيد السائق ، السائق شرب الخمر ، فقَد الوعي ، تفلت منه المقود وقع في الوادي ، هذا الذي حصل تماماً ، السيارة فيها محرك ، المحرك يندفع بها بسرعة عالية ، والطريق واضح المعالم ، لكن الذي يقود هذه المركبة خالف النظام ، وشرب الخمر ، فغاب عن الوعي ، وتفلت منه المقود ، وقع في الوادي .
إذاً ما الشر ؟ الشر كائن متميز ، اصطفاه الله من بين كل الخلائق ، ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّماَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾ ، قال : أنا لها يا رب ، لكنه تخاذل في حملها ، واتبع شهوته ، وعمي بصره ، وصمت أذنه فوقع في متاهة وهلاك .
إذاً الله عز وجل أراد بمعنى أن هذا الكائن هويته مخير ، فإذا اختار شيئاً ، وأصر عليه نبهه الله ، لفت نظره ، أسمعه كلاماً ، نصحه إنسان ، قرأ مقالة ، رأى عبرة ، رأى قصة ، أصرّ على هذه الشهوة ، يبدو من الحكمة البالغة أن تخرج هذه الشهوة من نفسه يسمح له أن يقع في هذه الشهوة ، ولكن ليس على حساب أحد ، والكلام دقيق ، الله عز وجل ينسق معنى ينسق ؛ أي :
 
﴿ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾
( سورة الأنعام ) .
إنّ إنسانًا اختار أن يسرق ، وأصر على هذا الاختيار ، وجاء من يحذره ، بقي مصراً ، وأصبحت هذه الشهوة حجاباً بينه وبين الله لابد من أن تخرج هذه الشهوة يسمح الله أن يسرق ، لكن على من تكون سرقة ماله ؟ حكمة له ، ومعالجة وتنبيهاً وتأديباً ، لذلك الظالم سوط الله ينتقم به ، ثم ينتقم منه ، وأوضح آية :
 
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ¯وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ¯وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾
( سورة القصص ) .
إذاً الإنسان مخير ، ولكن لا يستطيع أن يصب اختياره على من يشاء ، مخير لا على حساب أحد ، مخير بتنسيق الله عز وجل .
إذاً معنى أراد أي : لحكمة بالغةٍ بالغةٍ بالغة سمح الله للإنسان الذي منحه حرية الاختبار أن يفعل ما يختار ، أن يفعل ما يختار لا على من يختار ، ولكن على من يختاره الله ، لأن الظالم سوط الله ، ينتقم به ، ثم ينتقم منه ، ﴿ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ .
إذا قلت : أراد الله لهذه السرقة أن تقع ، أي : لأن الذي أراد السرقة إنسان ، وهو مخير ، والاختيار علة تكليفه ، وقد كُلِّف ، ومع أنه كُلف أعطي الاختيار ، لكن لا يصبّ اختباره على من يشاء .
قَالَ e :
((إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ )) .
[ أخرجه الترمذي عن أنس]
يجب أن تعتقد أن ثمة عدالة مطلقة ، وحكمة مطلقة ، فالذي وقع أراده الله ، لهذا   قالوا : لكل واقع حكمة ، وقد يكون الموقع مجرماً .
أحداث أيلول وقعت ، وقد سمح الله لها أن تقع ، أي أراد الله أن تقع ، لحكمة بالغةٍ بالغة نعرفها أو قد نعرفها بعد حين ، واجتياح بعض البلاد الإسلامية سمح الله به لحكمة بالغةٍ بالغة ، نعرفها الآن أو بعد حين ، لكن لأن الشيء وقع فقد أراده الله ، وإذا أراد الله شيئاً وقع ، أراد بمعنى سمح ، فإذا كان الذي وقع شراً نقول : سمح ، ولم يأمر به ، سمح ولم يرضَ ، هذا معنى كلمة الإرادة ، الله عز وجل يريد الخير ، لكن يسمح لاختيار الإنسان أن يقع تفريغاً لقلبه من هذه الشهوة ، ليكون قريباً للتوبة من بعدها .
موقف الناس من معنى الهداية
 
أما الهداية فهذا الموضوع أيها الإخوة خاض فيه الناس كثيراً ، هناك موقفان متطرفان ، تأباهما العقيدة السليمة ، موقف الأول كلما رأيت إنساناً ضالاً تقول لم يأذن الله له بالهدى ، وإذا عاتبت إنساناً ضالاًَ يقول لك : لم يهدينِ الله بعد ، لم تأتِ الهداية ، يرتاح من المسؤولية ، بفعل ما يشتهي بأعلى درجة من الاختيار ، وهو يعلم عليم اليقين أنه مخير ، وأنه ما فعل الذي فعله إلا باختياره ، ومع ذلك إذا عاتبته على تقصيره في أداء العبادات ، أو في الطاعات يقول لك : لم يأذن الله لي أن أهتدي ، وهدايتي بيد الله ، هذا فهم متطرف ، وفهم جبري ، وما شلّ الأمة الإسلامية في أواخر عصورها إلا بهذه العقيدة الجبرية .
جاؤوا بشارب خمر لسيدنا عمر ، فقيل له : لماذا شربت الخمر ؟ قال : إن الله قدر عليّ ذلك ، أي هو شيء قديم ، والإنسان دائماً يميل إلى أن يعزي خطأه إلى الله .
إنّ الطالب الذي لم يدرس لا ينجح ، لكنه يقول مطمئنًا : إن الله ما أذن لي ، وهذا ترتيب سيدك ، هو أكبر كسول ، لم يدرس ، ولم يداوم ، ولم يقرأ ، في النهاية يقول لك : إن الله لم يأذن لي أن أنجح ، وهكذا .
الصفقة الخاسرة ، والبضاعة الفاسدة يقول صاحبها : لم تُبَعْ  ، لمَ لم تقل : لم تحسن شراء البضاعة ، لم تحسن الدراسة في السوق ، لم تدرس التكاليف ، لم تدرس المنافسة ، لم تدرس النوعية ، أهملت البحث في النوعية ، والمنافسة ، والجدوى ، والربح ، والأسعار ، واشتريت متواكلاً على الله ، وبعد هذا تقول : الله ما أذن أن تُجبَر ، هذا ترتيب سيدك ، هذا من الدجل الذي لا يرضي الله عز وجل .
لا يمكن أن يكون القضاء والقدر تفسيراً لكسل الإنسان ، ولتقصيره ، ولعدم أخذ بالأسباب ، إذاً الهدى أول فكرة أساسية ، قال الله تعالى :
 
﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾
( سورة الليل ) .
ألزم الله ذاته العلية بهداية الإنسان ، وإن أتت كلمة ( على ) قبل لفظ الجلالة فمعنى ذلك أن الله ألزم ذاته العلية بها ، ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾ ، هداية العباد على الله عز وجل .
 
﴿ وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ﴾
( سورة النحل الآية : 9 ) .
أي : وعلى الله تبيان سبيل القصد ، في هداية إلى الأهداف ، وفي هداية إلى الوسائل ، ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾ ، والأهداف ﴿ وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ﴾ ، أي وعلى الله بيان سبيل القصد ، الآن :
 
﴿ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ ﴾
( سورة البقرة الآية : 272 ) .
معنى آخر : معنى ذلك أن أحداً من البشر لا يستطيع أن يهدي واحداً من البشر ، لأن البشر مخيرون ، ﴿ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ ﴾ .
 
﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ﴾
( سورة القصص الآية : 56 ) .
 
﴿ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ﴾
( سورة هود ) .
 
﴿ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ ﴾
 
( سورة الأنعام ) .
أي أن الناس مخيرون ، والنبي وظيفته التبليغ فقط ، لكن هناك آية ثانية :
 
﴿ وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
( سورة المؤمنون ) .
إنّ فحوى دعوتك إلى الصراط المستقيم هداية كاملة مطلقة في كمالها لمن اختارها ، فحوى الدعوى هداية صحيحة ، كاملة ، مطلقة ، أما موقف الناس منها فبحسب اختيارهم .
عم النبي عليه الصلاة والسلام عاصره ، أبو بكر رضي الله عنه اختار الهداية على يد النبي e، أما عمه أبو لهب فلم يختر الهداية ، ما اختار ، والدليل :
 
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾
( سورة الإنسان ) .
 
﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾
( سورة الكهف الآية : 29 ) .
المعنى الأول : أن الهداية كفحوى ، كدلالة ، كبيان ، كتوضيح ، كمعجزات ، كأدلة كآيات كونية ، تكوينية ، قرآنية ، الهداية كمضمون على الله ، الله عز وجل هدى العباد ، أي أبلغ العباد الحقَّ .
أول فكرة : الله تولى إرسال الرسل ، وإنزال الكتب ، ونصب الآيات في الكون كل شيء في الكون يدل عليه .
الآن هيأ لك ملَكاً يلهمك الخير ، وهيأ لك شيطاناً يحركك ، واحد يدعوك إلى الشر من أجل التحريك ، واحد يدعوك إلى الخير من أجل الخير ، وهناك أشخاص ، ومعالجات  و أفعال ، وهموم ، ومصائب ، وأحزان ، كل ما يسلكه الله للإنسان من أجل هدايته ، بدءاً من الكون ، من آياته الكونية ، ومن آياته التكوينية ، أفعاله ، ومن أنبيائه ورسله ، والدعاة الصادقين الذين سمح الله لهم أن ينطقوا بالحق ، ومن أفعاله ، ومن التربية النفسية التي يرسلها الله للإنسان ، ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾ ، الهداية من عند الله .
 
موقف الناس من الهداية نفسها
 
الآن موقف الإنسان منها ، إما أن يقبلها ، وإما أن يرفضها ، لأنه مخير ، الآن :
 
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾
 ( سورة البقرة الآية : 148 ) .
﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ .
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾ .
بعد أن تولى الله هداية الخلق يكون موقف الإنسان من هذه الهداية إما الاستجابة ، أو عدم الاستجابة .
 
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾
( سورة الأنفال الآية : 24 ) .
الهداية الأولى هداية البيان والتعريف    
أن الله تولى الهداية بنفسه ، تولى نشر الحق ، تولى إنزال الكتب تولى تكليف الأنبياء ، تولى معونة الدعاة إلى الله ، تولى التربية النفسية ، تولى إرسال الأدوية والمصائب ، وكل ألوان الهداية من عند الله ، الهداية الأولى هداية البيان والتوضيح ، هذا على الله عز وجل ، الكون ، العقل ، الفطرة ، الكتب السماوية ، الأنبياء ، الرسل ، المصائب التربية النفسية ، الحوادث ، كل شيء تراه عينك من أجل أن تهتدي إلى الله ، هذه على الله تولاها الله عز وجل ، الدليل : ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾ .
الهداية الثانية : هداية التوفيق  
الآن أنت مخير لك أن تستجيب ، أو ألا تستجيب ، إن استجبت فهناك هداية ثانية .
 
﴿ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ ﴾
( سورة فصلت الآية : 17 ) .
لم يستجيبوا .
 
﴿ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى ﴾
( سورة فصلت الآية : 17 ) .
فتية أهل الكهف :
 
﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾
( سورة الكهف ) .
الهدى الثاني : هداية التوفيق ، الهدى الأول هداية البيان والتعريف ، والإنسان قبل هذه الهداية ، ويقول : يا رب أعني ، يا رب نوّر قلبي ، يا رب فهمني هذا الكتاب ، يا رب ألهمني العمل الصالح ، بعد أن قبِل الإنسان دعوة الله عز وجل من خلال أنبيائه ، أو رسله ، أو كتبه أو الدعاة إلى الله ، قبل الدعوة .
الهداية الثانية هداية التوفيق ، الآن الله عز وجل يختار لك أفضل زوجة تعينك على بلوغ الجنة ، يختار لك أفضل مهنة تعينك على دخول الجنة ، يختار لك مهنة فيها دخل جيد ، لكن فيها وقت معقول تطلب العلم ، هذا كله بتقدير الله عز وجل ، أنت حينما قبلت دعوة الله عز وجل ، الآن الله يوفقك عز وجل كل في شؤونك إلى ما يحقق هدفك ، فأمور المؤمن التفصيلية بدءاً من صحته ، إلى زواجه ، إلى عمله ، إلى مكانته ، هذه كلها معونة من الله عز وجل ، أوضح شيء : ﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ ءَامَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾ أي : هدى التوفيق .
تماماً أنت في طريقك إلى مدينة حلب ، والطريق ليس فيه لافتات إطلاقاً ، افتراضاً ، وأنت أمام طريقين متشابهين ، من أين تذهب ؟ يقف رجل أمام هذا المفترق ، تسأله : من أين  حلب ؟ يقول لك : من الطريق الأيمن ، تقول له : جزاك الله خيراً ، فما دمتَ قبِلت دلالاته يقول لك : انتظر هناك منعطف خطر بعد حين ، وتحويلة بعد 3 كم ، ودورية جمارك ، انتبه  بعد حين ، لما قبلتَ دلالاته أعطاك التفاصيل .. إلخ ، لو أنك سألت هذا الإنسان ، وقال لك : الطريق إلى حلب هو الطريق الأيمن ، قلت له : أنت كذاب ، هل وكان الإمكان أن يقدم لك التفاصيل ؟ هذه هي الضلالة :
 
﴿ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ ﴾
( سورة النحل : الآية 93 ) .
لأن هذا الإنسان رفض دعوة الله كلياً ، إذاً رفض التوفيق إليها ، رفض التفاصيل ، رفض البيان التفصيلي ، كله وقف ، ما دمت رفضت دعوته أصلاً إذاً لم تجد التفصيل التي تعينك على الهداية ، رفضت طريق الهداية كله أنت .
لذلك هناك هداية بيان ، هذه على الله ، وحتى أطمئنكم ، لو أن في الإنسان مثقال ذرة من خير الله يسمعه عز وجل الحقَّ ، الدليل :
 
﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ ﴾
( سورة الأنفال الآية : 23 ) .
هذه آية مسكتة ، لو أن في الإنسان واحدًا بالمليار من خير فلا بد من أن يسمعه  الله الحق .
إن إنسانًا يعيش في أقصى مدينة في أمريكا ، والمدينة غارقة في الانحلال ، وفي قلب رجلٍ رغبة في الهداية ، يدخل الجيش ، وينضم إلى القوات الأمريكية الذاهبة إلى الخليج مثلاً ، ويسكن إلى جانب رجل مؤمن ، وطليق باللغة الإنكليزية ، ويتحاوران ، لاهتدى عن طريقه ، ويرجع مسلمًا .
لمجرد أن ينطوي قلبك على طلب للهداية يتولاك الله ، ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾ .
﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ ﴾ ، أما لو أن الله أسمعهم :
 
﴿ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾
( سورة الأنفال الآية : 23 ) .
التقيت مرة مع مندوب شركة فحدثته قليلاً عن الله عز وجل ، ما إن بدأت بالحديث ـ هو من هولندا ـ حتى قال لي : هذه الموضوعات لا تعنيني إطلاقاً ، ولا أعبأ بها ، ولا أبالي بها ، لا يعنيني إلا امرأة جميلة ، ومنزل واسع ، وسيارة فارهة ، ما تذوقت في حياتي هذه الآية كما تذوقتها بعد سماعي كلامه : ﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ .
إذاً أول هداية : هداية البيان ، المضمون ، الفحوى ، هذه على الله ، أنت مخير   ، إن قبِلتها زادك هدًى .
جاءت هداية ثانية ، اسمها هداية التوفيق ، وإن رفضتها حجبت عنك التفصيلات ، وهذا هو معنى الضلالة .
 
﴿ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾
( سورة النحل الآية : 93 ) .
 
فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ
 
عرضنا عليك الحق ، إن قبِلته فهناك آلاف النصائح ، وآلاف التوضيحات   وآلاف التفسيرات ، وإن رفضته أسكتنا ، لا مجال حينئذ ، لأنه : ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ﴾ .
الآن لأن الله عز وجل فطرك ، برمجك ، بالتعبير الحديث ( وَلَّفك ) ، جَبَلك على الحق ، فأيّ أمر إلهي يتوافق مع فطرتك ترتاح له .
إن مركبة من ( موديل ) 2006 ، مصممة أعلى تصميم ، أردت أن تركبَها في الوعر ، حيث الصخور ، والأكمات ، والتراب ، والرمل ، طبعاً ستجد أصواتًا ، وتكسيرًا ، وبطئًا ، فلما نقلتها إلى الطريق المعبد كشفت ميزاتها ، ارتاحت وأراحتك ، فهذه المركبة مصممة للطريق المعبد ، أنت مصمم لتسعد وتطمئن إذا أطعت الله عز وجل ، فإذا عصيته يختل توازنك ، وتصبح عنيفًا ، وغيرَ منطقي ، تكيل بمئة مكيال ، ردود فعلك قاسية جداً ، أسوأ زوج ، أسوأ عامل ، أسوأ موظف ، أسوأ مدير عام ، عندك خلل في التوازن الداخلي ، لأنه لما عصيت الله عز وجل خَدَشتَ فطرتك ، معك كآبة ، معك سوداوية ، معك سوء ظن ، معك عداوة وبغضاء ، تصرفات حمقاء ، والله الذي نراه في العالم من حمق ، والله يكشفه طفل مسلم ، لكثرة ما في العالم من حمق ، ومن البعد عن الله عز وجل .
إذاً : ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ﴾ ، لأن منهج الله عز وجل متوافق مع الفطرة ، والله عز وجل قلبك بيده ، وهذا شيء دقيق جداً ، قال النبي عليه أتم الصلاة والتسليم :
((إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ )) .
[ أخرجه الترمذي عن أنس]
لماذا ؟ حينما تختار الخير يملأ الله قلبك طمأنينة ، وسعادة ، وتفاؤلا ، وشجاعة ، وأمناً ، وتدخل في عالم آخر لا تعرفه سابقاً ، فتقول : أنا أسعد الناس .
والله لقد قال لي أحدهم والله بعد أن أدى الحج قال لي : والله ليس في الأرض من هو أسعد مني ، إلا أن يكون أتقى مني .
بشكل آلي ؛ عندما تطيع الله عز وجل تسعد ، وتطمئن ، وتستقر ، وتشعر بالأمن والراحة ، والسكينة ، والطمأنينة ، هذه : ﴿ يَشْرَحْ صَدْرَهُ ﴾ تحصيل حاصل .
 
وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ
 
﴿ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ ﴾ ، ذي قال له : ت كذاب لمن يقف على مفترق الطرق ، طبعاً سكت ، ولم يستطيع أن يتكلم ، وكل المعلومات المفيدة أغلقت عنه ، تحذيراً له ـ هنا النقطة الدقيقة ـ لماذا قلوبنا بين أصبعين من أصابع الرحمن ؟ حتى يعيننا على الخير ، وحتى يحذرنا من الشر ، فإذا أردت التوبة تشعر براحة لا توصف ، وإذا أردت عمل لا يرضي الله تشعر بضيق تكاد تتمزق منه ، كأنك إنسان غير طبيعي ، بل يصبح الإنسان شرسا ، وإذا فعل شراً انقطع عن الله ، وعاد فطرته ، التي عذبته بالكآبة ، والضيق ، والوسواس ، وسوء الظن  والتشاؤم ، واليائس .
﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ﴾
معنى : ﴿ يُرِدِ اللَّهُ ﴾ ، هذا الإنسان أراد ، ولأنه مخير الله سمح له أن يفعل ما يريد ، هذا معنى : ﴿ وَمَنْ يُرِدْ ﴾ .
الآية دقيقة جداً ، معنى : ﴿ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ ﴾ أن الإنسان أراد الهدى لما أراد ذلك ، ولأنه مخير ، ولأن الأمر بيد الله سمح الله أن يهتدي ، فلما قبِل الهدى أعطاه تفاصيل كثيرة جداً للهداية الثانية ، والإنسان الآخر رفض الهدى فحجب عنه التفاصيل .
 ﴿ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ ﴾ ، أن الإنسان أراد الضلالة ، لأنه مخير سمح الله له أن يضله .
الآن هناك آية توضح ذلك :
 
﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ﴾
( سورة الصف الآية : 5 ) .
قال العلماء : إذا عُزي الإضلال إلى الله فهو الإضلال الجزائي المبني على ضلال اختياري ، كيف ؟
مثلاً : طالب بالجامعة ، لم يداوم ، لم يؤدِ الامتحان ، جاءه إنذار تلو الإنذار ، عشرة إنذارات ، لم يجب على هذه الإنذارات ، صدر قرار بترقين قيده ، وأرادت الجامعة فصله ، لأنه أصر على ترك الجامعة ، فإرادة الجامعة تجسيد لإرادته ، المعنى دقيق ، معنى : ﴿ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ ﴾ ، لأن الإنسان اختار الضلال ، ولأن الفعل بيد الله ، سمح الله له أن يحقق اختياره .
 
يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ
 
﴿ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ﴾ .
هذه الآية من آيات الإعجاز العلمي ، لأنه ما عرفنا ضيق الصدر مع الصعود في طبقات الجو العليا إلا في العصر الأخير ، قبل 25 عاما أو 30 عاما ، أما 1400 عام فهذه الآية ما معناها ؟
إن الإنسان لما يصعد يشعر بضيق صدر ، وأحياناً يخرج الدم من فمه وأذنيه ، لكن الطائرات التي نركبها تضخ بالهواء ثمانية أمثال حجمها حتى يكون الضغط على ارتفاع 43 ألف قدم مساويا للضغط في الأرض ، وحينما يفسد جهاز ضغط الهواء يجب أن تهبط هبوطاً اضطرارياً ، ولو فوق البحر وإلا يموت الركاب ، ﴿ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ .
الهداية من الله هداية البيان ، والتوضيح ، والكون ، والعقل ، والفطرة  ، والأنبياء ، والرسل ، والكتب ، والدعاة ، والمعالجات ، والمصائب ، والمعالجة النفسية  والرؤى ، هذه كلها تربية إلهية ، هذه على الله ، ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾ ، أنت مخير ، إن اخترت الهدى جاءتك هداية ثانية ، هداية التفاصيل ، والتوفيق ، وإن اختار الإنسان الضلال ، وأصر عليه سمح الله به لأنه مخير ، منعت عنه التفاصيل والوسائل .
الآن هناك هداية ثالثة :  
 
﴿ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ ¯وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾
( سورة محمد ) .
هدايةُ بيان ، وهدايةُ توفيق ، وهدايةُ جزاء إلى الجنة ، تفضل ، ﴿ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُم * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾ في الدنيا ، ذاقوا طعمها ، وقد قيل : في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة .
أيها الإخوة الكرام ، لماذا كانت القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن ؟ هذا لصالح الإنسان ، إذا اتخذت قراراً سليماً بالتوبة والاستقامة ، إذا اتخذت قراراً سليماً بالتوبة والاستقامة يمتلئ القلب سعادة ، وطمأنينة ، وثقة ، ورضاً ، وأمناً ، وبشراً ، وإذا اتخذ الإنسان قراراً خاطئاً بارتكاب المعاصي والآثام يمتلئ القلب خوفاً ، وضعفاً ، وتضعضعاً  وتشاؤماً وإحباطاً ، فيكافئك الله على القرار الصحيح بسعادة ، ويحذرك الله بعد أن تتخذ القرار الخاطئ بشقاء .
ومعنى :﴿ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ ﴾ ، عرض عليه الحق فرفضه ، حجبت عنه التفاصيل ، ولأنه مخير سمح له أن يفعل ما يريد ، هو مخير ، ﴿ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ .
 إن الإيمان يرفع الإنسان إلى أعلى عليين ، والبعد عن الله عز وجل كأن على الإنسان نجاسات .
تصور إنسانا دخل الحمام ، واغتسل ، وتطيب ، وتعطر ، ولبس ثياباً نظيفة ، ومشى في الطريق ، فإذا ببركة مياه آسنة ، مياه مالحة ، مياه سوداء ، وفيها أناس يغوصون ويضحكون ، ويلعبون ، والمياه السوداء عند أنوفهم ، وفوق رؤوسهم  ، هم غارقون في ملذاتهم ، هذا الذي اغتسل ، وتطيب ، وتعطر ، وارتدى أجمل الثياب ، يتمنى أن يكون معهم ؟ .
 
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي ﴾
 
( سورة هود الآية : 28 ) .
الأمور كلها واضحة ، والله واضحة كالشمس الآن .
 
﴿ وَآَتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ﴾
 
( سورة هود ) .
والله أيها الإخوة إن المؤمن ينطوي على سعادة لو وزعت على أهل بلد لكفتهم  ، ينطوي على شعور بالأمن ، شعور بالرضا ، شعوب بالقرب من الله ، ينطوي على شعور أنه في ظل الله ، وأنه في رعاية الله ، وفي حفظ الله ، وفي توفيق الله ، وفي تأييد الله ، وفي نصر الله ، فإذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ ويا رب ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟
هذه الآية أيها الإخوة من أدق الآيات : ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ .
والحمد لله رب العالمين



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب