سورة آل عمران 003 - الدرس (21): تفسير الآيات (075 - 076)

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات"> سورة آل عمران 003 - الدرس (21): تفسير الآيات (075 - 076)

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج مع الحدث: مع الحدث - 46- حلقة خاصة في يوم الاسير الفلسطيني- محمود مطر -17 - 04 - 2024           برنامج اخترنا لكم من أرشيف الإذاعة: اخترنا لكم - بيت المقدس أرض الأنبياء - د. رائد فتحي           برنامج خطبة الجمعة: خطبة الجمعة - وجوب العمل على فك الأسرى - د. جمال خطاب           برنامج موعظة ورباط: موعظة ورباط - 10 - ولئن متم أو قتلتم - الشيخ ادهم العاسمي           برنامج خواطر إيمانية: خواطر إيمانية -436- واجبنا تجاه الأسرى - الشيخ أمجد الأشقر           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 391 - سورة المائدة 008 - 010         

الشيخ/

New Page 1

     سورة آل عمران

New Page 1

تفسير القرآن الكريم ـ سورة آل عمران - تفسيرالآية: (075 - 076)

21/03/2011 01:48:00

سورة آل عمران (003)
الدرس (21)
تفسير الآيتان: (75 – 76)
 
لفضيلة الأستاذ الدكتور
محمد راتب النابلسي
 

 
  بسم الله الرحمن الرحيم
 
 
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا بما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
          أيها الإخوة الكرام ، مع الدرس الواحد والعشرين من دروس آل عمران ، ومع الآية الخامسة والسبعين ، وهي قوله تعالى :
 
﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
(سورة آل عمران)
 
 وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ
 
1 ـ الإنسان بين الاعتقاد والسلوك :
 
        في هذه الآية أيها الإخوة ربط رائع بين ما يعتقده الإنسان وما يسلكه ، فهذا الذي لا تأمنه بدينار خانك في التعامل في الأعم الأغلب لن يكون صادقاً في الدعوة ، هؤلاء الذين كتموا ما في كتبهم عن صفات النبي عليه الصلاة والسلام ، وأنكروا أن يكون في توراتهم ، وفي إنجيلهم بشارات لهذا النبي الكريم ، هؤلاء الذين خانوا الله في علمهم ، ومعرفتهم ، وعقيدتهم طبيعي جداً أن يخونوا الناس في معاملاتهم .
 
2 ـ إنصاف القرآن :
 
لكن أروع ما في الآية كلمة ( منهم ) للتبعيض ، لو أن واحداً من أهل الكتاب كان أميناً ، ولم يكن في هذه الآية من أهل الكتاب بماذا شعر ؟ أن هذا ليس كلام خالق البشر إنه كلام بشر ، الإنسان يعمم ، ولا يدقق ، ولا يلقي حكماً موضوعياً لا يستقصي يميل إلى حكم عام ، لو أنه سافر إلى بلدة ، وأساء إليه بعض سكانها لاتهم البلدة كلها بالانحراف، هذا شأن البشر ، لكن الله جل جلاله هو خالق البشر ، هو الحق ، لذلك قال تعالى :
 
﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ
 
3 ـ الأمانة غنى :
 
      والحقيقة : الأمانة غنى ، إن أكبر رأس مال تملكه ثقة الناس بك ، وأساسها أمانتك ، تكون أميناً معهم فيثقون بك ، وإذا وثقوا بك فأنت تملك أكبر رأس مال على الإطلاق ! فهذا الذي إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ، وأحياناً إنسان يخون أخاه بمائة ليرة ، بخمسين ليرة ، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل ، وهناك من إذا دفعت له مائة مليون على أن يأكل مالاً حراماً ، أو أن يفعل شيئاً لا يرضي الله ركلها بقدمه .
 نحن مع الأسف الشديد عشنا مع مجتمع متفلت ، ضاعت فيه القيم ، وانهارت فيه العهود ، وسقطت الكلمة ، لأنها لا تعبر عن واقع ، لكن لو عشنا مجتمع قيم ، نحن في مجتمع الشهوة ، لا في مجتمع القيم ، في مجتمع المصالح لا مجتمع المبادئ في مجتمع الانحطاط لا في مجتمع السمو ، هؤلاء الناس حينما يعرفون الله ، ويخافونه في أشد الحالات دقة هؤلاء العيش بينهم جنة ! ورد في بعض الأحاديث في الأثر :
((إذا كانَتْ أُمَرَاؤُكُمْ خِيارَكُمْ ، وأغْنِياؤُكُمْ سُمَحاؤكُمْ ، وأُمُورُكُمْ شُورَى بَيْنَكُمْ فَظَهْرُ الأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ بَطْنِها ، وإذا كانَتْ أُمَرَاؤُكُمْ أشْرَارَكُمْ ، وأغْنِياؤُكُمْ بُخَلاءَكُمْ ، وأُمُورُكُمْ إلى نِسائِكُمْ  فَبَطْنُ الأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ ظَهْرِها )) .
[ الترمذي عن أبي هريرة ]
 لذلك الإسلام لا ينتشر إلا بحالة واحدة ؛ أن تكون هناك مساحة ، ولو كانت صغيرة يطبق فيها الإسلام ، أن نجد إنسانًا مسلمًا متحركًا ، فإسلام على الورق لا يؤثر ، وإسلام يُقرأ لا يؤثر ، إسلام يُسمع كشريط لا يؤثر ، أما الذي يؤثر أن ترى مسلماً صادقاً أميناً عفيفاً واضحاً ، يعمل تحت ضوء الشمس .
      أيها الإخوة الكرام ، هناك إنسان وجد في مركبته مبلغًا فلكيًا ، كبيرا جداً ، المبلغ كان من الممكن أن يشتري به بيتاً في أرقى أحياء دمشق ، ومحلاً تجارياً في أفضل أسواق دمشق ، وبيتاً في المصيف ، ومركبة فارهة ، بحث عن صاحب المال عشرين يوماً حتى عثر عليه ، ونقده إياه بالتمام والكمال ! وإنسان آخر أحياناً يسرق مائة ليرة ، أو خمسين ليرة ، فهناك مفاضلة ، ومقارنة واضحة في الآية الكريمة :
 
﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ
حينما ضاعت الذمم ، ولم يخش الناس ربهم سقطت العهود ، ألا لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا عهد له .
﴿وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ
 
4 ـ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ
       
 حدثني إنسان له أب من أكثر الناس غنى ، لكن لا أزكي على الله أحداً أحسبه صالحاً ، قال لي : سبب غنى والدي أنه كان عليه دين لشخص غير مسلم بالليرات الذهبية ، والقصة قديمة جداً ، من خمسين عامًا تقريباً ، ثم صدر توجيه يمنع التداول بالذهب ، وينقلب التداول بعملة ورقية بحسب القانون ، فلو أنه أدى ما عليه بالورق لدفع ربع ما عليه ، قال : فأصر والدي أن يعيد القرض كما أخذه بالليرات الذهبية ، والرجل المقرِض غير مسلم ، هذا له وكالة في بلد عربي مجاور ، طلب منه أن يفتح وكالة في هذا البلد ، وهو على فراش الموت ، وأن يعطوا الوكالة لهذا المسلم الذي أدى له الدين بالتمام والكمال ، فلما جاء أولاده إليه قالوا : نحن لا نملك ثمن هذه البضاعة قال : الثمن علينا ، ولكن خذ الوكالة ، وهذا سبب غناه الشديد ، لأنه يؤدي الذي عليه ، ومن يفعل ذلك فهو إنسان راق .
نحن المسلمين ما الذي ضيع الحقوق ؟ ضعف الدين ، كيف أن عمر رضي الله عنه يجلس للقضاء سنتين دون أن يأتيه متخاصمان ، وكيف أن محاكمنا تموج بعشرات ألوف الدعوات ، المسلمون يغتصبون أموال بعضهم ، الطبقة العادية المسلم العادي الذي يرتاد المساجد ليصلي ، المحسوب على المسلمين يأخذ ما ليس له ، اذهب إلى المحاكم تجد آلاف القضايا ؛ اغتصاب أموال ، اغتصاب شركات ، اغتصاب وكالات ، أيمان كاذبة ، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل ، فالبطولة لا أن تصلي فقط ، بل أن نرى ثمار صلاتك أمانة ، وصدقاً ، وعفافاً ، هذا النجاشي عندما سأل عن النبي صلى الله عليه وسلم بماذا أجابه سيدنا جعفر ؟ قال : نعرف صدقه ، وأمانته ، وعفافه ، وإخلاصه .
      أركان الأخلاق الصدق إذا حدثت ، والأمانة إذا عاملت ، والعفة إذا استثيرت شهوتك ، هذه أركان الأخلاق .
 
﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ
وقد تجد معاملة طيبة جداً من إنسان غير مسلم ، ومنهم من يبيع دينه وآخرته بعرض من الدنيا قليل .
﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا
 
5 ـ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا
 
مطالبة يومية ، كل يوم أنت في مكان عمله ، اتصالات ، ومطالبة ، وإلحاح حتى يؤديه لك ، لكن هناك حالة أصعب ، لو أدمت الوقوف أمامه ، وأطلت المطالبة لا يؤدي لك شيئاً ، على الرغم من المطالبة لا يؤدي شيئاً ، وكم من إنسان اشترى بضاعة ، وقبض ثمنها ، وزوج أولاده بثمنها ، وحتى الآن عليه ديون من عشرين سنة ! وهو يرتاد المساجد ، وترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد الإسلام .
 
لا تغتروا بالشكليات :
 
والله أعرف إنسانًا اشترى بضاعة من دمشق ، وباعها ، وقبض ثمنها ، وزوج ولديه ، واشترى لهم البيوت ، ولا تزال ذمته مدينة بأموال طائلة ، وهو إن حدثك يحدثك بالدين ، هذه المشكلة ، لماذا يكفر الناس بالدين أحياناً ؟ مِن مثل هذه المعاملات ، هذا الذي يرى إنسانًا محسوبًا على المسلمين ، ويأكل المال الحرام ، ويحتال عليهم ، ويغشهم في بيعهم وشرائهم ، كيف يكون مسلماً ؟ كيف يقبله الله عز وجل ؟ هناك أساليب لكسب المال الحرام لا تعد ولا تحصى ، يكفي أن تحك تاريخ انتهاء الصلاحية لأي شيء، إذا انتهت صلاحيته ، وتبيعه ، وقد يكون المشتري جاهلاً فيشتريها ، إن كان دواء له أثر إذا انتهى مفعوله فهو خطير ، أنا كنت أظن أنه لا يفيد ، الآن ثبت لي بإخبار بعض الأطباء الأكارم أنه يؤذي ، هذه المواد تفكك ، فتنقلب سماً ، فيكفي أن تحك تاريخ انتهاء مفعول الدواء ، أو الطعام ، أو المعلبات ، وتبيعها ، وكأنها صالحة للعمل ، فقد خنت أمانتك ، يكفي أن تغش المسلمين بتغيير منشأ البضاعة الأقمشة الغربية الغالية ، يكفي أن تأتي بأقمشة من الشرق تدمغها بدمغة غربية ، فقد ضاعت الأمانة ، لذلك هؤلاء الناس الذين يغشون بعضهم بعضاً ، ويكذبون ، ويأكلون أموالهم بين بعضهم ظلماً وعدواناً هؤلاء سقطوا من عين الله ، ولأن يسقط الإنسان من السماء إلى الأرض فتحطم أضلاعه خير له من أن يسقط من عين الله .
     لا يغرنكم امتلاء المساجد ، واحد كألف ، وألف كأف ، تجده الرجل عند الحلال والحرام ، تجده عند الأمر والنهي ، المليون والواحد سيان عنده إذا كانا في معصية الله ، مثل هؤلاء الرجال يبنون أمة ، مثل هؤلاء الورعين يشيدون حضارة ، مثل هؤلاء الأمناء ينتصرون على عدوهم ، لا يعقل أن يكون العدو لا يزيد على مليونين يتحدون ثلاثمائة مليون ، لا يعقل !
((لن نغلب اليوم من قلة ، وكانوا اثني عشر ألفا ، والكفار أربعة آلاف ))  .
[ مسند البزار عن أنس ]
هذا كلام بليغ .
 
﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ
 
الجانب العملي هو الذي يؤثر في الناس : 
 
أنا ذكرت لكم أن الذي يشد الناس إلى الدين ليس المنطق السليم فقط ، ليس الكلام المؤيد بالأدلة فقط ، ليس الكلام المنمق فقط ، ليس التصور الصحيح لحقيقة الحياة ، والكون ، والإنسان فقط ، الذي يشد الناس إلى الدين معاملة متميزة .
أقسم لي أخ كريم يعمل في دائرة ، أن لهذه الدائرة مديرا عاما طلب منه إجازة عدة أيام فغضب المدير ، الآن نحن في ضيق شديد ، ولا أسمح لك بإجازة ، قال : أنا أصلي في المسجد كل يوم ربع ساعة ، جمعتها فكانت ستة أيام تبرئة لذمتي أمامكم ! قال لي هذا الأخ : والله لا أصدق في حياتي أن يأتي هذا المدير ليحضر درس علم في مسجد ، في الأسبوع التالي وجدته في المسجد يستمع إلى الدرس ، هذا ما الذي شده إلى الدين ؟ الورع من هذا الموظف ، عنده قناعات عالية جداً .
إنّ أكبر ملحد في أمريكا دكتور في الرياضيات ، في مدينة سان فرانسيسكو ، انتقد مرة ، كان في صغره أستاذ الديانة ، فأنبه والده تأنيباً شديداً ، فضربه ، وطرده من البيت ، فاتخذ الإلحاد ديناً ، وكبر ، وهو يتمتع بمستوى عال من الذكاء ، يقول هذا الإنسان ، وهو الآن من أكبر دعاة الإسلام في أمريكا : هناك فتاة محجبة حجابًا كاملا ، وفي أيام الصيف الحارة ، وُلدتْ هناك ، ويبدو أن دينها قوي جداً ، وعن قناعة وإيمان ، فهذه الفتاة تحضر دكتوراه في الرياضيات ، أستاذها أرسلها إليه ، يقول هذا الإنسان الملحد : رأيت النساء في أمريكا شبه عرايا ، وهذه ترتدي الحجاب الكامل في أيام الصيف الحارة ، إذًا عندها قناعات متميزة ، يقول : أنا لأول مرة أقدر تقديراً عالياً فتيات الشرق الأوسط ، هذا الإنسان من يومه عكف على قراءة كتب المسلمين ، قرأ القرآن كله ، وجد آية ظنها خطأً ، وأنها غير صحيحة ، حينما قال الله عز وجل :
 
﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ
 (سورة يونس : من الآية 92)
أي فرعون ، فاتصل بزميله قال : هذه آية خطأ ، قال : فرعون موسى لا يزال كما هو في متحف مصر ! وجيء به إلى فرنسا للترميم ، هذا الآن أكبر داعية بأمريكا ، ما الذي يشد الناس إلى الدين ؟ موقف أخلاقي متميز ، أمانة متميزة ، صدق متميز ، أخلاق عالية ، تضحية ، إيثار، هذا هو تألق الإنسان .
قلت اليوم في الخطبة : الإنسان لا يقدر من كان كثير المال ، أو كثير الدهاء ، أو قوياً في بدنه ، أو مركزه ، الإنسان يقدر الموقف الأخلاقي ، لذلك العصور السابقة على أنها عصور متواضعة في منجزات الحضارة ، الأجداد سكنوا تحت الخيام في الصحراء ، لكن مروءة امرئ القيس لا تنسى ، وكرم حاتم الطائي لا ينسى ، وشجاعة المسلمين لا تنسى ، معنى ذلك أن الذي يرفع الإنسان ما يتمتع به من تألق أخلاقي ، هذه الآية دقيقة .
 
﴿مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا 
وهناك حالات أخرى لو كنت قائماً عليه لا يؤدي إليك شيئاً ، هؤلاء الذين يفعلون هذا هؤلاء خانوا أماناتهم ، ماذا يعللون ذلك ؟ تعليلهم :
 
﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ
 
  ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ
 
1 ـ مَن هم الأمّيون ؟
 
        يقصدون بالأميين العرب ! هؤلاء جهال ، ماذا نفهم ؟ لمجرد أن يأتيك من يشتري بضاعة ، وتتوسم فيه الغباء ، أو الجهل ، أو عدم الخبرة ، وتبيعه بضاعة سيئة بأغلى سعر ، فأنت من هؤلاء .
 
﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ
 
المستقيم لا يغش الناس مهما كانوا :
 
       واللهِ مرة كنت عند أحد القصابين ، وجاءه طفل صغير يطلب منه قطعة لحم من مكان دقيق جداً لمريض ، أنا أراقب طلب هذا الأخ القصّاب ، نفذ طلب هذا الطفل الصغير بحذافيره ، والطفل لا يستطيع أن يميز شيئاً من شيء ، وكان بإمكانه أن يعطيه لحماً لا يؤكل ، لكن وجدت أن أمانة هذا القصاب تلفت النظر ، الدين فيه شيء متألق ، لو كان الطرف الآخر لا يعرف ، مستحيل على مؤمن أن يغش المسلمين ، ولو كانوا صغاراً ، أو جهالاً ، ولو كانوا لا يعرفون طبيعة هذه البضاعة أبداً .
       يا أيها الإخوة ، الدين لا يتجزأ ، لا يوجد شيء اسمه صلاة وحدها ، واستقامة وحدها ، الصلاة ، والاستقامة ، والزكاة ، والحج ، والنطق بالشهادة شيء واحد ، هي الآية كلها .
 
الإسلام مبني على الوازع الداخلي : 
 
هؤلاء لماذا كتموا ما عندهم في التوراة والإنجيل من البشارة بمحمد عليه الصلاة والسلام ؟ هؤلاء خانوا عهدهم مع الله ، فمن الممكن أن يخونوا عهدهم مع الناس ، لذلك لا تأمن إلا من يخاف الله ، والذي لا يخاف الله قد تكون ظروفه صعبة فلا ينصفك ، لأن هناك قيوداً تقيده ، لكن لو رفعت عنه بعض القيود لكل كل شيء ، هذه النزاهة التي يتبجحون بها في الغرب جاءت من الضبط الإلكتروني ، فلما انقطعت الكهرباء ليلة واحدة رأينا مائتي ألف سرقة في مدينة واحدة في أمريكا ، مجموع سرقاتها اثنان بليون دولار ! لانقطاع الكهرباء ليلة واحدة ! فكل شيء من النظم الوضعية مبني على الردع الخارجي ، وكل شيء من النظم الإلهية مبني على الوازع الداخلي ، واضع القانون إنسان ، والمواطن قد يكون أذكى منه ، فيعمل عملاً يبطل مفعوله ، ويجهضه ، وينهيه ، واضع القانون ذكي ، وقد يكون المواطن أذكى منه ، هي معركة بين عقلين ، نقول : السرعة مائة كيلو متر ، جيد ، وهناك أجهزة تراقب السرعة ، رادار جيد ، اخترع جهازا يكشف جهاز الرادار !
أنا مرة كنت أركب مركبة في أمريكا سمعت صوتا ، قلت : ما هذا ؟ قال : هذا يعلمني بوجود مركز رادار ، اقتربنا منه ، فعلي أن أخفض السرعة حتى نتلافى المخالفة ، إذاً انتهى القانون !
      الآن الدولة تبحث عن جهاز يكشف أجهزة السيارات ! وهي معركة لا تنتهي ، أما عظمة ديننا ففي مثل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقد رأى راعياً ، وقال له : << بعني هذه الشاة ، وخذ ثمنها ، قال : ليست لي ، قال : قل لصاحبها ماتت ، قال : ليست لي ، قال : خذ ثمنها ، قال : ليست لي ، والله إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها ، ولو قلت لصاحبها : ماتت أو أكلها الذئب لصدقني ، فإني عنده صادق أمين ، ولكن أين الله ؟ >> .
هذا الذي يعجن العجين ما الذي يمنعه أن يفعل كل شيء فيه ؟ خوفه من الله ، فإن لم يخف الله عز وجل ، ورأى شيئاً لا يعقل أن يكون في الطحين لا يسأل ، بل يتابع .
نحن نحتاج إلى إيمان ، وفهم أسّ الفضائل ، وقوام الضمائر ، وسند العزائم ، وبلسم الصبر عند الشدائد .
 
﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ
 
لا تغشّ غير المسلمين فيتّهم دينك : 
 
واللهِ أيها الإخوة ، لو غششت مجوسيًا لحاسبك الله ، هناك مسلمون جهلة ، يتصورون أنهم إذا غشوا غير مسلم فليس عليهم من سبيل ، يقولون : هذا كافر ، هذا غير مسلم ، أنا أؤمن واللهِ أنك إذا غششت مسلماً أن يقول للناس : فلان غشني ! أما إذا غششت غير مسلم فيقول : الإسلام غشني ، وفرق كبير بين أن يقول : فلان غشني ، وأن يقول : الإسلام غشني ، لذلك أنت على ثغرة من ثغر الإسلام فلا يؤتين من قبلك .
 
 
﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا
(سورة المائدة : من الآية 8)
من هم الأعداء التقليديون للمؤمنين ؟ الكفار ، ولا تحملنكم عداوتكم لهؤلاء أن تظلموهم .
 
﴿اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
 (سورة المائدة : من الآية 8)
       عندما احتلت القدس من قبل الفرنجة ذبحوا في ليلة واحدة سبعين ألفاً ! فلما فتحها صلاح الدين الأيوبي طيب الله ثراه جاءته امرأة من الفرنجة فقدت ابنها ، فوقف ، ولم يجلس حتى أعادوا لها ابنها ! هذا هو الإسلام ؛ دين العدل ، والرحمة ، والحكمة ، والإنصاف .
       الآن فرّغ الإسلام من مضمونه ، بقي مساجد رائعة ، خطب رنانة ، كتب مجلدة ، أشرطة ، محطات فضائية ، كل شيء إسلامي ، لكن لا يوجد إسلام ، الإسلام هذا الطهر ، والنقاء ، والالتزام ، وهذه الطاعة .
 
﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ
لا مشكلة ، هذا غير مسلم .
     جاءني أخ يستفتيني فقال : كنت في بلد غربي ، واشتريت بطاقة مصرفية ، واشتريت بها بخمسة آلاف دولار ، وجئت ولم أدفع شيئاً ، لأنهم كفار ! قلت : والله سوف تحاسب عن هذا المبلغ درهماً بدرهم ، من قال لك هذا الكلام ؟ لماذا لما كانت الأمانات مع رسول الله ، وهاجر إلى المدينة لم يأخذها معه ؟ لأنهم كفار ، لماذا أبقى علي بن أبي طالب ابن عمه ليرد الأمانات إلى أهلها ؟ كيف تطمع من هؤلاء الكفار أن يسلموا إن كنت خائناً لهم ؟ أو إن أكلت أموالهم ؟ في الحرب شيء آخر ، هذه تعد غنائم ، حتى زوج السيدة زينب حينما أسر في المدينة ، ومعه بضاعة قريش ، أموال طائلة لقريش ، وبحسب النص إذا أسلم انقلبت هذه الأموال غنائم له ، ولمن حولـه ، ماذا قال ؟ قال : والله لا أبدأ إسلامي بهذا ، عاد إلى مكة ، وأرجع الأموال لأصحابها ، ثم أعلن إسلامه .
      حينما تؤذي الإنسان يتهم دينك ، لذلك الدعاء :
 
﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا
( سورة الممتحنة : من الآية 5 )
هذا الكافر إذا رأى مسلماً يكذب عليه ، أو يحتال عليه ، أو يغشه يقول : أنا على المنهج الصحيح ، يتمسك بكفره ، وبشركه ، ولا يقبل أن يلقي أذناً مصغية إلى الدين إطلاقاً أبداً .
قبل أن تدعو إلى الله ينبغي أن تكون أخلاقياً ، صادقاً ، أميناً ، متواضعاً ، وذا قلب كبير ، ينبغي أن تحب الناس ، وأن تزن بميزان واحد ، لأنه لابد من أن يفتح لك القلب قبل أن تفتح لك الآذان .
 
﴿وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ
أخطر شيء أن يبرر الإنسان لنفسه ، وهناك طرفة : رجل ضيع خمسين ليرة ذهبية ، قال : يا رب أرجو ألا يجدها رجل له دين ظاهري ، يفتي فتوى ، ويأخذها ، هذه مشكلة كبيرة جداً ، يجب أن تكون مطمئناً مع المؤمن ، أنه لن يأخذ منك قرشاً حراماً ، أخطر شيء أن تقول :
 
﴿لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ
        يقول لك : هذا بيعه شرّف ، أنت اكشف العيب ، هو ربما لا يكشف العيب ، فحينما نغش في بيعنا ، وشرائنا ، ونكذب ، ونحتال ، ونهتم أن نصوم يوم الخامس عشر من شعبان ، يقولون : هذا يوم فضل ، ألست صائماً يا أستاذ ؟ هنا المشكلة ، كم من يوم في السنة يصوم ؟ مع أن بعض الأيام صيامها سنة ، وبعضها لم يرد نص صحيح فيها ، على كل ، تعجبه هذه المواسم ، فيتمسك بها ، ويأكل الملايين الطائلة ، ويدعي أنه مسلم ، وهو يكذب على الناس ، ويخدعهم ، واحد يعمل في القضاء أقام عشر دعاوى كيدية ، قدم له كأسًا من الشاي ، فقال : أنا صائم ، لأن اليوم الاثنين ، وآخر أراد أن يضع أمانته عند رجل أمامي قبل أن يذهب إلى الحج ، فدخل إلى المسجد ، وراقب صلاة بعض المصلين ، فأعجبته صلاة أحدهم ، يقف بخشوع ، مغمض العينين ، أعجبته صلاته فقال : أنا سأضع عندك أمانة ، إنني ذاهب إلى الحج قال : وأنا أيضاً صائم يا سيدي ، قال : والله صيامك لم يعجبني ، ثم يقول الله عز وجل :
 
﴿وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
 
  وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
 
1 ـ مخالفة الظاهر للباطن نوع من الكذب :
 
يكذبون على الله ، الله عز وجل لا يسمح لك أن تغش عباده كائناً من كان ، اسمعوا : اتقوا دعوة المظلوم ، ولو كان كافراً ! فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ، عد للمليار قبل أن تظلم إنسانًا كائنًا من كان ، وإن كان غير مسلم ، هذا هو الدين ، أما هذا الذي يبيح لنفسه أن يأكل أموال غير المسلمين على أنهم كفار فهذا إنسان جاهل ، ولو كان هذا من الشرع لأخذ النبي معه إلى المدينة كل ما عنده من أموال أمانات ، أخذها ، وانطلق ، لكنه أبقى ابن عمه ليؤدي لكل ذي صاحب حق حقه .
﴿ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
 
﴿بَلْ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ(14)وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ
( سورة القيامة )
        هم يعرفون أنهم يكذبون ، والله عز وجل لا يأمر بالفحشاء ، مستحيل !
مثل للتقريب : أحياناً أب يكون عنده أولاد ، وأحدهم صالح ، وآخر سيئ جداً ، لو أراد هذا الابن الصالح أن يأكل مال أخيه ظلماً ، أيرضى الأب عنه ؟ مع أنه سيئ ، لا يرضى عنه ، بالعكس لو أن المسلم عامل غير المسلم بأخلاق عالية جداً ما الذي يحصل ؟ قد يسلم .
إنسان تزوج امرأة غير مسلمة ، يحق له أن يتزوجها ، لها أم أصبحت قعيدة الفراش ، لها خمسة أولاد وبنت ، الأولاد الخمسة لم يقبل أحد منهم أن يأتي بها إلى بيته لضغط من زوجته ، فاتخذوا قراراً أن توضع في مأوى العجزة ، لكن هذه البنت التي زوجها مسلم طلب من زوجته أن تأتي بأمها إلى البيت ، قال لي : والله ما حدثتها ولا بكلمة واحدة عن الإسلام ، أعلنت إسلامها ، وأسلمت ! لماذا ؟ أولادها الذين من صلبها تخلوا عنها ، أما هذه البنت التي زوجها مؤمن جاءت بها إليهم ، وسكنت عندهم ، واستأنست بهم ، فأعلنت إسلامها .
أقول لكم مرة ثانية وثالثة : لا يشد الناس إلى الدين فصاحتكم ، ولا أدلتكم ، ولا فلسفة بعضكم ، بل أمانتكم ، وورعكم ، واستقامتكم ، وصدقكم ، ونصحكم في البيع والشراء .
 
﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ
إياكم أيها الإخوة أن تقول : هذا ليس فيه دين ، فماله حلال ، والله أيها الإخوة ، هذا شيء أعاينه ، ذهبت إلى بلاد بعيدة شرقاً وغرباً ، فهناك وهم عند  الجالية أن هؤلاء كفار فخذ أموالهم ، وخذ نساءهم ، واكذب عليهم وغشهم ! لذلك سمعت أن المسلمين عندهم في الحضيض .
       هل تتوقع أن يسلم واحد من هؤلاء ؟ وأنا أقسم لكم بالله أن الجاليات الإسلامية لو أنها طبقت دينها الصحيح لكان الغرب بحالة غير هذه الحالة ، الغرب قوي ، معه أسلحة قوية جداً .
مرة قال أحدهم في مؤتمر : إننا بشر ، ونحن أقوى الأمم ، ولو أقنعتمونا بدينكم لكانت قوتنا لكم ، أنتم كذبتم علينا ، ولم تكونوا صادقين معنا ، لذلك لا ينفعك عند الله إلا الأخلاق ، إنما بعثت معلماً ، (( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )) .
[ مسند الشهاب عن أبي هريرة ]
هكذا قال النبي الكريم .
       عن السيدة عائشة أن أحد أصحاب رسول الله وقع في خطأ في البيع والشراء فقالت :
((أَبْلِغِى زَيْدًا أَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلّمَ إِنْ لَمْ يَتُبْ )) .
[ البيهقي في السنن الكبرى عن العالية ]
       أنت تظن أنك إذا صليت ، ولك مظهر ديني ، وحلفت يمينًا كاذبًا في البيع أن رأسماله أكثر ، وأنت تربح بالمائة ثلاثمائة ، وحلفت بالأمانة وبدينك ، وبكل المقدسات أن رأسماله أكثر ، هل تظن نفسك ذكيا بهذا الشيء ؟ أنت سقطت مع عين الله ، الإسلام خمسمائة ألف بند ، الصلاة واحد ، والصوم واحد ، والحج واحد ، والزكاة واحد ، الإسلام ضُغِط حتى أصبح خمس مواد فقط، صلينا ، وحججنا ، وزكيّنا ، وأحضرنا ، وطبلنا ، وزمرنا ، وانتهى .
      أليس هذا وضع الإسلام اليوم ؟ نأكل المال الحرام ، ونختلط ، ونشتهي غير زوجاتنا ، ونفعل مالا يرضي الله عز وجل ، لماذا تخلى الله عن المسلمين ؟ ولم يتخلَّ عنهم لسبب صغير ، بل لسبب كبير ، مشكلتنا مع بعضنا الخصومات ، لا يوجد بيت ، أو عائلة ، أو حي ليس فيه خصومة ، خصومات لا تنتهي من البعد عن الله عز وجل .
 
2 ـ من الظلم والكذب أن يقول المسلم : ليس عليّ في الكافر سبيل :
 
       وقفت عند هذه النقطة في الدرس لئلا يخطر في بال أحدنا ، وهو يعامل غير مسلم أنه ليس عليه فيه سبيل ، عليك فيه ألف سبيل وسبيل ، الآية الثانية من أوجه ما في التفاسير : أن بلى ، عليكم سبيل ، وبعدها وقف ، والكلام بعدها مستأنف ، بلى عليكم سبيل .
﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
(سورة المائدة : من الآية 8)
      وعلى المسلم ؟ من باب أولى أن تكون مستقيماً معه ، هذا الذي يخاف الله عز وجل هذا الذي ماله حلال أتأخذه حرام ؟
 
﴿بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ
(سورة آل عمران)
 
  بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ
 
1 ـ لابد من الوفاء بالعهد والتقوى :
 
كأنه عاهد الله على معرفته والاستقامة على أمره ، من أوفى بعهده مع الله على الإيمان به ، وتعظيمه ، وطاعته ، واتقى أن يعصيه ، ويأكل المال الحرام .
 
﴿وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ
وهناك تفسير آخر  .
 
﴿بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ
إما أن ترجعه على الآية السابقة ، بلى عليكم سبيل ، أو أن نربطها بما يلحقها .
 
﴿بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ
 
2 ـ الحديث في القرآن عن أخطاء أهل الكتاب قصدَ اجتنابها :
 
أيها الإخوة الكرام ، قد يسأل سائل : لماذا الحديث عن بني إسرائيل في القرآن ، ولا سيما في سورة البقرة وآل عمران ؟ لأنهم أهل كتاب ، والأمراض التي وقعوا فيها نحن مهيئون أن نقع فيها ثانية ، هم ماذا قالوا ؟
 
﴿وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً
(سورة البقرة : من الآية 80 )
 
3 ـ عدم الوفاء بالديون منع للخير وتعطيلٌ له :
 
      ماذا قال المسلمون ؟ النبي يشفع لنا ، العبرة أن نغطي انحرافنا بنص شرعي ، أكثر الأمراض التي وقع فيها أهل الكتاب وقع المسلمون فيها ، وزيادة ! لماذا القرض شبه معطّل ؟ لم يعد أحد يقرض أبداً ، السبب عدم الأداء ، تجده يتمسكن لدرجة أنك تراه ملكاً ، فإذا أخذ المبلغ لم يكن مستعداً لأن يتصل بك ليعتذر ، ولا أن يسلم عليك ، وهذا الحاضر ، وهذه المحاكم ! وحينما نقض الناس عهودهم ومواثيقهم ضعفت القيم في حياتهم ، فأصبحوا في حياة صعبة جداً .
يروى أن أحد العرب يركب خيله في الصحراء في أيام الحر الشديد ، والحر لا يحتمل ، رأى رجلا لا ينتعل نعلاً ، والرمل كأنه نار ، فأشفق عليه ، ودعاه لركوب الفرس ، ولم يكن يدري أن هذا من لصوص الخيل ، فما أن اعتل الفرس حتى دفع صاحبها إلى الأرض ، وقاد الفرس لا يلوي على شيء ، قال له صاحب الفرس : يا هذا ، لقد وهبت لك هذا الفرس ، ولن أسأل عنها بعد اليوم ، ولكن إياك أن تشيع هذا الخبر في الصحراء ! فتذهب منها المروءة ، وبذهاب المروءة يذهب أجمل ما فيها .
      يمكن أن تقف على الطريق ، وتؤشر لسيارة ، وتركب فيها ؟ مستحيل ، كم ممن ركب ومعه حشيش ، أو مخدرات ، وراح صاحبها ضحية عشرين سنة سجنا ، الناس يخافون ، عندما فقدت الأمانة انقطع هذا الخير ، هذا هو منع الماعون ، وكلما أسأت لمن أسدى لك معروفاً فقد ساهمت في منع الخير .
 كان في الشام سبعمائة ألف شقة مغلقة ، لماذا ؟ لأن الذي استأجر لا يخرج ، هذا الحاضر ، وهذه المحاكم ، انتهى الإيجار ، هذا قبل القانون الجديد ، الحمد لله القانون اليوم جيد جداً ، لكن قبل هذا القانون انتهى الإيجار ، لا يمكن أن تستأجر بيتًا في دمشق ، لكن اذهب إلى مدن العالم كلها ، في أي مكان يوجد إيجار بيوت ، لأن الناس حينما لن ينفذوا عهودهم ، وتمسكوا بالبيوت ، وكأنهم أصحابها ، ولم يدفعوا إلا أجراً يسيراً لا يساوي أحد الرسوم المالية للبيت ، وسكن البيت خمسًا وعشرين سنة ، وهذا الحاضر ، وهذه المحاكم ، والقانون معي أغلق باب الإيجار نهائياً ، و كلما أسأنا لبعضنا أغلق باب الخير ، تمر ألف سيارة فارغة لا يركبك أحد خوفًا ، لأن مصيرا من الناس ممن أساء .
 
4 ـ أكل أموال الناس بالباطل غلقٌ لباب المضاربة :
 
      الآن الطريق الشرعي الوحيد الرائع الذي تطمئن له أن تستثمر مالك عن طريق تاجر المضاربة ، النبي كان أول مضارب في الإسلام ، أخذ من السيدة خديجة أموالها ، وتاجر بها ، والربح بينهما ، هناك أناس كثيرون أخذوا أموال الناس بمئات المليارات ، وأكلوها ، من قوي مركزه ؟ البنك ، لأن هؤلاء الذين أخذوا أموال الناس ليستثمروها فأكلوها أساؤوا لهذا الدين ، الطريق الشرعي الوحيد الصالح الذي أراده الله عز وجل ، أنت بمالك ، وأنا بجهدي ، والربح بيننا ، إنسان لا يحسن استثمار المال ، وإنسان لا يملك المال ، وعنده طاقات عالية ، لكن لا يملك المال ، فالشرع جمع بينهما ، من دون فائدة وربا ، مضاربة ، هؤلاء الذين أكلوا أموال الناس بالباطل بمئات المليارات أغلقوا باب المضاربة ، وفتح باب البنك !
لو تتبعت ما في الإسلام من حل مشكلات المجتمع ، كله مغلق ، لماذا ؟ من سوء التصرف ، والائتمان ، والكذب ، فنحن الآن بحاجة إلى انتفاضة كالتي في فلسطين ، لكن من نوع آخر ؛ أن ننفض عقولنا ، أن نبحث عن قيم إسلامية صحيحة ، أن نتعامل بصدق ، وأمانة ، الله موجود هو الرزاق ، لن يصلح آخر هذا الأمر إلا بما صلح به أوله ، صلح أول هذا الأمر بالاستقامة ، والخلق العظيم ، ولن يصلح هذا الأمر بالعبادات وحدها ، لابد من استقامة وخلق عظيم .
      أيها الإخوة ، نتابع هذه الآيات إن شاء الله في درس آخر .
 
والحمد لله رب العالمين
 
 
 
 
 
أسئلة :
 
س1  : قيل : كيف يكون الله عادلاً ، وقد خلق طفلاً عربياً من أب وأم مسلمين ، وعنده فرصة للتعرف على الله ، والقرآن بشكل واسع ؟ وبين طفل أعجمي من أب و أم غير مسلمين متفلتين ، ولا يمكنه فهم القرآن الكريم ؟
ج 1 : قال العلماء : الكون قرآنا صامت ، آيات الله في الكون ، الله أعطى للإنسان عقلا ، وفطرة عقله يدله على الله ، وفطرته تدله على خطئه ، وفضلاً عن ذلك .
 
﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ
( سورة الأنفال : 23 )
       كم من ابن نشأ من أب تاجر ، ورفض التجارة ، عمل بالعلم ؟ وكم ابن نشأ في بيت علم رفض العلم ؟ لماذا أنت في الدنيا ترفض واقعك ، وترفض حرفة أبيك ، ومعطيات بيئتك ؟ وبالدين فقط تتبعهم ؟ لا ، لو أردت الآخرة ، وأعملت عقلك لعرفت الله ، وأنت في أي بلد .
        والله أيها الإخوة ، علماء الشام ، وعلماء مصر ، والحجاز أشرطتهم ، وأحاديثهم ، وصورتهم ، ومقالاتهم في كل أنحاء العالم ، الآن العالم أصبح غرفة واحدة ، ليس قرية ليس ، بل غرفة ، لذلك :
﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ
( سورة الأنفال : 23 )
      مرة التقيت مع شخص من هولندا ، أردت أن أذكره بالله قليلاً ، قال لي مباشرة : هذا الموضوع لا يعنيني ، ولا أهتم له ، ولا أعطي له بالاً ! أنا أهتم بامرأة جميلة ، وبيت واسع ، وسيارة فارهة ، ما تذوقت في حياتي الآية الكريمة إلا عندما سمعت كلامه !
 
﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ
( سورة الأنفال : 23 )
       دخل رجل المسجد في واشنطن ، فرأى شخصًا هيئته من الكبراء ، يكنس المسجد ، وينظف دورات المياه ، فإذا به أدميرال في القوى البحرية ! كان على حاملة طائرات ، والتقى في الخليج بإنسان مثقف مسلم ، فأسلم على يده ، لا تتصور إنسانًا فيه خير واحد بالمليار لا يسمعه الله عز وجل الحق ، اطمأن ، والآية واضحة .
 
﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ
( سورة الأنفال : 23 )
ومع ذلك أعطاك عقلا وفطرة ، والعقل يهديك إلى الله ، وفطرتك تكشف لك خطأك ، هذا السؤال كيف يكون الله عدلاً .
س 2 : هل يجوز للحائض قراءة الكتب الدينية ؟
ج 2 : يجوز ، لو أن طالبة في المدرسة عندها درس قرآن ، فلها أن تقرأ القرآن للتعلم ، وهي في دورتها الشهرية ، في موضوع القرآن كتعليم أو تعلم الفقهاء الأربعة أجازوا ذلك .
        فإذا كان مسموحًا أن تقرأ القرآن للتعلم فلأن نسمح لها أن تقرأ كتاب فقه من باب أولى ، ولها أن تقول : لا إله إلا الله سبحان الله ، وهي في الدورة الشهرية ، ولها أن تذكر الله .
 
والحمد لله رب العالمين
 
 

 



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب