سورة المائدة 005 - الدرس (22): تفسير الآيات (041 - 041) الفتنة وصفات المنافقين

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات"> سورة المائدة 005 - الدرس (22): تفسير الآيات (041 - 041) الفتنة وصفات المنافقين

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج أنت تسأل والمفتي يجيب 2: انت تسأل - 287- الشيخ ابراهيم عوض الله - 28 - 03 - 2024           برنامج مع الغروب 2024: مع الغروب - 19 - رمضان - 1445هـ           برنامج اخترنا لكم من أرشيف الإذاعة: اخترنا لكم-غزة-فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله-د. زيد إبراهيم الكيلاني           برنامج خطبة الجمعة: خطبة الجمعة - منزلة الشهداء - السيد عبد البارئ           برنامج رمضان عبادة ورباط: رمضان عبادة ورباط - 19 - مقام اليقين - د. عبدالكريم علوة           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 371 - سورة النساء 135 - 140         

الشيخ/

New Page 1

     سورة المائدة

New Page 1

تفسير القرآن الكريم ـ سورة المائدة - تفسير الآية: (041 - 041) - الفتنة وصفات المنافقين

21/03/2011 05:16:00

سورة المائدة (005)
الدرس (22)
تفسير الآية :(41)
الفتنة وصفات المنافقين
 
لفضيلة الدكتور
محمد راتب النابلسي
 

 
والحمد لله رب العالمين
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا بما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 
النبي عليه الصلاة والسلام من بين جميع الأنبياء والمرسلين لم ينادَ باسمه :
 
أيها الأخوة المؤمنون، مع الدرس الثاني والعشرين من دروس سورة المائدة، ومع الآية الإحدى والأربعين، وهي قوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنْ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنْ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾
أيها الأخوة الكرام، أنبياء الله جل جلاله خوطبوا ونودوا بأسمائهم؛ يا زكريا، يا يحيى، يا إبراهيم، إلا أن النبي عليه الصلاة والسلام من بين جميع الأنبياء والمرسلين لم ينادَ باسمه، بل نودي بكلمة يا أيها النبي و:
﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ ﴾
وهذا تكريم له وأي تكريم، لأن رسالته ألغت كل الرسائل السابقة، ولأنه سيد الأنبياء والمرسلين:
﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ﴾
النبي بشر، لولا أنه بشر وتجري عليه كل خصائص البشر لما كان سيد البشر، لأنه بشر، وانتصر على بشريته كان سيد الأنبياء والمرسلين.
 
البشر خلقوا من أجل أن يكونوا على شاكلة محمد فهو قدوة البشر :
 
الذين قالوا: إن الكون خُلق من أجل محمد شطحوا، لكن البشر خلقوا من أجل أن يكونوا على شاكلة محمد، فهو قدوة البشر، وهو القدوة الذي جعل الله حياته كلها تشريعاً، فأقواله تشريع، وأفعاله تشريع، وإقراره تشريع، وصفاته تشريع، رسالته خاتمة، ورسالته ناسخة، ناسخة وخاتمة، وهو قمة بني البشر، وهو سيد الأنبياء والمرسلين، وسيد ولد آدم ولا فخر، كما قال عليه الصلاة والسلام، ولم ينادَ باسمه، اسمه جاء خبراً:
﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾
 [ سورة الفتح: 29]
أما إذا ناداه الله عز وجل:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ﴾
 [ سورة التحريم: 1]
﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ ﴾
إذاً هناك تفوق، وهناك تميز، وهناك نسخ للشرائع السابقة، وهناك شريعة هي خاتمة الشرائع إلى يوم القيامة:
﴿ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ﴾
 
فرق كبير بين سارع إلى الشيء وسارع في الشيء :
 
أيها الأخوة الكرام، قد يسأل سائل: لمَ لمْ يقل الله عز وجل: أولئك الذين يسارعون إلى الكفر، لو أن الآية: يسارعون إلى الكفر فهم كانوا في موقع آخر غير الكفر، كانوا مؤمنين، لكنهم سارعوا إلى الكفر، المعنى ليس كذلك، هم لم يؤمنوا أصلاً، إلا أنهم كانوا في الكفر، فلما جاءت هذه الرسالة سارعوا إلى مزيد من الكفر، فلا بد من استخدام كلمة (في)، فرق كبير بين سارع إلى الشيء، وسارع في الشيء، الله عز وجل قال:
﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾
[سورة آل عمران: 133]
﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾
[سورة الحديد: 21]
الأداة (إلى)، هنا يسارعون في الكفر، إن قلنا: سارع إلى الشيء فقد كان في موقع آخر، وسارع إلى موقع جديد، أي كانوا مؤمنين فانتقلوا إلى الكفر، المعنى ليس كذلك، هم لم يؤمنوا أصلاً، إلا أنهم كانوا كفاراً، فلما نزلت هذه الرسالة سارعوا إلى مزيد من الكفر، هم في الكفر، كانوا في مستوى فأصبحوا في مستوى آخر، فالكافر حينما يكفر، ولم تبلغه رسالة سماوية هو كافر، لكن إذا جاءته الرسالة السماوية مع الأدلة الكافية، ومع المعجزات والبراهين، ورفض أن يؤمن إذاً هو سارع في الكفر، بلغ مستوى أكبر من الذي كان فيه:
﴿ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ﴾
 
عصمة النبي بالمعنى السلوكي أنه لا يسمح لجهة كائنة من كانت أن تنال منه :
 
أيها الأخوة الكرام، هؤلاء الذين أرسل إليهم كانوا يحزنونه لعنادهم وإبائهم أن يؤمنوا، لكن الله سبحانه وتعالى يطمئن نبيه مرتين، يطمئن نبيه أن هؤلاء الذين لم يؤمنوا بك وهم أقوياء، وهم سادة قريش، لن يستطيعوا أن ينالوا منك لأنك معصوم، قال تعالى:
﴿ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ﴾
[ سورة المائدة: 67 ]
ولا يقبل المنطق أن الله يرسل رسولاً إلى أناس، ثم يسلمه إليهم، خالق هذا الكون، مبدع هذا الكون هو القوي، لا يسمح لأعدائه أن ينالوا من أنبيائه، لذلك أخبره الله عز وجل أنه يعصمه من الناس، وعصمة النبي بالمعنى السلوكي أنه لا يسمح لجهة كائنة من كانت أن تنال منه، إذاً:
﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ﴾
لا تخف منهم، لأنهم بيد الله، وليس إلا الله، وليس لك من الأمر شيء.
﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾
[ سورة الزمر: 62 ]
﴿ لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ﴾
[ سورة الأعراف: 54 ]
لا تخف منهم، لا تخف أن يطفئوا نور الله، هذا الذي يتوهم أنه يستطيع إلغاء الدين إنسان في منتهى الغباء، الله عز وجل يقول في آية أخرى:
﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾
[ سورة التوبة: 32 ]
بربكم لو أن واحداً من الناس توجه إلى قرص الشمس، ونفخ ليطفئ لهيبها ألا نشك في عقله؟ فإذا كان البشر مجتمعين عاجزين عن أن يطفئوا نور الله، فهل يستطيع واحد أن يحول بين الله وهداية خلقه؟!
 
لاتستطيع جهة في الأرض مهما قويت أن تحول بين الله وهداية خلقه :
 
الآن وقد كثر الحديث عن ضغوط توجه إلى العالم الإسلامي ليغير مناهجه، وليلغي العبادات التي جاء بها الدين، هل تعتقدون أن جهة في الأرض مهما قويت، ومهما تضخم شأنها، ومهما استعلت، ومهما تغطرست، تستطيع أن تحول بين الله وهداية خلقه؟ هذا من سابع المستحيلات، لكن الله يسمح للطرف الآخر أن يهدد وأن يتوعد ليمتحن إيمان المؤمنين.
﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾
[ سورة آل عمران: 173 ]
﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ﴾
هؤلاء الألداء الأعداء الذين أصروا على كفرهم، ورفضوا دعوة الحق، ورفضوا دعوة النبي عليه الصلاة والسلام؛ هؤلاء لا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً، لأنهم في قبضة الله.
﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾
[ سورة هود: 56 ]
﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً*وَأَكِيدُ كَيْداً*فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً ﴾
[ سورة الطارق: 15-17 ]
 
الله عز وجل يريد أن يطمئن نبيه لأنه بشر :
 
قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ ﴾
على عنادهم وعلى كفرهم لا تقلق من مؤامراتهم، لا تنظر إلى قوتهم، هم أقوياء ولكن الله أقوى منهم، الله عز وجل يريد أن يطمئن نبيه لأنه بشر، قال عليه الصلاة والسلام:
((لقد أوذيت في الله،وما يؤذى أحد، وأخفت في الله،وما يخاف أحد، ولقد أتت علي ثلاثون من بين يوم وليلة وما لي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا شيء يواريه إبط بلال))
[ أخرجه أحمد في مسنده والترمذي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه عن أنس ]
إنه بشر، ولأنه بشر وجرت عليه كل خصائص البشر، وانتصر على بشريته كان سيد البشر، لكن الله يعامله كبشر، يطمئنه، لا تقلق.
﴿ قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى ﴾
[ سورة طه: 45]
على فرعون:
﴿ قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾
[ سورة طه: 46]
 ((ما من عبد يعتصم بي دون خلقي أعرف لك من نيته فتكيده السماوات بمن فيها إلا جعلت له من بين ذلك مخرجاً، وما من عبد يعتصم بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته إلا قطعت أسباب السماء بين يديه،وأرسخت الهوى من تحت قدميه، وما من عبد يطعيني إلا وأنا معطيه قبل أن يسألني، وغافر له قبل أن يستغفرني ))
[أخرجه ابن عساكر عن كعب بن مالك ]
 
لو أراد الله أن يقهر الناس على الإيمان به وعلى طاعته لكان ذلك يسيراً عليه :
 
قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ﴾
لا تحزن خوفاً منهم، ثم إن هناك معنى آخر: لا تحزن خوفاً عليهم إنهم مخيرون.
﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾
[ سورة الكهف: 29]
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾
[ سورة الإنسان: 3]
لو أراد الله أن يقهر الناس على الإيمان به وعلى طاعته لكان ذلك على الله شيئاً يسيراً.
﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴾
[ سورة هود: 118]
ولكنه أراد أن نأتيه محبين، مختارين، طائعين.
 
الفرق بين العبيد والعباد :
 
لو أن عبداً شرساً كذوباً شروداً ربطه بسلاسل، فإذا طلبته شدت السلسة فجاءك، وازن بينه وبين إنسان حر طليق، لمجرد أن تناديه يكون أمامك، أيهما تحب؟ تحب الثاني، الذي يأتيك طوعاً، يأتيك عن حب، يأتيك عن تقدير، لذلك حينما نقرأ قوله تعالى:
﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾
[ سورة فصلت: 46]
العبيد جمع عبد، وحينما تقرأ قوله تعالى:
﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً ﴾
[ سورة الفرقان: 63]
ألم يخطر في ذهنك الفرق بين العبيد والعباد؟ العبيد جمع عبد، والعباد جمع عبد، واختلاف المبنى دليل اختلاف المعنى، قال بعض علماء التفسير: العبيد جمع عبد القهر، أي إنسان كائناً من كان، مسلماً أو كافراً، مستقيماً أو عاصياً، مؤمناً أو ملحداً، هو عبد لله، هو عبد قهر، قطر الشريان التاجي بيد الله، سيولة الدم بيد الله، نمو الخلايا بيد الله، والله عز وجل في آية ثانية يجعل الإنسان جثة هامدة.
﴿ إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ﴾
[ سورة يس: 29]
فكل إنسان كائناً من كان، مسلماً كان أو كافراً هو عبد لله، شيئاً بمعنى أنه مقهور بحكم الله، هذه الحقيقة تغيب عن الأقوياء الجهلاء، في أية لحظة أنت في قبضة الله، مليون سبب تصبح به جثة هامدة، تستمع أحياناً إلى موت مفاجئ، سكتة دماغية، سكتة قلبية، حادث، تشمع كبد، فشل كلوي، التهاب بالأعصاب حاد، فالله عز وجل قاهر عباده، فكل عباده عبيد له قهراً، لكن كلمة عباد التي هي جمع عبد فهو عبد الشكر، هذا الذي عرف الله مختاراً، هذا الذي أقبل عليه مشتاقاً، هذا الذي أطاعه وهو قوي، وهو في مقتبل حياته، هذا العبد يجمع على عباد:
﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً ﴾
[ سورة الفرقان: 63]
 
الإيمان محله القلب والإسلام محله الجوارح :
 
إذاً يا محمد لا تحزن بسبب خوفك منهم، فإنهم في قبضتي، ولا تحزن بسبب خوفك عليهم، فإنهم مخيرون، أنا لا أريد طاعة قسرية، الطاعة القسرية لا تسعد الطائع، يريد الله إنساناً يحبه ويطيعه. لذلك يقول الله عز وجل:
﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ ﴾
الإيمان محله القلب، والإسلام محله الجوارح، فأنت تؤمن بقلبك، أما إذا آمنت بلسانك فهذا هو النفاق، ولا يستطيع أحد في الأرض كائناً من كان أن يطلع عليك فيما تضمر، هذا من فضل الله عليك، لا تستطيع جهة في الأرض مهما أوتيت من قوة أن تمنعك أن تفكر، أو تمنعك أن تؤمن، فالإيمان محله القلب، والإسلام محله الجوارح، هؤلاء جعلوا الإيمان بأفواههم، إذاً هذا إيمان المنافقين، فالمنافقون:
﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ*اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ﴾
[ سورة البقرة: 14-15]
هؤلاء:
﴿ الَّذِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ ﴾
لم يدخل الإيمان في قلوبهم، إذاً هم كفار ولكنهم أذكياء، أرادوا أن ينتفعوا من صفات المؤمنين.
 
إيمان المنافقين :
 
قال تعالى:
﴿ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنْ الَّذِينَ هَادُوا ﴾
المنافقون كفار في الحقيقة، إن المنافقين هم الكافرون، لكنهم كفار أعلنوا الإسلام تحقيقاً لمصالحهم، لذلك مكانهم يوم القيامة في الدرك الأسفل من النار، ذلك لأن الكافر واضح، وأحياناً تحترمه لأنه واضح لم يكذب، قال لك: أنا لا أؤمن بالدين، بعيداً عن أن يكون كلامه صحيحاً أو خطأ فهو واضح، والمؤمن واضح، لكن المخيف هو المنافق، يقول ما تقول، ويفعل بعكس ما تقول، معك بلسانه، ومع الكفار بقلبه، يقول من قول خير المرسلين، ويفعل فعل أسوأ الشياطين، ومشكلة المسلمين في المنافقين، ونحن أيها الأخوة لا نخشى على الإسلام من أعدائه بل نخشى عليه من أدعيائه، لا نخشى عليه من الطرف الآخر، نخشى عليه ممن تلبسوا بالدين لأسباب دنيوية.
لذلك يقول الإمام الشافعي: لأن أتجر بالرقص أفضل من أن أتجر بالدين، أو لأن أرتزق بالرقص أفضل من أن أرتزق بالدين.
فهؤلاء الكفار الذين عاشوا مع النبي، والذين أبوا أن يؤمنوا به، ثم آمنوا بألسنتهم لا بقلوبهم، تحقيقاً لمصالحهم، أو تحقيقاً لمصالح الطرف الآخر، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنْ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنْ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ ﴾
 
المؤمن يطبع على الخلال كلها إلا الكذب والخيانة :
 
أنت إذا أتيت بمنشار وقدوم، وقطعت خشبة هل تسمى نجاراً، لا تسمى نجاراً، النجار الذي اتخذ النجارة حرفة، له خبرات متراكمة، الإنسان قد يسمع الكذب، المؤمن قد يكون في مكان فيسمع الكذب إلا أنه لا يقبله، فإذا استطاع رده، لكن المنافق من خصائصه أنه سماع للكذب، اتخذ من سماع الكذب صفة له، يستمع إلى الكذب، وينطق بالكذب، ويرحب بالكذب، ويروج الكذب، فالإنسان حينما يتخذ الكذب أداة يسمعه، يرحب به، يثني عليه، ينطق به، يعظم الكذابين، ويحقد على الصادقين، هذا إنسان عدو للدين، فهؤلاء الذين ينهى الله عز وجل نبيه أن يحزن من أجلهم، أو أن يحزن عليهم، أو أن يحزن خوفاً منهم، هؤلاء سماعون للكذب، والمؤمن يطبع على الخلال كلها، قد تجد مؤمناً عصبي المزاج، وقد تجد مؤمناً هادئ الطبع، وقد تجد مؤمناً اجتماعياً، وقد تجد مؤمناً يؤثر الوحدة على الاجتماع، وكل هذه الطباع مقبولة وعلى العين والرأس.
((يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الكذب والخيانة ))
[رواه أحمد بين الأعمش وأبي أمامة ].
 فهو لا يكذب ولا يخون:
﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنْ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنْ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ ﴾
القوم الآخرون هم زعماء قريش؛ لكبرهم وغطرستهم واستعلائهم يتأبون أن يجلسوا بمجلس رسول الله، لكنهم يرسلون الجواسيس ليعلموهم ماذا يقول؟ فهؤلاء:
﴿ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ﴾
 
للآية التالية عدة معانٍ :
 
أيها الأخوة، من معاني:
﴿ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ ﴾
أنهم يستمعون إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وهدفهم أن يكذبوا عليه، أن يحوروا كلامه إرضاء للطرف الآخر. في معنى آخر: هم يستمعون من أهل الباطل للكذب، ويثنون على الكذب. في معنى ثالث:
﴿ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ ﴾
أي يستمعون من رسول الله لحساب قوم آخرين، القوم الآخرون دفعوهم إلى أن يستمعوا ليقفوا على دعوة النبي عليه الصلاة والسلام، وكلمة (سمّاعون) صيغة مبالغة أي أنهم ألفوا أن يستمعوا إلى الكذب، المؤمن قد يستمع إلى الكذب فيرفضه، لكن لا يسمى سماع، يسمى سامع، أما السماع هو الذي اتخذ من سماع الكذب خصيصة من خصائصه الثابتة:
﴿ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ ﴾
كبراً واستعلاء وغطرسةً.
 
من صفات المنافقين أنهم لا يضعون الكلمة في مواضعها بل يزورون ويحرفون :
 
قال تعالى:
﴿ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ﴾
يتلاعبون بالألفاظ، أي إذا قال الله مثلاً:
 
﴿ لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ﴾
[سورة النساء: 43]
يكتفون بقوله لا تقربوا الصلاة، وإذا قال الله عز وجل:
﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾
[سورة الحجر: 99]
يفسرون اليقين لا على ما فهمه أصحاب رسول الله، بل على مزاجهم، ما دمت قد تيقنت من إيمانك فقد انتهت عبادة ربك، يستمعون للكذب من الكفار، ويثنون على الكفار، ويستمعون من رسول الله من أجل أن يكذبوا عليه، ويستمعون لحساب قوم آخرين مستكبرين لم يأتوا رسول الله:
﴿ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ﴾
لا يضعون الكلمة في مواضعها، يزورون، يحرفون:
 ﴿ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا ﴾
فإذا كان الكلام قابلاً للتحريف فخذوه من رسول الله وحرفوه، وإن لم تستطيعوا تحريفه فاحذروا أن تنقلوه عن رسول الله، والكلام الذي لا يؤول قطعي الدلالة، هذا كلام إذا نقل قوَّى مركز النبي عليه الصلاة والسلام، فكل كلام واضح قطعي الدلالة ينبغي ألا تأخذوه، وألا تنقلوه، أما الكلام الذي يحتمل التأويل، ويحتمل التزوير فخذوا هذا الكلام، وغيروا مواضعه، وروجوه بين الناس.
 
الفتنة امتحان حيادي :
 
أذكر هنا قصة للتوضيح، مرةً قلت: إن الإنسان لو قبل المصحف من وجوهه الستة ولم يعمل بأحكامه لا ينتفع بهذا التقبيل، نقل أحدهم هذا الكلام، وقال: إن فلاناً يحرم تقبيل المصحف، أنا لم أحرم تقبيل المصحف، لكنني أشرت إلى حديث قاله النبي عليه الصلاة والسلام:
 ((ربَّ تال للقرآن والقرآن يلعنه ))
[ ورد في الأثر]
لا يحلُّ حلاله، ولا يحرِّم حرامه، فماذا تنتفع بأن يكون المصحف في صدر محلك التجاري، وأنت تكذب مع كل نفس؟ ماذا تنتفع بمصحف في مقدمة مركبتك، وأنت تتحرك لإيذاء الناس وللكذب عليهم ولابتزاز أموالهم؟ لذلك يمكن أن تقول كلمة لا شيء فيها إطلاقاً، لكنها تحرف، وتغير، وتؤول لا لصالحك، هذا كشاهد.
﴿ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً ﴾
الحقيقة أن الفتنة ليست مخيفة إطلاقاً، الفتنة حيادية، قد تفتن فتنجح، قد تفتن بالمال، يؤتيك الله مالاً كثيراً، لكنك تحافظ على هذا المال، وتنفقه في وجوهه الشرعية، لا تستعلي به على الناس، تنفقه بكلتا يديك لكل مسكين ومحتاج، أنت فتنت بالمال فنجحت، وقد تفتن بالمال فلا تنجح، بل يدعوك إلى الاستكبار، وإلى البخل، وإلى أن تنفقه جزافاً على شهواتك، وإلى أن تمنعه في وجوه الخير، فالفتنة امتحان حيادي، لذلك قال تعالى:
﴿ وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً ﴾
هكذا شاءت حكمة الله.
 
العبرة لا بالفتنة بل بنتائج الفتنة :
 
قال تعالى:
﴿ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾
[ سورة المؤمنون: 30]
﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُون﴾
[ سورة العنكبوت: 2]
فلا بد من أن تفتن، إلا أن المعنى الذي يفهمه العامة من كلمة فتنة أن تدمر   فلاناً، فتن فدمِّر، لا، فتن أيْ امتحن فقط، والعبرة بالنتيجة، قد تنجح وقد لا تنجح، سيدنا يوسف عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ألم يفتن بامرأة العزيز؟ هل نجح أم رسب؟ نجح، قال:
﴿ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾
[ سورة يوسف: 23]
لم يرسب، وآلاف الشباب يكونون في موقف مشابه لهذا النبي الكريم فيفتنون ويقترفون الفاحشة، فالعبرة لا بالفتنة، بنتائج الفتنة، إذا نجحت فهذا نجاح كبير، الله عز وجل خاطب سيدنا موسى فقال:
﴿ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً ﴾
[ سورة طه: 40]
فامتحنا ما في نفسك، الله عز وجل يفتن عباده كل دقيقة، وكل ساعة، وكل يوم، وكل شهر، إن آتاك المال فتنك به، وإن حرمك منه فتنك، هل تصبر؟ هل ترضى بقضاء الله؟ إن قوى الكافر يفتنك بهذا، هل تقول أين الله، أم تقول: حسبي الله، ونعم الوكيل؟ فقد يقوي الكافر، وقد يقوي المؤمن، وقد يعطي، وقد يمنع، وقد يرفع، وقد يخفض، وقد يعز، وقد يذل، وقد يبسط، وقد يقبض، هذه كلها فتن، لذلك حينما قال عليه الصلاة والسلام:
(( بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَناً كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ))
[ أحمد عن أبي هريرة]
 
الأصل في الدنيا أنها دار امتحان :
 
المرأة الكاسية العارية في الطريق أليست فتنة؟ إما أن تغض عنها البصر فترقى، وإما أن تملأ عينيك من محاسنها فتفتن فتسقط، المال الحرام إما أن تأخذه فتسقط، وإما أن ترفضه فترقى عند الله:
﴿ وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً ﴾
أنت يا محمد لا تستطيع أن تحول بين الله عز وجل وبين امتحان عباده، لأن أصل الدنيا دار امتحان، الأصل في الدنيا أنها دار امتحان:
﴿ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾
[ سورة المؤمنون: 30]
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴾
 [ سورة الملك: 2]
﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ﴾
الحقيقة هذه الآية تحتاج إلى شرح بسيط، هذا الطالب الذي هو في الجامعة، والذي لم يحضر درساً واحداً، والذي لم يقدم الامتحان، ولم يداوم، ولم يعتبر، أرسلت بطاقات الإنذار، أرسل له من يقنعه بمتابعة الدراسة، شدد عليه، هدد، رغب، لم يتأثر، ولم يستجب، ولم يعتبر، ولم يأتِ إلى الجامعة، ولم يقرأ، ولم يتصل بأستاذ، هذا ماذا أراد؟ أراد ألا يتابع الدراسة، الآن الإدارة لها موقف من هذا الطالب، تريد الإدارة أن ترقن قيده، وأن تفصله من الجامعة، فإرادة إدارة الجامعة هي في الحقيقة تجسيد لإرادة الطالب.
 
من أراد الدنيا لا يستطيع أحد أن يقنعه بالدينلأنه اتخذ قراراً بدائياً برفض الدين :
 
إذا قال الله عز وجل:
﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ﴾
لأنهم ما أرادوا تطهير قلوبهم، هذا شيء واضح تماماً، إنسان لا يعنيه إلا المال، لا يعنيه إلا المرأة، لا يعنيه إلا الشهوة، لا يعنيه إلا العلو في الأرض، مهما حدثته عن الدين، وعن كتاب الله، وعن سنة رسول الله، وعن أصحاب رسول الله، وعن الآخرة المديدة التي فيها ما لا عين رأت، هو ليس معك إطلاقاً، هذا الإنسان لا تستطيع قوى الأرض أن تقنعه بالدين، لأنه اتخذ قراراً بدائياً برفض الدين من الداخل، فانتهى الأمر، هذا معنى قوله تعالى:
﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾
في الدنيا، لأنهم ابتعدوا عن الله عز وجل سقطوا من أعين الله، وأراد الله تأديبهم، إما بعذاب مهين، وإما بعذاب أليم، وإما بعذاب عظيم، فإذا أصروا على كفرهم، وانتقلوا إلى الدار الآخرة كان الجحيم منتهاهم.
أيها الأخوة: الآية:
﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنْ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنْ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ 
 
والحمد لله رب العالمين



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب