سورة البقرة 002 - الدرس (47): تفسير الآيات (138 - 141) الفطرة والصبغة

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات"> سورة البقرة 002 - الدرس (47): تفسير الآيات (138 - 141) الفطرة والصبغة

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج مع الغروب 2024: مع الغروب - 18 - رمضان - 1445هـ           برنامج مع الحدث: مع الحدث - 41- اقتصاد الأسرة في ظل الأزمات- سامر خويرة -27 - 03 - 2024           برنامج من كنوز النابلسي 2: من كنوز النابلسي - رمضان - 160- كلية رمضان           برنامج رمضان عبادة ورباط: رمضان عبادة ورباط - 18 - رمضان في ظلال ايات الرباط - الشيخ عيد دحادحة           برنامج الكلمة الطيبة 2024: الكلمة الطيبة - رمضان الانتصارات - في ظلال بدر وفتح مكة           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 370 - سورة النساء 135 - 135         

الشيخ/

New Page 1

     سورة البقرة

New Page 1

تفسير القرآن الكريم ـ سورة البقرة - تفسيرالآيات:: (138 - 141) - الفطرة والصبغة

20/03/2011 18:26:00

سورة البقرة (002)
الدرس (47)
تفسير الآيات: (138 – 141)
الفطرة والصبغة
 
لفضيلة الدكتور
محمد راتب النابلسي
 

 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الأخوة المؤمنون ، مع الدرس السابع والأربعين من دروس سورة البقرة .
 
انسجام الفطرة مع معرفة الله والإيمان به وطاعته :
 
مع الآية الثامنة والثلاثين بعد المئة وهي قوله تعالى  :
     
﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138) ﴾ .
كلمة الصبغة بالحديث عن الفطرة ، فالفطرة طبيعة النفس البشرية وخصائصها ، والجِبِلَّة التي جُبِلَت عليها ، فالنفس لها خصائص ، وتقريبٌ لهذه الخصائص .
(( يا داود ذكر عبادي بإحساني ، فإن القلوب جبلت على حبِّ من أحسن إليها  وبغض من أساء إليها )) .
[ ورد في الأثر ] .
الإنسان يحب الأكمل ، ويحب الأجمل ، ويحب النوال ، فهناك خصائص للنفس البشرية ، والذي يعنينا من هذه الخصائص أن هذه النفس مجبولةٌ ومفطورةٌ ، وبالتعبير الحديث مبرمجةٌ وفق الشرع تماماً ، والذي خلق النفس الإنسانية هو الذي أنزل الكتاب وكلَّف النبي بشرحه وتبيين ما فيه ، وتطابق النفس البشرية مع منهج الله تطابقٌ تام .
إن من فطرة النفس البشـرية أنها تحب الكمال ، والرحمة ، والعدل ، والجمال ، والنوال ، فالإنسان حينما يصطلح مع الله ، ويطبق منهج الله ، يهتدي إلى فطرته ، وينسجم في سلوكه مع فطرته ، فالله عزَّ وجل أودع فيك حب العدل وأمرك أن تعدل ، فإن عدلت توافق سلوكك مع فطرتك ، وأودع فيك حب الرحمة وأمرك أن ترحم ، وحب الكمال وأمرك أن تكون كاملاً ، وحب الإحسان بأن تكون محسناً ، أي أنه أمرك وحبب إليك هذا في أصل فطرتك ، هذا هو الانسجام بين الفطرة وبين التكليف ، فالفطرة منسجمة مع معرفة الله والإيمان به وطاعته .
 
إقامة وجهك للدين حنيفاً هو جبلتك وفطرتك عينها :
 
إذا ابتعد الإنسان عن الله ابتعد عن فطرته ، فشعر بالغُرْبَة ، وباختلال التوازن ، وبالوَحْشَة ، وبالعُزلة ، وبالضيق ، وكأن الدنيا مقفولةٌ عليه ، وكأن الأبواب كلها موصدةٌ في وجهه ، ولذلك الشعور الذي ينتاب المؤمن حينما يتعرف إلى الله ويصطلح معه شعورٌ لا يعرفه إلا من ذاقه ، لأنك مفطور على أشياء والشرع أمرك بهذه الأشياء تماماً ، وتطابقت الفطرة مع الأمر الإلهي فارتاحت النفس ، وهذا أدق معنى ، قال تعالى :
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً ﴾
( سورة الروم الآية : 30) .
أي أقم وجهك بكل ما أوتيت من قوة ، وفهم ، وطاقات ، واجعل وجهك نحو الدين ، وتوجه إلى الله ، توجه إلى منهجه ، أطعه ، وتقرَّب إليه ،﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً﴾، أن تقيم وجهك للدين حنيفاً ، هو نفسه ما أنت مفطورٌ عليه :
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ﴾ .
( سورة الروم ) .
إقامة وجهك للدين حنيفاً هو جبلتك وفطرتك عينها ، هذه المركبة مثلاً مصممة لتمشي على طريقٍ مُعَبَّد ، أما المدرعة فهي مصممة لتمشي على طريقٍ وعر ، والمركبة المصممة لتمشي على طريقٍ معبَّد ، حينما تمشي بها على طريقٍ وعر تكسِّرها ، أما إذا سرت بها على طريقٍ معبدة تختفي الأصوات وترتاح النفس ، فأنت ماذا فعلت ؟ أنت استعملتها وفق أصل تصميمها .
الآن ، أنت مفطور على حب الكمال ، وحب العدل ، وحب الإحسان ، وحب الرحمة ، فإذا عدلت وأحسنت ورحمت ، فماذا فعلت ؟ اهتديت إلى فطرتك ، وصار هناك انسجام ، وحصل راحة ، لذلك من أسباب السعادة التي يشعر بها الإنسان أنه اهتدى إلى فطرته ، فانسجم معها ، ولذلك فالمؤمن يشعر بشيء لا يوصف ، ما هذا الشيء ؟ أنه مرتاحٌ من داخله ، وأنه متوازن ، وأن خط بيانه صاعد صعوداً مسـتمراً  .
 
 الفرق بين الفطرة والصبغة :
 
إلا أن الفطرة شيء ، والصبغة شيءٌ آخر ، فالفطرة أنت مفطورٌ على حب الكمال ، والجمال ، والنوال ، والإحسان ، والعدل ، والعطاء ، فأنت مفطور هكذا ، ولذلك فالإنسان مهما كان انتماؤه ، ومهما تكن هويته أو تقصيره فإنه يحب العدل ، بل إن اللصوص بعد أن يسرقوا يصرِّحون بأنه لا بد من اقتسام هذا المال المسروق بالعدل ، لأن هذه فطرة ، وأي إنسان حتى لو كان كافراً ، أو مُلحداً ، مفطور على حب العدل ، والإحسان ، والرحمة ، والعطاء ، والكمال ، والجمال ، والنوال ، ولكن الفرق الدقيق بين الفطرة والصبغة ، فالإنسان في أصل فطرته صفحةٌ بيضاء مبرمجةٌ على حب الإحسان والعدل والرحمة والإنصاف والكرم ، لكن أن تحب العدل شيء ، وأن تكون عادلاً شيءٌ آخر ، وأن تحب الرحمة شيء ، وأن تكون رحيماً شيءٌ آخر ، أن تحب الإحسان شيء ، وأن تكون محسناً شيءٌ آخر ، وأن تحب أن تعطي شيء ، وأن تعطي حقيقةً شيءٌ آخر ، فما الفرق بين الفطرة والصبغة ؟
أي إنسان كائناً من كان ، وبالمناسبة حينما تأتي كلمة إنسان معرفةً بأل فهو أصل الإنسان ، والإنسان قبل أن يعرف الله وقبل أن يتصل به وقبل أن يُصَنَّع هو مفطورٌ على حب الكمال ، أما إذا عرف الله عزَّ وجل ، واتصل به ، واشتق من كمالاته ، انتقل من الفطرة إلى الصبغة ، إذ كان يحب العدل فأصبح عادلاً ، كان يحب الحلم فأمسى حليماً ، وكان يحب الرحمة فغدا رحيماً ، وكان يحب العطاء فصار معطياً ، ولذلك أي إنسان قد خلق وفق فطرة الله ، وكل مولودٍ يولد عل الفطرة ، حتى ولو كان مجوسياً ، هذا من خلق الله عزَّ وجل .
لذلك اذهب إلى أي مكان في العالم ، إلى عُبَّاد الأوثان ، والنار ، والأصنام ، وأحسن إليهم يحبوك ، فهذه فطرة الإنسان ، ولا أدل على ذلك من الطفل الصغير ، والأطفال في العالم كله يتشابهون ، لأنهم فطرة الله التي فطر الناس عليها .
إلا أن هذه الفطرة أيها الأخوة قد تنطمس بالشك ، وبالشرك ، وبطاعة الكُبراء ، وباتباع الشهوات ، فيعلو على هذه الفطرة ما يسمَّى بالران ، لكن الفطرة تذبل ولا تموت ، وتكمن ولا تزول ، والشدائد أحياناً تزيل عنها هذه الطبقة الغريبة وتعود إلى أصل كمالها .
على كلٍ فموضوع الفطرة موضوع مهم جداً ، لأن أصل ديننا دين الفطرة :
﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) ﴾ .
( سورة الشمس ) .
 
أكبر ثمرة من ثمار الإيمان حينما تتوافق حركتك في الحياة مع أصل فطرتك :
 
النفس البشرية مجبولة ومصممة على أنها تعلم أنها فاجرة إذا فجرت ، وتعلم أنها متقيةٌ إذا اتَّقت :
﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) ﴾ .
( سورة الشمس ) .
ويقول الله عزَّ وجل  :
﴿ كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ(11) ﴾ .
( سورة عبس) .
ما معنى تذكرة ؟ أنت إذا ذهبت إلى بيروت ورأيت صخرة الروشة ، فلما اطلعت على صورتها تذكرت المشاهدة السابقة ، والقرآن كله تذكرة يذكرك بأصل فطرتك ، ولذلك أيها الأخوة يعيش المؤمن بحالة من السعادة لا توصف ، وأساسها هذا الانسجام مع فطرته ، فالإنسان يحب العفَّة ، فإذا كان عفيفاً فعلاً شعر بالراحة ، ويحب الإنصاف ، فإذا كان منصفاً يشعر براحة ، وكل السعادة التي تأتي للإنسان أساسها أنه تحرَّك وفق فطرته وانسجم معها واهتدى إليها .
مثل للتوضيح : إذا أعطي الإنسان وردة ذات رائحة فوَّاحة يطرب لها ، بينما تجد بعض الحيوانات تأكل النجاسات ، والإنسان يكره رائحةً ويحب رائحة ، هناك حيوان على عكس الإنسان يحب رائحة لا يحتملها الإنسان ، معنى ذلك هناك تصميم لمخلوقات تعيش في المجاري ، تطرب لما فيها من روائح كريهة ، إذاً هي مبرمجة برمجة أُخرى ، والإنسان مبرمج برمجة ثانية ، أنت حينما تشم وردةً ذات رائحةً فواحة ، وتطرب لها ، لا لأنها فوَّاحة بل لأن أصل فطرتك مبرمج على هذه الرائحة ، فصار هناك انسجام ، وحينما تشم رائحةً كريهة ، لماذا هي كريهة ؟ لأنك مبرمجٌ على عكسها . فمن أين تأتي الراحة ويأتي النفور ؟ من أصل الفطرة ، ولو أن الإنسان مبرمج على الظلم وظلم يرتاح ، ولو أنه مبرمج على أن يكون قاسياً ، فكلما قسا يرتاح ، ولكنه مبرمجٌ ومفطورٌ على العدل ، والإحسان ، والعفة ، والعطاء ، فأكبر سعادة يشعر بها المؤمن حينما يهتدي إلى أصل فطرته ، وحينما ينسجم مع فطرته ، وحينما تتوافق حركته في الحياة مع أصل تركيبه ، فهذه أكبر ثمرة من ثمار الإيمان، المؤمن متوازن ، مرتاح .
 
 أكبر جائزة لك في الدنيا قبل الآخرة أن تهتدي إلى فطرتك :
 
حينما خرج الكافر عن منهج الله خرج عن أصل فطرته ، فصار عنده عذاب داخلي لا يحتمل ، وعنده ما يسمى باختلال التوازن ،  وبالانهيار الداخلي ، لأنه يأخذ ما ليس له ، وعنده تأنيب داخلي . هو يعتدي على أعراض الناس ، ويكذب عليهم ويحتال ، ويتوهَّم أنه يجمع المال الكثير لكنه في الحقيقة من أشقى الأشقياء ، إذاً أن تهتدي إلى فطرتك هذه أكبر جائزة لك في الدنيا قبل الآخرة . ما هي جنة الدنيا ؟ إذاً : في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة . جنة الدنيا هي جنة السكينة ، والاصطلاح مع الفطرة ، والعودة إليها ، والتناغُم مع بنية النفس ، وهذه هي الفطرة .
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً (30) ﴾
( سورة الروم) .
إقامة وجهك للدين حنيفاً ينطبق على فطرتك انطباقاً تاماً :
 
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ﴾ .
( سورة الروم ) .
لذلك ما يعانيه المؤمن وما يشعر به من راحة ، هي بسبب أنه انسجم مع أصل خلقه ، فكل مولودٍ يولد على الفطرة :
﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) ﴾ .
( سورة الشمس ) .
وقال :
﴿ كَلا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ (12) ﴾ .
( سورة عبس) .
الآن بعد أن تتعرف إلى الله ، وبعد أن تصطلح معه ، وتستقيم على أمره ، وتتصل به ، يحدث ما يسمَّى باشتقاق الكمال من الله ، ومن خلال اتصالك به ، كنت تحب العدل فلما اتصلت به أصبحت عادلاً عدلاً داخلياً . ونحتاج إلى توضيحٍ آخر :
لو طبيباً صادف أثناء سيره في الطريق حادث سير ، ووجد إنساناً جريحاً يحتاج إلى إسعاف ، وكان يعرف بعض الناس ، فاضطر أن يقف موقفاً إنسانياً ، وهو مقطوع عن الله فرضاً ، وليس له اتصال بالله ، ويحب الرحمة ولكنه ليس رحيماً ، لكن هذا الموقف اضطره أن يقف موقفاً إنساناً ، فهذا فعله فعل الصبغة ، ونفسه ليست كذلك ، نفسه على الفطرة أما فعله ففعل الصبغة .
 
 الفطرة والصبغة والسلوك الذكي :
 
قد يكون عملك رحيماً ولست رحيماً ، وقد تضطر أن تحكم بالعدل ، لأن هذا القرار سوف يُراقب من مستويات عليا ، فمن أجل الحفاظ على منصبك تحكم بالعدل حباً بالبقاء في هذا المنصب ، فهذا الذي يحكم بالعدل ، يحكم بالعدل لا وفق الصبغة ، ولكن وفق المَصلحة ، فأن تحب العدل شيء ، وأن تكون عادلاً شيء في أصل بنيتك ، وأن يكون عملك عدلاً شيءٌ ثالث ، تحب العدل ، وتصطبغ بالعدل ، وعملك عدل ، وكل شيء له باب ، أن تحب العدل فطرة ، وأن تتمثل العدل في نفسك صبغة ، وأن تقف موقفاً عادلاً لمصلحةٍ معينة هذه مصلحة ، فإن وجدت في العالم الغربي علاقةً طيبة ، صدقاً في المعاملة ، وإتقاناً في الصنعة ، هذه مصلحة ، والفطرة في أصل الخلق ، أما الصبغة للمتصل بالله حصراً ، وأما السلوك الذكي هذا يفعله كل ذكيٍ في العالم .
قد تجد في بلاد الغرب معاملة طيِّبة ، وقد تجد صدقاً وأمانة ، لأن هناك ضبطاً شديداً بلغ درجة تفوق حد الخيال ، فأي غلطٍ مهما كان صغيراً مضبوط . تدخل إلى سوق فيه بضائع بألوف الملايين وهناك خمسة أشخاصعلى مدخل هذا السوق ، كل شيء تحمله من البضائع عليه لصاقة مبرمجة ، إن لم تدفع ثمنه أصدر صوتاً مزعجاً ، فاتهمت من خلال الصوت بالسرقة ، فملايين في هذا السوق يدفعون ما عليهم لا لأنهم ينطوون على كمال ، بل لأنهم يعلمون أنهم لو لم يدفعوا لفضحوا ، هذا السلوك مدني ذكي وليس له علاقة بالفطرة ولا بالصبغة إطلاقاً ، صار هناك ضبط إلكتروني عالياً جداً في بلاد الغرب ، إنه ضبط شديد ، هذا الضبط ألغى الفطرة والصبغة ، فلم تعرف من الأمين . ولا يمكن أن تحمل سلعة وتخرج بها إلا ويصدر صوت من القوس يتهمك بالسرقة ، إذاً الكل يدفعون ، من هو الأمين منهم ؟ لا نعلم ، صار هنا ضبط إلكتروني ، وهذا صار سلوكاً ذكياً ، أما حينما انقطعت الكهرباء في مدينة نيويورك فتمت مئتا ألف سرقة في ليلة واحدة ، وحينما اضطرب حبل الأمن في لوس أنجلوس تكاليف التخريب ثلاثون مليار دولار ؛ سرقة محلات ، وحرق محلات ، وتكسير واجهات ، فالفطرة شيء ، والصبغة شيءٌ آخر ، والسلوك الذكي الذي يعيشه الغرب شيءٌ ثالث إذ علاقة له لا بالفطرة ولا بالصبغة ، فهذا موضوع ثالث ، أما نحن المؤمنين فنتعامل مع شيئين مع فطرةٍ فطرنا عليها ومع صبغةٍ تمت من خلال اتصالنا بالله عزَّ وجل .
 
المؤمن خريج مدرسة الحق :
 
الآية الكريمة :
     
﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138) ﴾ .
لو أنك تجولت في أطراف الدنيا فهل تجد كالمؤمن تواضعاً ، ورحمةً ، وإنصافاً ، وورعاً ، وإحساناً ، وصدقاً ، ووفاءً ، صبغة الله ، أحياناً قد تعجب ، مثلاً إذا وجدت شاباً أخلاقه عالية جداً وكان هناك مدرسة من أعلى مستوى يعيش الطالب فيها ليلاً ونهاراً ، ويتلقَّى أعلى درجة من العلوم والآداب والتوجيهات ، والتوجيه الديني ، والنصح ، والنظافة ، والعادات والتقاليد ، فإذا رأيت هذا الطالب وأعجبك أدبه ، وذكاؤه ، وعلمه ، وتحصيله ، وأخلاقه ، وهِندامه الحسن ، تقول : هذا خريج هذه المدرسة . والمؤمن خريج مدرسة الحق ، فمن المستحيل أن ترى مؤمناً يكذب ، أو أن ترى مؤمناً يحتال ، أو يقسو ، أو يظلم ، أو يأخذ ما ليس له ، الورع مع الأدب ، ومع الإحسان ، والتواضع ، والعفو ، وكل هذه الكماليات هي من أثر اتصال هذا المؤمن بالله عزَّ وجل هذه هي الصبغة ، فالصبغة شيء موجود ، والفطرة صفحة بيضاء لكنها مبرمجة على حب الكمال ، فأن تحب الكمال فهذا فطرة وأن تكون كاملاً صبغة ، وأن تسلك سلوكاً كاملاً من أجل مصلحتك ذكاء لا فطرة ولا صبغة ، وأن تسلك سلوكاً كاملاً لمصلحةٍ ماديةٍ ذكاء .
 
ليس في الأرض كلها جهةٌ يمكن أن تمنح الإنسان كمالاً كما يمنحه الله عزَّ وجل :
 
الإسلام منهج موضوعي ، بمعنى لو طبَّقه إنسانملحد لقطف ثماره ، فإن رأيت في بلاد الغرب تفوُّقاً فلأن كل إيجابيات هذه البلاد إسلامية ، لا عن طاعةٍ لله ولا عن حبٍ له ولا عن تعبدٍ له ، ولكن من أجل المصلحة ، فإذا كانت مصلحتهم في الصدق يصدقون ، وإن كانت مصلحتهم في الكذب فهم أكبر كذاَّبين في الأرض ، وإن كانت مصلحتهم في الرفق في الإنسان يرفقون ، وإن كانت مصلحتهم في قتل شعبٍ بأكمله يقتلون ، إنه سلوك مصلحي فقط، فهذا شيء صارخ في الغرب ، مصلحة فقط ، القيَم كلها تحت أقدامه ، فمن أجل أن يطعموا كلابهم اللحم يقتلون الشعوب بأكملها ، فإذا تحدثوا عن حقوق الإنسان يجب أن نضحك فقط لأنهم ينتهكون كل حقوق الإنسان .
مرة ثانية : أن تحب الكمال فطرة ، وأن تكون كاملاً صبغة ، أما أن تسلك سلوكاً كاملاً لمصلحة تريدها فهذا نوع ثالث ، هذا ما تراه في عالم الغرب ، فهم في بعض المواقف إنسانيين ، وفي بعض المواقف وحوش كاسرة يبحثون عن حقوق الإنسان وهم أكبر من ينتهك هذه الحقوق ، ويتحدَّثون عن الحُرِّية وهم الذين يصادرونها في العالم كله ، فدرسنا اليوم :
     
﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138) ﴾ .
هذا استفهام إنكاري ، ليس في الأرض كلها جهةٌ يمكن أن تمنح الإنسان كمالاً كما يمنحه الله عزَّ وجل  :
﴿ وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138) ﴾ .
 مواقف تظهر رحمة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام :
 
وجد بعض الأنصار على سيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام في أنفسهم ، فجاء زعيمهم سعد بن عبادة وقال : يا رسول الله إن قومي وجدوا عليك في أنفسهم ، لأنك لم تعطهم من الغنائم في حنين . قال : يا سعد أين أنت منهم ؟ قال : ما أنا إلا من قومي ، قال : اجمع لي قومك فجمعهم ، فقال : يا معشر الأنصار جدةٌ وجدتموها علي في أنفسكم ، من أجل لعاعةٍ تألفت بها قوماً ليسلموا ، ووكلتكم إلى إسلامكم ، يا معشر الأنصار أما إنكم ـ سيدنا رسول الله في أعلى درجات قوته ، دانت له الجزيرة العربية من أقصاها إلى أقصاها ، وكلمته نافذة ، وتحت إمرته عشرة آلاف سيف ، فئةٌ من أصحابه وجدوا عليه في أنفسهم ، وكان بإمكانه كما يفعل البعض أن يلغي وجودهم ، أو أن يهدر كرامتهم ، أو يهملهم ، أو يعاتبهم بصالحهم ، ماذا فعل ؟ جمعهم وقال ـ أما إنكم لو شئتم لقلتم فلصدقتم ولصدقتم ، أتيتنا مكذباً فصدقناك ، وطريداً فآويناك ، ومخذولاً فنصرناك ، يا معشر الأنصار ، ألم تكونوا ضلالاً فهداكم الله بي ـ لم يقل فهديتكم قال فهداكم الله بي ـ وعالةً فأغناكم الله ، وأعداء فألف بين قلوبكم ، يا معشر الأنصار أوجدتم علي في لعاعةٍ من الدنيا تألفت بها قوماً ليسلموا ووكلتكم إلى إسلامكم ، أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعوا أنتم برسول الله إلى رحالكم ؟ " . فبكى الأنصار حتى أخضلوا لحاهم . وقال : اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار ، ولو سلك الأنصار شعباً وسلك الناس شعباً لسلكت شعب الأنصار .
هذا الموقف فيه رحمة ، وفيه عفو ، ومسـامحة ، وذكاء ، وسياسة ، وامتصاص نقمة . وكنت أقول دائماً : كان الله في عون كُتَّاب السيرة ، هذه القصة أين مكانها ؟ مع رحمته ، أم مع عدله ، أم مع وفائه ، أم مع تسامحه ، أم مع حسن سياسته ؟! هذه صبغة الله .
أرسل سيدنا حاطب بن بلتعة كتاباً إلى قريش ، قال : " إن محمداً سيغزوكم فخذوا حذركم " . هذا الكتاب يُسمى في أنظمة العالم كله خيانةً عظمى ، جزاؤه الإعدام ، فجاء الوحي النبي عليه الصلاة والسلام أن فلاناً قد أرسل كتاباً إلى قريش . فأرسل صحابيين أو ثلاثة ليأتوا بالكتاب من إمرة+ في الطريق إلى مكة ، فتح النبي الكتاب " من حاطب بن بلتعة إلى أهل قريش إن محمداً سيغزوكم فخذوا حذركم " . جئ بحاطب رآه عمر قال : " يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق " . قال : لا يا عمر إنه شهد بدراً ، تعالَ يا حاطب ، ما حملك على ما فعلت ؟ قال : والله يا رسول ما كفرت ولا ارتددت ، ولكنني لصيقٌ في قريش ، وأنا موقنٌ من نصرك ، وأردت بهذا الكتاب أن أحمي أهلي ومالي عندهم ، فاغفر لي ذلك يا رسول الله " ، فقال عليه الصلاة والسلام : إني صدقته فصدقوه ، ولا تقولوا فيه إلا خيراً .
هذا صبغة ، هذا موقف كامل ، قال المُعَلِّقون على هذه القصة : عمر رآها خيانةً عظمى ، فأراد أن يقتله ، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام رآها لحظة ضعفٍ طارئة ألمَّت بهذا الإنسان فأنهضه وأخذ بيده . فأنت حينما تعيش مع إنسان موصول بالله ، تجد من العطف والرحمة والعدل والود والتواضع والإحسان وإنكار الذات الشيء الذي لا يصدق ، ولذلك  :
     
﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً (138) ﴾ .
 مواقف وأعمال لمؤمنين تفوق حدّ الخيال :
 
الحياة مع المؤمنين جنة الدنيا ، وإذا عشت مع مؤمن فكأنك في الجنة :
(( لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِناً ، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ)) .
[أخرجه أبو داود والترمذي عن أبي سعيد الخدري ] .
أخوان كُثُر يجلسون مع بعضهم بعضاً ويقولون وهم صادقون : كأننا في جنة . فهناك ود ، وحب ، وتواضع ، ومؤاثرة ، وعطاء ، وبذل ، أما إذا جلست مع أهل الدنيافتجدهم كالذئاب ، ينام أحدهم بعين ويفتح العين الثانية خوفاً من غدر صاحبه ، والحياة معهم متعبة ، ومقلقة ، وكل واحد لغم قد ينفجر ، فهناك مشكلة في كل تعامل ، تحتاج إلى يقظة غير طبيعية ، وتخاف من كل شيء ، تخاف من الكذب في السِعر ، وفي النوع ، ومن الاحتيال ، ومن تصريح كاذب ، ومن توقيع كاذب ، كله في غدر ، وهؤلاء هم أهل الدنيا ؛ فعش مع المؤمنين ، قال لي أخ : والله أرجعت لأسرةٍ عشرين مليون ليرة ، لا تعلم عنها شيئاً يبدو أن الأب أعطاه إياها ليعمل بها في التجارة ، ومات بحادث فجأةً ، ولم يخبر بها أحداً ، فما الذي دفع هذا الإنسان ليعطي هذا المبلغ للورثة لأصحاب هذا المبلغ دون أن يكون مداناً ؟
هناك مواقف عدة مشرفة ، سمعت بواشنطن عن سائق سـيارة مسلم ، ركبت معه سيدة ونسيت محفظتها وفيها مبلغ كبير جداً وحلي ، فسلم هذه المحفظة للشرطة ، وسمعت من أخ كريم هناك أن حاكم واشنطن أقام احتفالاً لتكريم هذا السائق ، فجمع طلاب المدارس وسألهم : ماذا تفعلون إذا وجدتم محفظةً فيها هذا المبلغ وهذه الحلي ؟ فقالوا بصوت واحد : نأخذها . قال : ولكن هذا المسلم لم يأخذها أرجعها إلى أصحابها  .
وأخ من أخواننا له معمل ، وعنده مهندس يشكو ضيق ذات اليد ، وجد ثمانمئة ألف ليرة ملقاة في كيس أسود خطأً في حي القدم ، فأرجعها لأصحابها . هذه الصبغة ، ورع وعفة ، والله تجد من المؤمنين صفات تفوق حد الخيال ، وهم موجودون في كل زمان  .
حكى لنا أخ عن رجل ثري أراد أن ينشئ مسجداً ، فكلف أحد أخواننا أن يبحث له عن أرض مناسبة ، وجد أرضاً بحي من أحياء دمشق مناسبة جداً ، قال له : هذه مساحتها مناسبة . والسعر مناسب واتفقوا على ثلاثة ملايين ونصف ، فجاء صاحب المشروع المحسن الكبير حتى يرى الأرض ويعطي بعض ثمنها لصاحبها ، فحرر شيكاً بمليونين وأعطاه لصاحبها ، فقال له : صاحبها أين الباقي ؟ قال : عند التنازل . قال له : التنازل لماذا ؟ قال : لأن هذه الأرض سوف تكون مسجداً ، فالتنازل في الأوقاف . فقال له : مسجد !! أمسك الشيك ومزقه ، وقال : أنا أولى منك أن أقدمها لله عزَّ وجل . وهذا الذي ملَّك الأرض من شهر ، يعمل مستخدماً في مدرسة ابتدائية ، ودخله أربعة آلاف في الشهر وعنده ثمانية أولاد ، ولا يملك من الدنيا إلا هذه الأرض ، ورثها مؤخراً فقدمها لله مسجداً . فمن يفعل مثل ذلك ؟ هذه الصبغة .
ترى أعمالاً من المؤمنين تفوق حدّ الخيال ، بذل ، وتضحية ، وتواضع ، وإكرام، وإنكار للذات ، والإنسان يسعد بكماله أضعاف ما يسعد بلذَّاته . أمسك سيدنا عمر تفاحة قالأكلتها ذهبت ، أطعمتها بقيت ". إن أكلتها استمتعت بطعمها لثوانٍ معدودات ، أما إن أطعمتها سعدت بهذا العمل على طول الزمن ، الآن المحسنون ، من حوله يصفونه بالتعب ، وهو في قمة السعادة ، وعمله الطيب يسعده ، فالإنسان عندما يتعرف على الله عزَّ وجل يصطبغ بالكمال ، إن اصطبغ بالكمال صار في خدمة الخلق وصار مع الحق ، واشتق من الله كمالاً ، فهو الذي يرقى به إلى الله .
 
 أنواع الاختلاف :
 
قال تعالى :
     
﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138) قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139)﴾ .
أي أن ربنا عزَّ وجل رب الجميع ، والشيء المؤلم هذه الخصومات بين أهل الأرض ؛ فإلهنا واحد ، وربنا واحد ، والأنبياء الذين أرسلهم الله عزَّ وجل على أعلى درجة من الكمال ، وأتباعهم يتقاتلون ، وأكثر الحروب الأهلية بين الأديان ، وأصحاب هذه الرسالات في أعلى درجة من الكمال والحب ، وأتباعهم يتقاتلون فلماذا ؟ هذا موضوع ثان .
1ـ اختلاف طبيعي أساسه نقص المعلومات :
نحن عندنا اختلاف أساسه نقص المعلومات وهذا اختلافٌ طبيعي  :
﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً (213)﴾ .
( سورة البقرة) .
اختلفوا، خلاف نقص المعلومات علاجه بسيط ، أن تأتي المعلومات الصحيحة ، فلو فرضنا أن اليوم هو التاسع والعشرون+من رمضان ، وسمعنا صوت مدفع العصر نقول : أثبتوا أن غداً العيد أم هناك انفجار في الجبل لأنهم يحفرون طريقاً ؟ صار هناك خلاف ناجم عن نقص معلومات ، فتحنا المِذياع فإذا بالقاضي الشرعي يثبت أن غداً العيد ، صوت مدفع ثان ، فمعنى ذلك أن الخلاف كان موجوداً بسبب نقص المعلومات ، فلما جاءت المعلومات الدقيقة والصحيحة زال هذا الاختلاف .
﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ (213)﴾ .
( سورة البقرة) .
معنى ذلك هناك خلاف طبيعي لا يمدح ولا يذم ، علاجه المعلومات الدقيقة ، ولكن أحياناً تكون المعلومات واضحةً جداً ؛ إلهٌ واحد ، وكتابٌ واحد ، ورسولٌ واحد ، ومنهجٌ واحد والمسلمون فرقٌ وجماعات ، وطوائف ، ومذاهب ، واتجاهات ، وكلهم يطعن بالآخر وهذا اختلاف من نوع قذر .
2ـ خلافٌ قذر أساسه الحسد والبغي والعدوان :
قال تعالى :
﴿ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ ﴾ .
( سورة آل عمران الآية : 19 ) .
هذا اختلاف بغي ، وحسد ، ومنافسة ، ولذلك هناك دعوةٌ إلى الله خالصة ، ودعوةً إلى الذات ساقطة ، والدعوة إلى الذات من خصائصها الابتداع ، ومن خصائصها التنافُس ، وجحود ما عند الآخرين ، والنزعة العدوانية ، وأية فرقةٍ ضالةٍ إلى يوم القيامة تؤله الأشخاص ، وتخفف التكاليف ، وتعتمد نصوصاً موضوعة ، وذات نزعة عدوانية ، وأية فرقةٍ ضالةٍ تنطبق عليها هذه الخصائص .
فالخلاف فيما بين المسلمين أنواع ثلاثة ، الخلاف الأول خلاف طبيعي ، حيادي لا يمدح ولا يذم ، والخلاف الثاني خلافٌ قذر أساسه الحسد والبغي والعدوان والتنافس والمصالح .
3ـ خلافٌ محمود أساسه التنافس :
هناك خلاف ثالث محمود ، خلاف التنافس :
﴿ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ (213)﴾ .
( سورة البقرة ) .
إنسان تصوَّر أن أعظم عمل في حقل الدين أن يكون مفسراً ، وإنسان آخر أعظم عمل عنده أن يكون محدِّثاً ، وثالث أن يكون مفكراً في عقيدة الدين ، ورابع أن يكون محسناً ، وخامس أن يكون داعيةً ، وسادس أن يكون مؤلفاً ، فيختلف العلماء فيما بينهم اختلاف تنافس، قال الله عزَّ وجل :
﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ(26) ﴾
(سورة المطففين)
وقال :
﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴾
( سورة يونس ) .
معنى ذلك هناك اختلاف تنافس وهذا ممدوح ، اختلاف تناحر وهذا اختلاف قذر، واختلاف نقص معلومات وهذا اختلاف طبيعي .
 
تقويم الأشخاص من شأن الله تعالى :
 
قال تعالى :
﴿ قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ﴾ .
لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ، أي أن كل إنسان احتَّل عند الله مكانة ، بمعرفته ، واستقامته ، وعمله الصالح ، ونيته . فهذه المكانة لا يرفعها مديح أحد ولا يخفضها ذم أحد ، وتقويم الأشخاص من شأن الله تعالى ، ولذلك لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ، وكفاك على عدوك نصراً أنه في معصية الله ، وأكبر نصر تحرزه على عدوك أن تكون أنت في طاعة الله وهو في معصية الله ، ولذلك لا تعاقب من عصى الله فيك بأكثر من أن تطيع الله فيه .
قال أحدهم لعالم : إنني أشفق عليك مما يقوله عنك الناس ظلماً وافتراءً . فقال : هل سمعت مني عليهم شيئاً ؟ قال : لا . قال : عليهم فأشفق ، أنا أطعت الله فيهم فلم أتكلم ولا كلمة ، وهم عصوا الله فيَّ فنهشوا لحمي واغتابوني .
سأل أحدهم عالماً : هل اغتبتني ؟ قال : ومن أنت حتى أغتابك ، من أنت ؟ لو كنت مغتاباً أحداً لاغتبت أبي وأمي ، لأنهم أولى بحسناتي منك . فيجب أن توقن أنك إن اغتبت أخذ الذي اغتبته من حسناتك يوم القيامة :
    
﴿ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ (139)﴾ .
الحمد لله على وجود الله ـ كلمة دقيقة جداً ـ الله موجود ، ويعلم كل شيء ، ومطلع على كل شيء ، ويعلم السر وأخفى ، يعلم ماتُسر ويعلم ما يخفى عنك ، ويعلم حجم كل عمل ، العمل ؛ حجمه ، تضحيته ، نياته ، أهدافه ، مؤدَّاه .
﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (2) ﴾
(سورة التغابن)
لذلك من عرف نفسه ما ضرَّته مقالة الناس به :
     
﴿ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139) أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى (140) ﴾ .
 
الانتماء الشكلي :
 
الانتماء الشكلي مشكلة ، إذا كانت هوية الإنسان أنه مسلم ، وأن أباه مسلم ، وأمه مسلمة ، ولم يكن مطيعاً لله عزَّ وجل ، فما قيمة هذا الانتماء الشكلي ؟ إذا كان انتماؤك إلى المؤمنين المسلمين انتماء شكلياً ، وانتماء الشخص الآخر إلى دين ثان انتماء شكلي ، وانتماء فلان إلى دينٍ ثالث انتماء شكلي ، وإنسان لم ينتم إلى أي دين .
 
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا (62) ﴾
(سورة البقرة )
انتماء للإسلام شكلي :
﴿ وَالَّذِينَ هَادُوا (62) ﴾
(سورة البقرة )
انتماء لليهودية شكلي :
﴿ وَالنَّصَارَى (62) ﴾
(سورة البقرة )
انتماء للنصرانية شكلي :
﴿ وَالصَّابِئِينَ (62) ﴾
(سورة البقرة )
من لم ينتم إلى أحد ، هم عند الله سواء  .
﴿ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ (62) ﴾
(سورة البقرة )
من آمن بالله من هؤلاء إيماناً حقيقياً ، وإيماناً دقيقاً عميقاً أساسه البحث والتأميل والتصديق والعمل والإقبال :
﴿ وَعَمِلَ صَالِحاً (62) ﴾
(سورة البقرة )
هذا هو الناجي :
﴿ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(62) ﴾
(سورة البقرة )
مثلاً أربعة محلات تجارية لا يوجد فيها بضائع إطلاقاً ، ولكن عليها لافتات مختلفة في كلماتها وإضاءاتها ، اختلاف اللافتات لا يقدم ولا يؤخر ، العبرة بالبضاعة ، ولا توجد بضاعة ، ولذلك الشيء المؤلم في معظم بلاد العالم حروب أهلية على أساس ديني ، وهذا الذي يطهر عرقياً ، سلوكه ، وعقليته ، ومخالفاته كالذي يُطَهِّرُهُ ، انتماء شكلي ، والعبرة أن يكون الإنسان مسلماً حقيقةً .
 
 أكبر المعاصي أن تقول على الله بخلاف ما تعلم :
 
قال تعالى :
﴿ أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ (140) ﴾ .
هم على مِلة سيدنا إبراهيم :
﴿ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
( سورة الأنعام )
وقال :
﴿ قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ (140) ﴾ .
ربنا عزَّ وجل في تسلسل تصاعدي للمعاصي بدأ بالفحشاء والمنكر ، وثنى بالإثم والعدوان ، ثم جاء الشرك ، ثم جاء الكفر ، في تسلسل تصاعدي ، وجعل الله على رأس هذه المعاصي الكبيرة :
﴿ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ .
( سورة البقرة ) .
لذلك الإمام الغزالي رحمه الله تعالى قال : " لأن يرتكب العوام الكبائر أهون من أن يقولوا على الله ما لا يعلمون " . فهذا الذي يقول على الله ما لا يعلم ، ما قولك إذا وازنته بمن يقول على الله بخلاف ما يعلم ؟ أن تقول على الله ما لا تعلم فوق الفحشاء والمنكر ، وفوق الإثم والعدوان ، وفوق الشرك والكفر ، أما أن تقول على الله بخلاف ما تعلم فهذه جريمة .
 
 الآثم و المجرم :
 
قال تعالى :
     
﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ (140) ﴾ .
كتم شهادة ، اليهود يعرفون النبي عليه أتم الصلاة والتسليم كما يعرفون أبناءهم ، هل في الأرض معرفةٌ سريعةٌ ، فطريةٌ ، يقينيةٌ ، بديهيةٌ ، لا تخطئ كمعرفة الأبلابنه ؟! وهل في الأرض أب يقول لابنه : ما اسمك يا بني ؟ وأين هويتك ؟ ومن أمك ؟ مستحيل  .
﴿  الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ  ﴾ .
(سورة البقرة الآية : 146)
ومع ذلك كتموا هذه الشهادة ، لذلك  :
﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ (140) ﴾ .
لذلك الذي يفتي وهو لا يعلم آثمٌ عند الله ، أما الذي يفتي بخلاف ما يعلم مجرمٌ عند الله ، تعرف حقيقة وتتكلم عكسها ؟! تعرف أن إنساناً على حق وتطعن فيه حتى تفك عنه إنساناً ولتغيظ إنساناً !! إنسان مستفيد من جهة ، تقول له هذه السورة وتعلم أنت أنه على حق ومرشده على حق ، فتنزل له هذه السورة كي تشفي غليلك !! هذه جريمة .
﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140) ﴾ .
 
الله عزَّ وجل مطلع لا تخفى عليه خافية :
 
الله عزَّ وجل مطلع ، لا تخفى عليه خافية :
﴿يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِي(19) إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِي(20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ(21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ(22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ(23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ(24) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِي(25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِي(26) يَا لَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ(27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِي(28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِي(29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ(30 ) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ(31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ(32) ﴾ .
(سورة الحاقة)
وقال :
﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140) ﴾ .
 
 أشقى الناس هم الذي يقفون في خندقٍ مناهضٍ للدين :
 
أخي الكريم ، أنت حينما تتصدَّى للدين ، أو تحارب المؤمنين ، أو تطعن بهم وأنت موقنٌ أنك لست على حق وهم على حق ، هل تعلم من هو الطرف الآخر ؟ قال تعالى :
﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ(4) ﴾ .
( سورة التحريم الآية : 4 )
ما معنى هذه الآية ؟ هل من المعقول : ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ(4) ﴾ . كلهم ضد هاتين المرأتين ، علماء التفسير قالوا : ليس هذا هو المعنى ، المعنى أنك حينما تريد أن تطعن بالدين ، أو أن تحارب أهل الحق ، اعلم من هو خصمك ؟ اعلم من هو الطرف الآخر ؟ أشقى الناس هم الذي يقفون في خندقٍ مناهضٍ للدين ، هذا أشقى إنسان ، والمعركة خاسرة :
﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ (32) ﴾
( سورة التوبة)
هل تستطيع أن تنفخ في الشمس فتطفئها ؟ لسان لهبها يزيد طوله عن مليون كيلو متر ، وبعد أيام سوف يشاهد من يسكنون في الشمال الشرقي من بلدنا الكسوف الكامل ، تغيب الشمس كلياً لدقيقتين فقط ، ويمكن أن يرى الإنسان خمسة كواكب ؛ زهرة ، وعطارد ، والمريخ ، والمشتري ، وزحل أثناء الكسوف ، ويمكن أن يرى الناس الانفجارات على سطح الشمس ، وألسنة اللهب التي تمتد إلى مليون كيلو متر في الكسوف ، ومع ذلك الشمس آيةُ من آيات الله عزَّ وجل . وبالمناسبة يحذر الأطباء من التحديق في قرص الشمس في أثناء الكسوف ، إلا بنظارةٍ خاصة مصنعةٍ لهذا الهدف ، أعتقد أنها غير موجودة ، فالأولى أن نعرض عن التأمل في قرص الشمس ، وهنا في دمشق في الأعم الأغلب الكسوف جُزئي ، أما في الشمال أي في الجزيرة على ما أعتقد أنه يمكن أن يرى الناس الكسوف الكلي ، أي تغيب الشمس وتظلم الأرض هناك ، ويمكن أن نرى النجوم ظهراً حقيقةً لا مجازاً في هذا الوقت .
﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140) ﴾ .
أنت حينما تعلم أن الله يعلم تستقيم أمورك  .
﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (141) ﴾ .
وكل إناءٍ بالذي فيه ينضحُ  .
 
والحمد لله رب العالمين
 



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب