سورة الأحزاب 033 - الدرس (7): تفسير الأيات (28 – 32)

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ..."> سورة الأحزاب 033 - الدرس (7): تفسير الأيات (28 – 32)

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ...">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج أنت تسأل والمفتي يجيب 2: انت تسأل - 287- الشيخ ابراهيم عوض الله - 28 - 03 - 2024           برنامج مع الغروب 2024: مع الغروب - 19 - رمضان - 1445هـ           برنامج اخترنا لكم من أرشيف الإذاعة: اخترنا لكم-غزة-فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله-د. زيد إبراهيم الكيلاني           برنامج خطبة الجمعة: خطبة الجمعة - منزلة الشهداء - السيد عبد البارئ           برنامج رمضان عبادة ورباط: رمضان عبادة ورباط - 19 - مقام اليقين - د. عبدالكريم علوة           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 371 - سورة النساء 135 - 140         

الشيخ/

New Page 1

     سورة الأحزاب

New Page 1

تفســير القرآن الكريم ـ ســورة الأحزاب - (الآيات: 28 - 32)

24/05/2012 15:05:00

سورة الأحزاب (033)
الدرس (7)
تفسير الآيات: (28 ـ 32)
 
لفضيلة الدكتور
محمد راتب النابلسي
 

 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الأخوة الأكارم ... مع الدرس السابع من سورة الأحزاب ، وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29) ﴾ .
( سورة الأحزاب )
 
خصوصية خطاب الله نبيَّه بلفظ الرسالة والنبوة :
 
1 – تكريم وتفضيل الله نبيَّه على سائر الأنبياء :
[، وقال : ]يَا عِيسَى [، وقال : ]يَا نُوحُ [، ولم يخاطب النبي عليه الصلاة والسلام خطاباً إلا بقوله تعالى : ] يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ[، و: ] يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ[، و : ] يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ[، توقيراً له ، وتكريماً ، وتفضيلاً له على سائر الأنبياء ، خاطب الأنبياء بأسمائهم ، قال : ]يَا يَحْيَى أولاً : الله سبحانه وتعالى ما خاطب النبي في القرآن الكريم إلا بقوله تعالى : ] يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ[ .
2 – مقام النبوة يقتضي دوام الصلة بالله :
المعنى الثاني : أن النبوة مقامٌ يقتضي دوام الصلة بالله .
حينما رأى الصدِّيق رضي الله عنه سيدنا حنظلة يبكي في طرقات المدينة ، وقال له : " يا حنظلة مالك تبكي ؟ " فقال حنظلة : " نافق حنظلة " ، قال : " ولِمَ يا أخي ؟ " ، قال : " نكون مع رسول الله ، ونحن والجنة كهاتين " ـ أيْ إذا جلسنا في مجلسه نسعد ، إذا جلسنا في مجلسه نرى الجنة من خلال حديثه ، إذا جلسنا في مجلسه ينشرح صدرنا ، إذا جلسنا في مجلسه تزول عنا الكروب والأحزان ـ فإذا عافسنا الأهل ـ ذهبنا إلى البيت ، إلى السوق ، إلى العمل ـ ننسى ـ هذه الحالة الطيبة ، الرائعة ، المسعدة ، هذا التجلي إن صح التعبير ، هذا الحال ، هذا الصفاء الذي نحن فيه عند رسول الله ، فإذا ذهبنا إلى بيوتنا ، ومارسنا أعمالنا ، ودخلنا في الأسواق ، وقيل وقال ، وكيت وكيتَ ، وهذا الحال فيذهب عنا ، إذاً أنا منافق ـ هذا قول سيدنا حنظلة .
سيدنا الصديق لكماله الشديد ، ولذوقه الرفيع ، ما أراد أن يجعل سيدنا حنظلة وحيداً في هذه الحالة مستوحشاً ، قال : " يا أخي أنا كذلك ـ أنا مثلك ـ انطلق بنا إلى رسول الله " .
وعند النبي عليه الصلاة والسلام حدَّثاه عن حال حنظلة فقال عليه الصلاة والسلام ـ هنا الشاهد ـ :
(( نحن معاشر الأنبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا ، أما أنتم يا أخي فساعةٌ وساعة ، لو بقيتم على الحال التي أنتم عليها عندي لصافحتكم ، الملائكة ولزارتكم في بيوتكم )) .
 
 [ مسلم عن حنظلة ]
(( إنا معاشر الأنبياء تنام أعيننا ، ولا تنام قلوبنا )) .
[ موطأ مالك ]
 
(( لَوْ تَدُومُونَ عَلَى الْحَالِ الَّذِي تَقُومُونَ بِهَا مِنْ عِنْدِي لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلائِكَةُ فِي مَجَالِسِكُمْ ، وَفِي طُرُقِكُمْ ، وَعَلَى فُرُشِكُمْ ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً ، وَسَاعَةً وسَاعَةً )).
 
[ سنن الترمذي عَنْ حَنْظَلَةَ الأُسَيِّدِيِّ ]
 
استنباطات من حديث حنظلة :
 
يُستنبط من هذا الحديث استنباطان :
 
الاستنباط الأول :
أن في مجلس العلم صفاءً وتجليًّا وراحة نفسية ، وهذه يتميز بها مجلس العلم عن المجالس الأخرى .
 الاستنباط الثاني :
أن الإنسان لو دامت حالته لكان نبياً ، مَن هو النبي ؟ هو الذي على دوام صلة بالله عزَّ وجل  .
 
تحذير من فهم مغلوط للحديث :
 
لكنأيها الأخوة الأكارم ، إياكم أن تفهموا من هذا الحديث أن كلمة : (( وَسَاعَةً وسَاعَةً )) ، أي ساعة طاعة وساعة معصية ، لا والله ، إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، ولكن ساعة وساعة ، ساعةُ إقبال ، وساعة فتور ، لا أقول : إعراض أيضاً ، ساعةُ إقبال وتأجُج ، وساعة فتور وهموم ، فالإنسان بين ساعةٍ وساعة ، أحياناً في صلاته يشعر بحاله طيبة ، أحياناً في أثناء الذكر ، أحياناً في أثناء تلاوة القرآن ، أحياناً في أعقاب العمل الصالح يشعر قبلك الحال الطيبة ، وأحياناً يفقد هذا الحال ، وما دام مستقيماً فهذه حكمةٌ أرادها الله .
إذاً : النبوّة مقام يقتضي دوام الصلة بالله في النوم وفي اليقظة ؟
 
من اشتقاقات ومعاني كلمة نبي :
 
شيءٌ آخر ، كلمة النبي مأخوذة من نَبَأَ بمعنى ظهر ، أي له مكان علي ، له مكان شامخ ، ومأخوذة أيضاً من كلمة أَنْبَأَ بمعنى أخبر .
 
بين النقل والعقل :
 
1 ـ دور العقل :
وبعد ، فالله عزَّ وجل خلق الكون وأودع فينا العقل ، وهناك توافقٌ بين العقل وبين الكون ، فمن أعمل عقله في الكون حكم حكماً قطعياً بأن لهذا الكون خالقاً عظيماً ، ومربياً حكيماً ، ومسيراً قديراً ، وإذا أحكم عقله في القرآن رأى من إعجازه الشيء الكثير ، فحكم أيضاً بأن هذا القرآن كلام الله عزّ وجل ، وإذا عَلِمَ عِلْمَ اليقين أن هذا القرآن كلام الله ، فالذي جاء به قولاً واحدا هو رسول الله ، إذاً : كلام النبي عليه الصلاة والسلام تبيانٌ وتفصيلٌ لهذا الكتاب ، انتهى دور العقل .
2 ـ دور النقل :
الآن جاء دون النقل ، النبي أخبرنا عن سر الوجود ، عن فلسفة الحياة ، عن طبيعة الحياة ، ماذا بعد الموت ؟ عن الحساب ، عن مصير الإنسان ، إما إلى جنة يدوم نعيمها ، أو إلى نارٍ لا ينفد عذابها ، حدَّثنا عن الصراط المستقيم ، وعن حوضه الشريف ، وعن العرش ، وعن الكرسي ، وعن الصحفِ إذا نُشِرَت ، وحدثنا عن أصل الإنسان ، وعن سر وجوده ، وعن طبيعة الخلق ، وعن أجدى شيءٍ يفعله في الدنيا ، وأعطانا الأوامر والنواهي ، أي أخبرنا عن الله ، أَنْبَأَ بمعنى أخبر ، من جهة له مقامٌ رفيع ، لأن له مهمتين ، مهمةً تبليغية ، ومهمةٍ أخرى قدوة ، أن يكون قدوةً لنا ، هذا المقام الرفيع من لوازمه أنه أنبأناً عن الله عزَّ وجل ، أخبرنا عنه ، رسول الله ..
﴿ إِنَّمَا إِلَهُكُمْ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا(98) ﴾ .
(سورة طه )
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ  ﴾ .
(سورة الطلاق : من الآية 12 )
 
بين النبوة والتنبُّؤ
 
إذاً النبوة من نَبَأَ بمعنى ارتفع وظهر ، ومن أَنْبَأَ بمعنى أخبر ، لكن التنبُّؤ شيء آخر ، هذا الموضوع دقيق جداً أتمنى أن أضعه بين أيديكم .
1 – التنبُؤ خاضع لقانون :
[متى يتنبَّأ الإنسان ؟ إذا عرف القانون ، فأنت كمهندس ، إذا رأيت جسراً حديدياً نسي المهندس المنفّذ أن يترك بين أجزائه فواصل تمدد ، وأنت تعلم علم اليقين أن المعادن ، ولا سيما الحديد تتمدد بالحرارة ، وأنت في شهر الشتاء القارص ، وهذا الجسر مُحكم ورائع ، ويؤدي وظيفة كبيرة ، تتنبأ وأنت عبد بأن هذا الجسر سوف يلتوي في الصيف ، من أنبأك هذا ؟ القانون ، تمدُد الأجسام بالحرارة ، ما دام المهندس قد نسي فواصل التمدد فهذا الجسر لا بدَّ من أن يلتوي ، أنت لو قرأت القرآن ، ودرست الآيات التي تأخذ معنى القانون ، إذا قرأت القرآن ، واستنبطت منه الآيات التي تأخذ معنى القانون ، وقد عبر الله عنها " بكلمات الله " : ]لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ، فإذا أحصيت هذه الآيات مثلاً :
﴿ فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى(123) ﴾ .
(سورة طه )
 
2 – تطبيق الهدى الإلهي نفيٌ للشقاء الدنيوي والأخروي :
من المستحيل لإنسان يطبق الهدى الإلهي في زواجه ، في بيعه ، في شرائه ، في معاملته ، في علاقته مع نفسه ، في حواسه ، في صحته ، في طعامه ، في شرابه ، في كل شيء ، وأن يصاب بضلالٍ في عقله ، أو شقاءٍ في نفسه .
إذاً : إذا انطلقت من حبك الشديد لنفسك ، من حبك الذي لا يتناهي لذاتك عليك بطاعة ربك ، عليك بتطبيق منهج ربك ، ولا أريد أن يكون الإنسان ضحية التجريب ، لأن هذا الشرع شرع الله عزَّ وجل ، وهذا القانون قانون الله عزَّ وجل ، فكل مَن خالفه شقيتْ نفسه ، وضل عقله .
فأي إنسان اعتنق عقيدة خلاف ما في القرآن ، اعتنق عقيدةً وضعيةً من وضع البشر ، فقد ضلَّ ضلالاً مبيناً ، فما هو الضلال ؟ إنه شيء مخالف للواقع ، يفاجأ بعد حين أن هذا البناء الشامخ الذي بناه قد تقوَّض وانهار ، هذا هو الضلال ..
﴿ فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ  ﴾ .
(سورة طه )
إذا اعتقدت اعتقاداً موافقاً للقرآن فلن تضل ، ولن تفاجأ ، ولن يأتي يوم يكون الخبر عليك كالصاعقة ، وأن هذا الذي اعتنقته أصبح خرافةً ، هذا في الإسلام لن يقع أبداً ، قد يقع هذا في المذاهب الوضعية ، تعتنق مبدأً وتدافع عنه ، وتتحمَّس له ، وتبذل من أجله الغالي والرخيص ، والنفس والنفيس ، ثم في نهاية المطاف تكتشف أن هذا المبدأ باطل ، وأنه كلامٌ فارغٌ لا معنى له ، وأن كل المبادئ التي صدَّقها الإنسان مبادئ لا أصل لها في الواقع .
3 – اعتناق المبادئ الوضعية سبب للشقاء الدنيوي والأخروي :
إذاً : هذا الذي يحدث لأهل الدنيا حينما يعتنقون مبادئ وضعية ، يصابون بخيبة أمل كبيرة جداً ، هذا لن يحدث في الدين أبداً ، لأنك مع توجيه خالق الكون ، مع الثوابت ؛ خالق الكون ، كتابه ، رسوله كلها ثوابت ، لن يكون في حياتك مفاجأةٌ صاعقة من نوع أن تفاجأ بأن المبادئ التي اعتنقتها مبادئ خُلَّبِيَّة لا أصل لها ، لا تستند إلى واقع ، لا معنى لها ، لم تؤت أكلها إطلاقاً ، لم تحقق هدفاً إطلاقاً .
4 – معرفة القوانين الإلهية سبيل إلى التنبؤ بمصير الإنسان :
 
قانون الاستقامة والتنبؤ بالحياة الطيبة :
إذاً : أنت إذا عرفت القوانين تنبأت ، أنت لست نبياً ، لكن لو رأيت شاباً مستقيماً ، وهو في مقتبل العمر ، لا يملك شيئاً ، ولا أحد يعرفه ، نكرة من نكرات المجتمع ، إن رأيته محباً لله ورسوله ، مستقيماً على أمره ، يحرص على دينه ، ورعاً تقياً نقياً ، قل له : لك مستقبلٌ زاهر ، وتأكد أن هذا الكلام لابدَّ من أن يحصل ، لأن الله عزَّ وجل يقول :
 
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً  ﴾ .
(سورة النحل : من الآية 97 )
قانون الربا والتنبؤ بدمار المال :
وإذا رأيت المرابي تنبَّأ له بتدمير المال وأنت مطمئن ..
 
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ  ﴾ .
( سورة البقرة : من الآية 276 )
قانون عدم العفة والتنبؤ بالزواج الفاشل :
إن رأيت شاباً له خبراتٌ قبل الزواج ، ذَوَّاقٌ قبل الزواج ، فتنبأ له بزواجٌ شقي ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
(( إن اللّه لايحب الذواقين ولا الذواقات )) .
[عن فيض القدير شرح الجامع الصغير]
قانون العفة والتنبؤ بالزواج الناجح :
إن رأيت شاباً عفيفاً قبل الزواج فتنبأ له أنه سيسعد في زواجه ، لأن زواجه مكافأةٌ من الله عزَّ وجل على عفته قبل الزواج ، إنها قوانين .
أتمنى على كل أخٍ كريم أن يقرأ القرآن الكريم ، وأن يستنبط القوانين .
 
﴿ كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ(33) ﴾ .
( سورة يونس )
قانون الفسق والتنبؤ بالعذاب :
ما دام الإنسان مقيماً على معصية ، ما دام مقيماً على مخالفة ، لن يؤمن ، لن يُقبل ، حجابٌ كثيفٌ بينه وبين الله عزَّ وجل ، فإذا قرأت القرآن ، وعرفت القوانين ، أمكنك أن تتنبأ بما سيكون لا من علم الغيب ؛ ولكن من علمٍ بالقوانين تماما كالذي يتنبأ بأن هذا الجسر لابدَّ من أن يلتوي في فصل الصيف ، لأن المهندس نسي الفواصل ، فواصل التمدد بين أجزائه ، تنبؤ بالقوانين ، فإذا قرأت القرآن .
 
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً  ﴾ .
(سورة النحل : من الآية 97 )
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى(124) ﴾ .
(سورة طه )
قانون الخيانة والتنبؤ بالفضيحة :
لو قرأتم قوله تعالى :
 
﴿ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ(52) ﴾ .
(سورة يوسف )
أيْ أنّ أية خيانةٍ على وجه الأرض لا بدَّ من أن تفتضح ، مهما كنت ذكياً ، مهما أحكمت الأمور ، ما دامت خيانة فلابدَّ من أن تفتضح ، هذا قانون القرآن الكريم.
 
من القوانين القرآنية : ثلاثةٌ من كنَّ فيه كُنَّ عليه :
 
ثلاثةٌ من كن فيه كن عليه :
1 – البغي :
 
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ  ﴾ .
( سورة يونس : من الآية 23 )
 
2 – النكث :
 
﴿ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ  ﴾ .
( سورة الفتح : من الآية 10)
 
3 – الخداع :
 
﴿ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنفُسَهُمْ  ﴾ .
(  سورة البقرة : من آية 9 )
إذا أنت قرأت حديث النبي المستند إلى فهمه الدقيق لكتاب الله ، هذه كلها قوانين ، بإمكانك أن تتنبأ ، وأنا أقول لك : هذا الشيء طيب جداً ..
 
قوانين تحكم علاقات الناس :
 
1 ـ بشر الزاني بالفقر ولو بعد حين :
 
2 ـ بشِّر القاتل بالقتل :
تجد أن اكتشاف الجريمة ـ أنا هذا ما أراه ليس صادراً عن ذكاء رجال الأمن الجنائي ، ولكن بتقديرِ قادرٍ ـ بتقديرِ حكيمٍ ، لسببٍ تافهٍ جداً كُشِفَ الأمر ، وظهرت الجريمة ، وعوقب المجرم وأعدم ، بشر القاتل بالقتل ولو بعد حين ، المرابي بشِّره بمحق المال ، والمتصدق بشره بنماء المال ، كلها قوانين .
 
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ  ﴾ .
( سورة البقرة : من الآية 276 )
واللهِ شيء رائع جداً أن تتعرف إلى القوانين التي تحكم علاقات الناس فيما بينهم ، شيء رائع جداً ، أن تعرف :
3 ـ الطيبون للطيبات :
إذا كنت طيباً صادقاً مخلصاً منيباً ، الله سبحانه وتعالى يسوقك شئت أم أبيت لامرأةٍ صالحةٍ ، تسرُّك إذا نظرت إليها ، وتحفظك إذا غبت عنها ، وتطيعك إذا أمرتها ؛ وإذا لم تكن طيباً جاءتك مَن هي على شاكلتك ، قال الله له : عبدي قد عاقبتك ، ولم تدر ، فما من شيءٍ أروع للإنسان من أن يطلّع على قوانين حتمية لابدَّ من أن تقع .
إذاً النبي سُمِّيَ نبياً لأنه ظهر مقامه عالياً ، من نبأ الشيء أي ظهر ، وسُمّي نبياً لأنه أنبأنا بالحق ، أخبرنا عن الله عزَّ وجل ، أخبر عقولنا ما تعجز عن فهمه بذاتها ، وإذا قرأت كلام الله وكلام رسوله تجده كله قوانين .
4 ـ قانون القرض والأداء :
من ذلك مثلاً  :
(( مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُـ فمثلاً أنت استقرضت قرضاً ، وفي نيتك الأكيدة أن ترد هذا القرض ، الله عزَّ وجل ييسر لك الأمور وترد هذا الدين ـ
 
 وَمَنْ أَخَذَ أموال الناس يُرِيدُ إِتْلافَهَا ـ أيْ أنْ يأكلها بالباطل ـ أَتْلَفَهُ اللَّهُ )) .
[ صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]
 
أتلفه الله في جسمه ونفسه وماله ، تجده أصيب بمرض عضال ، دفع كل شيءٍ ، وباع بيته ، لأنه حينما أكل أموال الناس أراد أن يأكلها بالباطل منذ أن أخذها ، هكذا .
5 ـ قانون طلب الدنيا وطلب الآخرة :
وكذلك :
(( مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا
 
 إِلا مَا قُدِّرَ لَهُ )) .
[ الترمذي ، ابن ماجه ، أحمد عن أنس]
هذه قوانين ، ليتك إذا قرأت القرآن ، أو قرأت سنة النبي العدنان تكتشف هذه القوانين ، وأتمنى عليك أن تكتبها ، هذه قوانين قطعية الحدوث ، فإذا عرف الإنسان أن هذا التيار تيار صاعق ، استخدم آلة مغلَّفة بعازل ، لأن جهله بهذا الموضوع قد يودي بحياته ، وكذلك إذا عرف أن هذا الغاز يسبب انفجاراً ، فإذا شَمَّ هذه الرائحة يبادر إلى منع التسرب ، ولو أنه ضغط على زر الكهرباء لانفجر البيت ، فإذا عرفت طبيعة الغاز فلن تفعل ذلك .
 
كل مصيبة بسبب مخالفة منهج الله :
 
أكاد أن أقول لكم : ما من مصيبةٍ في الأرض إلا بسبب مخالفةٍ لمنهج الله ، وما من مخالفةٍ بمنهج الله إلا بسبب جهلٍ به ، إذاً : أعدى أعداء الإنسان هو الجهل ، فإذا أردت أن تتعلم فعليك بالمساجد ، عليك ببيوت الله عزَّ وجل ، فيها تتعرف إلى كلام الله ، إلى سنة النبي ، إلى مواقف النبي ، إلى سِيَرِ الصحابة ، إلى الأحكام الفقهية.
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ (28) ﴾ .
 
 يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ :
 
1 ـ نكتة ولطيفة تربوية :
كلمة : ( قل ) فيها معنى شعوري ، ذوقي ، فإذا كنت منزعجاً من إنسان فلا تواجهه ، ولكن قل لشخص أن يقول له : أنا غضبان عليه ، كلمة :
 
﴿ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ (28) ﴾ .
 
2 ـ حياة النبي عليه الصلاة والسلام الزوجية مفحمة بالتقشف والزهد :
يبدو أن النبي عليه الصلاة والسلام عاش حياةً أساسها الكفاف والتقَشُّف ، ذلك لأن النبي عليه الصلاة والسلام لو عاش حياةً فيها البذخ ، أو فيها أطايب الأشياء لظن الناس بالدعوة سوءاً ، فأراد الله أن ينزِّه هذه الدعوة ، مع أن الإسلام الذي جاء به النبي لا يحرم أن تأكل ، وأن تشرب ، وأن ترتدي ثياباً جديدةً ، هذا ليس محرَّماً ، أما النبي فأخذ نفسه بالعزائم ، أخذ نفسه بالتقشف وبالكفاف ، فلما فتح الله عليه البلاد والغنائم طلبت زوجاته الطاهرات منه أن يرفع مستوى المعيشة ، وأن يزيد في النفقة ، فاغْتَمَّ عليه الصلاة والسلام ، وهذا الغم الذي أصابه لأنه أراد أن يبقى على الخطة التي رسمها لدعوته ، أن يكون متقشفاً ، أن يكون زاهداً ، ألا يتزوّد من الدنيا شيئاَ ، فحينما أصابه ما أصابه نزل قوله تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ (28) ﴾ .
 
3 – النبي بشرٌ انتصر على بشريته :
قل لهن ، قل لهن ، وكأن الله يعاتبهن على إيذائهن لرسول الله ، وهذه المطالبة للنبي عليه الصلاة والسلام نوعٌ من الأذى ، ففي الحقيقة لدينا نقطة مهمة جداً ، النبي عليه الصلاة والسلام بشر ؛ لكنه انتصر على بشريته ، لو أنه ليس من بني البشر ، أو ليس يشعر بمشاعر البشر ، ما كانت له هذه البطولة العظيمة ، ولأنه بشر ، يشعر بما نشعر ، ويحس بما نحس ، ويتمنَّى بما نتمنى ، ويتألَّم لما نتألم ، هو منا ، من بني البشر ، لكن حبه لله عزَّ وجل غلب عليه فانتصر على بشريته ، وجعل الدنيا تحت قدميه ، وأراد أن يكون مثلاً أعلى وقدوةً لأصحابه .
ألم يقل عليه الصلاة والسلام :  
(( لَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّه ، وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ ، ولَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّه ، وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ ، وَلَقَدْ أَتَتْ عَلِيّ ثَالِثَةٌ وَمَالِي وَلِبِلاَل طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ ، إِلاَ مَا وَارَى إِبْطُ بِلاَل )) .
 
[ مسند ابن ماجةعن أنس]
 
 معنى ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام أراد أن يكون متقشفاً ، أراد أن يكون بعيداً عن مباهج الدنيا ، لئلا يدخل على نفوس أصحابه أنّ هذه الدعوة فيها مغانم كثيرة ، وفيها مكتسبات ، ولو بالغ الإنسان الداعية في رفاهيَّته لظن الناس به الظنون .
أيها الأخوة الأكارم ، النبي عليه الصلاة والسلام انتصر على بشريته تماماً ، أما نساؤه الطيِّبات الطاهرات فكانت تتمنى إحداهن أن تعيش حياةً بمستوى أنها زوجة رسول الله ، فطالبته بأن يرفع النفقة ، وهذا الصحابي الجليل الذي طالبته زوجته أن يعطيها كيت وكيت ، قال : " اعلمي أيتها المرأة أن في الجنة من الحور العين ما لو أطلّتْ إحداهن على الأرض لغلب نور وجهها ضوء الشمس والقمر ، فلأن أضحي بك من أجلهن أهون من أن أضحي بهن من أجلكِ " .
هذه مشكلة الإنسان إذا كان في مستوى ، ولم تكن زوجته كذلك ينشأ خلافٍ بينهما فهي تريد الدنيا ، تريد الظاهر ، وهو يريد طاعة الله عزَّ وجل ورضوانه ، إذاً هذه مشكلة حُلَّتْ بهذه الطريقة :
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ (28) ﴾ .
 
إذاً معنى كلمة : ]قُلْ لِأَزْوَاجِكَ [تحمل لهن عتاباً ، لم يقل : يا نساء النبي ، هنا قال :
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا (28) ﴾ .
 
الإنسان مجبول على حبِّ الدنيا والميل إليها :
 
والحقيقة هذه الآية دقيقة جداً ، ما منا واحد إلا ويريد شيئاً ، وهذه الإرادات المتنوِّعة على كثرتها ، وعلى تباينها ، وعلى تنوِّعها ، يمكن أن توضع في حقلين كبيرين ، إما أن تريد الله ورسوله والدار الآخرة ، وإما أن تريد الدنيا وزينتها ، الآن اجلس إلى إنسان يريد الدنيا وزينتها ، كأنه ليس معك ، فأنت تحدثه عن الله عزَّ وجل ، عن كتابه ، فيجيبك : كم الساعة الآن معك ، هل تعرف أن الشيء الفلاني ارتفع ثمنه ، هل تدري بذلك ؟ تجد أنك في واد وهو في وادِ ، هو في الأسعار ، والتجارات ، والأرباح ، والصفقات ، والبيوت ، وأنت في معرفة الله والدعوة إليه ، فلو أنك التقيت مع من يحب الدنيا وزينتها تجد الطريق إلى قلبه مسدوداً ، حبك الشيء يُعمي ويصم ، قلبه مصفَّح بحب الدنيا ، ومهما أثرته ، مهما تحدثت عن الله ، مهما ذكرت له قصةً يذوب لها قلب الرجل المؤمن ، لكن هذا لا يتأثر بل ، يؤلمه غلاء الأسعار ويفرحه رخصها ، يؤلمه أن يخسر ويفرحه أن يربح ، أما أن يفرح بمعرفة الله ورضوانه وطاعته فهذا بعيدٌ عنه ، فلذلك على الرغم من أن الإنسان له إرادات كثيرة جداً ، كل هذه الإرادات يمكن أن تصب في حقلين اثنين ..
 
﴿ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا (28) ﴾ .
 
لا حرج في طلب أساسيات الدنيا : 
 
طبعاً إذا طلب الإنسان الحياة الدنيا بأساسياتها ، هذا مقبول منه ، طلب الزواج ، هذا شيء أودعه الله بالإنسان ، فطري ، أساسي ، طلب مأوى يسكن فيه ، طلب مورد رزق ، طلب ذرية صالحة ، هذه كلها طلبات معقولة لا تنتمي إلى حب الدنيا .
 
إياكم وكبرياء قارون :
 
أما الذي يطلب الشيء الفخم الغالي ليزهوَ به على الناس ، وأن يتيه على الناس بما عنده ، كما فعل قارون :
﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ  ﴾ .
( سورة القصص : من الآية 79 )
هذا الذي يريد الدنيا ليباهي بها الناس ، ليكسر قلوب الفقراء ، ليدخلوا عليه فيريهم ما عنده ، ليحدثهم عن رحلاته، وعن مصروفه الكبير ، وعن متعه ، وعن سهراته ، وعن نزواته ، وعن حجمه المالي ، وعن أرباحه ، وعن كذا ، وعن نوع ألبسته ، وعن نوع مركبته ، وعن نوع أثاثه ، هذا الذي يريد الحياة الدنيا وزينتها ، هذا قلبه مصفَّح  ..
 
﴿ وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ  ﴾ .
( سورة البقرة : من الآية 88 )
لا نتأثر بكلامك ، قال تعالى :
 
﴿ بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ  ﴾ .
(سورة البقرة : من الآية 88 )
كفرهم بالله عزَّ وجل أبعدهم عنه ، وجعل قلوبهم مغلفةً  .
 
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا (28) ﴾ .
 
إن الإنسان يريد الزينة ، يريد شيئاً يتباهى فيه ، يريد منزلاً واسعاً ، صالونات ، إذا جاء ضيوف يفتح لهم الصالونات ، وغرف الضيوف ، وغرف الطعام ، وهذا شيء يلفت النظر ، يزهو كالطاووس أمام ضيوفه ..
﴿ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) ﴾ .
 
تعالين أمتعكن زينة الحياة الدنيا ..
﴿ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) ﴾ .
 
 معنى : َأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا
 
المعنى الأول :
فبعض العلماء قال : أطلقكن .
المعنى الثاني :
وبعضهم قال : أنتنَّ لستنَّ في مستوى هذه الدعوة ، أنتنّ على الهامش ، فإذا كان الإنسان مطلبه دنيوي صار على هامش الحياة ، أما إذا كان مطلبه أخروياً فقد صار في صميم الحياة .
﴿ وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ (29) ﴾ .
 
المؤمن يريد الله ورسوله :
 
هذا الذي يقوله المؤمنون الصادقون : إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي ، أي أنك إذا أردت الله عزَّ وجل يهون في سبيل هذا الهدف الكبير كل شيء ، تتحمَّل كل المتاعب ، تتحمل الصبر ، تصبر عن الشهوات ، تصبر على الطاعات ، ترضى بالأمر التكويني ، ترضى بقضاء الله وقدره ، ترضى بنصيبك من الدنيا ، إذا كنت تريد الدار الآخرة ، فإذاً اهتمامكم نُقل للدار الآخرة ، ليس للدنيا ..
﴿ وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29) ﴾ .
 
القدوة :
 
1 ـ كل إنسان له مكانة اجتماعية :
الآن دخلنا في موضوع صغير ، موضوع القدوة ، كل إنسان له مكانة اجتماعية حتى الأب ، الأب في بيته قدوة ، حتى المعلم ، حتى المدير العام للمؤسسة ، حتى مدير المعمل ، حتى مدير المستشفى ، كل إنسان رفعه الله فوق الناس ، هذا احتل مرتبة ، هذا الإنسان له حساب خاص ، أوضح مثل على ذلك ، سيدنا عمر حينما جمع أهله وخاصَّته ، وقال عمر رضي الله عنه : << إني قد أمرت الناس بكذا ، ونهيتهم عن كذا ، والناس كالطير ، إن رأوكم وقعتم وقعوا ، وايم الله ، لا أوتين بواحدٍ وقع فيما نهيت الناس عنه إلا ضاعفت له العقوبة لمكانه مني >> .
2 ـ أجر الإساءة والإحسان في القدوة مضاعف :
القدوة أيها الأخوة إذا أحسن له أجران ، أجرههو لأنه أحسن ، وأجر من اقتدى به لأنه قدوة ، وإذا أساء يعاقب مرتين ، مرةً لأنه أساء، ومرةً لأن الآخرين اقتدوا به في الإساءة ، فلان فعل هكذا ، وفلان قال هكذا ، فلان إذاً أفهم منك ، هو سمح بهذا الشيء ، وأنت لا تسمح فيه ، وهو أفهم منك ، وسمح فيه ، فكل إنسان له مكانة ؛ مكانة علمية ، مكانةُ وجاهةٍ ، فهو من وجهاء المجتمع ، مكانة إدارية وأحسن له أجران ، وإن أساء عليه وزران ، هذا حساب عَلِيَّةِ القوم ..
﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ (30) ﴾ .
  
يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ
 
في قراءة مُبَيَّنَةٍ ، وفي قراءة مُبَيِّنَةٍ ، إذا قلنا : مبيِنةٍ ، أي ظاهرٌ قبحها ، من يقول : إِن الزنا شيء لطيف ، وطيب ؟ أعوذ بالله ، بل هو شيء ظاهر القبح ، وخيانة ، وسفاح ، وولد غير شرعي ، وخوف جريمة ، وعقاب ، وفضيحة ، وفحشاء ، الإنسان يُسيئه أن يفشو عنه ، السرقة ، الغش ، الكذب ، التدليس  ..
 
﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ (30) ﴾ .
 
معنى الفاحشة في حق النبي :
بعض علماء التفسير قالوا : الفاحشة هنا بحق نساء النبي ليست كمعناها بحق الناس ، الفاحشة هنا معناها إذا أزعجنَ النبي ، وطالبنَهُ فوق ما يملك ، وحملنه على أن يغير خطَّته في الحياة ، وضغطنا عليه ، هذه في حق نساء النبي تُعَدُّ فاحشةً ، لأن إيذاء النبي عليه الصلاة والسلام إيذاءٌ لله عزَّ وجل ..
﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ (30) ﴾ .
 
أي بَيِّنٌ قبحها ، بينٌ ضلالها وانحرافها ..
﴿ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ (30) ﴾ .
 
إنه أمرٌ عظيم وتحذير جليل لزوجة النبي ، لأنه : يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ
 
ذات مرةٍقال شخصٌ لسيدنا عمر ، وقد جيء به شاربا للخمر ، وعليه أن يقام الحد ، فقال : << والله يا أمير المؤمنين إن الله قَدَّرَ عليَّ ذلك ـ هذا ليس ذنبي ، كل هذا شُغل سيدك ـ " ، فقال سيدنا عمر : " أقيموا عليه الحد مرتين ، مرةً لأنه شرب الخمر ، ومرةً لأنه افترى على الله ، قال له : ويحك إن قضاء الله لم يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار >> .
أنت مخير ، من قال لك : إنك مجبر على شرب الخمر ، من قال لك ذلك ؟ أنت مخير فيما كلفت ، ولما قال سيدنا عمر لأهله :<< من وقع فيما وقع الناس فيه ضاعفت له العقوبة لمكانه مني >> ، فصارت القرابة من عمر مصيبة ، أي أن من المصائب أن تكون قريباً من سيدنا عمر ، ابن عمه ، ابن خالته ، مشكلة ، وفي زمان ما تكون القرابة ميزة كبيرة جداً ، وتكون في زمان ما مصيبة ، فكانت القرابة من عمر مصيبة ، لأنه عقاب مضاعف ، كل إنسان له مكانة له عقاب مضاعف .
 
احذرْ أيها القدوة أن تخالف بفعلك ما تقوله بلسانك :
 
لو فرضنا أن أستاذاً دَخَّنَ أمام طلابه ، أستاذ ملء السمع والبصر، هو مثقف ، وشخصيته قوية ، ومعلومات جيدة ، وضابط عمله، فصار ما يفعله شيئاً مبرراً عند الطلاب ، مستساغاً ، فربما عاقبه الله مرةً على أنه آذى نفسه بهذا الدُخان ، ومرة على أنه كان قدوةً سيئةً للطلاب .
إذا كذبت الأم على زوجها أمام أولادها عوقبت مرتين ، أمام بناتها ، قالت له : لم أخرج من البيت ، وهنّ رأينها خرجت ورجعت ، وهذه أمهنّ وغالية عليهنّ ، فمعناها الكذب وارد ، ومقبول ، أمهنّ تكذب ، وهنّ يكذبن .
إذاً : أيتها الأم سوف تحاسبين عند الله مرتين ، مرةً لأنك كذبتِ ، ومرةً لأنكِ كنتِ قدوةً سيئةً لبناتكِ .
كل إنسان ذو مكانة ، وكل إنسان له سلطان ، ولو علن شخص واحدٍ ، فله حسابٌ خاص ، هذا حساب القدوة ، عقابٌ مضاعف وأجرٌ مضاعف ، أول أجر لك بطاعتك ، والثاني لمن اقتدى بك ، ويا أيها المسيء أول وزر عليك لإساءتك ، والثاني لمن اقتدى بك .
 
﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ (30) ﴾ .
وإذا قلنا : مُبَيَّنَةٍ أي بَيَّنَ الله قبحها في القرآن ، إما أنها مُبَيَّنَة في كتاب الله وسنة رسوله ، أو أنها مُبَيِّنَة في ذاتها .
﴿ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) ﴾ .
 
وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا
 
يسيراً ، ولو كنتنّ نساء النبي .
 
ولو كنتَ حِبُّ رسول الله !!!
 
سيدنا رسول الله جاءه أحب الناس إليه سيدنا أسامة ، كان حِبَّ رسول الله ، فيبدو أن امرأةً سرقت ، وسوف يقام عليها الحد ، فجاؤوا يستشفعون بأسامة عند رسول الله ، فلما كلمه أسامة تغيّر لون وجه رسول الله ، وامتقع لونه ، ونبض عرقٌ في جبهته ، وقال :
(( يا أسامة أتشفع في حدٍ من حدود الله ؟! والله لو أن فاطمة بنت محمدٍ سرقت لقطعت يدها .. إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم إذا كانوا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا
 
 سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد .. )) .
[البخاري عن عائشة رضي الله عنها ]
 
هكذا الدين ، الدين ليس فيه حل وسط ، سيدنا عمر مات ابنه في رجمٍ ، وقال قبل أن يموت: أبلغ رسول الله أنَّ أبي أقام علي الحَد ، بعد الموت أبلغْ رسول الله أن أبي أقام علي الحد .
﴿ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ (30) ﴾ .
 
﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنْ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ(10) ﴾ .
(  سورة التحريم )
والله الذي لا إله إلا هو كما قال النبي الكريم :
(( يا عباس عم رسول الله ، يا فاطمة بنت محمد ، أنقذا نفسيكما من النار ، أنا لا أغني عنكما من الله شيئاً )) .
[ مسلم عن أبي هريرة ]
(( من يبطئ به عمله لم يسرع به نسبه )) .
[ أحمد عن أبي هريرة]
(( لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم )) .
[ أحمد عن أبي هريرة]
يوم القيامة يرى النبي بعض أمته تجر إلى النار يقول :
(( أَصْحَابِي ، أَصْحَابِي ، فَقِيلَ : إِنَّكَ لا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ ، قَالَ : فَأَقُولُ : بُعْدًا ، بُعْدًا ، أَوْ قَالَ : سُحْقًا ، سُحْقًا لِمَنْ بَدَّلَ بَعْدِي )) .
 
[مسند أحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ]
 
﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ (31) ﴾ .
 
 وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ
 
1 – معنى القنوت :
هنا كلمة]يقنت[تعني الطاعة المستمرة .
2 ـ العبرة بدوام الطاعة :
كل إنسان له فورة ، أما البطولة ليست بالفورة ، بالاستمرار ، وبالثبات ، الثبات نبات، والقنوت داوم على الطاعة ، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول :
 
((أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ )) .
 
[البخاري عن عائشة رضي الله عنها]
 
﴿ وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ (31)  ﴾ .
 
إنها بشرى عظيمة لنساء النبي :  نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ
 
المرة الأولى : يضاعف لها العذاب ضعفين ، والثانية : نؤتها أجرها مرتين .
 
((أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ )) .
[البخاري عن عائشة رضي الله عنها]
 
اثبت على درس ، اثبت على صدقة ، اثبت على صلوات الضُحى ، كل شيء فعلته تطوعاً اثبت عليه ، حتى تشعر بالثمار ، فبرميل ماء فرضاً ملأناه بلترات ، ونسيناه شهراً ، فلترات الماء جفّت ، إذا لا يوجد استمرار ، ولا يوجد ملء ، إذاً أنت نفسك وعاء ، إن لم تستمر في الأخذ لا تمتلئ ، داومت على درس اثبت عليه ، وداوم على طول ، فهذا الوقت لله عزَّ وجل ، وحضور هذا الدرس زكاة وقتك .
 
﴿ وَمَنْ يَقْنُتْ (31)  ﴾ .
القنوت الاستمرار في الطاعة ..
 
﴿ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31)  ﴾ .
 
 وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا
 
في الدنيا والآخرة ، أيْ هو شيء مرتب ، زرقاً كريماً من عند الخالق .
فاتتني كلمة ، لما قال ربنا عزَّ وجل :
 
﴿ وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29) ﴾ .
 
إنه أجر عظيم من الله الكريم العظيم :
 
مثال مِن واقع الناس :
إذا قال لك طفلٌ صغير : أنا معي مبلغ كبير ، ماذا تظن أن يكون مقدار المبلغ ؟ خمس ليرات أو عشر ليرات أما إذا كنت ، تعرف شخصاً معه ألف مليون وقال لك : أنا سأعطيك مبلغاً كبيراً ، فهل تظن أنّه يعطيك خمس ليرات ؟فكلمة كبير تتعلق بالقائل ، انتبهوا لهذه النقطة ، كلمة كبير وعظيم متعلقة بالقائل ، فإذا كان أعظم العظماء يقول لك :
﴿ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29) ﴾ .
ماذا تعني كلمة ( عظيم ) من العظيم ؟ أنا مهيئ لك هدية ثمينة ، هذه على مقدار القائل ، على مستوى القائل ، إذا كان إنسان ضعيفاً مادياً فهذه قضية مئة ليرة ، هذه ثمينة ، فإذا كان الإنسان مليئا جداً ، كلمة هدية ثمينة تعني شيئاً غالياً جداً ، فالعظيم إذا قال عن شيءٍ : عظيم ، فهو عظيم .
بقيت آيةٌ أخيرة :
﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) ﴾ . 
1 ـ جنس المرأة محبَّب للرجال :
جنس المرأة ، محببةٌ للرجال ، مهما علا مقامها ، فهذه التي علا مقامها ينبغي أنتزيد في ورعها ، وفي حجابها ، وفي تحصُّنها ، لئلا تسمع كلاماً لا يليقُ بها .
﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ (32) ﴾ .
 
2ـ معنى الخضوع بالقول :
خضوع القول ؛ لين القول ، تكسُّر القول ، المرأة إذا تكلَّمت إما أن تتكلم قولا معروفاً ، وإما أن تليِّن كلامها ، وأن تكسِّرَهُ حتى يطمع فيها الآخرون ، وما من مشكلةٍ أصابت امرأةًعفيفةً طاهرة إلا بسبب أنها خضعت في القول ، خضوع المرأة في القول مجلبةٌ لطمع الرجال بها ، هذه قاعدة .
 
قصة موسى مع المرأتين في مدين :
 
1ـ عفة المرأتين ظاهرة في الكلام :
لذلك فإن الله علمنا في القرآن الكريم في مكان آخر ، لمّا جاءت ابنة سيدنا شعيب سيدنا إلى موسى ، قالت له كلاماً لا يحتاج إلى سؤال ، ولا إلى جواب ، قالت له :
﴿ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا  ﴾ .
(سورة القصص : الآية 25 )
لو أنها قالت : إن أبي يدعوك ، يقول لها : ما المناسبة ، لماذا ؟ فاستدعى الموقف سؤالاً وجواباً ، فإجابتها إجابةٌ قاطعة :
﴿ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا  ﴾ .
(سورة القصص : الآية 25 )
2ـ عفة موسى ظاهرة في جوابه المرأتين :
وهو حينما سأل الأختين عن شأنهما ، أيضاً طرح سؤالاً ليس في اللغة كلها سؤالٌ أبلغ منه ولا أشد اختصاراً ، قال :
﴿ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا  ﴾ .
(سورة القصص : الآية  23 )
ما القصة ؟ وليس من أنتُنَّ ؟ لماذا أنتن هنا ؟ ماذا تفعلن هنا ؟ ما شأنكن ؟ قال :
 
﴿ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ﴾ .
(سورة القصص : الآية  23 )
كلمتان اثنتان .
 
فخٌّ من فخاخ إبليس فاحذروه !!!
 
والمؤمن إذا خاطب امرأة لا تحل له ، ليس له الحق أبداً يلين القول لها ، إذا ألان القول لها ، وألانت له القول ، دخل الشيطان ، لأن إبليس طلاَّعٌ رَصَّاد ، عنده حاسة سادسة ، عنده شم دقيق جداً ، حينما يشعر أن هذه المرأة خضعت بالقول ، وأن هذا الرجل بادلها قولاً ليِّنَاً بقولٍ لين ، دخل بينهن ، قال :
(( إن إبليس طلاَّعٌ رصاد ، وما هو من فخوخه ـ له فخاخ كثيرة ـ  بأوثق لصيده في الرجال الأتقياء من النساء )) .
[الجامع الصغير عن معاذ ]
إبليس له كثيرٌ من الشِباك ، عنده فخوخ كثيرة ، عنده فخ شديد الانضباط ، لا يمكن أن يخيب ، هو المرأة ، لذلك سماها النبي عليه الصلاة والسلام :
((حبائل الشيطان )) .
[فيض القدير شرح الجامع الصغير]
أي  شباك الشيطان .
(( اتقوا الدنيا واتقوا النساء ، فإن إبليس طلاع رصاد ، وما هو بشيء من فخوخه بأوثق لصيده في الأتقياء من النساء )) .
[الجامع الصغير عن معاذ ]
(( فإن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء )) .
[مسلم عن أبي سعيد الخدري ]
 
لا بد من هامش أمان بين الإنسان والمعصية :
 
وما من شيءٍ أغلب على الإنسان من ميوله كالميل إلى النساء ، لذلك يقول أحد الأنبياء:
" ليس الشريف الذي لا يرتكب المعصية ، ولكن الشريف الذي يهرب من أسباب المعصية " .
أي من طريق موبوء بالنساء ، من مجلات لا ترضي الله ، من أشخاص بعيدين عن الله عزَّ وجل ، من حديث عن النساء ، لذلك قال العلماء : من كان حديثه عن النساء تُجْرَحُ عدالته ولا تقبل شهادته ، من تنزَّه في الطرقات ، لماذا ؟ لينظر إلى النساء ، من كان حديثه عن النساء، من صحب الأراذل ، من أكل في الطريق ، من مشى حافياً ، من بال في الطريق، من أطلق لفرسه العنان ـ أسرع في القيادة ـ من قاد برذوناً ، من علا صياحه في البيت ، من طفف بتمرة ، من أكل لقمةً من حرام ، لكن الأكثر قبحاً : من صحب الأراذل ، ومن تنزه في الطرقات ، ومن كان حديثه عن النساء ، لهذا لم يأت في القرآن الكريم كله نهيٌ عن الزنا ، ما هذا الكلام ؟ جاء النهي عن أسباب الزنا ، قال :
﴿ وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى  ﴾ .
(سورة الإسراء : من الآية 32 )
لم يقل : ولا تزنوا، بل قال :
﴿ وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى  ﴾ .
(سورة الإسراء : من الآية 32 )
لأن المُمَهِدات توصلك إلى نهاية الطريق ، فلذلك :
﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ (32) ﴾ .
 
يا أيها النسوة لا تخضعن بالقول :
 
 بعض النساء الجاهلات تقول للبائع : راعنا ، نحن جيرانك ، قلبك قاس علينا ..
﴿ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) ﴾ .
الإيمان يقتضي أن تكون جاداً مع المرأة إلى أقصى درجة ، وإلا دخل الشيطان ، الكلمة اللطيفة من طرف لطرف ، يتبعها كلمة أخرى ، وأساساً أكبر الفواحش نظرةٌ ، فابتسامةٌ ، فكلامٌ ، فموعدٌ ، فلقاء .
﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) ﴾ .
كم سعر هذا الشيء ؟ كذا ، إما أن تشتريه ، وإما أن تذهبي ، أما هذه المساومة ، ولين الكلام والضحك ، هذا كله والعياذ مما يجلب الزنا .
﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)  ﴾ .
هذه الآية إن شاء الله والتي تليها في الدرس القادم .
 
سورة الأحزاب من حيث الأحكام كسورة النور :
 
بالمناسبة سورة الأحزاب كسورة النور ، من أهم السور المتعلِّقة بالبيوت ، وبحفظ الفروج ، وبغض الأبصار ، وبالحُرُمَات ، فنحن في أمَسِّ الحاجة ، ولا سيما في هذا الزمان المتفلت إلى مثل هذه السور ، وإن شاء الله في دروس قادمة نتابع هذه الآيات .
 
والحمد لله رب العالمين
 



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب