سورة الأنعام 006 - الدرس (10): تفسير الآيات (032 - 035) الهداية قرار داخلي

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ..."> سورة الأنعام 006 - الدرس (10): تفسير الآيات (032 - 035) الهداية قرار داخلي

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ...">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج من كنوز النابلسي 2: من كنوز النابلسي - 163 - أنا عند ظن عبدي بي           برنامج موعظة ورباط: موعظة ورباط - 16 - متى تصبح القدس عاصمة الخلافة - د. راغب السرجاني           برنامج الكلمة الطيبة 2024: الكلمة الطيبة - فضل الدعاء           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 397 - سورة المائدة 028 - 032           برنامج بريد الأسرى: بريد الأسرى - 24 - 04 - 2024           برنامج موعظة ورباط: موعظة ورباط - 15 - معاملةالأسرى في الإسلام - د. راغب السرجاني         

الشيخ/

New Page 1

     سورة الأنعام

New Page 1

تفسير القرآن الكريم ـ سورة الأنعام - تفسير الآية: (032 - 035) - الهداية قرار داخلي

21/03/2011 06:32:00

سورة الأنعام (006)
الدرس (10)
تفسير الآيات: (32-35)
الهداية قرار داخلي
 
لفضيلة الدكتور
محمد راتب النابلسي
 

 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الأخوة الكرام ، مع الدرس العاشر من دروس سورة الأنعام .
 
  كل عمل ولو بدا عظيماً إن لم يكن موظفاً للسعادة الأبدية فهو لعب :
 
مع الآية الثانية والثلاثين ، وهي قوله تعالى :
 
﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (32) ﴾ .
أيها الأخوة الكرام ، تحدثت في درسٍ سابق عن حقيقة اللعب وعن حقيقة اللهو ، وبينت أن العمل العابث الذي لا جدوى منه في المستقبل ، والذي ينطوي على نقيضه في الدنيا هو لعب ، والمثل الواضح : حينما تذهب إلى الثلج ، الأطفال يصنعون دمية من الثلج ، هذه يصنعونها ، ويعتنون بشكل وجهها ، لكن بعد حين إما أن تذوب ، وإما أن تنهار ، كذلك على شاطئ البحر ، هذا أوضح مثل للعب ، عمل لا جدوى منه في المستقبل ليس له أثر مستقبلي ، ينطوي على نقيضه ، وحينما تبتعد عنه يصغر في عينيك .
ضربت مثلاً آخر ، طفل أحياناً يلهو بمركبة صغيرة ، يمررها على الأثاث ، ويحدث صوت مع تمريرها ، وكأنها محرك ، فإذا أُخِذت منه بكى بكاءً شديداً ، فإذا صورناه بهذه الحالة ، فلما أصبح راشداً ، وله مقام في المجتمع ، وأريناه هذه الصور يستصغر عقله حينما كان في هذه السن .
لكن لو تعمقنا أكثر لوجدنا أن الدنيا كلها لعب ، ماذا يجدي سباق السيارات أحياناً؟ ماذا يجدي سباق الهجن ؟ سباق الخيل ؟ إلا إذا كان موظفاً لهدف نبيل ومروءة ، أما لمجرد السباق ، ماذا يجدي أن يهيج الناس من أجل إدخال كرة في مرمى ؟ ماذا يجدي أن يصعد الإنسان إلى القمر وشعوب تموت من الجوع في أطراف الأرض ؟ لذلك لو تعمقنا أكثر لوجدنا أن كل عمل ولو بدا عظيماً إن لم يكن موظفاً للسعادة الأبدية فهو لعب .
 
 حينما يؤمن الإنسان بالآخرة إيماناً حقيقياً كل حركاته وسكناته في الدنيا مرتبطة بذاك الهدف :
 
متاحف في أوربة فيها تماثيل من صنع فنانين كبار ، شيء لا يصدق في أبهائها ، وتماثيلها ، يأتي السائح فيؤخذ بهذه التماثيل ، ماذا فعلنا ؟ أيّ عمل لا يوظف للسعادة الأبدية فهو لعب ، أي عمل لا يوظف للدار الآخرة فهو لعب ، الدليل :
 
﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾ .
( سورة القصص الآية : 77 ) .
لكن أيها الأخوة ، أنا مضطر أن أوضح ؛ أحياناً الأب إذا أخذ أولاده إلى نزهة بعد مدة طويلة من الدراسة المضنية ، وملأ قلوبهم بالفرح ، وآنسهم ، ومتن علاقتهم به ، وأكرمهم فهذا عمل متعلق بالآخرة ، ليس لعباً ، أنت حينما ترتدي ثياباً أنيقة لأنك مسلم وتمثل هذا الدين ، ثيابك نظيفة ، تعتني بهندامك ، هذا ليس لعباً لأن له أثراً في مكانة المسلم ، أنت حينما ترتب محلك التجاري ، لأن اسمك مسلم ، فإذا كان في المحل فوضى ، وغبار ، وأشياء لا لزوم لها تؤخذ عنك فكرة سيئة ، فأنت حينما تعتني بمحلك التجاري ، وببيتك ، وبهندامك ، وحينما تمتّن علاقتك بأهلك وبأولادك هذا ليس من اللعب ، هذا من عمل الآخرة .
لذلك أنت حينما تؤمن إيماناً حقيقياً ، وحينما تؤمن بالآخرة إيماناً حقيقياً ، كل حركاتك وسكناتك في الدنيا مرتبطة بذاك الهدف .
أبين هذا بمثلٍ : إنسان ذهب إلى بلد غربي لينال دكتوراه ، ويعلق أهمية لا حدود لها على هذه الشهادة ، في عودته إلى بلده يحمل هذه الشهادة العليا ، وفي زواجه ، وفي شراء بيته ، الهدف الأول في هذا البلد نيل الدكتوراه ، علة وجوده في هذا البلد نيل الدكتوراه ، الآن عنده حركة يومية ، كل تصرفاته الجزئية مربوطة بهذا البلد ، الآن أراد أن يستأجر بيتاً ، يفكر ، يجب أن يختار موقعاً قريباً من الجامعة لأن هدفه نيل الدكتوراه ، ويجب أن يكون الوقت المستهلك في الانتقال للجامعة قصيراً ، أراد أن يقتني مجلة ، يختارها متعلقة باختصاصه ، أراد أن يصاحب صديقاً ، يختاره متقناً للغة حتى يتعلم منه المحادثة ، يختار أن يأكل ، يختار أكلة خفيفة تعينه على الدراسة ، والحديث طويل ، كل حركاته وسكناته في هذا البلد مربوطة بهدف كبير . هكذا المؤمن لأنه آمن بالله ، واختار الدار الآخرة .
 
   لا تصح حركتك في الدنيا إلا إذا عرفت سرّ وجودك فيها :
 
الآية تقول :
 
﴿ وَابْتَغِ فِيمَا أَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾
يمكن أن نجري مسابقات علمية وعسكرية فقط لأنها تدعم أهدافَ الأمة ، كي يكون المقاتل قويّاً يحتاج إلى تدريبات ، نقيم مسابقات ، أما المسابقات لاختيار أفضل مغنية مثلاً فهذا لعب ، لا علاقة له بالدار الآخرة  .
أنت حينما تعرف الهدف تكون جميع الوسائل في خدمة الهدف ، وتأخذ قيمة الهدف مادام الهدف نبيلاً ، هذه الوسائل المؤدية إلى هذا الهدف تأخذ قيمة الهدف .
 
﴿ وَلاَ يَطَئُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ﴾ .
 ( سورة التوبة : الآية : 120 )
اللعب حركة فيها نقيضها ، ولا هدف لها ، ولا أثراً مستقبلياً لها ، وتنتهي بانتهائها ، وتستصغرها بعد حين ، هذا هو اللعب ، أما اللهو فأخطر من اللعب . لو أن طالب أقام في العطلة الصيفية أشياء مؤقتة كي يستمتع بها ، لكن لو أنه انشغل بهذه اللعب والفحص على الأبواب ، نقول : هذا فضلاً على أنه لعب فهو لهو لأنه صرفه عن هدف نبيل بشيء خسيس ، حينما تنصرف بالشيء الخسيس عن الشيء النبيل فهذا لهو .
 
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ (9) ﴾ .
( سورة المنافقون الآية : 9 ) .
القصة كلها أن تعرف سر وجودك وغاية وجودك ، ولا تصح حركتك في الحياة إلا إذا عرفت سر وجودك ، وغاية وجودك ، كالذي ذهب إلى مدينة في الغرب ، ونام في الفندق أول ليلة ، واستيقظ وسأل : أين أذهب ؟ نسأله نحن : لماذا جئت أنت إلى هنا ؟ إن جئت طالب علم فاذهب إلى المعاهد والجامعات ، وإن جئت تاجراً فاذهب إلى المعامل والمؤسسات ، وإن جئت سائحاً فاذهب إلى المقاصف والمتنزهات ، فلا تصح حركتك في هذا البلد إلا إذا عرفت الهدف من وجودك فيه ، كما أنه لا تصح حركتك في الدنيا إلا إذا عرفت سر وجودك فيها ، لماذا أنت في الدنيا ؟
 
العبادة علة وجودنا :
 
قال تعالى :
 
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) ﴾ .
( سورة الذاريات ) .
العبادة علة وجودنا ، الآن يُبنى على هذه الحقيقة الدقيقة الحركة :
 
﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً (97)
( سورة النساء ) .
المكان الذي يحول بينك وبين عبادة الله التي هي سر وجودك ينبغي أن تغادره ، وإلا كان المصير إلى النار .
أيها الأخوة الكرام ، المشكلة أن الإنسان حينما يسافر يجد حياة مريحة جداً ، يجد جَمالاً أخّاذاً ، حاجات متوفرة بشكل لا يصدق ، كل شيء مُيسر ، إلا أن الشيء الذي لا يُحتمَل أنك لا تستطيع أن تضبط من حولك في هذه البلاد ، فحينما تخسر أولادك تخسر كل شيء ولم تربح شيئاً ، فالمكان الذي يمنعك أن تعبد الله ينبغي أن تغادره ، والمكان الذي يغري أولادك أن يعصوا الله ينبغي أن تغادره ، لقوله تعالى :
 
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً (6) ﴾ .
( سورة التحريم الآية : 6 ) .
 
المكان الذي يحول بينك وبين أن يكون أولادك في طاعة الله ينبغي أن تغادره : 
 
البنت التي وُئِدت في الجاهلية تُسأل :
 
﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) ﴾ .
( سورة التكوير ) .
لكن الله يقول :
 
﴿ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ (191) ﴾ .
( سورة البقرة الآية : 191 ) .
أما التي تنشأ في بلد متفلت ، ولها صاحب ، ولا يستطيع الأب أن يعنفها بحسب القوانين النافذة فهذه موءودة ، والله الذي لا إله إلا هو أخ كريم جاء من بلد بعيد ، وحدثني عن صديق له سمة إسلامية ، قال له : ماذا أفعل ؟ ابنتي فوق في غرفتها ومعها صديقها ولا أستطيع أن أفعل شيئاً ، إن عنّفتها وقّعت تعهداً في مركز الشرطة ألاّ أعود إلى ذلك لأنه سلوك غير حضاري ، هذا الصديق الذي خلا بابنته جاء بدعوة من ابنته ، أنت إنسان غير حضاري . إذاً المكان الذي يحول بينك وبين أن يكون أولادك في طاعة الله أيضاً ينبغي أن تغادره ، ومعنى :
 
﴿ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ (97) ﴾ .
( سورة النساء الآية : 97 ) .
إما ضعف قمعي وإما ضعف نفسي ، قد يضعف الإنسان أمام الشهوات ، فهو في هذا المكان مستضعف ، وقد يضعف أمام قوة قاهرة .
 
﴿ فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ (97) ﴾ .
( سورة النساء الآية : 97 ) .
 
العقل أن تبدأ من النهاية أي الموت :
 
لذلك أكبر شيء مهم في الدين أن تعرف لماذا أنت في الدنيا ؟ وما حقيقة الكون ؟ وما حقيقة الحياة الدنيا ؟ وما حقيقة الإنسان ، من أين ؟ وإلى أين ؟ ولماذا ؟ من هنا يكون المؤمن عاقلاً ، لأنه عرف سر وجوده وغاية وجوده ، وتكيف مع أخطر حدث في حياته ألا وهو الموت :
 
﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (32) ﴾ .
هناك كتب كثيرة ، من هذه الكتب كتاب قصص العرب ، من أربعة أجزاء ، والحقيقة أنه ممتع جداً ، لكن هناك موعظة أن الأقوياء في هذا الكتاب ماتوا ، وأن الضعفاء ماتوا ، وأن الأذكياء ماتوا ، وأن المغفلين ماتوا ، وأن أصحاب الوسامة ماتوا ، وأن أصحاب الدمامة ماتوا ، وأن كل مخلوق في هذا الكتاب تحت أطباق الثرى ، وهذا المجلس بعد مئة عام لا يبقى فيه واحد منا موجوداً ، بين مقبرة الشيخ محي الدين والباب الصغير ، كلنا ، هذه مقابر دمشق وفيها شواهد ، وإذا نزل واحد فوقنا يجدون جمجمة وعظمتين ، أليس كذلك ؟
هذا الكلام الواقعي ، فماذا أعددنا لهذه الساعة التي لا بد منها ؟ هذا هو العقل ، ابدأ من النهاية .
 
﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (32) ﴾ .
 
الفرق الشاسع بين الدنيا والآخرة :
 
بربكم مثل بسيط جداً ذكرته كثيراً : لو خيّروك بين أن تركب مركبة فاخرة ربع ساعة ، وبين أن تعطى دراجة نارية لك طوال الحياة ، ماذا تختار ؟ الدراجة ، هذه مدى الحياة ، وهذه مؤقتة ، حسناً لو كان الاختيار بين أن تركب هذه المركبة ربع ساعة أو أن تركب هذه الدراجة ربع ساعة ؟ تختار المركبة ، أما إذا خيّروك أن تركب هذه الدراجة ربع ساعة ، وأن تقتني هذه المركبة الفارهة مدى الحياة هل تتردد ثانية ؟ هذه الدنيا والآخرة .
 
﴿ وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) ﴾ .
( سورة الضحى ) .
وقال :
 
﴿ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17)﴾ .
( سورة الأعلى ) .
هل يوجد أوضح من هذا ؟
 
﴿ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17)﴾ .
(( أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ، فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ : ﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ )).
[ أخرجه الطبراني عن سهل بن سعد ]
ليس في الجنة أمراض ، ولا متاعب ، ولا اغتيالات ، ولا هموم ، ولا فقر ، ولا قلق ، ولا تهديد ، أما في الدنيا فالأمراض والمتاعب لا تنتهي .
 
﴿ وَمَا لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35) ﴾ .
( سورة ق ) .
(( أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ)) .
[ متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه ]
 
أدلة من القرآن والسُّنة تبين أن الدنيا إذا قيست بالأبد فهي لاشيء :
 
هذه الحياة الأبدية إلى ما شاء الله ، أكبر رقم في الدنيا إذا قيس بالأبد فهو صفر ، يمكن أن تعيش خمسة آلاف مليون سنة ، ممكن ، لأنَّ كل ما سوى الله ممكن ، الله عز وجل واجب الوجود وما سواه ممكن الوجود ، ممكن أن تعيش خمسة مليارات سنة ، ممكن أن تعيش خمسة آلاف مليون مليار سنة ، لكن قيمة هذه الدنيا كلها إزاء الآخرة صفر ، أي أخ درس الرياضيات من بديهيات الرياضيات أن أكبر رقم أنا عبرت عنه بواحد في الأرض ، وأصفار إلى الشمس ، 156 مليون كم ، لا كل من الكيلومترات أصفاراً ، كل ميليمتر صفر ، واحد في الأرض وأصفار إلى الشمس ، اسألوا علماء الرياضيات ، كل ميليمتر صفر ، 156 كم من الأصفار ، هذا الرقم ضعه صورة وضع في المخرج 8 ، القيمة صفر ، لذلك :
 
﴿ كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) ﴾ .
( سورة الدخان ) .
(( لَوْ كَانَتْ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِراً مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ )) .
[ أخرجه الترمذي عن سهل بن سعد ] .
 
﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (32) ﴾ .
 
ما الحياة الدنيا إلا تفاخر ولعب ولهو وزينة :
 
لذلك هذا كلام لكل الأخوة الكرام :
(( كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ )) .
[ أخرجه الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ]
دخل صحابي على رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، وهو من أفقر الصحابة ، فالنبي صلى الله عليه وسلّ هشّ له وبشّ ، قال :
(( أهلاً بمن خبرني بقدومه جبريل ، قال : أو مثلي ؟ قال نعم يا أخي ، خامل في الأرض علم في السماء )) .
[ ورد في الأثر]
لذلك : (( ابتغوا الرفعة عند الله ))  .
[ابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق عن أبي هريرة]
الحياة الدنيا تعريفها لعب ولهو ، وفي آية وزينة :
 
﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ (20)
( سورة الحديد الآية : 20 ) .
تفاخر ، تكاثر ، زينة ، لعب ، لهو ، إذا قال الله : ﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا ﴾ يعني أن في الآية حصراً وقصراً ، وليست غير ذلك ، لذلك ورد في بعض الأحاديث :
 (( خذ ما تشاء من الدنيا ، وخذ بقدره هماً ))  .
[الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه ]
(( من أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه أخذ حتفه وهو لا يشعر ))  .
[البزار من حديث أنس وضعفه ابن حبان ]
 
  الله عز وجل يواسي سيدنا محمد في الآية التالية على تكذيب الكفار له :
 
قال تعالى :
 
﴿ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33)﴾ .
هو الرسول صلى الله عليه وسلّ ، سيد الخلق وحبيب الحق ، من شدة كماله ورحمته بالخلق فهو أرحم الخَلق بالخَلق ، فحينما يُكذَّب يتألم أشد الألم ، فالله سبحانه وتعالى يواسيه : ﴿ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ﴾ . إذاً الإنسان مخيّر ، فإذا صدّق الحق واتبعه كسب الدنيا والآخرة ، وإذا كذّب الحق ولم يتبعه خسر الدنيا والآخرة ، وطريق الإيمان بالله آياته الدالة على عظمته ، والدليل : ﴿ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ﴾ ، والآيات العلامات ، هناك آيات كونية دالة على عظمة الله ، وهناك آيات تكوينية ـ أي أفعاله ـ دالة على عظمة الله ، وهناك آيات قرآنية ـ أي كلامه ـ دالة على عظمة الله .
 
﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) ﴾ .
أي يا محمد لا تحزن لأنّ شأن المرسلين أن يكذبوا ، لكن هناك نقطة دقيقة وهي عن الجامعة ، الجامعة الكبرى لا يعني أن كل الطلاب ينجحون ، أبداً ، لكن الجامعة الكبرى أن تأتي النتائج متوافقة مع المقدّمات ، حينما ينجح المتفوق ولا ينجح الكسول فهي جامعة عظيمة ، لذلك أن يكون الإنسان مخيَّراً ، وأن يمنح الإنسان مقوّمات التكليف من كون دال على عظمة الله ، ومن عقل يعد أحد أسباب معرفة الله ، ومن فطرة تعد سبب معرفة الله ، ومن شهوة كقوة محركة ، ومن اختيار كثمن لعمل الإنسان ، ومن شرع كطريق واضح يسير فيه .
 
  يجب أن تؤمن أن من سنن الله عز وجل المعركة بين الحق والباطل :
 
أيها الأخوة ، حينما يكون الإنسان مؤمناً ، وحينما يتفوق في الدنيا بإيمانه عندئذٍ يحقق الهدف من وجوده ، فالنبوات بعض أتباع الأنبياء ، أو بعض الذين التقى بهم الأنبياء يصدقونهم ، وبعض الذين التقى بهم الأنبياء يكذبونهم ، فالعبرة أن يكون مصير المُكذب مصيراً معيناً ، وأن يكون مصير المصدق مصيراً معيّناً ، إذاً هناك عدل في الكون .
يا محمد لا تتألم ، ولا تحزن إذا كذبك قومك ، فهذا شأن الأنبياء من قبل :
 
﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) ﴾ .
يجب أن نؤمن أن معركة الحق والباطل معركة أزلية أبدية ، هكذا أراد الله عز وجل ، وكان من الممكن أن يجمع الله الكفار كلهم في قارة واحدة ، والمؤمنين في قارة ثانية ، وليس هناك تواصل بينهما ، لكن لم تعد هناك جنة ، لو كان الكفار في بلد بعيد ، وجاء النبي عليه الصلاة والسلام ، وجاء بالرسالة ، وجاء بالقرآن فذاب الناس محبة له خضعوا له ، وليس هناك بدر ، ولا أحد ، ولا خندق ، ولا نفاق ، ولا أعداء ، لكن لم تعد هناك جنة .
 
﴿ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ (4) ﴾ .
( سورة محمد الآية : 4 ) .
يجب أن تؤمن أن من سنن الله عز وجل المعركة بين الحق والباطل ، الأعداء لهم دور مهم جداً ، الأعداء يدفعونك إلى طلب العلم إذا كذبوا دينك ، قد يأتي مؤلف ويقول : هذا الدين خرافة ، والدين أفيون الشعوب ، مثلاً ، وقد يأتي إنسان مبطل ويقول : هذا القرآن من كلام محمد ـ صلى الله عليه وسلّ ـ النقطة الدقيقة أن الله سمح بذلك لدفعِ المؤمنين إلى تمكين إيمانهم ، ما الذي يحصل في النهاية ؟ أن عمالقة الشر ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله .
 
﴿ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ (36) ﴾ .
( سورة الأنفال الآية : 36 ) .
 
يمكن أن نشكر القوة الغاشمة لأنها أعانتنا على أن نكفر بها ونؤمن بالله :
 
الطرف المناوئ له فضل كبير ، نحن على مستوى ما يجري في العالم أنا أرى ، وأتمنى ، وأعتقد أن هذه الهجمة الغير معقولة على الإسلام والمسلمين لصالح المسلمين لأنها توحدهم ، ولأنها توقظهم ، ولأنها تدفعهم إلى التمسك بدينهم ، ولعل هناك خيرات حِسان لا يعلمها إلا الله من نتائج هذه المعركة ، ومن قبل ما جرى في الحادي عشر من أيلول هناك قوة عظمى خطفت أبصار أهل الأرض ، وطمع كل إنسان أن يُسمح له بزيارة هذه البلاد ، وكأن هذه البطاقة الخضراء بطاقة إلى الجنة الخضراء ، وأن هذه القوة الكبيرة العملاقة الغنية القوية التي طرحت قيماً رائعة يُحبها الإنسان كحريته ، وما شاكل ذلك من قيم العدالة والمساواة  وتكافؤ الفرص والعولمة وغيرها ، هذه القيم خطفت أبصار أهل الأرض ، وتعلق الناس بهذه الجهة القوية ، ورأوها بديلاً للدين ؛ هي الحضارة والتفوق ، فلما ظهرت وحشيتهم أصبحت قوة غاشمة ، ليس غير ، وبقي الإسلام عملاقاً في نظر الناس .
لذلك الكلمة الدقيقة ، أنه يمكن أن نشكر هذه القوة الغاشمة ، لأنها أعانتنا على أن نكفر بها ، وما لم نكفر بها فالطريق إلى الله ليس سالكاً :
 
﴿ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا (256) ﴾ .
( سورة البقرة الآية : 256 )
إذاً الله عز وجل يخفف عن نبيه الكريم فيقول : ﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى ـ لانتهاء الغاية ـ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ﴾ ، الله عز وجل لا يتخلى عنا ، وأرانا بعض الآيات ، هذه القوة العملاقة الطاغية ، لوحان اصطدما فكانت قوة تصادمهما مليون قنبلة ذرية .
 
الحكمة من إثبات التهم التي اتهم بها النبي الكريم في القرآن : 
 
أخواننا الكرام ، بربكم إذا قال الكفار والمشركون : إن محمداً e مجنون ، أو ساحر ، أو كاهن ، أو شاعر ، لماذا أثبت الله هذا في القرآن ويتلى إلى يوم القيامة ، ما الحكمة ؟ سبّ أحدهم إنساناً بسباب مؤذٍ هل من الحكمة أن تروج هذه الكلمة بين كل الناس ؟ هذا الذي وقع ، جميع التهم التي اتهم بها النبي عليه الصلاة والسلام قد أثبتها الله في القرآن ، وهذا كتاب يُتلى إلى يوم القيامة ، فما الحكمة ؟
الحكمة : أنْ يا أيها الدعاة إذا نالكم أذى فلكم في هذا النبي الكريم أسوة حسنة ، هل يعقل أن يذهب النبي الكريم إلى الطائف مشياً على قدميه ، وهناك يستهزأ به ، ويُكذّب ، ويناله الأذى حتى سال الدم من قدميه الشريفتين ، أيضاً هذا درس للدعاة ، أنك إذا تحملت في سبيل الدعوة مضايقة وعذاباً فلك بهذا النبي أسوة حسنة ، والآخرة تسوى فيها الحسابات ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ﴾ ، هؤلاء الذين حاربوا النبي أين هم الآن ؟ هؤلاء صناديد قريش ، زعماء قريش ، أين هم الآن ؟ هم في مزبلة التاريخ  ، والنبي الكريم الذي كان ضعيفاً مستضعفاً يمر على عمار بن ياسر ، وهو يعذب ، لا يستطيع أن يفعل شيئاً إلا أنْ يقول :
 (( صبراً آل ياسر ! فإن مصيركم إلى الجنة )).
[الحارث والبغوي في مسند عثمان وابن منده ]
كان ضعيفاً ، بالمناسبة ، لو كان النبي e قوياً لآمن كل من في الجزيرة في ثانية واحدة خوفاً منه ، كالأقوياء تماماً ، إذا أعطوا توجيهاً ينفذ بشكل غير معقول ، لكن أراده الله أن يكون ضعيفاً ليكون الإيمان به قيماً ، الإيمان به له ثمن كبير ، لأنه آمن :
 
﴿ وَمَا قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلَا رَشَداً (21) ﴾ .
( سورة الجن ) .
وقال :
 
﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً (188)﴾ .
( سورة الأعراف الآية : 188 ) .
هذا الإنسان جعله ضعيفاً ليثمن الإيمان به ، آمن به وهو ضعيف : ﴿ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ﴾ ، مستحيل وألف ألف مستحيل أن يتخلى الله عن المؤمنين ، ولكن علينا أن نصبر .
 
 إن عصينا وصبرنا فالمصير إلى القهر أما إن أطعنا وصبرنا فالنتيجة هي النصر :
 
قال تعالى :
 
﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً (120) ﴾ .
( سورة آل عمران الآية : 120 ) .
إن عصينا وصبرنا فالمصير إلى القهر ، أما إن أطعنا وصبرنا فالنتيجة هي النصر :
 
﴿ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ﴾
هذا قانون إلهي .
 
﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51) ﴾ .
( سورة غافر ) .
وقال :
 
﴿ وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآَيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35)﴾ .
( سورة الأنعام ) .
 
  قضية الإيمان بالله في نفس الإنسان لا في الآيات :
 
هنا نقطة دقيقة جداً ، أسأل الله أن يوفقني إلى شرحها :
 
﴿ وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ .
الإنسان حينما يريد أن يؤمن فالبعرة تدله على البعير ، والأقدام على المسير ، والماء على الغدير ، وإذا لم يرد أن يؤمن يكون بوكالة ( ناسا ) الفضائية ويرى المجرات كل يوم ، يكون بالمجهر الإلكتروني ويرى الخلية ، ولا يؤمن ، معنى ذلك أن الإنسان الذي رفض أن يؤمن لو رأى المعجزات إلى نهاية الدوران لا يؤمن ، والذي أراد أن يؤمن فهذا الكون من دون خرق للمعجزات يكفي للإيمان بالله ، فالقضية في نفس الإنسان لا في الآيات ، النبي عليه الصلاة والسلام بسبب رحمته وحرصه على هداية الخلق يسعى ، قال تعالى :
 
﴿ وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى ﴾
جعل إيمانهم قسرياً ، وبربكم لو أراد رئيس الجامعة أن ينجح جميع طلاب كلية الطب ، فطبعَ أوراق الإجابة عليها الإجابة التامة والعلامة مئة على مئة ، فقط اكتب وامشِ ، كلهم ينجحون ، ما قيمة هذا النجاح ؟ لا قيمة له إطلاقاً لا عند رئيس الجامعة ، ولا عند إدارتها ، ولا عند الناس ، ولا عند الطلاب ، فالهدى القسري سهل ، لكن لا يسعِد .
 
أراد الله تعالى أن يكون الإيمان اختيارياً لأنه سيكون ثمن جنة عرضها السماوات والأرض:
 
الله عز وجل أرادنا أن نأتيه راغبين ، طائعين ، مختارين ، محبّين :
 
﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى ﴾
أراد الله أن تكون العلاقة بينك وبينه علاقة محبة ، علاقة اختيار ، علاقة مبادرة شخصية ، لو أن الله أراد أن يؤمن الناس جميعاً لآمنوا ، لكن أراد أن يكون الإيمان اختيارياً ، لأنه سيكون ثمن جنة عرضها السماوات والأرض ، فالنبي عليه الصلاة والسلام من حرصه على قومه قال الله تعالى له :
 
﴿ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ .
هذه قوانين الله عز وجل ، وأنت حينما تريد أن تؤمن فلا تحتاج إلى معجزة ، هذا الكون بوضعه القائم يكفي ، حسبكم الكون معجزة ، وإن أردت ألا تؤمن ترى زلزال آسيا ، وترى آيات لا تنتهي ، وغرق التيتانيك ، وسقوط كولومبيا ، وسقوط المتحدي ( تشالنجر ) ، ترى آيات دالة على عظمة الله ولا تؤمن .
بالمناسبة ، أغلى آلة تصوير إذا لم يكن فيها فيلم لا قيمة لها ، وأقل آلة تصوير مع الفلم فيها فائدة ، فالفائدة أن تبحث عن الحقيقة ، فإن أردت الحقيقة كل شيء في الكون يدلك على الله ، وإن أردت أن تتجاهل الحقيقة فلو كنت في كل مراكز العلوم والجامعات والمجاهر والتلسكوبات لا تؤمن :
 
﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى ﴾
الهدى قرار داخلي تتخذه ، فإن اتخذته فكل شيء يدلك على الله ، وإن لم تتخذه فلو رأيت نفقاً في الأرض ورأيت منه الطرف الآخر للأرض ، أو سلماً إلى السماء فلا تؤمن.
والحمد لله رب العالمين



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب